الفظائع الإسرائيلية: الجديد الوحيد هو الكَمّ وليس النوع
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
يعتبر كثيرون العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن عدوانا استثنائيا وغير مسبوق، ويعتقد هؤلاء أن القصف الإسرائيلي الذي يستهدف المطارات المدنية والمستشفيات والمدارس والملاجئ ناتج عن قيادة إسرائيلية يمينية متطرفة يقودها بنيامين نتنياهو؛ لم ترتكبها الحكومات الإسرائيلية التي سبقته.
ولكن لا شيء من هذا صحيح، ففي حين أن حجم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والتي قتلت، وفقا لتقديرات حديثة، حوالي 200 ألف شخص، غير مسبوق بالفعل، فإن جميع جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل هي فظائع روتينية ارتكبتها قيادة حزب العمل عبر عقود، ووقع ضحيتها آلاف من الشعب العربي منذ تأسيس المستعمرة-الاستيطانية اليهودية العنصرية.
في حين أن حجم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والتي قتلت، وفقا لتقديرات حديثة، حوالي 200 ألف شخص، غير مسبوق بالفعل، فإن جميع جرائم الحرب الإسرائيلية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل هي فظائع روتينية ارتكبتها قيادة حزب العمل عبر عقود، ووقع ضحيتها آلاف من الشعب العربي منذ تأسيس المستعمرة-الاستيطانية اليهودية العنصرية
لنذكر هنا بعض الأمثلة على مثل هذه السوابق المروعة. ففي أعقاب احتلال إسرائيل لأراضي ثلاث دول عربية عام 1967، شرع المحتلون الإسرائيليون في قمع المتظاهرين في غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان وسيناء يوميا، فأطلقوا النار على الناس وقتلوهم وضربوهم واعتقلوهم ودمروا آلافا من منازلهم. وهدم الإسرائيليون حي المغاربة القديم في القدس بالكامل، ثم سووا قرى بأكملها بالأرض، بما في ذلك قرية شيوخ في منطقة الخليل، وقريتي النصيرات والجفتلك شمال أريحا، وغيرها في حوض غور الأردن، كما دمروا قرى بانياس وجباتا وكفر حارب والنخيلة وغيرها في هضبة الجولان، وكل هذا قد جرى في النصف الأخير من عام 1967 وحده.
وفي الضفة الغربية المحتلة، واصل الإسرائيليون استخدام المبيدات الكيميائية لقتل الأشجار والنباتات في عام 1972 في قرية عقربا بالقرب من نابلس، حيث صادروا 100 ألف دونم من الأرض، ولم يبق للفلاحين الفلسطينيين أكثر من 6000 دونم. وبما أن الفلسطينيين رفضوا بيع الأراضي المتبقية، قامت طائرة إسرائيلية من طراز بايبر برش حقولهم بالمبيدات الحشرية، مما أدى إلى تدمير 200 هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح "لتلقين هؤلاء القرويين درسا".
وفي عام 1972، قامت إسرائيل بطرد 10 آلاف مصري في سيناء المحتلة بعد مصادرة أراضيهم في عام 1969. وواصل الإسرائيليون هدم منازلهم ومحاصيلهم ومساجدهم ومدارسهم بالجرافات، من أجل إنشاء ستة كيبوتسات وتسع مستوطنات يهودية ريفية ومستعمرة ياميت.
وفي ذات الفترة، كان الإسرائيليون مشغولين بقصف جميع الدول العربية المجاورة وارتكاب المجازر فيها. فقد قامت إسرائيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 بقصف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في قرية الكرامة الأردنية، بما في ذلك مدرسة للبنات، وقتلت 14 شخصا، بما في ذلك 3 طالبات ومعلمة. وفي شباط/ فبراير 1968، قصفت المخيم مرة أخرى، وكانت قد استهدفت هذه المرة مدرسة الأولاد، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا آخرين. ومن ثم قصفت الطائرات الإسرائيلية أكثر من 15 قرية أردنية ومخيما للاجئين على طول نهر الأردن بقنابل النابالم، مما أسفر عن مقتل 56 شخصا، بما في ذلك 46 مدنيا، وفر أكثر من 70 ألف شخص إلى عمان كلاجئين. وفي شهر حزيران/ يونيو 1968، أطلقت إسرائيل صواريخ على مدينة إربد الأردنية مما أسفر عن مقتل 30 شخصا، وقصفت مدينة السلط الأردنية بقنابل النابالم مما أسفر عن مقتل 28 آخرين. وفي الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 1969، قتلت إسرائيل أكثر من 69 أردنيا في غارات جوية.
