وجه إعلاميون مصريون انتقادات لصندوق النقد الدولي وبرنامجه الذي يطبقه في مصر منذ العام 2022، وذلك بعد دعوة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي حكومته لمراجعة اتفاقها مع المؤسسة الدولية إذا أضر بالمصريين، وهي الأحداث التي تسبق ترتيبات قدوم رئيسة الصندوق كريستالينا جورجييفا، للقاهرة في زيارة متوقعة.

وخلال "المؤتمر العالمي للسكان والصحة" المنعقد في مصر، الأحد الماضي، دعا السيسي حكومته بمراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي إذا أدى البرنامج إلى ضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، وهو ما تبعه انتقادات إعلامية للصندوق.



ومساء الاثنين، قال الإعلامي سيد علي عبر فضائية "الحدث اليوم" المحلية إن "صندوق النقد يضع روشتة ثابتة يُطبقها على أي دولة بغض النظر عن ظروف الشعب وأوضاعه"، مضيفا أن الصندوق "لا يفعل أي إصلاحات في أي دولة يدخل فيها".



وعبر برنامجه اليومي بفضائية "صدى البلد" المحلية انتقد الإعلامي أحمد موسى برنامج الصندوق الحالي، مؤكدا أنه صنع مشاكل كبيرة جدا.


وأكد الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة، في حديثه لأحمد موسى، أن مصر يمكنها الانسحاب من برنامج الصندوق، وأن أغلبية مطالب الصندوق ضغوط سياسية وليست اقتصادية، وأن اقتصاد مصر لن يتوقف على 8 مليارات دولار من الصندوق.

وألمح بدرة إلى أنه قد تكون الإدارة الأمريكية القادمة مطلع العام الجديد لديها توجه جديد ومحدد لمساندة الدولة المصرية رسميا، دون الضغوط السياسية على الدولة.

"تفاصيل دراماتيكية"
وفي آذار/ مارس الماضي، رفع صندوق النقد الدولي قيمة تمويل طلبته القاهرة، في 2022، من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما اعتبرته حينها الحكومة المصرية شهادة ثقة ومصداقية تعزز من جاذبية مصر للاستثمار الأجنبي رغم ما أحدثه البرنامج من ضغوط كبيرة على أكثر من 106 ملايين مصري.

وفي إطار قرض الصندوق اتخذت مصر قرارات تقشف وتقليص للدعم ورفع للأسعار، سبقها في آذار/ مارس الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه، ليتراجع أمام الدولار من 31 إلى 48.5 جنيها رسميا.

ورفعت القاهرة سعر الوقود 3 مرات، في الشهر ذاته ثم في تموز/ يوليو، والجمعة الماضية، بنسب بين 10 بالمئة للقرار الأول، و17.4 بالمئة للقرار الأخير.

وفي الأثناء، جرى رفع سعر الخبز المدعم 300 بالمئة من 5 قروش إلى 20 قرشا للرغيف، مع رفع أسعار المواصلات وتذاكر المترو، والعديد من خدمات الإنترنت والاتصالات في يوليو/ تموز الماضي، فيما صعد التضخم السنوي في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلى 26 بالمئة، للشهر الثاني على التوالي.

ورغم إجراء المراجعة الثالثة لما تم تنفيذه من برنامج الصندوق في تموز/ يوليو الماضي، أعلن الصندوق مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ودون إبداء الأسباب إرجاء إجراء المراجعة الرابعة التي كانت مقررا لها تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

وبينما يتبقى 4 مراجعات مقررة في ربيع وخريف 2025 و2026، كان يتبع اكتمال المراجعة الرابعة حصول القاهرة على 1.3 مليار دولار، إلا أن ذلك الإرجاء يؤجل تسليم الشرائح الجديدة من قرض بقيمة 8 مليارات دولار، وذلك على غير رغبة الحكومة التي تعاني من عجز شديد في التمويل.



"الصندوق وشركات الجيش"
وفي مقابل انتقادات إعلاميين مصريين لبرنامج الصندوق، انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي "هاشتاغ" يحمل اسم "شركات الجيش"، أكد من خلاله معلقون أن هذا الهجوم وما سبقه من حديث للسيسي، يعني أن الصندوق وصل لنقطة بيع شركات الجيش، كإحدى توجيهات المؤسسة الدولية والتي لم تنفذها مصر.

خبير اقتصادي: من الوارد أن تقول لصندوق النقد (شكرا) إذا لم يستجب لمطالبنا
#صدى_البلد #على_مسئوليتي pic.twitter.com/2VV27thB2G

— صدى البلد (@baladtv) October 20, 2024
وفي تقريره بشأن المراجعة الثالثة لاقتصاد مصر في إطار قرض المليارات الثمانية، والتي اكتملت في 29 تموز/ يوليو الماضي، شدد الصندوق على ضرورة تسريع برنامج التخارج من شركات مملوكة للدولة وفقا لوثيقة "ملكية الدولة" الصادرة عام 2022، لكنه لم يذكر صراحة الشركات التابعة للجيش في تلك الحزمة من التعليمات، رغم تأكيده في مرات سابقة على ضرورة تخارج المؤسسة العسكرية من بعض الأنشطة.

وبرغم عرض الجيش لاثنتين من شركاته للبيع أو الطرح أمام مستثمرين استراتيجيين، وهما "وطنية"، و"صافي"، قبل سنوات تنفيذا لمطلب الصندوق، إلا أن هذا الملف لم يتم اتخاذ أية خطوات فعلية فيه على الأرض.

والاثنين، نقلت وكالة "الأناضول" عن مصدر في صندوق النقد الدولي قوله إنه "تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملا عن الوقود، ورفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وتخارج الدولة من عشرات الشركات".

وتحدث خبيران اقتصاديان لـ"عربي21" عن توقعاتهم لسر الانتقاد الإعلامي لصندوق النقد وبرنامجه والتقليل من أهميته بعكس ما قدمته الحكومة من مبررات سابقة حول أهمية القرض للحصول على شهادات دولية وجذب الاستثمار الخارجي، فيما اعتبر أحدها أن الأمر يخص ملف اقتصاد الجيش، ورأى الآخر أن الأمر له علاقة بملف الحرب في غزة.

"رسائل سامسونج"
وفي قراءته الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مصطفى يوسف: "الإعلام المصري موجه وغير مستقل، وتم شراء القنوات المستقلة والخاصة عن طريق أجهزة المخابرات الحربية والعامة؛ وبناء عليه فهي رسائل (إعلام السامسونج) كما يقال في مصر".

الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، في حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "صندوق الدولي ليس هو أفضل شيء"، مضيفا: "لكن لو لديك استقلال للقرار السياسي وسيادة وطنية يمكنك الاستفادة من قروض الصندوق الذي يهمه فتح الاقتصاد كونه وكيلا للدائنين، وهي الدول الغربية التي تبيع ولديها صادرات من مكن ومعدات، والصندوق هنا يشجع التجارة العالمية ويضمن حقوق الدول الدائنة".

وأوضح أنه في المقابل "الاقتصاد المصري تم تدميره عقب قيام الجمهورية الجديدة عن طريق سيطرة الجيش على الاقتصاد، لأن الرئيس المصري ليس له حزب سياسي، وحزبه الجيش الذي يتعامل معه كونه الذراع السياسي والأمني والظهير الشعبي، ويستخدم الإعلام لغسل الأدمغة بأن الجيش القادر على ضبط البلاد، وأن المدنيين غير أكفاء، وتم شيطنة الإسلام السياسي والتيار الليبرالي والاشتراكي حتى يتم الهيمنة".


وتابع: "لكن في الحقيقة الجيش فشل، وقضى على المنافسة بالاستيلاء على بعض الشركات من أصحابها، وينتج دون تكلفة عبر  عمالة مجندين بأقل من 10 بالمئة من تكلفة العمالة، ولا يدفع ضرائب وجمارك، لذا الاستثمار الأجنبي لن يأتي والمحلي يموت".

ولفت إلى أن "المؤسسة العسكرية كانت تمتلك حوالي 20 بالمئة من الاقتصاد، والآن أكثر من 77 بالمئة طبقا لشهادة الباحث يزيد صايغ ومعهد كارنيغي للسلام، وتم القضاء على القطاع الخاص والمنافسة".

"ما يريده السيسي وما يريده الصندوق"
وأشار إلى أن "موقف السيسي أمام الصندوق قوي باستمرارية حرب غزة، فله دوره كشرطي لحماية الحدود الشرقية لمصر وخنق القطاع والتعاون التام والظهر الحقيقي لإسرائيل هو والإمارات".

