الالتزامات القانونية على الأحزاب السياسية
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
أسفرت مرحلة التحديث السياسي التي بدأتها الدولة الأردنية في عام 2021 عن تحقيق جملة من المكتسبات السياسية لفئات مختلفة من المجتمع الأردني ولمؤسسات وطنية متعددة في مقدمتها الأحزاب الأردنية، حيث ظهرت هذه المكاسب بشكل واضح وجلي من خلال نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2024، والتي حققت فيها الأحزاب السياسية تمثيلا غير مسبوق على مستوى القائمة الحزبية العامة، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي قامت به بالنسبة للمترشحين عن الدوائر الانتخابية المحلية.
ومن الأمثلة على الأحزاب السياسية التي استفادت من تشريعات التحديث السياسي والإرادة الحقيقية بإحداث إصلاح حقيقي في المنظومة السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تمكن من حصد تمثيل واسع له في مجلس النواب العشرين، بعد أن نجحت الهيئة المستقلة للانتخاب بأن تُجري انتخابات نيابية على درجة عالية من النزاهة والشفافية.
كما استفادت أحزاب سياسية جديدة من مرحلة الإصلاح السياسي والتي خرجت إلى النور حديثا، إلا أنها تمكنت من إيصال مترشحين عنها إلى المجلس النيابي الجديد على الرغم من حداثة عمرها السياسي، وكثرة الأخطاء التي وقعت فيها خلال فترة التحضير والاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفي مقابل هذه الإنجازات التي حققتها الأحزاب السياسية الأردنية، نجد أنه من الضروري تذكيرها بأبرز الالتزامات القانونية الملقاة على عاتقها. فالحزب السياسي قد جرى تعريفه في المادة (3) من قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 هو "تنظيم سياسي وطني يتألف من أردنيين تجمعهم قيم المواطنة وأهداف وبرامج ورؤى وأفكار مشتركة، ويهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها المختلفة".
إن نقطة الإنطلاق في تعريف الحزب السياسي هي اعتباره حزبا وطنيا يسعى إلى الحفاظ على المصالح الوطنية العليا ويرفع شعار المواطنة بمفهومها الواسع القائم على وجود ارتباط بينه وبين الدولة أساسه احترام سيادة القانون واكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات.
ففي مقابل الضمانات التشريعية التي أوجدها قانون الأحزاب السياسية في المادة (4) منه بعدم جواز التعرض لأي أردني أو مساءلته أو المساس بحقوقه الدستورية بسبب انتمائه أو انتماء أي من أقاربه الحزبي مع حقه في المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي، فإنه يقع لزاما على الأحزاب السياسية وقاداتها الإمتناع عن الإتيان بأي عمل أو سلوك أو حتى تصريح فيه مساس بالأمن القومي ويخل بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.
ومن الالتزامات القانونية الأخرى الملقاة على عاتق الحزب السياسي ضرورة احترام أحكام الدستور والقانون، وعدم الارتباط التنظيمي أو المالي بأي جهة غير أردنية أو توجيه النشاط الحزبي بناء على أوامر أو توجيهات من أي دولة أو جهة خارجية، والامتناع عن التنظيم والاستقطاب الحزبي، وعدم اللجوء للعنف أو التحريض عليه بجميع أشكاله، والامتناع عن إقامة أي تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.
كما تحظر المادة (23) من قانون الاحزاب السياسية النافذ على الحزب الأردني إقامة أي علاقات سياسية مع أحزاب أخرى داخلية أو خارجية أو مع اتحادات أحزاب سياسية دولية إذا كان الهدف منها ارتباطه تنظيميا بتلك الأحزاب أو الاتحادات، وبشكل يخالف أحكام الدستور والقانون.
وفيما يخص تمويل الأحزاب السياسية، فقد اشترطت المادة (24) من القانون الحالي على الحزب أن يعتمد كليا في موارده المالية على مصادر تمويل أردنية مشروعة ومعلنة، بحيث يُحظر عليه تلقي أي هبات أو تبرعات نقدية أو عينية من أي دولة أو جهة غير أردنية أو شخص غير أردني، ومن أي مصدر مجهول.
إن أي فعل أو تصرف يشكل مخالفة للالتزامات القانونية المترتبة على الأحزاب السياسية قد اعتبره قانون الأحزاب السياسية جريمة يترتب على ثبوت ارتكابها جزاءات قانونية تتمثل الحبس والغرامة، والتي قد يصل مداها إلى حل الحزب السياسي. فالمادة (35) من القانون حددت الحالات التي يُحل فيها الحزب بقرار قضائي صادر عن محكمة البداية، والتي من أهمها مخالفة الحزب المعني لأحكام الدستور والقانون دون تصويب المخالفة، وإذا ثبت بدعوى جزائية ارتباطه ارتباطا تنظيميا بجهة خارجية، وإذا قبل تمويلا من أي جهة أو شخص خلافا لأحكام القانون.
إن أي قرار قضائي سيصدر بحل حزب سياسي لمخالفته أحكام القانون سيتم استغلالها سياسيا من قبل القائمين على إدارته لإثارة الرأي العام تحت ذريعة انتهاك حرية الرأي والتعبير، متناسين المخالفات الجسيمة المرتكبة والتي حدد القانون مسبقا العقوبات المترتبة عليها، ومن ضمنها الإعلان عن حل الحزب بموجب القانون.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: على الأحزاب السیاسیة الحزب السیاسی
إقرأ أيضاً:
ابن كيران: القضايا التي دافع عنها "البيجيدي" تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية
قال حزب العدالة والتنمية، إن القضايا التي تصدى لها والمواقف التي عبر عنها، تظهر حاجة البلاد إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة، ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية.
وأشار الحزب في ثنايا التقرير السياسي الذي قدمه عبد الإله ابن كيران أمينه العام، اليوم السبت في مدينة بوزنيقة، عقب افتتاح مؤتمره الوطني التاسع، إلى أنه وقف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.
وقال ابن كيران، إن الولاية الحكومية اقتربت من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص.
وهو حسب ابن كيران، غلاء يعبر عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، ويظهر حالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح، وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير.
مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين يضيف زعيم « البيجيدي »، هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.
وهو وضع نتج عنه وفقا للمسؤول الحزبي، أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز آثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم، وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي.
ويرى الحزب في تقريره السياسي، أنه على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة، والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.
واعتبر التقرير السياسي، أن هذه النتائج المقلقة، هي نتائج طبيعية لما وصفه بـ »آفة الريع والجمع بين المال والسلطة، وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.
وهي أيضا يضيف التقرير، نتيجة طبيعية لما أسماه بـ »سياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي ».
وهي نتيجة أخرى، يؤكد « البيجيدي »، لما اعتبره « استهدافا لبرنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين ».
وهو نتيجة طبيعية أيضا لما قال إنه « إرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020، والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لهما بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي ».
كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين، وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.
وسجل الحزب أنه بعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة يضيف « البيجيدي » بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.
وكانت هذه النتائج في التشغيل تكرس التأخر الكبير، في نظر حزب العدالة والتنمية، الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار.
وشدد الحزب على أن خارطة التشغيل تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف ما وصفه بـ »هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية »، وهو ما عبرت عنه، يوضح الحزب، « مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين ».