الذكاء الاصطناعي.. مخاوف مطروحة ومقترحات للتنظيم الدولي
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
مثل كثيرين، أجد نفسي غارقاً في التفكير بشأن الجدل الجاري حول الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي. فالنقاشات والمناظرات بين خبراء التكنولوجيا والفلاسفة والمؤسسات الرسمية، بل وحتى تلك التي تدور بين عامة الناس والخاصة بالذكاء الاصطناعي دائماً ما تكون مربكة ومحيرة. وتنطبق هذه الحيرة بشكل خاص على رجل الشارع العادي، أو حتى على شخص مثلي، حاصل على درجة علمية في مجال الفيزياء والرياضيات وله باع طويل في ساحة الخدمة العامة؛ إذ كانت الحوكمة والأمن القومي هما تركيزي الأساسي.
آراء متناقضة:
يعتبر البعض الذكاء الاصطناعي، أو بشكل أدق “صنع القرار الخوارزمي”، مجرد مرحلة جديدة للثورة الصناعية نابعة من الاستخدام واسع النطاق لأجهزة الكمبيوتر. فالخوارزميات ببساطة هي مجموعة من القواعد المحددة المصممة لحل مشكلة بعينها.
يزعم أنصار الذكاء الاصطناعي التوليدي أنه مجرد شكل من أشكال التقدم الطبيعي والتحويلي للتكنولوجيا والحداثة. وإن كان بعضهم يحذر من تنظيماته نظراً لتداعياتها السلبية المحتملة، وخاصة على حرية التعبير والإبداع.
ولكن هناك آخرين يعتقدون اعتقاداً راسخاً أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يختلف اختلافاً جوهرياً عن التقنيات التكنولوجية التحويلية الأخرى؛ إذ له القدرة على استنباط وتقديم معلومات جديدة من خلال إمكاناته المعرفية التي تضاهي قدرات البشر في مختلف المجالات، وإن لم تكن قائمة على أسس التعليم المباشر. وهذا يختلف بشكل حاد عن التقنيات التكنولوجية السابقة، والتي كانت تجعل الآلات أكثر كفاءة بواسطة الخوارزميات.
نقاش حول قواعد التنظيم:
يعترف العالم اليوم بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي باستطاعته أن يوفر إمكانات عظيمة للتقدم، ولكنه في الوقت ذاته، يأتي مع هذه الإمكانات بتحديات شديدة التعقيد، حتى إن الكثيرين يقرون صراحةً بأنهم لا يستوعبون بصورة كاملة مدى آثار وتبعات استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي الإيجابية والسلبية على حد سواء.
ففريق يزعم أنه وكما كان الحال مع التقنيات السابقة؛ فإن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أمر بالغ الأهمية، وخاصة في ضوء عدم القدرة على التنبؤ بقدراته ونطاق إمكاناته في الوقت الحالي. وفريق آخر يعتقد أن هذه التقنية الجديدة ثورية وتحويلية للغاية، ولا يمكن التنبؤ بقدراتها، خاصة بعد أن تم بالفعل إطلاق العنان لهذه القدرات حتى بات تنظيمها على أرض الواقع مستحيلاً. وليس هذا فحسب؛ بل ويضيف هذا الفريق أن أية محاولة للقيام بتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تكون غير مجدية؛ ومن شأنها فقط أن تعطي شعوراً زائفاً بالأمن والرضا عن الذات.
آثار أخلاقية وجيوسياسية:
إن الذكاء الاصطناعي التوليدي يطرح أسئلة تقنية بالغة الصعوبة، تنطوي على عدد من القضايا والمخاوف الأخلاقية بالغة الأهمية، حتى إن الخبراء أنفسهم يختلفون حول إجابات هذه الأسئلة. ومع تطور مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي يتسع نطاق هذه القضايا والمخاوف. حتى إننا إذا نظرنا إلى آثار الذكاء الاصطناعي التوليدي من منظور دولي وجيوسياسي، أو من منظور الأمن القومي مثلاً؛ فإننا نقف أمام متغيرات قد ترتجف لها الأبدان.
