صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-02@03:35:56 GMT

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

معسكرين فقط، لا ثالث لهما…

مهدي رابح

بنظرة موضوعية صارمة للواقع في السودان، بعيداً عن أي انحيازات عاطفية صغيرة، وبتفكيك طرفي الحرب الى عناصرهما الاساسية، فإننا وبكل يسر يمكننا أن نصل الى محصلة أن من يتقاتلان اليوم ليس قوتان مسلحتان فقط بل عشرات القوى الحاملة للسلاح، والمنضوية في اتحادين رئسيين أشبه بالكارتيلات، يتنازعان في السلطة والثروة.

ومن خلف هذين الاتحادين عديد القوى الإقليمية والدولية التي توفر التمويل والسلاح والغطاء السياسي والدبلوماسي لهذا الطرف أو ذاك، وتسعى كل منها بذلك الى ترجيح كفة توازن النفوذ الى صالحها في منطقة القرن الافريقي، حوض النيل وسواحل البحر الأحمر.

تماسك هذين الاتحادين واستقرارهما في خضم سياق الحرب يتناقض مع طبيعة تكوين عناصرهما الاساسية، اي مليشيات يرتبط استمرارها في الوجود بحد ذاته بمدى قوتها العسكرية، وهو ما يدفعها الى مزيد تعزيز قدراتها القتالية وهذا الأمر بدوره يعتمد مدى نجاحه على قدرتها توفير مزيد الموارد اللازمة وهو ما يستتبع تلقائيا السعي لمزيد من السلطة للسيطرة على مصادر تلك الموارد وهكذا دواليك، في عملية ذات اتجاه تصاعدي واحد لا يتوقف.

هذا النمط يجعل من الثابت في معادلة الصراع هو السعي لمزيد الموارد اما المتغيّر فهو طبيعة التحالفات التي تحقق ذلك “داخلية كانت ام خارجية” وهو ما يفسر تغيير بعض امراء الحرب لولاءاتهم حسب ما تقتضيه الحاجة او الواقع العسكري في الميدان وتصاعد التوتر الداخلي داخل تلك الكارتيلات مثلما رشح مؤخرا بين شركاء تحالف بورتسودان كنموذج جيّد.

إن اعتبار الحرب الحالية وكأنها نزاع بين الجيش والدعم السريع فقط لهو خطأ في التحليل سيؤدي الى الاستمرار في تبني مقاربات غير مجدية وغير عملية، تتباين بين الانحياز لأحدهما او لعب دور الوسيط بينهما او الانغلاق في موقف سلبي غامض يكون عرضة لتعدد التفسيرات، وهو ما لن يؤدي بأية حال من الأحوال إلى ايقاف الحرب أو إلى الوصول إلى أعتاب عملية سياسية قد تفضي لسلام دائم وتسمح بتدشين عمليات إعادة رتق النسيج المجتمعي المهترئ واعادة بناء السودان. بل العكس، اي انها ستؤدي الي تنشيط عملية تناسل المليشيات وامراء الحرب وازدياد تدخل الأطراف الخارجية واستمرار عداد الموت المجاني المجنون في الدوران.

في تقديري المتواضع ان الخطوة الصحيحة الأولي للمدنيين، دعاة السلام والتحول الديموقراطي، من اجل الوصول إلى تصميم صحيح لعملية الخروج من هذه الازمة، هو النظر إلى الحالة السودانية من خلال منظور طرفين رئيسيين مختلفين، واقصد بذلك ومن جهة أولى جماع تلك القوى الحاملة للسلاح والتي تخوض الحرب، التي تخوض في دماء السودانيين الآن، مع بعضها البعض وضد بعضها البعض “الآخر”، بغض النظر عن شكل التحالفات التاكتيكية المتغيرة التي ينتمون اليها اليوم أو تلك التي سينتمون اليها غدا، وبغض النظر عن الشعارات التي يرفعونها اليوم او التي سيرفعونها غداً، ومن الجهة الثانية جماع القوى الساعية لإيقاف الحرب والداعية لوضع حد للمأساة الإنسانية المروعة وغير المسبوقة.

أي أن هنالك في حقيقة الأمر معسكرين فقط لا ثالث لهما، معسكر الحرب ومعسكر السلام، معسكر المجرمين ومعسكر الناجين من السقوط في وحل هذه الجريمة النكراء.

#لازم_تقيف

الوسومأمراء الحرب التحول الديمقراطي الجيش الدعم السريع السلام السودان المليشيات مهدي رابح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أمراء الحرب التحول الديمقراطي الجيش الدعم السريع السلام السودان المليشيات وهو ما

إقرأ أيضاً:

نزاع الشرعيّة بعد نزاع السلاح في السودان

زوايا
حمّور زيادة

تواجه القوى السياسية السودانية تحدّياً جديداً بعد وصول الخلافات داخل تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم)، إلى مرحلة الانقسام. ... شهدت التنسيقية التي كُوِّنت بعد شهور قليلة من اندلاع حرب 15 إبريل/ نيسان (2023) خلافات بشأن مسألة تكوين حكومة موازية للحكومة العسكرية في بورتسودان. وأبرز من أيّد اتجاه تكوين الحكومة كان سليمان صندل، الذي جاء مهاجراً إلى القوى التي خاصمها طويلاً، وتواطأ مع قائد الجيش وقائد "الدعم السريع" على انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول (2021) ضدّها. كان وقت خصومته مع قوى الحرّية والتغيير يشغل منصب الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، لكنّه بعدما اختلف مع رئيس الحركة، وزير المالية جبريل إبراهيم، غيّر المسار، وأعلن نفسه رئيساً للحركة، وهاجر إلى القوى المدنية معتذراً، ليصبح من قيادات التنسيقية الوليدة.

دعمت هذا الاقتراح أيضاً شخصيات مثل عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي، في ما يبدو أنها محاولة لإحياء فكرة قديمة طرحها قائد "الدعم السريع" في 2020 على عدة سياسيين، لتكوين حزب تحت رعايته يعبّر عن مصالح أبناء إقليم دارفور، في مواجهة ما سمّاه سيطرة الشماليين على السياسة عبر الأحزاب، وعلى السلطة من طريق الجيش. الفكرة، التي يقال إنها لقيت قبولاً من عدد من الساسة، واجهت عقبات كثيرة، فماتت قبل أن تولد، لكنّها تعود اليوم في ثوب جديد ضاربةً التحالف السياسي المناهض للحرب في مقتل. فمن المؤكّد أن الانقسام الذي سيحدث سينتزع آخر ما تبقّى للقوى المدنية من فاعلية سياسية، وهي فاعلية خسرت أغلبها منذ إطلاق الرصاصة الأولى عندما انهارت العملية السياسية، وذهب حلفاء الأمس في المكوّن العسكري إلى القتال.

لاحقاً، خسرت القوى المدنية الكثير بسبب مناورات قائد الجيش، إذ تراجع عن توقيع إعلان المبادئ، الذي وقّعه قائد "الدعم السريع" في أديس أبابا. فأصبحت القوى السياسية في خانة المتّهم بـ"التحالف مع الدعم السريع". لكن رغم هذا الاتهام، ورغم لجوء الحكومة العسكرية إلى مطاردة القوى المدنية بالبلاغات الجنائية، ظلّت القوى السياسية تأمل في تحقيق توافق عريض يؤدّي إلى وقف الحرب. لكن هذا التوافق لم يصمد طويلاً. فالمجموعات التي طرحت مسألة الحكومة الموازية ظلّت متمسّكة برؤيتها حتى لم يعد من الممكن احتواء الاختلاف داخل جسم واحد.

موقف القوى المدنية الرافض لتشكيل حكومة موازية ليس جديداً، بل هو خطّ قديم ظهر في 2019، عندما رفضت قوى الحرّية والتغيير إعلان حكومة ثورة من داخل ميدان الاعتصام، وعرّضها هذا الرفض لغضب كبير من قطاع عريض من القوى الثورية الشبابية، التي كانت ترى أن إعلان حكومة ثورية هو ردّ مناسب على مناورات المجلس العسكري في عملية التفاوض لتسليم السلطة عقب الإطاحة بنظام عمر البشير.

ظلّت القوى السياسية تتعامل مع قضية الشرعية بحذر، وبحساسية، إدراكاً بأن تنازع الشرعيات لا يؤدّي إلا إلى مزيد من الاحتقان والصدام. لكن تبدو مجموعة سليمان صندل مندفعةً بشكل مثير للدهشة، خاصّة مع خسارة "الدعم السريع" أجزاءَ واسعةً من العاصمة الخرطوم، ومدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة. فمع تقدّم الجيش السوداني، تنكمش مساحة سيطرة "الدعم السريع" بسرعة، ولم يعد أمام المليشيا، التي وقفت صباح 15 إبريل (2023) أمام القصر الرئاسي متأهّبةً لدخوله، لإعلان قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئيساً، إلا إعلان سلطتها في إقليم دارفور وفي أجزاء من إقليم كردفان. لذلك، سارعت القوات المشتركة المكوّنة من حركات دارفور المسلّحة، التي تقاتل مع الجيش، إلى سحب جنودها من مناطق الوسط والشمال للدفاع عن مدينة الفاشر. فالمدينة، التي قد تشهد المواجهة الأخيرة والأكبر، ربّما تحدّد مصير طموحات "الدعم السريع" وحكومته المدنية الموازية.

ظلّت الفاشر تتصدّى لهجمات قوات الدعم السريع شهوراً، وصمدت في ما يعتبر معركةً مصيرية. إذ لا يوجد شكّ في حجم المذابح التي ستحدث إن تمكّنت "الدعم السريع" من السيطرة على المدينة. لذلك، تبدو مسألة تكوين حكومة موالية لـ"الدعم السريع" أشبه بمحاولة إنقاذ سياسية للقوات المتراجعة عسكرياً. وهي محاولة غالباً محكوم عليها بالفشل، وسيدفع ثمنها السودانيون، إذ تزيد تعقيد مسار الحرب. لكن أوّل ضحاياها، حتى الآن، هي تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية.

العربي الجديد  

مقالات مشابهة

  • هل انقلبت موازين القوى في حرب السودان؟
  • نزاع الشرعيّة بعد نزاع السلاح في السودان
  • كان حاضراً في وصية الباقر العفيف الأخيرة … علم السودان بين التاريخ و السياسة متى أوان «التغيير» ؟
  • نيالا… مرضى الكُلى غسيل تحت القصف
  • الورشة التحضيرية للعملية السياسية بعد الحرب: الفرص والتحديات أمام القوى المدنية
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية
  • خياران لا ثالث لهما.. أمريكا بين الضربة العسكرية والحلول السياسية مع إيران
  • خياران لا ثالث لهما.. أمريكا بين الضربة العسكرية والحلول السياسية مع إيران - عاجل
  • العراق على أعتاب انتخابات 2025… بداية جديدة أم تكرار للتجارب السابقة؟
  • ثالث عملية تبادل رهائن وسجناء ببن الإحتلال وحركة حماس في إطار الهدنة