وأضاف: "ودور مصر مع موقعها الجغرافي بجانب حماية أمن إسرائيل يعمل على الحدود الشمالية كبواب لجنوب البحر المتوسط ولأوروبا بمواجهة الهجرة غير النظامية، لذا أوروبا تعطيه الأموال وإلا سيترك المهاجرين السودانيين وغيرهم نحو أوروبا، وهناك يمين متطرف كاره للاجئين".

وأكد الخبير المصري أن "السيسي يعتمد على هاتين النقطتين بأنه يساعد إسرائيل وأوربا ضد شعوب المنطقة المطحونة، الفلسطيني، والمصري، والأفارقة، والتي كان الاستعمار الأوربي سببا في طحنها ورغبتها في الهجرة غير النظامية".

وخلص للقول إن السيسي "يريد الضغط على صندوق النقد الدولي، والحصول على المزيد من المعونات، وتقليل الضغوط عليه، ويؤكد لهم أن الجيش هو من يبقيه في السلطة، ولولاه لخرج الناس في مظاهرات، كما أن جنرالات الجيش لن يقبلوا ترك البيزنس الخاص بهم".

ويرى يوسف أن "الأزمة في أن الصندوق يريد المزيد من الشفافية، والمزيد من الحوكمة، ويطالب ببيع شركات من الجيش، وتقليص حصته في الاقتصاد، وإطلاق يد القطاع الخاص، وذلك عن طريق تشريعات وقوانين حتى تتأتى الاستثمارات الأجنبية المباشرة".

ويختم قائلا: "وليس أن تأتي دولة مثل الإمارات وبإيعاز من إسرائيل، أو دولة مثل السعودية أو رأس مال إسرائيلي يدخل لضخ أموال، وكنا نتكلم أيام مبارك أن هناك استثمارات لأنه كانت هناك منافسة من القطاع الخاص، حتى لو كانت برجال أعمال تابعين للنظام، لكن كانت هناك مساحة لرجال أعمال آخرين".

"السر في غزة"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي لـ"عربي21": "أرى أن القضية الأساسية هي غزة وباقي المشهد مصطنع، لو قارنت المشهد مع الصندوق عام 2023، واليوم، تجد أن غزة التي حولت الدفة، من التجاهل لمصر إلى الاهتمام بها".

وأوضح أنه "في 2023، ترك الصندوق مصر وأخر عدة مراجعات للاقتصاد، حتى قامت بحصار غزة ومنعت الطعام والشراب والدواء وقدمت المعلومات التي يريدونها والدعم المطلوب، تم حل الموقف، وسافر وزير المالية السابق محمد معيط في كانون الأول/ يناير الماضي، إلى واشنطن لمقابلة وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، وتم الإعلان عن موافقة الصندوق والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي على منح مصر القروض والمنح والمساعدات، بجانب صفقة رأس الحكمة مع الإمارات".

رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية الأسبق، أكد أنه "من الواضح أن هناك لغز سياسي حالي يخص ملف غزة في الكواليس لا يعرف ماهيته أحد، وهذا هو مربط الفرس؛ لأن الصندوق ليس مؤسسة مستقلة ولا رؤية له، وهذه شعارات تتردد فقط في الإعلام"، مضيفا: "لما تعاملنا مع العاملين بالصندوق والبنك الدوليين وجدنا أن ما تريده الدول الكبرى هو ما يُنفذ فقط".

"سيطرة وأوامر أمريكية"
وأشار إلى سيطرة أمريكا على الصندوق بطريقة ذكية، مبينا أنها "تسهم بالنصيب الأكبر في الصندوق بنحو 17.6 بالمئة من إجمالي الحصص، ما يجعلك تظن أنه يمكن للدول الأخرى المشاركة في الصندوق إمكانية اتخاذ القرار بحرية فيه؛ ولكن التصويت فيه يشترط أغلبية 85 بالمئة، وهنا لو اعترضت واشنطن على أي قرار لن يمر، وذلك بهدوء ودون اللجوء لتصويت دول صديقة من أوروبا وغيرها".

ومضى الولي يؤكد أن "هناك شيء يخص ملف غزة"، مدللا بقوله: "أن البيانات التي صدرت من الصندوق بعد المراجعة الثالثة تؤكد أن الحكومة لم توف بالشروط ورغم ذلك تم تمرير المراجعة".