وفي شباط/ فبراير 1969، قامت إسرائيل بقصف سوريا أيضا مما أسفر عن مقتل 9 مدنيين. وقد استهدفت غارات جوية أخرى قرى مثل ميسلون، ومجدل سلوم، وحاصبيا، وبلغت ذروتها في قصف إسرائيل لسبع قرى سورية مما أسفر عن مقتل 200 شخص في أيلول/ سبتمبر 1972 وحده.
وفي الفترة ذاتها، كانت إسرائيل مشغولة أيضا بقصف مصر. وقد قتلت الغارات الإسرائيلية في أيلول/ سبتمبر 1967 44 مصريا في مدينتي بور توفيق والسويس، و36 آخرين في الإسماعيلية. وفي تموز/ يوليو 1968، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مدينة السويس مرة أخرى، مما أسفر عن مقتل 43 مصريا. وفي الإسماعيلية وحدها، بين صيف عام 1967 وشهر آذار/ مارس 1970، قتلت إسرائيل 600 شخص، وهجّر قصفها ما يقرب من مليون لاجئ فروا من مدن قناة السويس إلى الداخل المصري. وكانت إسرائيل قد قصفت مدينة المنصورة المصرية مما أسفر عن مقتل 12 شخصا في آذار/ مارس 1970، ناهيك عن المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون في شباط/ فبراير 1970، عندما قصفوا معملا للخردة في أبو زعبل مما أسفر عن مقتل 70 عاملا، وفي نيسان/ أبريل 1970 عندما قصفوا مدرسة ابتدائية في بحر البقر مما أسفر عن مقتل 46 طفلا.
وعادت إسرائيل إلى قصف القرى اللبنانية في عام 1970، بما في ذلك قريتا كفر كلا وبنت جبيل، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. وتزايدت الغارات الجوية في عام 1972، وخاصة في شباط/ فبراير ومرة أخرى في أيلول/ سبتمبر، مما أسفر عن مقتل 58 مدنيا.
وحتى لا نتصور أن اليمن نجاا من العدوان الإسرائيلي، ففي وقت سابق من عقد الستينيات، وخاصة بين عامي 1964 و1966، كانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي مشغولة بالتحليق فوق اليمن وإسقاط الأسلحة والذخيرة لتزويد ودعم القوات الملكية المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، ضد الثوار الجمهوريين في الحرب الأهلية في اليمن.
لقد كانت المستشفيات دائما هدفا عسكريا إسرائيليا مفضلا، فخلال غزو إسرائيل الوحشي للقدس الغربية في عام 1967، قصفت إسرائيل عمدا مستشفى أوغستا فيكتوريا بقنابل النابالم، زاعمة زورا بأن الجيش الأردني كان يتمركز داخله، وهي واحدة من العديد من افتراءات إسرائيل الدعائية التي لا تنضب. وفي عام 1982، قصفت مستشفى غزة في مخيم للاجئين في بيروت.
أما بالنسبة للمطارات، فقد قصفت إسرائيل خلال غزوها عام 1967 المطارات المدنية الرئيسة في دمشق وعمان. وفي حين لم تهدأ الهجمات الإسرائيلية على مطاري حلب ودمشق على مدى العقد الماضي، فإن هذا ليس تكتيكا جديدا. والواقع أن إسرائيل كانت قد قصفت مطار بيروت الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 1968، ودمرت 13 طائرة ركاب مدنية، بلغت قيمتها نحو 44 مليون دولار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى حظائر الطائرات وغيرها من منشآت المطار. كما قصفت محيط مطار القاهرة الدولي في عام 1970. وفي عام 1973، أسقطت طائرة مدنية ليبية مما أسفر عن مقتل 106 ركاب على متنها.
الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل ومستعمروها الصهاينة تعود إلى بداية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فإن ما أثبته العام الماضي هو أن حجم الدمار الإسرائيلي، وليس نوعية الفظائع والجرائم التي ترتكبها إسرائيل، هو ما يستمر في التصاعد والتزايد بشكل كبير
يهدف عرض الفظائع المذكور أعلاه إلى إثبات أن الشر والعنف الذي ألحقته إسرائيل بالفلسطينيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين على مدى العام الماضي هو استمرار لعدوانها ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا العدوان لم يرتكبه حزب يميني متطرف، بل ارتكبه حزب العمل، "التقدمي" زعما، ورؤساء وزرائه ليفي إشكول، ويجال ألون، وغولدا مائير.
لقد فصّلت فيما ورد أعلاه بعض الفظائع الإسرائيلية على مدى فترة تاريخية قصيرة، سبقت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الحالية بعقود طويلة، على الرغم من أن الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل ومستعمروها الصهاينة تعود إلى بداية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في نهاية القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فإن ما أثبته العام الماضي هو أن حجم الدمار الإسرائيلي، وليس نوعية الفظائع والجرائم التي ترتكبها إسرائيل، هو ما يستمر في التصاعد والتزايد بشكل كبير.
إذا كان الصهاينة قد قتلوا 13 ألف فلسطيني في عام 1948، وقتلت إسرائيل 18 ألف فلسطيني ولبناني في عام 1982، فإن الإبادة الجماعية الحالية قد زادت من عدد الفلسطينيين واللبنانيين الذين تمت إبادتهم عشرة أضعاف، لكنها لم تغير طبيعة عدوانية المستعمرة الاستيطانية أو وحشيتها أو استراتيجياتها؛ الفرق الوحيد الملحوظ في جرائمها هو الكم وليس النوع.
على مَن يسعى إلى تحميل نتنياهو أو حتى حزبه الليكود وزر نوعية هذه الجرائم أن يراجع بعض هذا التاريخ ليتحرر من مثل هذه الأوهام. إن جرائم الحرب هذه هي في الواقع استراتيجية أساسية للنظام الاستعماري الاستيطاني الذي يحكم إسرائيل منذ إنشائها، الجديد الوحيد اليوم هو حجم الجرائم، وليس نوعيتها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي جرائم الفلسطينيين اللبنانية لبنان إسرائيل فلسطين الاحتلال جرائم مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التی ترتکبها إسرائیل الإبادة الجماعیة بما فی ذلک فی شباط أکثر من فی عام أن حجم عام 1967
إقرأ أيضاً:
المجزرة في غزة.. تواطؤ عربي مع المحتل وليس خوفا من أمريكا
في إحدى مراحل النزاع العسكري في سوريا، والتباين الدولي في التعامل معها، والفيتو الروسي أمام القرارات في مجلس الأمن، توجهت الدول الغربية إلى إنشاء آلية جديدة لتجاوز مجلس الأمن، وهي الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (آي.آي.آي.إم).
ووفقا للموقع الرسمي لهذه الآلية، فقد "بادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء نموذج المساءلة الجديد هذا لمعالجة الأدلة المتزايدة على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان منذ بداية النزاع [في سوريا]. وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالجمهورية العربية السورية قد أصدرت عدة تقارير تسلط الضوء على "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، فضلا عن القلق بشأن "جرائم ضد الإنسانية" يجري ارتكابها، وتوصي مجلس الأمن باتخاذ إجراءات لإحالة النزاع إلى هيئات عدالة دولية. غير أن المأزق الذي وصل إليه مجلس الأمن والقيود التي تفرضها المحكمة الجنائية الدولية على اختصاصها حدَّت من عدد السبل المحتملة للوصول إلى العدالة. وقررت الجمعية العامة أن هناك حاجة إلى استجابة دولية لتعزيز التزامها بسيادة القانون، وأن العمل على التحضير للإجراءات الجنائية يمكن أن يبدأ، وينبغي أن يبدأ".
حاولت باكستان خلال الدورة الأخيرة لجلسات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي انعقدت مدة ستة أسابيع واختُتمت الجمعة الماضي، تفعيل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (آي.آي.آي.إم)، على كيان الاحتلال البغيض، لكن لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي -رغم وقف تعاملها مع المجلس- فأرسل كل من (برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، وجيمس آر.ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ) رسالة، بتاريخ 31 آذار/ مارس الماضي، للتحذير من مغبة التصويت لصالح الاقتراح. وجاء في الرسالة "أي دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان أو كيان تابع للأمم المتحدة يدعم آلية تحقيق مستقلة خاصة بإسرائيل (..) ستلاقي العواقب نفسها التي لاقتها المحكمة الجنائية الدولية".
ونتيجة الضغوط الأمريكية، لم يصوِّت المجلس لصالح تفعيل الآلية ضد كيان الاحتلال.
هذه الوقاحة الأمريكية، والاستكبار الصهيوني لم يقابلها رد فعل عربي أو دولي لإحداث بعض التوازن أو لتحجيم يد الشر والعنف والدموية الصهيونية، التي تستحق وصما أبشع من أوصاف الداعشية، فوصف صهيوني أكثر انحطاطا ودموية ولا إنسانية من أي وصف آخر.
يحاول الاحتلال إعادة صورة الردع العسكري، لكنه لم ينجح في ذلك كلما توغل بريّا، ما يؤكد هشاشته وضعفه أمام مقاتلين حقيقيين، حتى وإن لم يتخرجوا في مدارس حربية عريقة أو متقدمة، ودون دراسة التكتيك العسكري كخصمهم الدموي، فضلا عن إخفاقه الاستخباراتي المستمر في غزة بعدم القدرة على إنقاذ أسراه، ومن قبله عدم القدرة على التنبؤ بطوفان الأقصى.
نحن أمام مجزرة غير مسبوقة وتقابلها ردود فعل لا ترقى إلى مجرد الاستنكار أو إبداء درجة محدودة من التعاطف، فلا العرب يضغطون دبلوماسيّا أو اقتصاديّا، كما أنهم لا يخففون المعاناة عن أهل غزة بفتح المعابر لإدخال البضائع ولإخراج المرضى والجرحى، بل يقفون في تواطؤ كامل مع المحتل، ومنحه أقصى وقت دون ضغط خارجي لتصفية الحركات المقاوِمة وتصفية القضية الفلسطينية، وتبقى محاولات الوطنيين داخل أجهزة الدول العربية تقف عند حدود منع الحكام من الانخراط العلني في دعم الصهاينة، دون قدرة على دفعهم إلى اتخاذ مواقف وطنية، أو ما كانت العرب تصفها بالمروءة ونجدة الملهوف.
في هذا الوضع المتردي، خرج مفتي مصر الدكتور نظير عياد، بحديثه المناوئ لدعوات الجهاد وإعلان الخوف من الفوارق المادية والعسكرية، وهو بذلك يجهل أن الدول العربية مجتمعة أقوى من الاحتلال ومن وراءه، كما أن كلام المفتي يخالف العديد من النصوص الدينية، كقوله تعالى: "ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون" وهي حكاية تردُّ على ما ذكره المفتي، ولا أظنه أن فضيلته يجهلها ويجهل معانيها، كما يخالف قوله تعالى "ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم (..) أتخشونهم، فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين"، وقوله تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، فربنا يعلم أن المعارك كره ويعظِّم ربنا من شأن الروح، لكنها أحيانا لا تُصان إلا بالقتال.
كما أن كلام فضيلته غارق في المادية، رغم أن طبيعة تعليم حَمَلَة الرسالة الدينية أن تكون غارقة في الغيب، ويعلمون أن الأسباب تكون ساترة لقدرة الله لا سبب قدرته تعالى.
كذا قال المفتي ومَن وراءه، كلاما مفاده: من أراد تحرير فلسطين فليتفضل. لكن هل سيسمح الحكام بمرور البشر إلى فلسطين عبر حدودهم البرية والبحرية؟ أم سيظلون على خوفهم من رد الفعل الأمريكي؟
كان ينبغي على فضيلة المفتي أن يطالب حاكم البلاد بإنهاء معاناة الفلسطينيين، أو على أقل تقدير بالسماح للمصريين أن يُبدوا غضبهم من المجازر بحق الفلسطينيين، وألا يعتقل من يدعو إلى التضامن معهم، وكان على المفتي ألا يخرج بخطاب يخدم الصهاينة وروايتهم التي تريد تصويرهم جيشا خارقا، وهو جيش لم يستطع الصمود أمام بضعة آلاف من المقاتلين غير المجهَّزين بالسلاح أو المعدات، ولا ذخيرة لديهم سوى إيمانهم الذي يحتاج فضيلته إلى أن يدعو الله أن يملك بعض هذا الإيمان والثقة في الله وعدالة القضية، ويا ليته سار على نهج شيخ الأزهر الذي لا يفتح فمه إلا بما يؤلم الصهاينة، أو يمسح به على قلوب المكلومين، بخلاف كلام المفتي الذي يطعن في قلوب المكلومين، ويشد من أزر عدوهم ويدعم روايتهم.
إن كل من تخاذل عن نصرة غزة من الحكام، ومن لم يرفع صوته داعما لحق الفلسطينيين، ومن اتسق مع رواية الاحتلال، ومن تواطأ ضد الفلسطينيين، ومن كان خوفه من أمريكا أكبر من حقوق إخوة الدين واللغة والجوار، هؤلاء كلهم سيكتب التاريخ عنهم أسوأ ما تمكن كتابته، ولن يكون هناك توقير لمكانة شخص أيّا كان منصبه أو مقامه بين الناس، فالدماء جاوزت كل مقام ومنصب، وقد أضافت الكثير من سخط الشعوب واحتقارها لحكامها، ومَن سار على نهجهم.