واليوم ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، هل نشهد تحولاً في طريقة حكم الشعوب والدول من البشر إلى الذكاء الاصطناعي، خاصة مع ما نشهده من تزايد كبير لتأثير هذه التقنية في العلاقات الإنسانية؟ وهل التكنولوجيا ــ وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي ــ في هذه الحالة ستصبح قيمة مضافة أم عبئاً جديداً؟ وهل ستتطور هذه التقنية لتصبح حليفاً أم عدواً؟ وهل يتحول النموذج التقليدي للعالم المكون من دول متقدمة وأخرى نامية إلى نموذج جديد تتميز فيه الدول ذات القدرات التوليدية للذكاء الاصطناعي عن الدول ذات القدرات التكنولوجية الأقل؟ وهل سيؤدي ذلك إلى توسيع الفجوة بين الفريقين؟
إن هذه الأسئلة كثيراً ما تثار، نظراً للإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، ولطبيعته المتغيرة، ولعدم القدرة على التنبؤ بقدراته وبالمخاطر المرتبطة بها.
يتم تمويل العديد من التطورات التكنولوجية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، من قبل المجال العسكري؛ ومن ثم، لا يمكن التقليل من شأن المخاطر المحتملة لعسكرة الذكاء الاصطناعي؛ لذا يجب أن نأخذ على محمل الجد إمكانية سباق التسلح الذي ينطوي على القيام باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي. فكيف يُقيّم خبراء الأمن القومي الآثار الأمنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي عندما يكون نطاق نشاطه غير محدد مسبقاً وغير متحكم أو مسيطر عليه بالكامل من قبل مستخدميه أو حلفائه أو خصومه؟ وكيف سنفسر أخطاء الذكاء الاصطناعي المحتملة، خاصة مع الأخذ في الاعتبار لطبيعته غير القابلة للتعلم ولتناقص الدور البشري في اتخاذ القرارات العسكرية؟
من الجدير بالذكر أن الدول الأكثر تقدماً عسكرياً قد حاولت التخفيف من تبعات الاستخدام الخاطئ أو غير العقلاني للأسلحة النووية من خلال تطبيق نظام “المفتاح المزدوج”، والذي يتطلب أخذ القرار من أكثر من شخص للتصريح بإطلاق هذه الأسلحة الفتاكة.
إن الجميع اليوم على اختلافهم يشتركون في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي موجود بالفعل وأنه ينتشر بسرعة كبيرة وعلى نطاق واسع، وهي حقيقة لا يجادل فيها أحد. ومن هنا تميل أغلبية الآراء إلى أن تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيداً. ولكن حتى في هذه الأغلبية، يعترف البعض بأن تحقيق التنظيم الفعّال لاستخدام الذكاء الاصطناعي، على الأقل في الوقت الحالي، قد يكون مستحيلاً من الناحية التقنية.
ضرورات التنظيم:
أتفق مع الآراء القائلة إن الذكاء الاصطناعي التوليدي وُجد ليبقى، وأؤيد الموقف القائل إن إيجاد بعض أشكال التنظيم الدولي لاستخداماته ضرورية. ففي حين أن بعض جوانب الذكاء الاصطناعي قد تكون حالياً خارج نطاق قدراتنا التنظيمية، إلا أن بذل أفضل ما بوسعنا لإيجاد بعض الأطر التنظيمية سيكون بالتأكيد أفضل من ترك الأمور فوضية أو عشوائية بالكامل. أنا لا أدعو إلى إعاقة الابتكار أو التدفق الحر للمعلومات، ولكنني أصرّح بأننا بحاجة إلى مستوى من التنظيم، حتى وإن كان غير كامل؛ لأن من شأنه التخفيف من مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي.
فبعض التنظيم – شريطة أن يكون قائماً على المعرفة العلمية الموثوقة – في جوهره أفضل من اللاتنظيم على الإطلاق. فعلى أقل تقدير، يمكن لهذا التنظيم أن يجعل إساءة الاستخدام أكثر صعوبة، كما أنه سيقلل من مساحة الأخطاء المحتملة، وسيضمن عدم عرقلة الابتكار وحرية التعبير بشكل غير مبرر.
لا يزال هناك الكثير مما يجب فهمه حول الذكاء الاصطناعي التوليدي بالنسبة للعامة – وربما للخبراء أيضاً – ومن الضروري سد الفجوة بين العلم والخيال العلمي فيما يتعلق بفوائد ومخاطر هذه التكنولوجيا الجديدة. وبينما تدرس الأمم المتحدة الذكاء الاصطناعي من خلال العديد من المبادرات؛ فإنني أدعو المؤسسات العلمية المرموقة إلى التعاون في إعداد وثيقة توجيهية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، والتركيز على ما نعرفه وما لا نعرفه عنه.
سيكون من المفيد – بناءً على المعرفة العلمية القائمة – إرساء أسس تعاونية تطوعية تستغل الذكاء الاصطناعي التوليدي على النحو الأمثل من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الحماية من تداعياته السلبية. وبالمثل، ينبغي وضع أسس تعاونية لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الأمنية القومية مع الحد من الآثار الأمنية السلبية لهذه التكنولوجيا.
فمن المميزات المفيدة للذكاء الاصطناعي التوليدي الشفافية وتيسير الاتصال والاستجابة السريعة. وقد تم التعامل جزئياً مع التجاوزات السابقة التي تضمنت تقنيات منخفضة المستوى من خلال بناء جدران حماية افتراضية. إن تطوير تدابير السلامة ضد إجراءات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي لا تفوضها السلطات العليا بشكل كامل في تطبيقات الأمن القومي الأكثر حساسية؛ من شأنه أن يخدم حتى القوى العسكرية الأكثر تقدماً، خاصةً في خضم التوترات الحالية المتزايدة في عالمنا المستقطب.
هذه الاقتراحات التمهيدية أو المبدئية لا تمثل علاجاً لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي؛ ولكنها تهدف إلى تعزيز فهم قدراته، ودعم الجهود الرامية إلى تسخير إمكاناته وإدارة مخاطره. ففي ظل نظام دولي مليء بعدم المساواة والاستقطاب، يتعين علينا اغتنام كل فرصة هدفها التقدم والوقاية من التكنولوجيا التي قد تفاقم القدرات التدميرية لبعض التقنيات وترفع مخاطر الحسابات الخاطئة المتعلقة بمسائل الأمن القومي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: استخدام الذکاء الاصطناعی التولیدی الأمن القومی من خلال
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء.. هل يتخطّى التفاعل البشري؟
تعتبر التجارة جزءا أساسيا من تاريخ الإنسانية، وقصة تمتد جذورها عبر العصور، إذ يعود أول ظهور للتجارة لمسافات طويلة إلى حوالي 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو ما مهّد الطريق لظهور مفهوم العميل وتقديم الخدمات له. لكن لم تكتب البداية الرسمية لـ"خدمة العملاء" بشكلها الحالي إلا في وقت لاحق.
في الواقع، شهدت ستينيات القرن الـ18، بعد الثورة الصناعية، ولادة أول فرق دعم العملاء، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في تطور الخدمة التي نعرفها اليوم.
إن العودة إلى هذه الحقبة التاريخية تكشف لنا كيف تطورت هذه الصناعة بمرور الزمن، وأثرها الكبير على الطريقة التي نتعامل بها مع العملاء في عصرنا الحاضر.
شهدت هذه الخدمة تطورا ملحوظا منذ ظهور فرق الدعم الأولى في الثورة الصناعية، مرورا بابتكار الهاتف ومراكز الاتصال، ووصولا إلى الإنترنت والذكاء الاصطناعي الذي يعيد تشكيل هذا المجال اليوم.
ما تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي؟تشير منصة "سرفي سبارو" (SurveySparrow) لإنشاء الدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأي والاستمارات، والمتخصصة في تحسين خدمة العملاء، إلى أن تجربة العملاء للذكاء الاصطناعي تتضمن تسخير قوة تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة تفاعلات العملاء، وتبسيط العمليات التجارية، وتعزيز رضا العميل بشكل عام.
تتراوح التقنيات المستخدمة في هذا النهج من خوارزميات التعلم الآلي إلى معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" (NLP)، والتحليلات التنبؤية، وحتى أتمتة العمليات الروبوتية.
وفي دراسة حديثة لها، قالت شركة "ماكنزي" (Mckinsey)، وهي شركة استشارات إستراتيجية دوليّة في نيويورك، إن الذكاء الاصطناعي يستخدم للمشاركة الاستباقية والفعالة، والتعرف على النيات التنبؤية، وتحسين قنوات الخدمة الذاتية على مستويات أعلى.
وتشير الدراسة إلى أن الشركات الأكثر تقدما، خاصة في القطاعات الرقمية المحليّة، تتجه نحو هذه المستويات الأعلى من تكامل الذكاء الاصطناعي.
في سياق متصل، يناقش العامل البشري في الخدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مؤكدا أن تشغيلها لا يعني الأتمتة فقط، ويسلط الضوء على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة، وتوقع احتياجات العملاء حتى قبل الاتصال بهم.
الذكاء الاصطناعي يمكنه مساعدة الموظفين في الوقت الفعلي لتقديم نتائج عالية الجودة (بيكسلز) التحديات التي واجهتها خدمة العملاء التقليدية قبل ثورة الذكاء الاصطناعيهل تساءلت يوما عما يحدث بعد أن يسمع العميل هذا الطلب: "على مقياس من صفر إلى 10، ما مدى رضاك عن تجربة خدمة العملاء الخاصة بك؟".
الإجابة هي أنه عندما يحصل العملاء على رسالة نصية أو بريد إلكتروني، فإن الرقم الذي يضغطون عليه يوفر البيانات، ولكن هذه البيانات ربما لا تمنح صانعي القرار أي سياق لما جعل التجربة مذهلة أو مروّعة.
هل كان "صفر" بسبب تجربة سلبيّة مع ممثل مركز الاتصال، أو مجرد إحباط عام من شخص لديه كثير من الأمور الإدارية المزعجة في قائمته؟ هل كانت "10" استجابة مهذبة بشكل انعكاسي، أم حدث سيئ في أثناء تجربة خدمة العملاء؟
أحيانا، يمكن أن يضيف مربع التعليقات بعض القيمة، ولكن فقط إذا تمت إدارته بذكاء وتم تنفيذ التعليقات. وحتى في أفضل السيناريوهات، توفر الاستطلاعات فقط عينة صغيرة لا تمثل جميع التجارب، وهو ما يجعل من المستحيل الحصول على منظور شامل لرضا العملاء بشكل عام.
في السياق نفسه، تتضمن خدمة العملاء التقليدية عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة، وغالبا ما ينتظرون على الخط، أو ينتقلون عبر أنظمة آلية معقدة قبل أن يتحدثوا أخيرا مع وكيل.
وهذه أحد القيود التي تجعل هذه الطريقة التقليدية مليئة بعدم الكفاءة، وتثير إحباط كل من العملاء والشركات. وتتمثل أبرز المشاكل التي يواجهها العملاء بشكل متكرر في:
أوقات الانتظار الطويلة، سواء عند الانتظار على الهاتف، أو عند التنقل في أنظمة الرد الآلي. طلبات المعلومات المتكررة، حيث يتعين على العميل تقديم التفاصيل نفسها عدة مرات. نقلات متعددة بين الوكلاء أو الأقسام قبل الوصول إلى حلّ. نقص في تناسق الخدمة، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج متباينة اعتمادا على الوكيل أو النظام المعني. كيف يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في خدمة العملاء؟ أفضل 10 إستراتيجياتعلى الرغم من أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة العملاء لا يزال في مراحله الأولى، فإنه بات من الواضح أنه يشكل ملامح مستقبل هذه الصناعة بشكل ملموس.
ويشير تقرير شركة ماكنزي إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بمبلغ ملحوظ قدره 25.6 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي.
وقد رفعت وتيرة الابتكار التكنولوجي توقعات العملاء بشكل كبير، ويطالب الناس اليوم بخدمة سلسة، ومخصصة، وفعالة.
وقال أنوراغ دينغرا نائب الرئيس الأول ومدير عام قسم التعاون في شركة سيسكو الأميركية المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات لموقع فوربس: "يتيح لنا الذكاء الاصطناعي الانتقال من الخدمة التفاعلية إلى تقديم حلول أكثر استباقية، مما يساعد العملاء على حل المشكلات البسيطة تلقائيا، ويمكّن الوكلاء البشريين من التركيز على التفاعلات ذات القيمة العالية حيث يكون التعاطف وحل المشكلات أمرين أساسيين".