ولفت إلى أنه "مثلا في كانون الثاني/ يناير 2023، وعدت مصر بأن يكون هناك إفصاح وعمل موازنات للهيئات الخاصة وللجيش، ولكن عندما خرجت بيانات الصندوق لم تعلن عن شيء من هذا على الإطلاق، ولم نر كلمة الجيش، رغم أنه في العام الماضي أكد الصندوق عليها، وأخذ توقيتات من الحكومة، وقال وزير المالية في الربع الأول من 2013، ستخرج هذه البيانات والميزانيات وطرح شركات الجيش، ولم يحدث وتم تمرير المراجعة لأنه كان صدر الأمر من أمريكا للصندوق بالصرف لمصر".

وأضاف: "ولهذا أرى، وليس لدي معلومات، ولكن أعتقد بوجود أمر ما في الكواليس يخص غزة، وليس هذا معناه أنه وطني ويساند المقاومة مثلا، ولكن قد تكون هناك مطالب لإسرائيل في الكواليس، فيما يخص الموقف المصري في غزة".

ويعتقد نقيب الصحفيين المصريين الأسبق أن "ما يجري على الفضائيات المصرية من انتقاد لبرنامج صندوق النقد الدولي، هو في إطار الأوامر لأن المناخ لا يسمح بالتحليل المنطقي للأرقام والإحصائيات والأوضاع المالية والاقتصادية للبلاد، ولهذا يصعب التحليل لموقف الصندوق الاقتصادي لأن الأمر ليس كذلك".

ولفت إلى أنه "في المؤتمر الاقتصادي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لم تنفذ الحكومة حرفا من التوصيات إلا بند المطالبة بإجراء اتفاق مع الصندوق، ما يعني أنه دشن المؤتمر لأجل ذلك وكأنه مطلب المؤتمر، ولأنه في المقابل لم ينفذ باقي المطالب الخمسين الأخرى، للمؤتمر".

وأوضح أنه "لو نظرنا لموقف الدولار والموارد وغيرها من المؤشرات والأوضاع الاقتصادية قبل المراجعة الرابعة للصندوق، فإن النظام لا يعطي أهمية لهذا الكلام بالمرة، لأنه لا ينفذ اشتراطاته كاملة، ولا الصندوق نفسه يلتزم بالروشتة التي يصدرها".

وألمح إلى أن "هناك العديد من الأمور التي لم تلتزم بها الحكومة، ولم يذكر الصندوق ذلك في التقرير الأخير، بل إن نص الاتفاق يخالف التطبيق، حتى الإفصاح الذي قدمته وزارة المالية عن ميزانيات الشركات القابضة، جاء ببيانات مقتضبة قليلة، ورغم أن تنفيذ روشتة الصندوق ضئيلة جدا إلا أن الحكومة تعرف أنها ستحصل على ما تريد؛ طالما مرضي عنها".


"امتصاص الغضب"
ويعتقد الولي أن "رسالة مراجعة الموقف مع الصندوق لامتصاص الغضب الشعبي في الشارع الذي يعاني مع مواصلة ارتفاع أسعار ركوب المترو القطارات والمواصلات والسلع الغذائية والقرارات المتسارعة برفع سعر الوقود 3 مرات بالعام الجاري".

ويرى أن "الانتقاد الإعلامي الحالي لبرنامج الصندوق، لسحب الشعب إلى قضايا فرعية وايهامهم بأن الحكومة تخاف على مصلحتهم".

وختم حديثه بالقول: "المسألة ليست في الاقتراض من الصندوق ولكن الاهتمام بالإنتاج الزراعي والصناعي فهو الأساس الذي يضبط سعر الدولار بالسوق المحلي، ولكن الحكومة لا تسمع وتركز على البيع، وبعد أموال رأس الحكمة تبحث عن غيرها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مصريون السيسي صندوق النقد مصر السيسي صندوق النقد اعلام المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی برنامج الصندوق لصندوق النقد شرکات الجیش أن الصندوق بالمئة من إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل يذيب الاتفاق مع قسد كتلتها العسكرية في الجيش السوري؟

يواجه الاتفاق على دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضمن مؤسسات الجيش السوري الجديد تحديات كبيرة على المستويات العسكرية والسياسية والأمنية، حيث لا تزال الآليات التنفيذية لهذا الاندماج غير واضحة.

واتفق الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على اتفاقية تنص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.

وتسيطر "قسد" الذي تحظى بدعم عسكري ومادي من الولايات المتحدة على مساحات واسعة من شمال شرقي سوريا، المنطقة التي تضم حقول النفط والغاز والثروات الزراعية والمائية.

وجاء الاتفاق بين الجانبين على وقع مساعي الرئيس السوري الرامية إلى توحيد البلاد وتعزيز الصف الداخلي في وجه محاولات التقسيم، إلا أن عملية الدمج التي من المقرر لها أن تمتد لعام كامل تحمل في طياتها العديد من التحديات.


وفي حين شددت وثيقة الاتفاق المعلن عنها على عناوين رئيسية تتعلق بالدمج المدني والعسكري وضمان حقوق الأكراد الدستورية، إلا أنه لم يتطرق إلى التفاصيل المتعلقة بمدى حجم الدمج ودور "قسد" في الحكومة المرتقبة وماهية نظام الحكم.

ولطالما نادت "قسد" بنظام حكم لا مركزي، في حين أكد الشرع على موقفه الداعم للنظام المركزي في البلاد ورفضه مبدأ الفيدرالية لعدم توافقه مع الحالة السورية.

ويثير الاتفاق تساؤلات حول آليات دمج قوات سوريا الديمقراطية المقدر عدد قواتها بعشرات الآلاف، والتي تتمتع بدعم عسكري أمريكي، إذ تعتبرها الولايات المتحدة شريكا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويرى الباحث في الشأن العسكري، عمار فرهود، أن "الدمج الكامل الآن يواجهه تحديات كبيرة، على رأسها التحديات المتعلقة بالتسليح وعقائد القتال والهوية السياسية، إضافة إلى المخاوف الأمنية لدى طرف تجاه الآخر".

وبالتالي قد يكون الحديث عن الاندماج في الوقت الحالي شكليا، حسب حديث الباحث لـ"عربي21".

ويوضح فرهود أنه في حال تم ذلك، فهو في الغالب سيكون اندماجا تحت الهوية السياسية، ولكن لكل جهة اعتباراتها الخاصة، خاصة إذا تم تطبيق بنود سياسية متعلقة باللامركزية أو حماية كل جهة لمنطقتها بقواتها.

وفي السياق ذاته، أوضح مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، أن "نص الاتفاق على دمج كافة عناصر قسد ضمن مؤسسات الجيش الجديد، لكن من غير الواضح حتى الآن الآليات التنفيذية لذلك، لأن دمجهم بشكل فردي وليس ككتلة واحدة يعني إنهاء هيكلية قسد ككيان عسكري".

وأشار العبد الله في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "عملية التسوية قد تتم عبر لجان تنفيذية مشتركة تعمل على تصنيف المقاتلين حسب خبرتهم، ودمج بعضهم في وحدات الجيش والشرطة، واستبعاد العناصر المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، ومنحهم خيارات أخرى".

وفيما يخص المدة الزمنية اللازمة لإتمام هذا الاندماج، قال فرهود إن "عملية الاندماج إن كانت حقيقية وكاملة، فنحن نحتاج لسنة أو أكثر، خاصة مع وجود سلاح مختلف لدى كل طرف، وعقائد قتال مختلفة، وخصوم وحلفاء مختلفين لدى كل طرف".

وأضاف أن "هناك مخاوف أمنية لدى كل طرف من كشف الطرف الآخر لكافة ملفاته، وبالتالي، في حال تعرض الاتفاق في المستقبل للانهيار، فسيكون الطرف الأكثر اختراقا للطرف الآخر هو الأقدر على تفكيك الطرف الثاني وإزاحته".

واعتبر الباحث بالشأن العسكري أن "عملية الاندماج تواجه مشكلات تقنية وسياسية وأمنية، ولكن أهم مشكلة، والتي من الممكن أن يساهم حلها في تسهيل حل المشكلات الأخرى، هي مسألة الثقة والرغبة في تحقيق المشروع الوطني السوري الحقيقي".

مصير السلاح الأمريكي في مناطق "قسد"
وتتمتع "قسد" التي لعبت دورا إلى جانب الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية بدعم عسكري أمريكي، ما يفتح الباب أمام تساؤلات بشأن مصير العتاد الأمريكي بعد عملية الاندماج وموقف واشنطن من انتقاله إلى الإدارة السورية الجديدة.

ولا تزال دولة الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات جوية على مواقع مختلفة من سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي، بهدف القضاء على المقدرات العسكرية السورية.

أوضح العبد الله أن "الاتفاق ينص على أن الحكومة المركزية ستكون مسؤولة عن المنشآت العسكرية التي كانت تحت إدارة قسد، وهذه المنشآت تشمل معدات وأسلحة أمريكية".

وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تدعم الاتفاق، لكن من غير المتوقع أن توافق على تسليم تلك الأسلحة للحكومة السورية، وربما يتم نقل قسم منها إلى قاعدة التنف".

أما فرهود، فقد أكد أن التساؤل بشأن مصير الأسلحة الأمريكية مشروع، وقال إنه "يستبعد أن تستهدف إسرائيل السلاح الأمريكي المتواجد مع قسد، مع العلم أن السلاح الأمريكي الذي تمتلكه قسد ليس نوعيًا أو استراتيجيا، فالسلاح النوعي لا يزال بيد الجيش الأمريكي، وهو الذي يستخدمه في العمليات ضد داعش".

وتابع الباحث بالشأن العسكري، "لذلك، أعتقد أن سلاح قسد سيبقى في يد قسد ومناطقها، إلا إذا قررت الدولة السورية تسليح جيشها بالسلاح الغربي، وبالتالي سيكون السلاح متطابقًا لدى كل طرف".


العبد الله بيّن أيضا أن "التعاون العسكري الأمريكي قد يستمر لفترة محدودة عبر تقديم دعم استخباري أو لوجستي لعمليات مكافحة داعش، لكن بشكل تدريجي، ستفقد واشنطن مبررات استمرار وجودها العسكري في المنطقة".

وكانت تقارير تحدثت عن رغبة الرئيس الأمريكي في سحب القوات الأمريكية المتواجدة في سوريا.

والاثنين، قال مصدر خاص لـ"عربي21"، إن الولايات المتحدة أخبرت حلفاءها الأكراد أنها ستنسحب من سوريا.

التمثيل السياسي 
أما فيما يتعلق بالتمثيل السياسي في مؤسسات الدولة الجديدة، فقد أوضح العبد الله أن "الاتفاق ينص على تمثيل عادل لجميع السوريين في مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، مما يعني أن ممثلي قسد سيحصلون على مواقع في السلطات الجديدة، وقد تضم اللجان الدستورية ممثلين من قسد”.

و"إذا حصل الاندماج، قد يحصل قادة قسد على مناصب في المؤسسة العسكرية والأمنية، لضمان استمرار التنسيق وطمأنة المقاتلين السابقين، وربما يُمنح مظلوم عبدي موقعا استشاريا في مجلس الدفاع"، حسب مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون.

كما شدد العبد الله على أن "الاتفاق يقر بعودة كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التي كانت تحت إدارة قسد إلى سلطة الدولة، مما يعني إلغاء نموذج الإدارة الذاتية الذي كانت تتبناه قسد".

وأوضح أن الاتفاق يتضمن أيضا اعترافا بحقوق الأكراد في الدستور الجديد، وهو ما "قد يترجم إلى إدخال تعديلات تمنح نوعا من اللامركزية الإدارية، دون أن تصل إلى حد الحكم الذاتي".

ولفت إلى أن "التوجه العام يبدو أنه يركز على الحكم المركزي مع منح الإدارات المحلية بعض الصلاحيات، بحيث لا يشعر الأكراد بأنهم فقدوا مكتسباتهم، ولكن دون تشكيل كيان مستقل".

وفيما يتعلق بالوضع الأمني في المناطق الكردية بعد الاندماج، يرى العبد الله أن "نموذج اللامركزية الأمنية قد يكون أحد الحلول البديلة، بحيث تتولى الإدارات المحلية في المناطق الكردية شؤون الأمن الداخلي بالتنسيق مع وزارة الداخلية السورية، بدلا من الإدارة الذاتية المنفصلة".

مقالات مشابهة

  • الحكومة المصرية تقرر رفع الدعم نهائيا عن الوقود نهاية العام بسبب صندوق النقد الدولي
  • لبنان يؤكد الالتزام ببدء المباحثات مع صندوق النقد الدولي بحلول الصيف
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • برلماني: مراجعة صندوق النقد تعكس التزام مصر بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية
  • الحكومة اللبنانية تعيّن رودولف هيكل قائدًا للجيش
  • الحكومة: عملية الإصلاح تراعي مصلحة مصر.. ولا ننفذ برنامجا يتم إملاؤه علينا
  • هل تقبل الحكومة النقد؟
  • الحكومة: موافقة صندوق النقد على المراجعة الرابعة تمثل دعما للاقتصاد المصري
  • هل يذيب الاتفاق مع قسد كتلتها العسكرية في الجيش السوري؟
  • برلماني: استكمال مراجعة صندوق النقد يعكس ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري