لجريدة عمان:
2025-04-14@20:03:33 GMT

أسرار النجوم الكامنة في حضارة الأجداد

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

أسرار النجوم الكامنة في حضارة الأجداد

قبل أن يشير الإنسان إلى عقارب الساعة لمعرفة الوقت، كان العمانيون ينظرون إلى السماء. كانت النجوم هي ساعتهم، والقمر تقويمهم. في أعماق الصحراء العمانية، وعلى سواحلها الشاسعة، بنى الأجداد حضارة استندت إلى فهم عميق لأسرار الكون.

ويتوسع الإبداع الفلكي العماني بتكامل واضح مع العلوم الأخرى كالعمارة والهندسة وغيرها لتجسد واقعا يقف شاهدا إلى يوم الناس هذا، فنجد القلاع والحصون والتي راعى العمانيون في هندستها الاتصال الواضح مع علم الفلك والذي يتضح في اتجاهات فتحات التهوية وزاوية دخول ضوء الشمس والقمر في مواقيت محددة وبزوايا مختلفة كما راعوا فيها أيضا الحسابات الفلكية الأخرى المتعلقة بالمواسم المختلفة عند بناء هذه الصروح المعمارية، وامتدت معرفتهم الفلكية إلى الجانب الزراعي فنجد على سبيل المثال مدرجات الجبل الأخضر خير شاهد على ذلك فهذه المدرجات تعتمد بشكل كبير على ضوء زاوية سقوط ضوء الشمس وتدرجها وبالتالي الاستفادة منها زراعيا.

الشمس والنجوم تقسمان حصص المياه بين الناس

ولم تكن هندسة الأفلاج ببعيدة عن هذا التكامل الواضح بين العلوم فالفلج يعد ركيزة مهمة من الركائز التي قامت عليها القرى والتجمعات السكانية في سلطنة عمان، وتعتبر أحد الشواهد على إبداعات العمانيين الهندسية، فقد سخر العمانيون معرفتهم العلمية بصورة تكاملية لجعل الفلج مشروعا ناجحا في كل جوانبه وتفاصيله، وتعتبر عملية تقسيم الفلج أحد هذه الجوانب إذ تمازجت فيها الخبرات المعرفية في الهندسية بالفلك مع التوافق الاجتماعي لتشكل منهجا حسابيا اتبعه المزارعون لعقود من الزمن وأضحى رمزا ومعلما مرتبطا ارتباطا وثيقا بالأفلاج، حيث أوجدوا نظام المزولة الشمسية والمعروفة محليا باسم «اللمد» وهو نظام قائم على حركة ظل شاخص (من الحديد أو الخشب أو الصخور) من طلوع الشمس إلى غروبها وجعلوه مؤقتا لحصص المزارعين من ماء الفلج في النهار وأطلق عليه «محاضرة النهار» تمييزا عن «محاضرة الليل» والتي تشير دائما إلى استخدام النجوم لاستكمال عملية توزيع الحصص في الفترة المسائية أو بعبارة أدق بعد مغيب الشمس.

ورغم أن اللمد كان شائعا ومنتشرا في كل القرى العمانية التي تستخدم مياه الأفلاج لري المزروعات لا أن أعدادها بدأت بالتناقص منذ أن انتقل المزارعون إلى الساعة الرقمية لحساب حصص الأفلاج حتى وصل عدد ما هو موجود فعليا لا يتجاوز أصابع اليد في المحافظة، وهو ما جعل من الحفاظ عليها تحديا يستدعي تدخلا رسميا للإبقاء على هذا الإرث المعرفي المادي الذي سخر له العمانيون معرفتهم العلمية لمئات السنين، ويمكن تقسيم اللمد المستخدم في الأفلاج العمانية إلى أربعة أنواع رئيسية:

النوع الأول: وهو النوع الشائع في معظم الولايات ويتكون من عمود مصنوع من المعدن (عادة ما يكون الحديد) أو من الخشب (في فترات سابقة) ويتراوح طوله بين المتر ونصف المتر والمترين ونصف المتر.

• النوع الثاني: وهو بنفس مواصفات النوع الأول، ولكن لا يتجاوز طوله 80 سنتيمترا وهذا النوع تنفرد به بعض ولايات محافظة جنوب الباطنة وخاصة ولايتي نخل ووادي المعاول.

• النوع الثالث: وهو عبارة عن عمودين من الحديد يصل بينهما عمود ثالث وهو أيضا من الأنواع النادرة إذا لا يتعدى استخدامه أفلاجا محددة كفلج أبو من الموجود في قرية كبداء بولاية صور.

• النوع الرابع: وهو أيضا من النوع النادر وهو عبارة عن عمود من الحجر يبلغ طوله المتر ولم نجده إلا قرية الهبوبية بولاية قريات.

وكما ذكرنا سابقا فإن توزيع المياه في الفترة المسائية اعتمد بشكل كبير على النجوم وهذا يعطي صورة واضحة لمدى الإلمام بعلم الفلك عند العمانيين إذ لم يكن اختيار النجوم عبثا ولا مصادفة وإنما جاء نتيجة حسابات دقيقة أخذت بعين الاعتبار فترات شروق وغروب النجم ومدى وضوحه وتلألؤه، والغريب في الأمر أن هناك تشابهًا إلى حد التطابق أحيانًا بين هذه النجوم المستخدمة في معظم الولايات التي تتخذ من نظام الأفلاج سبيلا لري المزروعات، ولكن قد تزيد أو تنقص في ولايات أخرى، ومن أشهر النجوم المستخدمة لتوزيع مياه الفلج الدبران والثريا والصارة الأولى والصارة الثانية والغراب والكوي وغيرها من النجوم والتي تحمل إلى جانب المسمى المحلي أسماء علمية معروفة في كويكبات مختلفة تنم عن دراية واسعة لدى العمانيين عند اختيار هذه النجوم، فلم يكن اختيارها صدفة أو عشوائيا بل كان بدراسة مستفيضة.

السماء.. مفاتيح البحر

ويمتد الإرث الفلكي العماني إلى الجانب البحري فلم تكن هذه المعرفة فيه بأقل عن نظيرتها الزراعية، فقد حدد الصيادون مواسم الصيد من خلال مطالع بعض النجوم واتخذوها علامة على بداية هذه المواسم إذ لم تكن النجوم سوى علامة لبدء المواسم وليس سببا لذلك، فموسم «الربعاني» أو «الربع» مثلا يبدأ مع ظهور نجم سهيل وهو موسم تميل فيه درجة الحرارة للانكسار، ويعد موسما مهما لصيد أسماك الشعري والكنعد والجيذر والخباط وغيرها من الأنواع الأخرى، أما في بزوغ نجم الكوي وحينها يكون الطقس أكثر برودة فيكون موسما لصيد القد والعندق والجرور، وقِس على ذلك مواسم الصيد المختلفة طوال العام والتي حدد بدايتها ونهايتها بنجوم معروفة لدى الصياد العماني، كما أنهم -ومن خبرتهم الطويلة في البحر- عرفوا مواسم ضربات البحر وتجنبوا فيها الخروج للصيد أو التجارة؛ لما تحمله من مخاطر على حياتهم، وتعد ضربة الشلي (نجم الشعرى والبعض يعتبر الشلي هو نجم العيوق) والتي تكون عادة في شهر يونيو هي الأقوى بين الضربات المعروفة عند أهل البحر وقد جاء ذكر هذه الضربة في العديد من كتب النواخذة العمانيين. وليست ضربة الشلي هي الوحيدة التي حددها البحّارة، بل إنهم ذكروا ما يفوق العشر ضربات مثل ضربة اللكيذب وتكون في أواخر شهر أكتوبر، واللكيذب هو نجم المفرد الرامح في كوكبة العواء، وضربة اللحيمر (السماك الرامح) في نهاية شهر أكتوبر، وضربة الشولة (في كوكبة العقرب) في بداية شهر يناير.

إن هذه الخبرات العلمية في علوم البحر وفنونه إلى جانب معرفتهم بأساليب السفر والترحال بين الموانئ المختلفة واعتمادهم على النجوم لمعرفة الطرق والاهتداء بها في ظلمات البر والبحر جعلت من الإرث الفلكي الذي خلّده الأجداد منهجا يحتذى به في تسخير العلم لتسيير أمور الحياة، كما أسست لمنهج بحثي طور من هذه الأساليب سواء زراعية كانت أم بحرية للتوافق مع التغير الذي عاشه الإنسان العماني لقرون عديدة.

إن توثيق هذا الإرث المادي وحفظه أصبح أهمية لا يمكن تأجيلها لأن الحضارة والمدنية الحديثة تسلب من هذا الرمز المعرفي مكانته العلمية وتجعل منه نوعا من الترف المعرفي الذي لا يُلقى له بال ولا يحسب له حساب مما يؤدي إلى اندثاره مع تعاقب الأجيال.

وقد ساهم الموقع الجغرافي لسلطنة عمان ومرورها بفترات طويلة من الاستقرار في نشوء حركة علمية واسعة وبروز الكثير من العلماء في شتى مجالات العلوم، وعلى عكس ما هو شائع لم يكن البحث العلمي لدى العمانيين مهتما فقط بالنتاج المعرفي في الجانب الديني واللغوي والعلوم الإنسانية الأخرى بل تجاوزه إلى العلوم الطبيعية كعلوم الفلك والرياضيات والطب والهندسة وغيرها من جوانب العلوم المختلفة، ففي علم الفلك (على سبيل المثال لا الحصر) نجد العديد من أسماء العلماء العمانيين الذين صاغوا معرفتهم الفلكية شعرا ونثرا في هذا المجال منهم الشيخ عمر بن مسعود المنذري صاحب كتاب (كشف الأسرار المخفيّة، في علوم الأجرام السَّماويّة، والرُّقوم الحَرْفيّة) وهو كتابٌ في علم الفلك؛ ومن المؤلفات النظمية القصيدة اللامية السليمانية في المنازل القمرية الشامية واليمانية لأحمد بن مانع الناعبي، ومن المؤلفات المشهورة في علم الفلك والبحار كتاب (الفوائد في علم البحر والقواعد) للبحارة العماني أحمد بن ماجد السعدي الملقب بأسد البحار الذي ابتدأه بأهمية علم الفلك وما ينبغي على البحّارة معرفته من النجوم ومطالعها واتجاهاتها، كما أنه وصف الاتجاهات بناء على مطالع ومغارب النجوم، وله مؤلفات نظمية شرح فيها خبرته الفلكية وسخّرها لمعرفة الطرق والموانئ في شتى أصقاع الأرض.

د. إسحاق بن يحيى الشعيلي رئيس مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: علم الفلک فی علم

إقرأ أيضاً:

أسرار قلة الأفلام في موسم عيد الفطر وظهور الأسماء الشابة

قال مصطفى الكيلاني، الناقد الفني، إن الأعياد هي موسم الشباب لحضور الأفلام في السينما، متابعا: “فيلم سيكو سيكو حقق نجاحا واضحا خلال عرضه”.

محمود عزب يكشف تفاصيل اختياره بفيلم «سيكو سيكو»بعد أسبوعين من طرحه .. فيلم سيكو سيكو يحقق 100 مليون جنيه فى دور العرض السينمائية

وأضاف "الكيلاني"، خلال حواره ببرنامج "صباح البلد" المذاع على قناة "صدى البلد"، أن فيلم “الحريفة” حقق نجاحا واضحا رغم أنه لم يعرض في مواسم إجازة.

واستطرد: “الجيل الجديد أصبح لا يفرق معه فكرة وجود النجم، ولكن يهتم بالمواضيع التي تهمه وتجذبه”.

وذكر أن الجيل الجديد يرغب في أفلام متكاملة، معقبا: “عصام عمر وطه دسوقي أثق في اختياراتهم، ولكن تقييم الفيلم كان معتمدا على الجيل الجديد ومدى حبه له، وبالفعل الفيلم حقق نجحا واضحا لدى الجيل الجديد”.

وشهدت إيرادات فيلم “سيكو سيكو” ارتفاعا كبيرا خلال الساعات القليلة الماضية، حيث حقق 100 مليون جنيه حتى الآن منذ طرحه فى دور العرض فى موسم عيد الفطر 2025.

ومن المقرر أن يطرح فيلم “سيكو سيكو” فى دور العرض السعودية شهر مايو المقبل.  

وقصة فيلم سيكو سيكو تُقدم في إطار كوميدي اجتماعي، حيث تدور أحداثه حول شابين يعمل أحدهما في شركة شحن والآخر لاعب ألعاب فيديو، ثم يتورط كلاهما في مشكلة تقودهما لمنعطفات خطيرة وتحمل مفاجآت عديدة، فيحاولان الخروج منها بأقل الخسائر.

فيلم سيكو سيكو بطولة عصام عمر، طه دسوقى، على صبحى، باسم سمرة، خالد الصاوى، تارا عماد، ديانا هشام، أحمد عبد الحميد، محمود صادق حدوتة وعدد آخر من الفنانين، والفيلم تأليف محمد الدباح وإخراج عمر المهندس وإنتاج شركة film square للمنتج السينمائي أحمد بدوى.
 

مقالات مشابهة

  • سلطات شمال دارفور: وصول 300 ألف نازح من معسكر زمزم إلى الفاشر وانعدام المواد الغذائية والصحية
  • كشف أسرار البيوت .. زوج يقاضي زوجته بسبب فيسبوك
  • أسرار الرزق.. 20 حقيقة تكن واحدا من الأغنياء
  • بريطانيا توافق على عقار يبطئ سرطان الثدي العدواني
  • “ام كيو 9 ” جديدة في المرمى المستمر لـ”قوات صنعاء”
  • الغذاء والدواء توضح أسباب التسمم الوشيقي وطرق الوقاية منه
  • أسرار قلة الأفلام في موسم عيد الفطر وظهور الأسماء الشابة
  • أستاذ بمعهد الفلك يوضح حقيقة ظاهرة القمر الوردي .. فيديو
  • هدفان قاتلان في مباراة مجنونة وتعادل إيجابي بدوري النجوم
  • وسط غياب النجوم.. تشييع جثمان زوج الفنانة عارفة عبدالرسول بالإسكندرية