لجريدة عمان:
2024-10-23@08:15:07 GMT

الروبوتات شبه البشرية ستغزو الفضاء

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

الروبوتات شبه البشرية ستغزو الفضاء

ترجمة: أحمد شافعي -

أقف الآن أمام أحد أكثر الروبوتات تقدما في العالم مذهولا من شكله شبه البشري. يشبه جزئيا ترانسفورمر ويشبه جزئيا جندي العاصفة في حرب النجوم وله أيدٍ يبدو كأنها قادرة أن تحطم علب المشروبات، طوله 180 سنتيمترا ويزن 120 كيلوجراما، وهذا هو روبوت فالكير المخيف التابع لوكالة ناسا.

لكن الوجه هو أكثر ما يذهلني.

فحيثما يجب أن توجد العينان والفم والأنف، ثمة تجويف مليء بأجهزة استشعار تدور وتومض، ومن بينها أجهزة كشف الضوء التي تمنح الروبوت رؤية للعالم ثلاثية الأبعاد وتترك عنه انطباعا أكيدا بأنه لا مجال عنده للمزاح.

ويليق هذا به، لأنه في حين تستهدف التطورات العصرية الراهنة في مجال الذكاء الاصطناعي -من قبيل تشات جي بي تي- أتمتة العمل والإبداع في المكاتب، فإن صناع فالكير أكثر تركيزا على الوظائف التي تمثل خطورة فائقة على البشر، سواء على كوكب الأرض أو في الفضاء في يوم من الأيام.

لدى ناسا خمسة من روبوتات فالكير موزعة في العالم، والذي أزوره اليوم موجود في منشأة كاردا في بيرث بغرب أستراليا، وهو معمل مملوك لشركة إينرجي العاملة في مجال النفط والغاز. وبما لهذه الشركة النفطية العملاقة من بنية أساسية بحرية ضخمة، فإنها تمثل شريكا جيدا في استكشاف كيفية إرسال الروبوتات شبه البشرية إلى بيئات صعبة لإتمام مهام خطيرة.

تقول جابرييل بينوك من وودسايد إن الذراعين لدى فالكير -الذي تسميه (فال) مثل بقية الفريق وتشير إليه بضمير المؤنث (هي)- والساقين والحركات المعقدة مثيرة للإعجاب بصفة خاصة.

وتقول بينوك إن «هذا أمر فريد في حالة فال، وأعتقد أنها ربما تكون الأكثر تعقيدا من حيث التكامل الرقمي في أنظمتها، وتكنولوجيا الاستشعار، وهذا المستوى من التعقيد. لا أعتقد أننا نرى مثل ذلك حقا في أي من منصاتنا الروبوتية الأخرى».

تم اختبار قدرات فالكير في منشأة كاردا لكي يتمكن الباحثون من معرفة ما الذي يتطلبه إرسال روبوت إلى منشآت بحرية أو إلى الفضاء.

في البداية، اكتفيت بالمشاهدة إذ يتم التحكم في الروبوت من خلال الواقع الافتراضي، فيسير ويدور وينحني في ثبات. ومع ذلك لاحظت أحزمة متدلية من رافعة علوية. ففي ظل التكلفة المعتدلة التي تتجاوز مليوني دولار لا ترغب ناسا في أن تنكفئ فالكير.

ثم حان دوري، يناديني أحد أفراد الفريق ويزودني بجهاز الواقع الافتراضي. أفتح عيني وإذا بالغرفة أمامي قد تحولت إلى صورة رقمية للمختبر، يمكنني أن أرى فالكير أمامي في صورة رقمية، وعلى الأرض شكل سداسي طولبت بالمشي إليه. ولا أكاد أقف فوق المسدس حتى يبدو وكأن جسدي امتزج بجسد الروبوت. تصبح ذراعاه ذراعيّ وكل ما بي يندمج به. وفي كل يد من يدي أمسك بجهاز تحكم يخرج منه في الفراغ الرقمي شعاع أشبه بالليزر يشير إلى السقف.

يوجهونني إلى أن أنطق الأمر لأجعل فالكير تحت سيطرتي. لكن لأن اسم فالكير مأخوذ من الأساطير الإسكندنافية، فإنني أفهم خطأ أن أندرو شيري -مهندس الروبوتات في شركة وودسايد- يطلب مني أن أقول «ثور Thor» [وهو أيضا اسم شخصية من الأساطير الإسكندنافية]، في حين أنه كان يقول Thaw أي «أذِب التجمد». استغرقت بعض الوقت حتى فهمت الخلط.

بنطقي للأمر، يبدو وكأن الروبوت يفيق، وذلك إحساس يصفه الباحثون بـ«الدخول في الجلد». أبدأ بتحريك أطرافي في تردد فأرى الحركات تنعكس في بيئة الواقع الافتراضي. يؤكد أندرو شيري أن الروبوت الواقف على بعد أمتار قليلة أمامي يتبع حركاتي في العالم المادي. أحرك رأسي، أقعى على الأرض، أنحني، فتفعل فالكيري مثلما أفعل.

بعد دقائق قليلة، أبدأ في الشعور بمزيد من الثقة فأحني رأسي انحناءة كاملة، لكنني من فرط حماسي أنحني انحناءة أكبر مما تسمح به أحزمة الرافعة، فيطلب مني أندرو شيري أن أعتدل. ويطلب مني أن آمر فالكير قائلا «جمِّدي كل شيء»، ولا أكاد أكرر الأمر حتى أشعر أن فالكير تنفصل عني فأتراجع إلى الوراء، شاعرا أن روحي تخرج من بدني. وبذلك تنتهي الجلسة ويتحرك الروبوت على عربة إلى غرفة تخزين آمنة.

فهل أكون بذلك قد عاينت ما سيكون عليه استكشاف الفضاء من خلال جسم روبوتي؟ يقول شون آزيمي في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة ناسا في هيوستن بتكساس إن الأمر ليس كذلك بالضبط، فلن يذهب إلى الفضاء أي من روبوتات فالكير الخمس، لكن روبوتات المستقبل التي تحتوي على تكنولوجيا فالكير سوف تذهب. في الحقيقة أن الوقت الذي قضيته متحكما في فالكير بدا عالي التقنية لكن هذه النسخ من الروبوتات عمرها عقد من الزمن وقد تتقاعد عما قريب بحسب ما قال آزيمي.

افتقاد السيقان

من المواضيع المهمة أن فالكير مصممة للسير في جاذبية الأرض، ولكن نسخة مصممة للسير في ظل انعدام الجاذبية لن تكون بحاجة إلى سيقان. لذلك فإن التركيز في الجيل التالي سوف ينصب على الأمان والاعتمادية لأن هامش الخطأ في الفضاء أو في البيئات القاسية على الأرض صغير. والذين يقومون بتوظيف الروبوتات شبه البشرية ينبغي أن يضمنوا ألا تحتاج الروبوتات إلى أحزمة تقيهم الوقوع.

يقول آزيمي إن «قدرة فالكير الجسدية قوية حقا، ولكن ما يحاول الجميع الآن اللحاق بركبه، ومنهم الصناعة الحالية التي يجري ضخ مليارات الدولارات فيها، هو الذكاء والتكيف والمرونة والأمان والتنبؤ بالصواب بحيث يتسنى لنا امتلاك روبوت قادر دوما على القيام بالفعل الصحيح».

يقول آزيمي إنه في حين تم صنع فالكيري في الوكالة فإن خليفتها على الأرجح سوف تكون نتيجة التحدي الذي فرضته ناسا على الآخرين، فالجامعات والشركات سوف تتبارى في الابتكار.

فعلى سبيل المثال، يقول آزيمي إن المعرفة المكتسبة من برنامج فالكير مجتمعةً مع تطورات فرق بحثية أخرى في شتى أرجاء العالم سوف توجَّه لحل مشكلات من قبيل جمع الخامات من سطح قطب القمر الجنوبي.

وفيما يشارف وقتي مع فالكيري على نهايته، ينتابني إحساس بأنني شهدت تقنية تستهل مستقبلا لم يصل بعد. ويسارع عقلي إلى التفكير في مستقبل خيال علمي للروبوتات شبه البشرية. تخيلوا الدمج بين نماذج لغوية كبيرة مثل تشات جي بي تي مع براعة فالكير الحركية مع تطورات حديثة من قبيل الروبوت المزود ببشرة بشرية. هل يمكن أن يكون الروبوت المماثل للبشر بعيدا عنا؟

يقول آزيمي: «أعتقد أن من الممكن أن يكون لدينا إنسان اصطناعي، شيء شبيه بالقائد داتا في ستار تريك، لكن ذلك لا يزال بعيدا». يقول إن تصور شيء من قبيل هال في 2001: أوديسة الفضاء، وهو صوت كمبيوتري مدمج في أنظمة سفينة فضائية أسهل من تصور روبوت مكتمل.

في الوقت نفسه، ثمة عمل مهم أمام فالكير وخلفائها في أستراليا للتعامل مع بيئة شبه فضائية حسبما يقول آزيمي، مضيفا أن «بوسعك أن ترى نوعا من التماثلات الطبيعية مع قاعدة مستقبلية في القمر أو المريخ وذلك يمنحنا أرض اختبار للبيئة الواقعية».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من قبیل

إقرأ أيضاً:

«الروبوتات»..مستقبل العمل بلا توقف

وفقا إلى التقارير المنشورة والإحصائيات، فإن عدد الروبوتات الصناعية في العالم بلغ 3.4 مليون روبوت حتى عام 2024م، وأن هناك ما يقدّر من روبوت واحد لكل سبعة أفراد من البشر، وأن هذه الروبوتات استحوذت على ما يقرب من 14% من الوظائف في العالم التي كان يشغلها البشر، وكذلك تشير التقارير إلى أن 90% من المؤسسات التجارية بكل أنواعها تخطط في استعمال الروبوتات في تسيير أعمالها استنادا إلى إحصائيات نشرها موقع «Coolest-Gadgets» في دراسة بعنوان «Robots Statistics 2024 By Revenue, Usage and Companies». هنا نحتاج أن نشير إلى أن قطاع الروبوتات سابق للذكاء الاصطناعي، فكانت بداية ظهور الروبوتات بنمطها الميكانيكي -دون الاندماج الإلكتروني والبرمجي- عام 1495م في هيئة فارس مقاتل يستطيع القيام ببعض الحركات الميكانيكية من اختراع «ليوناردو دافنشي»، وابتكر «إدموند كارترايت» في عام 1785م آلة نسج ملابس تعمل بواسطة الطاقة المائية التي عدّت -في زمنها- نوعا من أنواع الروبوتات نظرا لمكانتها التي أحدثت نقلة نوعية في الصناعة. تؤكد لنا هذه التقديرات والتقارير أننا في موجة متصاعدة في التقدم العلمي الذي يخص «الروبوتات»، وأننا مع مستقبل تزدهر فيه الصناعة والأعمال بشكل عام، وفي الوقت نفسه ترتفع فيها معدلات البطالة عند البشر، وهذا يجعلنا أمام تحديات نحتاج فيها إلى حلول مرضية للجميع، فنضمن فيها التدفق السليم والمفيد للتقنيات بما فيها «الروبوتات»، وكذلك نضمن حق الإنسان في الحصول على العمل، وهذا ما يجعلنا نفكر في حلول أكثر تقدما تخص توجه التعليم وتخصصاته المناسبة للأجيال القادمة التي تحتاج إلى إعادة التموضع في سوق العمل. نحن بحاجة قبل كل شيء أن نفهم ما نقصد بالروبوتات من حيث آلية عملها القديمة والحديثة، ونفهم وظائفها الحالية في قطاع العمل والوظائف المستقبلية، ونحدد المخاطر المترتبة من زحف «الروبوتات» إلى عالم الأعمال والصناعة والحلول الممكنة.

ما هي الروبوتات وكيف تعمل؟

ثمّة علم يطلق عليه علوم «الروبوتات»، ويعتبر مجالا علميا يتصل بتخصصات أخرى، ويركّز على عمليات تصميم الروبوتات وصناعتها وتشغيلها، ومن الناحية الفنية، فإن «الروبوتات» آلات تؤدي مهامَ تقليدية تحاكي بواسطتها أعمالا يقوم بها البشر. كانت الروبوتات الأولى أنظمة ميكانيكية بسيطة مصممة للقيام بالمهام الصناعية المتكررة مثل عمليات الأتمتة في المصانع، وتشمل عمليات اللحام والتجميع والفرز.

كانت هذه الآلات في زمنها المبكّر محدودة في قدراتها، حيث كانت تخضع لقوانين الميكانيكا الثابتة دون القدرة الحقيقية على اتخاذ القرارات أو التكّيف مع البيئات المتغيرة، وكانت المكونات الأساسية لهذه الروبوتات في بداية عهدها تشمل المحركات التي تسمح لها بالحركة، وأجهزة استشعار تقدّم ردودَ فعلٍ بيئية أساسية، وهيكلا ميكانيكيا يتمثل غالبا في أذرع ميكانيكية قابلة للتحرك وفق حدود رياضية وزوايا محددة تناسب الوظيفة المنوطة إليها. أما نظم التحكم؛ فكانت بدائية وتعتمد في كثير من الأحيان على منطق فيزيائي ثابت لا يملك قدرة على التفاعل مع أيّ بيانات تخص البيئة الخارجية ومعالجتها، مما جعل وظائف هذه الآلات في حدود المهام المتكررة المنوطة بها، ولهذا لم تكن ملائمة للبيئات المعقّدة أو الديناميكية.

على مر السنين، تطوّر علم الروبوتات بشكل كبير، فأصبحت الروبوتات الحديثة تدمج بين تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الدقيقة وأجهزة الاستشعار المتطورة.

أتاحت هذه التطويرات للروبوتات التحوّل من الأتمتة البسيطة إلى التفاعل بشكل أكثر سلاسة مع بيئتها الخارجية واتخاذ قرارات سريعة وذكية؛ فنجد مثلا أن الروبوتات في وقتنا الحاضر مزوّدة بأنظمة مثل نظام الاستشعار عن بعد « LiDAR» والرادار والكاميرات المتطورة التي تمنحها قدرات إدراك دقيقة للبيئة الخارجية وظروفها المتغيّرة. يتيح ارتباط الروبوت بالذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة القدرة على التعلم من التجارب السابقة؛ لتحسين قدرتها على أداء المهام المعقّدة مثل التنقّل الذاتي والتفاعل بطريقة مشابهة للبشر. أضحت الروبوتات المستعملة في مجالات مثل الرعاية الصحية والزراعة واللوجستيات قادرة على أداء مهام صعبة مثل الجراحة، وجني المحاصيل، وإدارة المخازن بشكل مستقل دون الحاجة لتدخل الإنسان، ويعكس هذا مدى تقدم هذا المجال.

تعمل الروبوتات الحديثة ذات الأنظمة الرقمية الذكية على التفاعل مع أجهزة الاستشعار، ومعالجة البيانات المرسلة، والتنفيذ. تجمع أجهزة الاستشعار البيانات من البيئة، ثم تُعالج بواسطة خوارزميات تعتمد في كثير من الأحيان على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ القرارات المناسبة. تُترجم هذه القرارات إلى حركات فعلية عبر المحركات، مما يمكّن الروبوت من التحرّك أو معالجة المشكلات وفق ضوابطه الخوارزمية، ويمكن أن نقرّب الأذهان إلى مثال المكانس الكهربائية الذكية المزوّدة بأجهزة الاستشعار لاكتشاف العقبات والأوساخ؛ لتقوم بجمع بيانات البيئة المحيطة ومعالجتها لرسم خريطة للمكان، وتعديل مسارها استنادا إلى المتغيرات والبيانات المستجدة. كذلك في مثال آخر فإن الروبوتات المستعملة في المستودعات تقوم بجمع البيانات المتعلقة ببيئتها وتحدد عناصر تلك البيئة وأشياءها، ثم تقوم بنقلها إلى المواقع المخصصة بكفاءة عالية.

أين يمكن توظيف الروبوتات؟

أضحت الروبوتات آلات ذات طابع عملي ذكي لا غنى عنها في العديد من المجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والصناعة، وتضاعفت أهميتها مع ثورة الذكاء الاصطناعي التي استطاعت الاندماج في الروبوتات معلنة عن ولادة ما يمكن أن نطلقَ عليه بـ«أنسنة الآلة» التي تعكس القدرات البشرية الجسدية والدماغية الموجودة في الروبوتات عبر قوة الذكاء الاصطناعي المصاحبة، وهذا يعيد تشكيل كيفية عمل الصناعات في وقتنا الحاضر ويعد أيضا بفرص تطورية أكبر في المستقبل نظرا إلى التأثير الكبير للروبوتات التي تعمل جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي.

أحد الحقول المهمة التي يمكن للروبوتات أن يتفاعل معها بكل مهارة حقل الرعاية الصحية؛ إذ أثبتت الروبوتات قيمتها بشكل خاص في مجالات طبية صعبة مثل الجراحة، وإعادة التأهيل، ورعاية المرضى. تتيح الروبوتات المتخصصة في العمليات الجراحية مثل نظام «Da Vinci» إجراء عمليات دقيقة وطفيفة التوغل في الجسد البشري؛ فيسهم في تسريع فترات التعافي ويحسّن من النتائج الصحية. كذلك نرى الأذرع الروبوتية التي -حتى وقتنا الحاضر- يملك جراحون ماهرون زمام التحكم بها -عن قرب وعن بعد- قادرة على تنفيذ عمليات جراحية معقّدة، ويصعب تنفيذها بالدقة المطلوبة بواسطة الأيدي البشرية. في نطاق وظيفي آخر، نجد التفاعل الذي يمكن أن تحدثه الأنظمة الروبوتية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي للمساعدة في التشخيص الدقيق والسريع وتحديد الأدوية وتوصيلها وفقَ مخرجات التشخيص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل الصور الطبية بسرعة ودقة أكبر من الطرق التقليدية؛ فيحسّن من اكتشاف الأمراض، ويمكن إجراء مثل هذه التشخيصات عبر الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي. في المستقبل القريب، من المتوقع أن تشمل التطبيقات روبوتات مستقلة بالكامل يمكنها إجراء الجراحات ومساعدة العاملين في المجال الصحي في البيئات الخطرة أو النائية.

فيما يخص حقل التعليم، أظهرت الروبوتات مساهمة في عمليات التدريس وتحفيز الطلبة؛ فتُستعمل الروبوتات التعليمية مثل «Pepper» و«Nao» في الفصول الدراسية لمساعدة المعلمين والتفاعل مع الطلبة، وكذلك في المساعدة في تقديم تجارب تعليمية متخصصة وذات طابع تفاعلي، ومع الطفرة الرقمية التي سمحت لهذه الروبوتات أن تتحد مع أنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها؛ فإنها تبرز قدراتها على التكيّف مع أنماط التعلم المتعددة ومع اختلاف مستوياتها، وفي صناعة المحتوى التعليمي المناسب وتقديم الملحوظات للطلبة وتقويم أدائهم الدراسي. في قادم المستقبل، ثمّة توقعات عالية أن الروبوتات ستصبح جزءًا لا يتجزأ من منظومة التعليم عن بُعد، والتعليم الشخصي «الفردي»، والعمل بمثابة المعلّم الشخصي للطلبة؛ فيساعد المعلمين في التعامل مع الموضوعات المعقّدة مثل الرياضيات والبرمجة وتبسيط العلوم والتقنيات الدقيقة.

في قطاع الصناعة، لا سيما في مجالات التصنيع والعمليات والإنتاج، شهدت الروبوتات تحولًا جذريًّا في الوظائف المرتبطة بالصناعة؛ ففي مجال التصنيع، تُستعمل الروبوتات لأداء مهام مثل تجميع المنتجات، واللحام، والتعامل مع المواد؛ فيضاعف من سرعة التصنيع وجودته، وتقليل المخاطر المتعلقة بالتصنيع والمواد الخطرة؛ إذ تعمل الروبوتات بسرعة ودقة أكبر من البشر. كذلك يمكن أن نرى ما يسمى بالروبوتات التعاونية تعمل جنبًا إلى جنب مع العمال البشر لأداء المهام الصعبة التي تتطلب مرونة البشر ودقة الروبوتات، وأدى إدخال الذكاء الاصطناعي في منظومة الروبوتات إلى تحسين قدرة هذه الروبوتات على العمل بشكل مستقل؛ حيث تتعلم بمرور الوقت وتتحسن استنادًا إلى البيانات التي تجمعها أثناء عملياتها. يمكن للروبوتات -في حاضرنا- المدعومة بالذكاء الاصطناعي التنبؤ بأعطال الآلات الصناعية وتشخيص أعطالها -سبق الحديث عن هذا ببعض التفاصيل في مقال علمي نشرته مسبّقا في جريدة «عمان»-، وإدارة اللوجستيات، وتشغيل خطوط الإنتاج بأكملها مع تدخّل بشري قليل، ومن المتوقّع أن تشهد الصناعات مستقبلًا استعمالًا أوسع للروبوتات المدمجة بالذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات الصعبة، وتحسين الكفاءة، وتقليل الفقد، وخفض التكاليف.

مستقبل الروبوتات

يبشّر مستقبل الروبوتات بثورة كبيرة في قطاعات كثيرة خصوصا القطاع الصحي وقطاع الصناعة والأتمتة؛ فمن المتوقع أن تصبح الروبوتات أكثر استقلالية وذكاءً وتوسعًا في استعمالاتها، وستقود التطويرات التي نشهدها في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الإدراكية إلى توليد روبوتات قادرة على اتخاذ قرارات ذكية وحاسمة ومتفاعلة بشكل أكثر شمولية مع البشر ونطاق وظائفها، وستكون هذه الروبوتات ذات هياكل مشابهة للبشر بشكل أكثر دهشة من الروبوتات الحالية المشابهة للبشر مثل روبوت «صوفيا»؛ فيسمح لها بأداء المهام التي تتطلب درجة أعلى من الدقة أو التكّيف مثل مساعدة كبار السن والعمل في بيئات خطرة. بالإضافة إلى ذلك، سيشهد المستقبل ميلاد الروبوتات الجماعية التي يمكنها العمل معًا باعتبارها وحدة متكاملة مشابهة عمل الفريق البشري، وستكون لهذه الروبوتات المتحدة وظائف ذات طبيعة حساسة مثل البحث والإنقاذ ومراقبة البيئة، ومع تقدم علوم المواد، من المتوقع أن تكون الروبوتات المستقبلية أكثر مرونة وخفة وذات طبيعة مقاومة لظروف البيئة، وقادرة على العمل في بيئات يصعب الوصول إليها في حاضرنا مثل أعماق البحار والفضاء الخارجي.

التحديات والحلول

رغم ذلك؛ ثمّة تحديات تصاحب النمو الرقمي وانتشار الروبوتات وتوسّع نطاق استعمالاتها ووظائفها أكثرها تتعلق بسوق العمل الذي سيفقد فيه الإنسان الكثير من الوظائف، ولكن لا بد من إعادة التموضع لمواجهة هذه التحديات، وتكمن آلية إعادة التموضع في إعادة تشكيل التخصصات العلمية ومنهاجها بما يناسب سوق العمل المتسارع في التغيير، وهذا ما يقود إلى إعادة بناء سوق عمل يتلاءم مع قدرات الإنسان التي لا يمكن للآلة الذكية بما فيها الروبوتات أن تمتلك ناصية أبجدياتها، ومنها القطاعات الرقمية التي تتفرع إلى تخصصات البرمجة والتحكم الخوارزمي ومراقبته، وحوكمة الذكاء الاصطناعي وتنفيذ تشريعاته المرتبطة بالأطر الأخلاقية. لا ينبغي أن نواجه هذه التحديات الحتمية بأسلوب الهروب والتخلي من مواكبة التقدم الرقمي؛ فكما أوضحنا في سطور سابقة؛ ستضيف الروبوتات وأنظمتها الذكية الكثير من المزايا في حياتنا الخاصة والعامة بما فيها عملياتنا الصناعية وأنظمتنا التعليمية والصحية، وكل ما علينا أن نفعله أن نعيد تموضعنا التخصصي في المنظومة التعليمية ونعيد تموضعنا في سوق العمل دون أيّ إفراط أو تفريط مع تفاعلاتنا الرقمية.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • «الروبوتات»..مستقبل العمل بلا توقف
  • روبوت صيني بشري يسجل رقماً قياسياً بأطول قفزة
  • عصر الروبوتات … نهاية السيطرة البشرية
  • ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم
  • ثورة في عالم الإنجاب.. الروبوتات تتفوق على الأطباء بعشر مرّات
  • دراسة تكشف تفوق الروبوتات في التلقيح الاصطناعي
  • تحمل مواد متفجرة وغازات سامة.. الروبوت «جاكوار» يقود المعارك الإسرائيلية في غزة
  • موقع أكسيوس: مسؤول أمريكي يقول إن من غير المرجح أن يوافق لبنان والمجتمع الدولي على شروط إسرائيل
  • جيش الاحتلال يقول إنه قصف “مركز قيادة” لـ”حزب الله” في بيروت