لجريدة عمان:
2025-03-06@19:08:08 GMT

«الروبوتات»..مستقبل العمل بلا توقف

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

«الروبوتات»..مستقبل العمل بلا توقف

وفقا إلى التقارير المنشورة والإحصائيات، فإن عدد الروبوتات الصناعية في العالم بلغ 3.4 مليون روبوت حتى عام 2024م، وأن هناك ما يقدّر من روبوت واحد لكل سبعة أفراد من البشر، وأن هذه الروبوتات استحوذت على ما يقرب من 14% من الوظائف في العالم التي كان يشغلها البشر، وكذلك تشير التقارير إلى أن 90% من المؤسسات التجارية بكل أنواعها تخطط في استعمال الروبوتات في تسيير أعمالها استنادا إلى إحصائيات نشرها موقع «Coolest-Gadgets» في دراسة بعنوان «Robots Statistics 2024 By Revenue, Usage and Companies».

هنا نحتاج أن نشير إلى أن قطاع الروبوتات سابق للذكاء الاصطناعي، فكانت بداية ظهور الروبوتات بنمطها الميكانيكي -دون الاندماج الإلكتروني والبرمجي- عام 1495م في هيئة فارس مقاتل يستطيع القيام ببعض الحركات الميكانيكية من اختراع «ليوناردو دافنشي»، وابتكر «إدموند كارترايت» في عام 1785م آلة نسج ملابس تعمل بواسطة الطاقة المائية التي عدّت -في زمنها- نوعا من أنواع الروبوتات نظرا لمكانتها التي أحدثت نقلة نوعية في الصناعة. تؤكد لنا هذه التقديرات والتقارير أننا في موجة متصاعدة في التقدم العلمي الذي يخص «الروبوتات»، وأننا مع مستقبل تزدهر فيه الصناعة والأعمال بشكل عام، وفي الوقت نفسه ترتفع فيها معدلات البطالة عند البشر، وهذا يجعلنا أمام تحديات نحتاج فيها إلى حلول مرضية للجميع، فنضمن فيها التدفق السليم والمفيد للتقنيات بما فيها «الروبوتات»، وكذلك نضمن حق الإنسان في الحصول على العمل، وهذا ما يجعلنا نفكر في حلول أكثر تقدما تخص توجه التعليم وتخصصاته المناسبة للأجيال القادمة التي تحتاج إلى إعادة التموضع في سوق العمل. نحن بحاجة قبل كل شيء أن نفهم ما نقصد بالروبوتات من حيث آلية عملها القديمة والحديثة، ونفهم وظائفها الحالية في قطاع العمل والوظائف المستقبلية، ونحدد المخاطر المترتبة من زحف «الروبوتات» إلى عالم الأعمال والصناعة والحلول الممكنة.

ما هي الروبوتات وكيف تعمل؟

ثمّة علم يطلق عليه علوم «الروبوتات»، ويعتبر مجالا علميا يتصل بتخصصات أخرى، ويركّز على عمليات تصميم الروبوتات وصناعتها وتشغيلها، ومن الناحية الفنية، فإن «الروبوتات» آلات تؤدي مهامَ تقليدية تحاكي بواسطتها أعمالا يقوم بها البشر. كانت الروبوتات الأولى أنظمة ميكانيكية بسيطة مصممة للقيام بالمهام الصناعية المتكررة مثل عمليات الأتمتة في المصانع، وتشمل عمليات اللحام والتجميع والفرز.

كانت هذه الآلات في زمنها المبكّر محدودة في قدراتها، حيث كانت تخضع لقوانين الميكانيكا الثابتة دون القدرة الحقيقية على اتخاذ القرارات أو التكّيف مع البيئات المتغيرة، وكانت المكونات الأساسية لهذه الروبوتات في بداية عهدها تشمل المحركات التي تسمح لها بالحركة، وأجهزة استشعار تقدّم ردودَ فعلٍ بيئية أساسية، وهيكلا ميكانيكيا يتمثل غالبا في أذرع ميكانيكية قابلة للتحرك وفق حدود رياضية وزوايا محددة تناسب الوظيفة المنوطة إليها. أما نظم التحكم؛ فكانت بدائية وتعتمد في كثير من الأحيان على منطق فيزيائي ثابت لا يملك قدرة على التفاعل مع أيّ بيانات تخص البيئة الخارجية ومعالجتها، مما جعل وظائف هذه الآلات في حدود المهام المتكررة المنوطة بها، ولهذا لم تكن ملائمة للبيئات المعقّدة أو الديناميكية.

على مر السنين، تطوّر علم الروبوتات بشكل كبير، فأصبحت الروبوتات الحديثة تدمج بين تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الدقيقة وأجهزة الاستشعار المتطورة.

أتاحت هذه التطويرات للروبوتات التحوّل من الأتمتة البسيطة إلى التفاعل بشكل أكثر سلاسة مع بيئتها الخارجية واتخاذ قرارات سريعة وذكية؛ فنجد مثلا أن الروبوتات في وقتنا الحاضر مزوّدة بأنظمة مثل نظام الاستشعار عن بعد « LiDAR» والرادار والكاميرات المتطورة التي تمنحها قدرات إدراك دقيقة للبيئة الخارجية وظروفها المتغيّرة. يتيح ارتباط الروبوت بالذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة القدرة على التعلم من التجارب السابقة؛ لتحسين قدرتها على أداء المهام المعقّدة مثل التنقّل الذاتي والتفاعل بطريقة مشابهة للبشر. أضحت الروبوتات المستعملة في مجالات مثل الرعاية الصحية والزراعة واللوجستيات قادرة على أداء مهام صعبة مثل الجراحة، وجني المحاصيل، وإدارة المخازن بشكل مستقل دون الحاجة لتدخل الإنسان، ويعكس هذا مدى تقدم هذا المجال.

تعمل الروبوتات الحديثة ذات الأنظمة الرقمية الذكية على التفاعل مع أجهزة الاستشعار، ومعالجة البيانات المرسلة، والتنفيذ. تجمع أجهزة الاستشعار البيانات من البيئة، ثم تُعالج بواسطة خوارزميات تعتمد في كثير من الأحيان على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات المناسبة. تُترجم هذه القرارات إلى حركات فعلية عبر المحركات، مما يمكّن الروبوت من التحرّك أو معالجة المشكلات وفق ضوابطه الخوارزمية، ويمكن أن نقرّب الأذهان إلى مثال المكانس الكهربائية الذكية المزوّدة بأجهزة الاستشعار لاكتشاف العقبات والأوساخ؛ لتقوم بجمع بيانات البيئة المحيطة ومعالجتها لرسم خريطة للمكان، وتعديل مسارها استنادا إلى المتغيرات والبيانات المستجدة. كذلك في مثال آخر فإن الروبوتات المستعملة في المستودعات تقوم بجمع البيانات المتعلقة ببيئتها وتحدد عناصر تلك البيئة وأشياءها، ثم تقوم بنقلها إلى المواقع المخصصة بكفاءة عالية.

أين يمكن توظيف الروبوتات؟

أضحت الروبوتات آلات ذات طابع عملي ذكي لا غنى عنها في العديد من المجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والصناعة، وتضاعفت أهميتها مع ثورة الذكاء الاصطناعي التي استطاعت الاندماج في الروبوتات معلنة عن ولادة ما يمكن أن نطلقَ عليه بـ«أنسنة الآلة» التي تعكس القدرات البشرية الجسدية والدماغية الموجودة في الروبوتات عبر قوة الذكاء الاصطناعي المصاحبة، وهذا يعيد تشكيل كيفية عمل الصناعات في وقتنا الحاضر ويعد أيضا بفرص تطورية أكبر في المستقبل نظرا إلى التأثير الكبير للروبوتات التي تعمل جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي.

أحد الحقول المهمة التي يمكن للروبوتات أن يتفاعل معها بكل مهارة حقل الرعاية الصحية؛ إذ أثبتت الروبوتات قيمتها بشكل خاص في مجالات طبية صعبة مثل الجراحة، وإعادة التأهيل، ورعاية المرضى. تتيح الروبوتات المتخصصة في العمليات الجراحية مثل نظام «Da Vinci» إجراء عمليات دقيقة وطفيفة التوغل في الجسد البشري؛ فيسهم في تسريع فترات التعافي ويحسّن من النتائج الصحية. كذلك نرى الأذرع الروبوتية التي -حتى وقتنا الحاضر- يملك جراحون ماهرون زمام التحكم بها -عن قرب وعن بعد- قادرة على تنفيذ عمليات جراحية معقّدة، ويصعب تنفيذها بالدقة المطلوبة بواسطة الأيدي البشرية. في نطاق وظيفي آخر، نجد التفاعل الذي يمكن أن تحدثه الأنظمة الروبوتية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في التشخيص الدقيق والسريع وتحديد الأدوية وتوصيلها وفقَ مخرجات التشخيص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية بسرعة ودقة أكبر من الطرق التقليدية؛ فيحسّن من اكتشاف الأمراض، ويمكن إجراء مثل هذه التشخيصات عبر الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي. في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشمل التطبيقات روبوتات مستقلة بالكامل يمكنها إجراء الجراحات ومساعدة العاملين في المجال الصحي في البيئات الخطرة أو النائية.

