صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-16@22:01:05 GMT

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

مهدي رابح

بنظرة موضوعية صارمة للواقع في السودان، بعيداً عن أي انحيازات عاطفية صغيرة، وبتفكيك طرفي الحرب الى عناصرهما الاساسية، فإننا وبكل يسر يمكننا أن نصل الى محصلة أن من يتقاتلان اليوم ليس قوتان مسلحتان فقط بل عشرات القوى الحاملة للسلاح، والمنضوية في اتحادين رئسيين أشبه بالكارتيلات، يتنازعان في السلطة والثروة.

ومن خلف هذين الاتحادين عديد القوى الإقليمية والدولية التي توفر التمويل والسلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي لهذا الطرف أو ذاك، وتسعى كل منها بذلك الى ترجيح كفة توازن النفوذ الى صالحها في منطقة القرن الافريقي، حوض النيل وسواحل البحر الأحمر.

تماسك هذين الاتحادين واستقرارهما في خضم سياق الحرب يتناقض مع طبيعة تكوين عناصرهما الاساسية، اي مليشيات يرتبط استمرارها في الوجود بحد ذاته بمدى قوتها العسكرية، وهو ما يدفعها الى مزيد تعزيز قدراتها القتالية وهذا الأمر بدوره يعتمد مدى نجاحه على قدرتها توفير مزيد الموارد اللازمة وهو ما يستتبع تلقائيا السعي لمزيد من السلطة للسيطرة على مصادر تلك الموارد وهكذا دواليك، في عملية ذات اتجاه تصاعدي واحد لا يتوقف.

هذا النمط يجعل من الثابت في معادلة الصراع هو السعي لمزيد الموارد اما المتغيّر فهو طبيعة التحالفات التي تحقق ذلك “داخلية كانت ام خارجية” وهو ما يفسر تغيير بعض امراء الحرب لولاءاتهم حسب ما تقتضيه الحاجة او الواقع العسكري في الميدان وتصاعد التوتر الداخلي داخل تلك الكارتيلات مثلما رشح مؤخرا بين شركاء تحالف بورتسودان كنموذج جيّد.

إن اعتبار الحرب الحالية وكأنها نزاع بين الجيش والدعم السريع فقط لهو خطأ في التحليل سيؤدي الى الاستمرار في تبني مقاربات غير مجدية وغير عملية، تتباين بين الانحياز لأحدهما او لعب دور الوسيط بينهما او الانغلاق في موقف سلبي غامض يكون عرضة لتعدد التفسيرات، وهو ما لن يؤدي بأية حال من الأحوال إلى ايقاف الحرب أو إلى الوصول إلى أعتاب عملية سياسية قد تفضي لسلام دائم وتسمح بتدشين عمليات إعادة رتق النسيج المجتمعي المهترئ واعادة بناء السودان. بل العكس، اي انها ستؤدي الي تنشيط عملية تناسل المليشيات وامراء الحرب وازدياد تدخل الأطراف الخارجية واستمرار عداد الموت المجاني المجنون في الدوران.

في تقديري المتواضع ان الخطوة الصحيحة الأولي للمدنيين، دعاة السلام والتحول الديموقراطي، من اجل الوصول إلى تصميم صحيح لعملية الخروج من هذه الازمة، هو النظر إلى الحالة السودانية من خلال منظور طرفين رئيسيين مختلفين، واقصد بذلك ومن جهة أولى جماع تلك القوى الحاملة للسلاح والتي تخوض الحرب، التي تخوض في دماء السودانيين الآن، مع بعضها البعض وضد بعضها البعض “الآخر”، بغض النظر عن شكل التحالفات التاكتيكية المتغيرة التي ينتمون اليها اليوم أو تلك التي سينتمون اليها غدا، وبغض النظر عن الشعارات التي يرفعونها اليوم او التي سيرفعونها غداً، ومن الجهة الثانية جماع القوى الساعية لإيقاف الحرب والداعية لوضع حد للمأساة الإنسانية المروعة وغير المسبوقة.

أي أن هنالك في حقيقة الأمر معسكرين فقط لا ثالث لهما، معسكر الحرب ومعسكر السلام، معسكر المجرمين ومعسكر الناجين من السقوط في وحل هذه الجريمة النكراء.

#لازم_تقيف

الوسومأمراء الحرب التحول الديمقراطي الجيش الدعم السريع السلام السودان المليشيات مهدي رابح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أمراء الحرب التحول الديمقراطي الجيش الدعم السريع السلام السودان المليشيات وهو ما

إقرأ أيضاً:

السلاح والغذاء في حرب السودان

تدخل الحرب الأهلية السودانية اليوم (15 مارس/ آذار 2024) شهرها الرابع والعشرين. عامان من الاقتتال، بلا أفق واضح لحلّ سلمي. بحسب منظمّة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يحتاج 30 مليون سوداني إلى مساعدات، بينما نزح 14 مليون شخص في داخل السودان وإلى خارجه. لكن المستقبل لا يبدو مبشّراً بحلول سلمية قريبة، وما زالت مرحلة انهيار الدولة وتفكّكها تتواصل رغم محاولة السلطة العسكرية التظاهر بأن الحياة تسير طبيعية، مع طلبها أخيراً من الجامعات السودانية استئناف الدراسة والامتحانات في مناطق سيطرة الجيش.

أمّا حكومة "الدعم السريع" (الموازية) فما تزال تبحث عن أرض تضع فيها رحالها، متوعّدةً بإقامة سلطة كاملة، فاتفاق نيروبي السياسي لم ينتج حكومةً بعد رغم ضجيجه كلّه، والمتحالفون مع نائب قائد "الدعم السريع"، عبد الرحيم دقلو، ما زالوا يَعدون بإعلان حكومة من داخل السودان، ويبشّرون بأسلحة جديدة تأتي، كما يحتفي أنصار الجيش بأسلحة جديدة أتت. هكذا يعيش 14 مليون نازح ينتظرون بشارات الأسلحة الجديدة. وبينما يعيش 1.3 مليون طفل سوداني في أماكن تعاني من المجاعة، يصرّح قادة الطرفَين أن الحرب ستستمرّ ألف عام حتى يأتي النصر(!).

لكنّه تأخّر عامين. قبل اندلاع الحرب كان الانطباع العام أنها حرب الساعات الستّ. لكن ما يبدو واضحاً بعد 24 شهراً أنها حرب أتت لتبقى. أوجدت الحرب خلال عاميها ثقافة من التوحّش، وهو أمرٌ لا يقتصر على المقاتلين، فالصحافيون الذين يغطون الحروب الأهلية يتأثّرون بثقافة الوحشية التي تحيط بهم. وثّق الذين غطّوا الحرب اللبنانية، وحرب البوسنة، التغيّرات التي مرّوا بها، وكيف أصبحوا أكثر توحّشاً وتقبّلاً للعنف. مع هذا التوحّش، تزداد الانتهاكات، ما يغذّي دائرة الانتقام، فتصبح عواقب العنف أقلّ من عواقب الحلول السلمية، فيزداد الانتقام، ويتحوّل عنفاً وقائياً.

لذلك، تقبّلت المجتمعات السودانية فكرة التسليح الأهلي، وتكوين مليشيات جديدة للدفاع عن مناطقهم، أو لضمان تمثيلهم السياسي، وهي دلالةٌ واضحةٌ على خلل التعاطي السياسي في السودان، إذ أصبحت البندقية الضامن للمشاركة السياسية. رغم أن البندقية لم تثمر في حروب السودان السابقة كلّها، لكننا ما زلنا نصرّ على أن المليشيات هي الحل، ويواصل الجيش الاحتفاظ بالسلطة السياسية مع ترحيبه بتكوين المليشيات للقتال بجانبه.

تبدو الحرب السودانية في طريقها إلى الحالة الليبية، هذا إذا نجحت مجموعة نيروبي في أن تجد مكاناً تُعلن منه حكومتها التي أصبحت محلّ تساؤلٍ، بعد تحذيراتٍ دوليةٍ عديدة من هذه الخطوة. لكن الأخطر تأثير الحرب في الإقليم ودول الجوار، فرغم أنها لم تخرج عن السيطرة، إلا أنها ما زالت تهدد المنطقة الهشّة بالانفجار، فنيران الحرب السودانية تمتدّ وتؤثّر في الدول الجارة، وتهدّد بجرّها إلى الفوضى ذاتها.

عامان من الحرب، ومن المناشدات الدولية بوقفها، لكن الجيش ظلّ يتهم العالم كلّه تقريباً بالتآمر عليه ودعم خصمه، ويرفض أيّ دعوة إلى الوصول إلى أيّ تسوية تؤدّي إلى وقف إطلاق النار، بينما ظلّت قوات الدعم السريع تقبل الدعوات كلّها، وتواصل إطلاق النار على العزّل وتدفنهم أحياء.

في إحاطةٍ، قدمها أمام مجلس الأمن، ذكر أمين عام منظّمة أطباء بلا حدود، كريستوفر لوكيير، كيف يستهدف طرفا الصراع المستشفيات، وكيف تعيق البيروقراطية وصول المساعدات إلى المحتاجين. لا تفرز هذه الدوامة من العنف إلا مزيداً من التوحّش، وتعقيد مسار الحلّ. ويتضاعف عدد المليشيات في البلاد، وتزداد سلطتها. والعجيب أن ذلك يحدث وسط تأييد شعبي غير قليل، كأنما فقد الناس قناعتهم بالدولة الحديثة وسلطتها، لكنّهم، في الوقت ذاته، يقولون إنهم يتوسّلون الوصول إلى هذه الدولة عبر طريق التسليح الشعبي، وكسر احتكار الدولة للعنف.

هكذا يجد السلاح طريقه إلى السودان ليعزّز الحرب الأهلية، لكن المساعدات تعوقها البيروقراطية، ويَجمع المجتمع الدولي التمويل لإنقاذ حياة مئات آلاف الأطفال الذين يُتوقّع معاناتهم من سوء التغذية الحادّ، بينما تَجمع المليشيات الأسلحة وتعتقل ناشطي العمل الطوعي.

فشلت المساعي لجعل الحالة الإنسانية السودانية مهمّة المجتمع الدولي، لكن لا يعاني أحد فشل توفير السلاح للمتقاتلين.

نقلا عن االعربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • وزير الخارجية: (…) هذه خطتنا لما بعد الحرب.. واتصالات مع 3 دول لتمويل الإعمار
  • فيما ورد خبر من هيئة البث الإسرائيلية ذو صلة بالانفجارات … هذه هي المناطق التي استهدفها الطيران في العاصمة صنعاء ” صور ” 
  • بالمنطق.. صلاح الدين عووضه : عجائب!!…
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • السلاح والغذاء في حرب السودان
  • الحرب ستشتعل في الضعين؛ قراءة في المشهد القادم!
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • ترتبط بتشجيعه أستون فيلا… الأمير ويليام يكشف عن الخرافات التي يؤمن بها
  • (حلو يا الزين) … (الدبلوماسية، وقون المغربية)