بعد غزة، أصبحت المواقف تجاه فلسطين وإسرائيل إحدى النقاط الفاصلة في السياسة التركية. في الواقع، تعتبر قضية فلسطين واحدة من الموضوعات التي تحظى بإجماع نادر بين الشعب التركي. ومع ذلك، هذا لا يعني أن هذه القضية فقدت قدرتها على التمييز بين المواقف السياسية بشكل كامل.
الرئيس رجب طيب أردوغان شبه حركة حماس بقوات "كُوَّة يِي ملِّيَّة" التركية (وهي مجموعة المقاومة الشعبية التي قاومت الاحتلال في أوائل القرن العشرين)، وهذا التشبيه لاقى قبولًا واسعًا بين الشعب التركي، حيث اعتبره العديد من الناس تشبيهًا مبررًا وصائبًا.
ومع ذلك، فإن زعيم حزب المعارضة وصف حماس بأنها جماعة إرهابية، ربما في تعارض مع آراء غالبية حزبه نفسه. رؤية أردوغان لحماس بهذا الشكل تتضمن كذلك الإشارة إلى أن إسرائيل تشكل تهديدًا لتركيا. وفي تصريحاته التي شَبَّهَ فيها حماس بقوات "كُوَّة يِي ملِّيَّة"، أضاف أردوغان أن إسرائيل، بسبب أحلامها بتحقيق "أرض الميعاد"، تمثل تهديدًا لتركيا.
لقد كان هذا التعبير بمثابة خطوة إضافية من جانب أردوغان لرفع سقف النقاش. من ناحية أخرى، حافظ رئيس حزب الشعب الجمهوري (CHP) على موقفه المعارض، مؤكدًا مرة أخرى أن إسرائيل لا تمثل تهديدًا لتركيا.
من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل، التي تقوم بهجمات إبادة جماعية ضد غزة بحقد وكراهية وغضب كبير، تسير في طريق لا رجعة فيه بالنسبة لها. هذا الطريق قد يؤدي إلى معاناة كبيرة ونتائج مأساوية على العالم كله، لكنه بلا شك يقود إسرائيل إلى مسار مقدر بالفناء. عدم وجود قوة حالية توقفها، بل حصولها على دعم غير محدود من الولايات المتحدة، لا يمنحها أبدًا الشعور بالأمان الذي تحتاجه أو تتخيل أنها ستصل إليه.
الحقيقة الإسرائيليَّة من منظور آخر هي هذا: وجود إسرائيل يتعارض مع التاريخ، مع الحقيقة، مع الجغرافيا، ومع الإنسانية. الفلسفة الصهيونية التي أوجدتها، والتي تتسم بسمات عنصرية – تفوقية، لا تعد بشيء سوى عدم الاستقرار، انعدام الثقة، الحرب، والبارانويا. هذا الأمر لم يظهر في 7 أكتوبر/ تشرين الأول أو بعده فقط. الفلسفة التي أوجدت إسرائيل هي التي دفعت إلى الاحتلال والسياسات العنصريَّة العدوانية التي أدَّت إلى هذا اليوم.
منذ الحرب العالمية الأولى، كان المشروع الصهيوني هو إشعال النار في المنطقة، تقسيمها، احتلالها، واستعمارها. تم تكليف كل دول الشرق الأوسط بدور في خدمة أمن إسرائيل.
هذه المهمة بُنيت على فرضية أن سكان هذه الأراضي ليسوا بشرًا كاملي الأهلية، وبالتالي يتم تجاهلهم أو طردهم أو قتلهم، ليتم تسليم أراضيهم إلى اليهود الحقيقيين. ما لم يحسبوا حسابه هو أن بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في هذه الأراضي، مفهوم الوطن ليس مجرد أرض أو قطعة من التراب، بل هو أمر مقدس يمكن الموت من أجله.
الفلسطيني الذي لم يتخلَّ عن وطنه وكان على استعداد للتضحية بحياته من أجله كان مفاجأة للصهاينة منذ البداية، لكنهم لم يتخلوا أبدًا عن رغبتهم في التغلب على هذه المفاجأة. مع الحقد والغضب والكراهية، استمروا في محاولة القضاء على سكان هذه الأرض الذين يقاومون بإصرار. وكلما فعلوا ذلك، ظهرت وحشيتهم أكثر، وزادت قسوتهم اللاإنسانية والبربرية.
اليوم، القتلى تحت القصف الإسرائيلي ليسوا الفلسطينيين وحدهم، بل الحضارة الصهيونية – الصليبية التي تحتضر بشهادتهم.
من لا يفهم طبيعة ولادة إسرائيل وزرعها في هذه الأرض، لا يفهم التاريخ، ولا الإنسان، ولا الحضارة الغربية، ولا الاستقلال. في الواقع، إذا أردنا فهم تاريخنا، ومسافة استقلالنا الحقيقي، وواقع الاحتلال، وما يهددنا حاليًا، فيجب علينا أن نفهم الحقيقة الإسرائيلية.
إسرائيل ليست ببساطة دولة أسسها بعض اليهود عام 1948 ثم تجاوزوا ذلك. منذ عام 1917، تم إعداد الأراضي الفلسطينية المحيطة بالقدس تدريجيًا من قبل البريطانيين لهذا الغرض. وبعد تأسيسها، استمرَّت إسرائيل في التوسع التدريجي والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
منذ اليوم الأول، كان كل شيء مخططًا له لصالح الصهيونية، ويتقدم خطوة بخطوة. لهذا المشروع التوسعي خطة تحمل اسم "أرض الميعاد"، وهي بالنسبة لهم قضية لا تقبل النقاش، حتى وإن كانت بالنسبة لنا هراء. ومن المؤسف أن الولايات المتحدة، التي تمثل أقوى وأكبر قوة عسكرية غير أخلاقية في العالم، والاتحاد الأوروبي يدعمان هذا المشروع بلا حدود.
حتى وإن كانت تلك "النبوءات" سخيفة بالنسبة لنا، فإنها تمثل إيمانًا عقائديًا حقيقيًا لهم، ولا يخفون ذلك. بل حتى في وسط الحرب، يتم الكشف عن تلك المعتقدات العقائدية في كل مرحلة. إنهم لا يربون أطفالهم على تاريخ أسطوري وخيالي مثلما نفعل نحن. بل يحيون حكاياتهم حول هذه الأراضي الموعودة، حتى لو كانت ملفقة، ويستخدمونها لبث مشاعر الثأر والعبودية والعداء العنصري.
إن تاريخ إسرائيل على مدى قرن من الزمن يوضح نواياها وخططها المستقبلية. إسرائيل اليوم هي قضية لكل الإنسانية؛ لأنها ترتكب جرائم الإبادة الجماعية. لكن إصرار البعض على إنكار التهديد الذي تشكله على تركيا بالذات هو جهل، ضلال، وربما خيانة.
تصريحات الرئيس أردوغان بأن "إسرائيل تستند إلى التوراة المحرفة، وبفعل التعصب الديني ستسعى بعد فلسطين ولبنان إلى تركيا" هي التعبير الأخف عن هذا التهديد. إن أي شخص في تركيا يعتبر نفسه تركيًا أو مسلمًا أو حتى إنسانًا، يجب أن يدرك هذا التهديد ويحدد موقفه منه.
لا شك أن دعم الولايات المتحدة وحلفائها لـ "حزب العمال الكردستاني" وأذرعه منذ 40 عامًا في تركيا وسوريا، رغم انتهاكهم معاهدات الناتو، هو جزء من هذا المشروع. علينا أن نتساءل: هل هذا الجهل أم الضلال أم الخيانة؟
وجود إسرائيل يشكل تهديدًا للبشرية. ومنذ يوم تأسيسها، لم تجلب شيئًا سوى الضرر لتركيا، وهي تهدف بشكل واضح إلى التهام تركيا. كيف يمكن لأي شخص عاقل أن يتجاهل هذا التهديد الواضح؟!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أن إسرائیل تهدید ا
إقرأ أيضاً:
أردوغان يتهم إسرائيل بالإرهاب ويتعهد بالوقوف مع المظلومين
اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بـ"ممارسة إرهاب دولة"، مؤكدا أن بلاده ستواصل الوقوف إلى جانب المظلومين.
وفي مؤتمر صحفي عقده الرئيس التركي على هامش مشاركته في قمة مجموعة العشرين بالبرازيل، قال أردوغان إن "التكلفة البشرية لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في المنطقة بدعم من قوى غربية تتزايد يوما بعد يوم".
وأضاف أن "العالم لم يتخذ حتى الآن الموقف الذي كنا ننتظره ضد ظلم إسرائيل"، مؤكدا أن تركيا ستواصل هذا النضال بالتعاون مع أصدقائها، مشددا على أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب المظلومين حتى لو بقيت بمفردها في ذلك.
وأكد الرئيس التركي أن "مشكلة بلاده هي مع الذين يجرون المنطقة إلى الفوضى وعدم الاستقرار عبر سياسة الاحتلال والغزو".
ولفت إلى أنه نتيجة لمبادرة تركيا تم تضمين عبارات قوية بشأن غزة في إعلان قادة مجموعة العشرين.
وشدد على أهمية الاعتراف بدولة فلسطين من قبل المزيد من الدول في هذه الفترة.
ولفت إلى أن "التاريخ لن يغفر للصامتين تحت أي ذريعة كانت تجاه هذا العنف وهذه الوتيرة المتصاعدة من الوحشية".
وأوضح أردوغان أن "مجلس الأمن الدولي تحول إلى هيكل نخبوي يخدم مصالح 5 أعضاء دائمين فقط بدلا من حماية حقوق 193 دولة عضوة بالأمم المتحدة".
وأعرب عن تمنياته بأن تقدم الإدارة الأميركية الجديدة على خطوات أكثر جرأة وحكمة ودعما على طريق السلام.
وحول تحديث روسيا عقيدتها النووية، قال أردوغان "لا نستطيع القول إن الحرب التي تستخدم فيها الأسلحة النووية لها جانب إيجابي".
وأردف "نأمل أن نتوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا بأقرب وقت ممكن ونوفر السلام الذي ينتظره العالم".