فيما يخص حقل التعليم، أظهرت الروبوتات مساهمة في عمليات التدريس وتحفيز الطلبة؛ فتُستعمل الروبوتات التعليمية مثل «Pepper» و«Nao» في الفصول الدراسية لمساعدة المعلمين والتفاعل مع الطلبة، وكذلك في المساعدة في تقديم تجارب تعليمية متخصصة وذات طابع تفاعلي، ومع الطفرة الرقمية التي سمحت لهذه الروبوتات أن تتحد مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها؛ فإنها تبرز قدراتها على التكيّف مع أنماط التعلم المتعددة ومع اختلاف مستوياتها، وفي صناعة المحتوى التعليمي المناسب وتقديم الملحوظات للطلبة وتقويم أدائهم الدراسي. في قادم المستقبل، ثمّة توقعات عالية أن الروبوتات ستصبح جزءًا لا يتجزأ من منظومة التعليم عن بُعد، والتعليم الشخصي «الفردي»، والعمل بمثابة المعلّم الشخصي للطلبة؛ فيساعد المعلمين في التعامل مع الموضوعات المعقّدة مثل الرياضيات والبرمجة وتبسيط العلوم والتقنيات الدقيقة.

في قطاع الصناعة، لا سيما في مجالات التصنيع والعمليات والإنتاج، شهدت الروبوتات تحولًا جذريًّا في الوظائف المرتبطة بالصناعة؛ ففي مجال التصنيع، تُستعمل الروبوتات لأداء مهام مثل تجميع المنتجات، واللحام، والتعامل مع المواد؛ فيضاعف من سرعة التصنيع وجودته، وتقليل المخاطر المتعلقة بالتصنيع والمواد الخطرة؛ إذ تعمل الروبوتات بسرعة ودقة أكبر من البشر. كذلك يمكن أن نرى ما يسمى بالروبوتات التعاونية تعمل جنبًا إلى جنب مع العمال البشر لأداء المهام الصعبة التي تتطلب مرونة البشر ودقة الروبوتات، وأدى إدخال الذكاء الاصطناعي في منظومة الروبوتات إلى تحسين قدرة هذه الروبوتات على العمل بشكل مستقل؛ حيث تتعلم بمرور الوقت وتتحسن استنادًا إلى البيانات التي تجمعها أثناء عملياتها. يمكن للروبوتات -في حاضرنا- المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنبؤ بأعطال الآلات الصناعية وتشخيص أعطالها -سبق الحديث عن هذا ببعض التفاصيل في مقال علمي نشرته مسبّقا في جريدة «عمان»-، وإدارة اللوجستيات، وتشغيل خطوط الإنتاج بأكملها مع تدخّل بشري قليل، ومن المتوقّع أن تشهد الصناعات مستقبلًا استعمالًا أوسع للروبوتات المدمجة بالذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات الصعبة، وتحسين الكفاءة، وتقليل الفقد، وخفض التكاليف.

مستقبل الروبوتات

يبشّر مستقبل الروبوتات بثورة كبيرة في قطاعات كثيرة خصوصا القطاع الصحي وقطاع الصناعة والأتمتة؛ فمن المتوقع أن تصبح الروبوتات أكثر استقلالية وذكاءً وتوسعًا في استعمالاتها، وستقود التطويرات التي نشهدها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الإدراكية إلى توليد روبوتات قادرة على اتخاذ قرارات ذكية وحاسمة ومتفاعلة بشكل أكثر شمولية مع البشر ونطاق وظائفها، وستكون هذه الروبوتات ذات هياكل مشابهة للبشر بشكل أكثر دهشة من الروبوتات الحالية المشابهة للبشر مثل روبوت «صوفيا»؛ فيسمح لها بأداء المهام التي تتطلب درجة أعلى من الدقة أو التكّيف مثل مساعدة كبار السن والعمل في بيئات خطرة. بالإضافة إلى ذلك، سيشهد المستقبل ميلاد الروبوتات الجماعية التي يمكنها العمل معًا باعتبارها وحدة متكاملة مشابهة عمل الفريق البشري، وستكون لهذه الروبوتات المتحدة وظائف ذات طبيعة حساسة مثل البحث والإنقاذ ومراقبة البيئة، ومع تقدم علوم المواد، من المتوقع أن تكون الروبوتات المستقبلية أكثر مرونة وخفة وذات طبيعة مقاومة لظروف البيئة، وقادرة على العمل في بيئات يصعب الوصول إليها في حاضرنا مثل أعماق البحار والفضاء الخارجي.

التحديات والحلول

رغم ذلك؛ ثمّة تحديات تصاحب النمو الرقمي وانتشار الروبوتات وتوسّع نطاق استعمالاتها ووظائفها أكثرها تتعلق بسوق العمل الذي سيفقد فيه الإنسان الكثير من الوظائف، ولكن لا بد من إعادة التموضع لمواجهة هذه التحديات، وتكمن آلية إعادة التموضع في إعادة تشكيل التخصصات العلمية ومنهاجها بما يناسب سوق العمل المتسارع في التغيير، وهذا ما يقود إلى إعادة بناء سوق عمل يتلاءم مع قدرات الإنسان التي لا يمكن للآلة الذكية بما فيها الروبوتات أن تمتلك ناصية أبجدياتها، ومنها القطاعات الرقمية التي تتفرع إلى تخصصات البرمجة والتحكم الخوارزمي ومراقبته، وحوكمة الذكاء الاصطناعي وتنفيذ تشريعاته المرتبطة بالأطر الأخلاقية. لا ينبغي أن نواجه هذه التحديات الحتمية بأسلوب الهروب والتخلي من مواكبة التقدم الرقمي؛ فكما أوضحنا في سطور سابقة؛ ستضيف الروبوتات وأنظمتها الذكية الكثير من المزايا في حياتنا الخاصة والعامة بما فيها عملياتنا الصناعية وأنظمتنا التعليمية والصحية، وكل ما علينا أن نفعله أن نعيد تموضعنا التخصصي في المنظومة التعليمية ونعيد تموضعنا في سوق العمل دون أيّ إفراط أو تفريط مع تفاعلاتنا الرقمية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بالذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی تعمل الروبوتات هذه الروبوتات سوق العمل مستقبل ا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري، مثل التعلم واتخاذ القرار، ويُستخدم في مجالات عدة كالصحة، والصناعة، والتكنولوجيا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية. في المقابل، يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على فهم وإدارة العواطف، مما يسهم في تحسين التواصل، والقيادة، واتخاذ القرارات الفاعلة. ورغم اختلاف مجاليهما، فإن تكاملهما أصبح ضروريًا لتعزيز الفاعلية في مختلف المجالات.

كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي على أنهما كيانان منفصلان، إذ ارتبط الذكاء الاصطناعي بالقدرات الحسابية والمنطقية، حيث يركز على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على الخوارزميات، دون أي بُعد عاطفي. في المقابل، اعتُبر الذكاء العاطفي مهارة بشرية بحتة، تتمحور حول إدارة المشاعر والتفاعل الاجتماعي، مما جعله وثيق الصلة بالقيادة والتواصل. الفرق الأساسي أن الذكاء الاصطناعي يُعامل كأداة تقنية، بينما يُنظر إلى الذكاء العاطفي كجزء من الذكاء البشري يصعب محاكاته بالتقنيات.

يُعد كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي مكملًا للآخر، حيث يواجه كل منهما تحديات دون الآخر؛ فالذكاء الاصطناعي، دون الذكاء العاطفي، يعاني من ضعف في فهم المشاعر البشرية واتخاذ قرارات تتسم بالتعاطف، مما قد يؤثر على جودة التفاعل مع البشر. في المقابل، يواجه الذكاء العاطفي صعوبات في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتحسين الإنتاجية، واتخاذ القرارات المعقدة دون الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي. لذلك، أصبح التكامل بينهما ضروريًا لتعزيز الكفاءة البشرية والتقنية معًا.

ويمكن تحقيق هذا التكامل من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر عبر النصوص، والصوت، وتعبيرات الوجه، مما يتيح فهمًا أعمق للتفاعل البشري. في المقابل، يسهم الذكاء العاطفي في تحسين الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير برمجيات تجعله أكثر استجابة للمشاعر البشرية، مما يساعد في إنشاء واجهات مستخدم أكثر إنسانية وتفاعلية، تعزز تجربة المستخدم وتجعل التقنيات الذكية أكثر توافقًا مع الاحتياجات الاجتماعية.

ويسهم تكامل الذكاءين في تحسين العديد من المجالات. ففي قطاع الأعمال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي العاطفي لتعزيز تجربة العملاء من خلال تحليل مشاعرهم والاستجابة لها بذكاء. وفي مجال الطب، تُوظَّف الروبوتات لدعم المرضى نفسيًا وعاطفيًا، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم. أما في الموارد البشرية، فتعتمد الشركات على أدوات متطورة لتحليل رضا الموظفين وتعزيز تفاعلهم، مما يساعد في خلق بيئات عمل أكثر استجابة ومرونة.

ورغم الفوائد الكبيرة لهذا التكامل، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والانحياز الخوارزمي وتأثيره على التفاعل البشري. فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا حقيقيًا، بل يعتمد على تحليل الأنماط والاستجابات المبرمجة، مما يجعله غير قادر على الإحساس الحقيقي. كما إن هناك مخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية دون إذن، والانحياز في تحليل المشاعر، ومخاطر التلاعب النفسي بالمستخدمين. ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بحيث لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء العاطفي، بل يكمله لتعزيز الفاعلية دون المساس بجوهر التفاعل الإنساني.

أما فيما يتعلق بدور الأبحاث والتكنولوجيا في تحقيق التكامل، فيجب تطوير أنظمة قادرة على فهم المشاعر البشرية باستخدام تقنيات التعلم العميق وتحليل اللغة الطبيعية. كما ينبغي تعزيز الذكاء العاطفي الاصطناعي ليكون أداة داعمة للتجارب البشرية، بحيث يساعد في تحسين التفاعل والتواصل دون أن يحل محل المشاعر الإنسانية.

المستقبل يعتمد على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، مما يؤدي إلى ثورة في مجالات العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، مع ضرورة وضع ضوابط أخلاقية تضمن التوازن البشري. يسهم هذا التكامل في تحسين بيئات العمل من خلال تحليل مشاعر الموظفين وتعزيز الإنتاجية، كما يتيح التعليم التكيفي الذي يستجيب لعواطف الدارسين، مما يعزز تجربة التعلم. وفيما يتعلق بالعلاقات البشرية، فإنه يدعم التواصل الفاعل، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية إذا أُسيء استخدامه، مما يستدعي توجيه هذا التطور بما يحقق أقصى فائدة دون الإضرار بالجوانب الإنسانية.

من هنا، يمكن الاستنتاج أن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي ضروري لتحقيق توازن فاعل بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الإنتاجية والدقة، بينما يضمن الذكاء العاطفي اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة المشاعر البشرية بشكل كامل، إلا أنها قادرة على دعم الفهم العاطفي وتعزيز التفاعل البشري.

لذا.. فإنَّ تحقيق أقصى استفادة من هذا التكامل يتطلب توجيه التطور التكنولوجي نحو تعزيز القيم الإنسانية، وضمان الاستخدام الأخلاقي للابتكارات التقنية، بما يسهم في رفاهية المجتمعات واستدامة التطور ودعم مستقبل أكثر ذكاءً وإنسانيةً.

مقالات مشابهة

  • الأهلي يسخر من قرعة الذكاء الاصطناعي
  • بحضور محافظ حلب المهندس عزام الغريب.. ندوة لوزارة التنمية الإدارية حول توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال العمل الحكومي
  • ذبح الخنازير.. كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي الاحتيال المالي إلى كارثة عالمية؟
  • الذكاء الاصطناعي تكلفة عالية على البيئة
  • «الاتحادية للضرائب» و«مايكروسوفت» يعززان الابتكار باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • الاتحادية للضرائب ومايكروسفت يعززان الابتكار باستخدام الذكاء الاصطناعي
  • هل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية تغيِّر مسار مستقبل المهن والوظائف في سلطنة عمان؟
  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي