عاش "يحيى السنوار" حياة مقاوِمة منذ مشاركته في تأسيس حركة "حماس"، حتى اعتقل مرات إحداها وصلت إلى 23 سنة، وقد كان محكوما بعدد من المؤبدات وصل مجموعها إلى 430 عام، حتى قُدر خروجه في صفقة "وفاء الأحرار" الخاصة بالجندي "جلعاد شاليط". ورغم خطورته إلا أنه لعب دورا في استمالة قادة الشاباك بالموافقة على خروجه كرجل يمضي نحو التقاعد! ونجح في ترسيخ مفهوم انصراف اهتمامه برفاهية قطاع غزة من خلال توفير فرص العمل وضخ الاستثمارات داخل القطاع، لكنهم سرعان ما اكتشفوا وقوعهم في شَرَك عملية خداع طوال فترة سجنه، وقد تأكدوا بعد خروجه منذ الأيام الأولى التي خطّت قدماه أرض غزة وتوليه بعد ذلك رئاسة الحركة داخل القطاع خلفا لإسماعيل هنية.

.

ومثله مثل الكثيرين من المناضلين حول العالم ممن يواجهون احتلالا غاشما وقوة باطشة، يقف الكثيرون من أمثاله في الجبهة الأقل حظا من ناحية العدة والعتاد، وهؤلاء هم من تُسطّر صفحاتهم وتكتب بمِداد الذهب سيرتهم وتظل أمد الدهر ذكراهم العطرة، أمثال "تشي جيفارا" الأرجنتيني قائد الثورة الكوبية، و"عمر المختار" أسد الصحراء ورمز المقاومة الليبية ضد المستعمر الإيطالي، و"عبد القادر الجزائري" أيقونة الكفاح ضد الفرنسيين.. إلخ.

وهؤلاء المناضلون يختلفون عن قادة الجيوش ممن يمسكون بعصا المارشال! المحميين بمنظومات الدفاع المتقدمة وفرق الأمن الحائزة على أعلى التدريبات، بل كان "يحيى" رجلا بسيطا يقود المقاومة بنفسه ويشتبك بعدوه في ميدان القتال، وهذا ما رأه العالم بكاميرا عدوه، كيف قاوم حتى نفذت ذخيرته وبتْرت يده اليمني؟ وكيف ألقى عصاه تجاه المُسيّرة التي كانت تسعى لتصويره؟ ولو أراد لمكث كقائد يخطط للمعركة ولأعمال التمويل والإمداد والكر والفر مع العدو، وليس كما تُردد أبواق الإعلام العربي المتصهين إساءة لقادة المقاومة؛ بأنهم يتحركون بملابس النساء! وأنهم يختبئون في الأنفاق أو في وسط الأسرى المحاطين بالحماية بعيدا عن شعبهم ممن يلقون حتفهم بينما قادتهم في مأمن!

القائد "أبو إبراهيم" لم يكتف بالمتابعة الحثيثة ليوميات المعارك وحاجات المقاتلين والتواصل مع رفاقه ممن يتولون الملف السياسي التفاوضي، بل كان يخرج بنفسه كقائد معركة رفقة بعض قادته الميدانيين ليراجع خطط المعارك والإشتباكات وليطمئن على حالة الأسرى في الأنفاق، وليربط على كتف المقاتلين في الثغور، وشاء الله في إحدى جولاته أن ترصده عين العدو ومن كان برفقته بما لدى العدو من أجهزة استشعار عالية التقنية، فيقع الاشتباك مع خلية جيش الاحتلال من جنود المشاة..

وحينما حمى وطيس المعركة على جنود العدو سارعوا بطلب الدعم والمساندة -كعادتهم- من دباباتهم وطائراتهم، فيصاب السنوار ويجلس على أريكة المنزل وقد جُرحت يده اليمنى أو ربما بُترت وهو يستعمل اليسرى ليذود عن نفسه، ثم يلحظ مُسيّرة العدو تقتحم عليه المكان للإستطلاع خشية المواجهة، فيرمي بعصاه مُسيّرتهم حتى قيل في أمره: لأجله صار لعصاه شأنا! تقول: رميت بعصا السنوار! أي بذلت قصارى جهدي!، ويلقى الذي طلب الشهادة على ملأ من قومه، فيمنحها الله له على ملأ أكثر منهم! ورغم أنه قد قُتل وحيدا إلا أن قدر الله ومشيئته بإحياء ذكراه قد نفذ!..

قصة اسطورية حقيقية وليست من خيال كاتب يجلس في حديقته لينسج من خياله بعضَ ما تجود به قريحته، قصة واقعية عاشها العالم بكافة أشكاله وألوانه من المحبين والكارهين، بما لا يدع مجالا للتشكيك حتى من الماكينة الإعلامية للعدو الصهيوني ممن أُسقط في أيديهم كيف ساهموا في إبراز أسطورية الرجل! ولربما يخرج أحد الأثرياء العرب من المخلصين فيسخِّر أمواله في صناعة دراما خادمة لقضايا أمته بعيدا عن المستثمرين في أفلام العري والنخاسة واستثمارات الفنادق التي تُشيّد كأكبر ماخور محّمي بقوانين الدول! ربما يتصدر هؤلاء المخلصون لتسجيل هذه البطولة التي تقف بصاحبها في مصاف العظماء..

ولقد تناقلت مواقع الأخبار مواقف وردود فعل النشطاء الأجانب وأحرار الشعوب، دعك من شعوبنا المُكَبَّلة بالقمع أو الزاحفين خلف حفلات الغناء والرقص والمجون أو المرابطين في ملاعب الكرة خلف من فتحت لهم خزائن المملكات والإمارات! ونعود لسيرتنا العطرة، لننظر بعضا مما وصفته به الصحف العالمية، فهذه "الواشنطن بوست" تقول: التوثيق الأخير للسنوار ساهم في تحويله لأسطورة وبطل بالنسبة للفلسطينيين والعرب!"، ووصفته صحيفة "وول استريت جورنال" قائلة: "الحكومات العربية المتحالفة مع واشنطن وجدت نفسها في موقف صعب أمام شعوبها بعد أن حظى السنوار بدعم أوسع بعد موته مما كان وهو حي"!..

ووصفه مغردون يابانيون قائلين: "لقد قاتل السنوار بشجاعة مثل محارب الساموراي للدفاع عن غزة التي تشبه هيروشيما"! ووصفته الناشطة الأمريكية "هيلي روتشيلد" قائلة: "مات وهو يرتدي بدلته العسكرية فإذا لم يكن هذا يعني العزة فماذا سيكون؟!"، وقالت أيضا: "لقد نسف أكاذيب الإعلام الإسرائيلي فلم يكن مختبئا في الأنفاق ولا متنكرا بملابس النساء ولا محتميا وسط الرهائن"! وعلّق مدونون أمريكيون عليه قائلين: "إن الحرية الحقيقية ليست تلك التي يمثلها تمثال الحرية في نيويورك إنما مثّلها يحيى السنوار الذي مات وهو يقاتل لنيل حريته وشعبه ضد المحتل"!..

رحم الله "يحيى السنوار" وشفا صدورنا من قاتليه ومن المتآمرين على غزة..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السنوار غزة المقاومة الاحتلال احتلال غزة المقاومة السنوار مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الشهيد يحيى السنوار والشامتون من الحثالة

 

 

مضى إلى ربه الكريم في سبيل الحرية والكرامة والإنسانية دفاعا عن مقدسات الأمة أولى القبلتين وثالث الحرمين ما تراجع وما غيَّر وما بدَّل، صامدا صابرا محتسبا ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقراَن ومن أو في بعهده من الله))التوبة -111-.
جسَّد الأسوة والقدوة في التضحية والفداء وأثبت في موكب الشهادة سهمه ونصيبه بيعا وشراء من الله الذي وهب الحياة واختار واصطفى لها من هم لها أهل.
إنه درب من الشهادة لا ينتهي ولا يتوقف يمضي عليه الرجال الأبطال الذين اصطفاهم الله رب العزة والجلال قال تعالى ((ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين))ال عمران-140-.
والقرح الذي يتألم له المؤمنون اصطفاء هؤلاء الرجال الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل أمتهم وأوطانهم حماية للعزة والكرامة وتنكيلا بالمجرمين والطغاة والظالمين.
السنوار اليوم عنوان من عناوين الشهادة، مضى على درب الرجال الذين وصفهم الله بقوله تعالى ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا))ومثله رجال سبقوه في الوفود على الله –حسن نصرالله وإسماعيل هنيه وصالح العارور وفؤاد شكر وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وإبراهيم رئيسي، وغيرهم الكثير ممن اختاروا أن يكونوا رفقاء في سبيل نصرة القضايا العادلة التي ترضي الله سبحانه وتعالى، وقبلهم كان الإمام زيد بن علي والحسين السبط وإمام المتقين الإمام علي- كرم الله وجهه- ممن باعوا أنفسهم لله وفي سبيل إعلاء كلمته ومواجهة الإجرام والطغيان.
يكفي الشهيد القائد يحيى السنوار أنه لقي الله شهيدا على أيدي من لعنهم الله وأخزاهم وأخزى من ناصرهم في الدنيا قبل الآخرة وكتب عليهم الذلة والمهانة ولعنهم الأنبياء والرسل وشهدت عليهم أمم الأرض أنهم أساس كل خساسة وغدر وإجرام حتى في تعاملهم فيما بينهم.. فهل بعد هذا من شرف وعز وسمو؟.
يكفيه أيضا أنه اختار رضوان الله وجاهد في سبيله ومن أجل إعلاء كلمته ومن أجل الذود عن كرامة أمته وشرفها وعزتها ومن اجل تحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
لم يساوم على تلك الكرامة ولم يخن دينه ووطنه، بل دافع دفاع الأبطال الشرفاء والشهداء الكرام، بخلاف أولئك الحثالة الذين باعوا العروبة والإسلام لليهود والنصارى وأذاقوا الشعوب ألوان الذل والهوان من أجل نيل رضا الأعداء عنهم، فهل هناك من مجال للمقارنة بين الأبطال والشرفاء والانذال والحثالة؟.
وحتى لا نكون في موقع التجني على هؤلاء الحثالة، سنورد رأي بعض كُتّاب اليهود فيهم، حيث وصف الكاتب اليهودي شاي جولدبيرغ الخونة من العملاء والحثالة قائلا (عندما تخون أنت كعربي أبناء شعبك بآراء عنصرية صهيونية فنحن نحبك مباشرة لكن كحبنا للكلاب، صحيح أننا نكره العرب لكننا عميقا في داخلنا نحترم أولئك الذين تمسكوا بما لديهم، أولئك الذين حافظوا على لغتهم وفكرهم، لهذا يمكنك أن تختار إما ككلب محبوب أو مكروه محترم حتى الأعداء لا يحبون الخونة) إما ذكره ابن اليهودية قد بينه الله ((قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم اكبر)).
إن هذا الوصف الذي قاله ابن اليهودية للعملاء والخونة وصف بسيط وهناك أو صاف قذرة ومنحطة لم نوردها ونستشهد بها حفاظا على مقام التذكير لمن لا تزال لديه ذرة كرامة.
السنوار الشهيد ليس الأول في مسيرة الشهادة في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس وليس آخرهم، فقد مضى قبله الكثير من الشرفاء من قادة حماس والجهاد والشعبية وفتح وحزب الله وفيلق القدس وقبلهم عزالدين القسام وعبدالقادر الحسيني وعمر المختار وعبدالقادر الجزائري وعنوان مسيرتهم “نحن لا نستسلم ننتصر أو نستشهد”.
إن هذه الدماء الزكية التي تراق من الأطفال والنساء والشيوخ هي تعميد وإثبات لصدق القول والعمل وتقديم الأسوة والقدوة، فمن لم يقتد بخير البشر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، ولم يبذل النفس فداء لله، فليس له حظ في نيل درجات الشهداء الأبرار.
الأعراب اليوم بلحى وبغيرها وفي كل حادثة يظهرون من الشماتة ما يسودون به صحائفهم في الدنيا والآخرة، وصدق الله سبحانه وتعالي حين وصفهم ((الأعراب اشد كفرا ونفاقا واجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله)) التوبه-97-.
يتربصون بالمؤمنين الدوائر، كلما سقط شهيد أظهروا الشماتة وكسبوا الخزي والعار؛ أما الأحرار والشرفاء فقد ناصروا الحق وأذلوا الإجرام والمجرمين في كل بقاع الأرض، فقد بلغت المظاهرات المؤيدة لمظلومية الأشقاء على أرض فلسطين في أوروبا وحدها ما يزيد علي تسعة وعشرين ألف مظاهرة وقريبا ستسقط الأصنام التي نصبت لحماية اليهود والنصارى التي تسبح بحمد الحلف الصهيوني الصليبي من العرب والعجم.
الشهداء يرحلون إلى الله فرادى وجماعات والخونة والعملاء يسقطون في وحل الخزي والعار ولله در القائل:
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة
تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه
من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
ألا في سبيل الله من عطلت له
فجاج سبيل الله وانثغر الثغر
ثوي طاهر الأردان لم تبق بقعة
غداة ثوي الا اشتهت انها قبر
عليك سلام الله وقفا فإنني
رأيت الكريم الحر ليس له عمر
استشهد السنوار وأكرم الله نزله من أجل أن يطهر الأرض من دنس الحلف الصهيوني الصليبي، فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته ولعن الله اليهود والنصارى المجرمين المعتدين ولعن الله وأخزى الحثالة من الأذناب الذين باعوا ضمائرهم وإسلامهم.

مقالات مشابهة

  • وما تلك بشِمالك يا يحيى؟
  • الرئيس الإيراني يزور مكتب حماس في طهران ويؤكد استمرار النضال بعد استشهاد يحيى السنوار
  • ( مشهدية الفوز ) تفاصيل الساعات الأخيرة لعملية استشهاد القائد الكبير يحيى السنوار
  • الشهيد يحيى السنوار والشامتون من الحثالة
  • صنعاء.. وقفة بأكاديمية القرآن الكريم وفاء للشهيد يحيى السنوار
  • الأكاديمية العليا للقرآن الكريم بصنعاء تنظم وقفة وفاءً للشهيد يحيى السنوار
  • استشهاد القائد يحيى السنوار.. محطة مفصلية في تاريخ النضال الفلسطيني
  • الرهوي يقدم واجب العزاء في استشهاد القائد المجاهد يحيى السنوار
  • “خطط لهجوم ضد الجيش”.. محللة تركية تكشف تفاصيل مثيرة في اغتيال يحيى السنوار