موقع النيلين:
2025-02-06@22:26:04 GMT

انضمام كيكل الواقع والمتوقع

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

أحدثت الخطوة التي أقدم عليها أبو عاقلة كيكل دويا إعلاميا هائلا، كان مبتدؤه انقسام الرأي حول طبيعة هذه الخطوة؛ فمال غالب الناس إلى أنه استسلم للجيش، ولعل من ذهب ذلك المذهب ينطلق من أمانى النفس، علاوة على بعض الفيديوهات التي ظهر فيها كيكل يتحدث عن عدم رضاه عن القتال بين أبناء الوطن الواحد، والدين الواحد، وقد جاءت هذه الفيديوهات متزامنة مع انفتاح الجيش على أماكن متعددة في العاصمة وبعض الولايات.

وقد ذهب آخرون منهم مقربون من الرجل، ومناوئون للجيش إلى أن الرجل لم يستسلم، وإنما سالم بناء على اتفاق، وأيا كان الواقع، فإن الرجل الآن لم يعد ضمن منظومة الدعم السريع.
كان كيكل قد أنشأ قوات درع البطانة منطلقا من منبر البطانة الحر الذي أنشئ بوصفه كيانا مطلبيا في تلك المنطقة المعروفة بالبطانة، وهي مساحة تقع بين نهر عطبرة، والنيل الأزرق، وهي كيان اجتماعي أكثر من كونها وحدة إدارية؛ فهي تقع في عدد من الولايات، إلا أن سكانها يتمتعون بإحساس الانتماء لها رغم انتماءاتهم الموزعة، فهي أشبه بإقليم كردستان رغم أن الأخير تتقاسمه دول، وليس أقاليم داخل دولة واحدة.

كانت الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس عمر البشير فترة لم يُشهَد مثلها من حيث السيولة الأمنية، والهشاشة السياسية، مما أغرى الكثيرين بنزع يد الطاعة تحت دعاوى مختلفة، حتى ظهر بعض الضباط السابقين يتسابقون لتكوين حركات مسلحة ذات أجندة جهوية.
في ذلك الوضع السياسي والعسكري المتداعي، وفي خواتيم العام الميلادي2022 كون أبو عاقلة محمد أحمد يوسف كيكل المنتمي إلى البطانة، وإلى قبيلة الشكرية العريقة صاحبة الولاية القبلية في تلك المنطقة قوة مسلحة تحت مسمى درع البطانة، وقد كان أن لاقى معارضة من كثير من أعيان المنطقة، والقبيلة بسبب إنشاء القوات من حيث المبدأ، أو بسبب تسمية القوة باسم المنطقة، مما دعاه لأن يعتمد لها اسم درع السودان، شاقا طريقه، مخالفا رأي الأعيان، والعقلاء، مع ملاحظة أن هناك بعض الأعيان قد قابل هذه الخطوة بارتياح؛ بحسبانها تصنع توازنا في القوة التي أصبحت هي الأساس في توزيع المكاسب السياسية، والمادية في السودان في عهد الرئيس البشير وفيما تلاه من عهد، خاصة بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام.

لم يرصد لكيكل في بداية تكوينه لهذه القوات أي ميول سياسية، ولا طموح، بل كان الهدف المعلن هو عمل توازن قوة يستفاد منه في الضغط على الحكومة المركزية للتوزيع العادل للسلطة، والثروة، خاصة بعد رسخ في الوجدان الجمعي السوداني أن الحكومة لا تستجيب إلا لمطالب حملة السلاح، ولعل المراقب لملابسات ميلاد هذه القوة لا تفوت عليه ملاحظة السكوت الرسمي عن تحركات كيكل، مما فُسِّر بأنه تعبير عن رضا قادة الجيش، وربما كان ذلك بذات دافع صناعة القوة الوازنة، خاصة بعد التهافت المضطرد من الدولة على كل عائد من التمرد، ومنحه الامتيازات، وألقاب البطولة.

يقدر مراقبون هذه القوة عند الإعلان عنها بما يزيد على عشرين ألف جندي، وإن كان هناك من يعد هذه مبالغة لعمل دعاية لهذه القوات، ولتشجيع الانخراط فيها، أو دعمها.
كانت هناك قوة أخرى قد أعلن عنها ضابط سابق في الجيش كان ناطقا رسميا باسمه هو الصوارمي خالد، لكنها ووجهت بحسم نادر أدى لتراجعه عن الفكرة، وربما يكون مرد ذلك الحزم غير المعتاد في تلك الفترة، الذي قوبلت به هذه القوة أنها كانت في العاصمة، ومن ضابط سابق في القوات المسلحة، وربما خشية انتقال العدوى لضباط آخرين.

لم يمض على تمرد الدعم السريع غير أربعة أشهر حتى فاجأ أبو عاقلة كيكل كل المراقبين بإعلان انضمامه للدعم السريع، وولائه لقائده، ثم انخراطه في قتال الجيش السوداني، في ولاية الجزيرة، وسنار، والقضارف، ولقد كان لتعاونه مع قوات الدعم السريع الأثر البالغ في تيسير اجتياحه لمدن ولاية الجزيرة، وقراها، مما نتج عنه انتهاكات واسعة لحرمة الدماء،

والأعراض، والأموال في سلوك بدا ممنهجا ومخططا، مما أدخل كيكل، وقواته في حرج بالغ، حيث لم يكن في مقدوره منع الانتهاكات، وإيقاف الهمجية المتوحشة ضد مواطني ولاية يقطنها أرحامه، و أصهاره، ومعارفه، فباء باللعنات التي أصبحت تصب عليه في الخلوات، وأدبار الصلوات.
مع هذا الواقع بدا كيكل في بعض مخاطباته يظهر شيئا من التندم، وعدم الرضا عما يصيب المواطنين من للمتمردين القادمين من أصقاع الأرض، فتوقع كثير من المراقبين أن الرجل يبحث عن مخرج عن الورطة التي أدخل فيها نفسه، وأهله، و قبيلته.

كان من الملاحظ أن الأماكن التي كانت تحت سيطرته لم تشهد من الانتهاكات ما وقع في غيرها من المناطق التي اجتاحتها قوات الدعم السريع، مما قد يقلل مستقبلا من مستوى مسؤوليته مقارنة بحلفائه في الدعم السريع.

قامت القوات المسلحة بتنظيم صفوفها، وزيادة أعداها، وإمداد قواتها تمهيدا للكر على قوات الدعم السريع، فنجحت في استرداد مواقع استراتيجية، ومؤثرة، مما شكل ضغطا معنويا، وعسكريا على قوات الدعم السريع، وحلفائها، الأمر الذي جعل هواجس كيكل تتحول إلى تفكير جاد في التحلل من الدعم السريع، حتى فاجأ الجميع بظهوره مع القوات المسلحة معلنا انضمامه إليها في خطوة صورها الإعلام الموالي للجيش ، وكأنها استسلام من الرجل، بينما صورها الإعلام الموالي للمليشيا وكأنها خيانة، ثم قطعت جهيزة الجيش قول الخطباء بوصف ذلك بأنه انضمام للجيش، ولا عطر بعد عروس، لكن وسط ذلك الغبار لم تتأخر القوة المدنية المساندة للتمرد تحت غطاء رفض الحرب عن رفضها الخطوة التي قام بها كيكل!

هناك لغط آخر قانوني أثير حول قانونية العفو عن كيكل، وأخلاقيته، فهل صدر عفو عن كيكل في اتفاق جرى معه، أم أسند الأمر إلى العفو السابق الذي انتقضت مدته.
وهل العفو يصدر، أو بجدد من رأس الدولة أم من الناطق الرسمي باسم الجيش؟
أم أن الأمر كله يعتبر تنفيذا جزيئا لاتفاق جدة الموقع بين الحكومة والمتمردين؟

لا شك عندي أن العفو العام الذي عرضه رئيس مجلس السيادة على المتمردين في الأيام الأولى للحرب قد انتقضت مدته، ولم يعد ساريا، كما أن العفو العام مناط بقرارات رأس الدولة، ولا يبقى عندي إلا الاستناد إلى اتفاق جدة، وقد كنا نتوقع أن يكون الأمر متماسكا ومنسقا بترتيب يبدأ بإعلان العفو ،أو الاستناد إلى اتفاق جدة، ثم أعلان الانضمام في مشهد يظهر علو الدولة، وقوامتها، ويراعي شعور الضحايا، ولكن فات الأمر كالعادة.

يبقى القول إن هناك نتائج متوقعة من هذا الانضمام للجيش منها ما هو في صالح الجيش، ومنها ما يمكن أن يضر بسير المعركة، من ذلك:
1-تعزيز الاصطفاف الجهوي حيث كان وجود كيكل في الدعم السريع يشكل نوعا مغايرا لغالب مكونه حيث يعطيه نكهة قومية، حتى وإن كانت غير ذات تأثير كبير.

2-اشتداد المعارك بدافع تمايز الصفوف، والانتقام ممن يعتبر خائنا، خاصة في ظل الجهل، والنزعة القبلية شديدة الولاء المستشرية في غالب جنود المتمردين.
3- تطويل أمد الحرب، والاستمساك بها مهما كلف الأمر باعتبار أن الدافع أصبح دافعا شخصيا مرتبطا بالكرامة.

4- كشفت هذه الخطوة عن عدم تماسك الوجدان الشعبي الذي كان سائدا وذلك بالسير في المعركة حتى حسمها التام، ظهرذلك من خلال الترحيب بهذا الانضمام للجيش، فمر الأمر وكأنه لم تكن هناك دماء وأعراض، وأموال.

5- كذلك مثل العفو نسخا لكل التصريحات الجازمة من راس الدولة بأنه لا تسامح مع هولا القتلة، ولن توضع البندقية إلا بعد حسم التمرد تماما، وهذا الأمر كان يمكن تلافيه بقيل من حسن الإخراج.

من جهة أخرى، فإن لانضمام كيكل للجيش أثره الإيجابي المتوقع من ذلك:
1-التأثير السالب على معنويات المتمردين خاصة مع ضربات الجيش الموجعة التي بات الجيش يوجهها باستمرار، وبتاثير كبير في قوة المتمردين.

2- تشجيع آخرين على القيام بهذه الخطوة، خاصة وأن هناك كثيرين من المغرر بهم وسط المتمردين.
3- تحييد قوة كان تمثل مصدر قلق للجيش، وحاميا لظهر المتمردين، ولا شك في أن هذا مكسب كبير للجيش، وخسارة للمتمردين.
4- زيادة معدل الشك، ولكم في وعدم الاطمئنان بين أفراد القوات المتمردة مما يضعف من تماسكها، ويسهل اختراقها من قبل القوات المسلحة.

أ. د. الخاتم عبد الرحمن

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع القوات المسلحة هذه الخطوة کیکل فی

إقرأ أيضاً:

كيف تفاعل النشطاء مع التراجع الكبير لقوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني؟

وأثار تقدم الجيش حالة من الفرح في صفوف السودانيين الذين ينتظرون استعادته السيطرة على العاصمة بشكل كامل.

وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش السوداني تقدم قواته بشكل كبير في محور مدينة الكاملين بولاية الجزيرة وسط البلاد، وقال إنه "طهرها من قوات الدعم السريع".

وأكدت مصادر محلية للجزيرة أن الجيش السوداني بسط سيطرته على مدينة الكاملين، التي كانت آخر معاقل الدعم السريع، لتصبح ولاية الجزيرة وسط البلاد تحت السيطرة الكاملة للجيش باستثناء بعض الجيوب الصغيرة.

ومدينة الكاملين هي كبرى مدن شمال ولاية الجزيرة، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 65 كيلومترا. وقد تداول ناشطون مشاهد لاحتفالات مواطنين سودانين في مدينة الكاملين بعد سيطرة الجيش عليها.

ولم تعلق قوات الدعم السريع على ما أعلنه الجيش، لكن مستشار قائدها الباشا طبيق قال إن قواته في محور شرق النيل بولاية الخرطوم تمكنت من صد قوة من قوات "درع السودان" المساندة للجيش السوداني.

فرح على مواقع التواصل

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، علَّق نشطاء على هذه التطورات الميدانية التي اعتبرها البعض مفرحة، حيث كتب ناشط يدعى "كونت" أن "الأخبار اللي جاية من السودان تفرح القلب، الجيش السوداني سيطر خلاص على وسط وقلب ولاية الجزيرة ودخل مدينة الكاملين آخر معاقل الدعم السريع في الولاية".

إعلان

كما كتب حلفاوي "فرحة الشعب السوداني بدخول القوات المسلحة إلى مدينة الكاملين.. هل هذا هو الشعب الذي تريدون أن تحكموه؟ هل يوجد إثبات أكثر من هذا أن هذه الحرب التي تخوضونها ضد شعبنا؟".

في المقابل، قال أبو علي "إعلان تحرير الخرطوم يبدأ الآن من مدينة الكاملين"، في حين قال أبو القاسم "ينتصرون في الإعلام والدعم السريع ينتصر في الميدان".

وزار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان بلدة "ود أبو صالح" شرقي الخرطوم، والتي استعادها الجيش السوداني مؤخرا، وقد توعد بملاحقة قوات الدعم السريع.

وتحدث البرهان عن جسر سوبا شرقي العاصمة، وهو جسر حيوي يربط بين منطقة شرق النيل وجنوب الخرطوم، والتي تعد حاليا المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع.

وفي آخر التطورات الميدانية، قال الجيش السوداني اليوم الأربعاء إن قواته سيطرت على حي الرميلة ومقر الإمدادات الطبية ودار صك العملة في الخرطوم.

وقالت مصادر ميدانية للجزيرة إن الجيش أصبح على مقربة من شارع الغابة المؤدي إلى وسط الخرطوم، حيث تتمركز قوات الدعم السريع.

5/2/2025

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: الجيش السوداني سيقضي على ميليشيا الدعم السريع
  • الجيش السوداني يمنع (كيكل) و(المصباح) وقادة (المشتركة) من إصدار البيانات الصحفية
  • حملة الجيش لاصطياد الرؤوس الكبيرة بالدعم السريع.. مَن بعد الجنرال حسين؟
  • كيف تفاعل النشطاء مع التراجع الكبير لقوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني؟
  • «الجيش السوداني»: تقدمنا في كل المحاور وأوجعنا الدعم السريع
  • الجيش يعلن تحرير مناطق جديدة في الخرطوم من الدعم السريع
  • صحة السودان تتابع المستشفيات التي دمرتها الدعم السريع
  • “نمور الصحراء” قوات جديدة تنضم الى صفوف الجيش لقتال الدعم السريع ومجلس السيادة يصدر توجيهات “صور”
  • الجيش السوداني يستعيد آخر معاقل الدعم السريع بولاية الجزيرة
  • الجيش السوداني يستعيد آخر معاقل الدعم السريع بالجزيرة