إليكم أفضل 10 طرق من منصة سرفي سبارو يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها إعادة تشكيل خدمة العملاء:
التوصيات الشخصية: يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات التعلّم الآلي، لتحليل سلوكيات العملاء واهتماماتهم، وتفضيلاتهم السابقة، حيث يمكنه تحديد الأنماط، مثل تفضيل المنتج، أو سلوك الشراء، واستخدام هذه المعلومات للتوصية بالمنتجات أو الخدمات.على سبيل المثال، إذا اشترى العميل بشكل متكرر أنواعا معيّنة من الكتب، يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي أن يوصي بكتبٍ مماثلة قد يرغب فيها. هذا لا يحسّن تجربة التسوّق للعميل فحسب، بل يزيد أيضا من عمليّات تحويل المبيعات. روبوتات الدّردشة والمساعدة الافتراضية: أصبحت أتمتة خدمة العملاء بالذكاء الاصطناعي شائعة بشكل متزايد. مثلا تستضيف منصة "سرفي سبارو" روبوتات دردشة مذهلة للذكاء الاصطناعي، واستطلاعات مدعومة به، مما يساعد الشركات على جمع تجربة العملاء وتعليقاتهم بسلاسة، إذ تستطيع هذه الدردشات المدعومة بالذكاء الاصطناعي الإجابة عن استفسارات العملاء، وحلّ المشكلات البسيطة، وتقديم المعلومات على الفور في أي وقت من اليوم، ويمكن برمجتها للإجابة على الأسئلة المتكررة، ومعالجة الطلبات، وحتى تقديم توصيات مخصصة للمنتجات.
من جهة أخرى، يمكن لروبوتات الدردشة التعامل مع كميّات كبيرة من الاستفسارات دون تدخل بشريّ، مما يضمن التعامل مع استفسارات العملاء بسرعة وكفاءة. خدمة العملاء التقليدية تتضمن عادة تواصل العملاء مع الدعم بعد مواجهة مشكلة (شترستوك) هذا هو السبب في أنه يعتبر أحد أهم الأمثلة على تجربة عملاء الذكاء الاصطناعي. مساعدات الصوت ومعالجة اللغة الطبيعية: تزداد شعبيّة المساعدات الصوتيّة مثل "سيري" (Siri)، و"ألكسا" (Alexa)، ومساعدة "غوغل" (Google Assistant) المدعومة بأصوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
إذ تستفيد من قدرات معالجة اللغة الطبيعية "إن إل بي" للذكاء الاصطناعي لفهم الأوامر المنطوقة والاستجابة لها، إذ يمكن لمساعدي الصوت الإجابة عن الأسئلة، وإجراء الطلبات، والتحكم في الأجهزة الأخرى، وتقديم المساعدة الشخصيّة بناءً على تاريخ المستخدم وتفضيلاته. خدمة العملاء التنبؤية: بفضل قدرته على تحليل كميات كبيرة من البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بسلوك العملاء في المستقبل.
على سبيل المثال، قد يتنبأ بأن العميل من المحتمل أن يواجه مشكلة بناء على أنماط استخدامه. ويمكن للشركة بعد ذلك التواصل بشكل استباقي مع العميل باستخدام حلّ، أو تقديم دعم إضافي، وهو ما يعزز تجربة العميل مع العلامة التجاريّة. تحليلات النص المتقدمة: يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي فرز كميات هائلة من بيانات العملاء، واكتشاف الأنماط والرؤى التي قد يفوتها البشر.
ولكن على الرغم من أن هذه الخوارزميات تسهل توقع الاحتياجات المستقبلية، وتعزيز تجارب العملاء، فإن هناك قلقا بشأن المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي المولد.
إذ تشمل هذه المخاطر قضايا مثل التحيّزات غير المقصودة في البيانات، وانتهاكات الخصوصيّة، وإمكانية الحصول على مخرجات مضللة أو تلاعبيّة قد تؤثر على عمليّات اتخاذ القرار.
من أجل هذا، فإن المراقبة الدقيقة والاعتبارات الأخلاقية ضرورية لاستغلال فوائد تحليلات الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من هذه المخاطر. تحليل المشاعر: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل النصوص من مراجعات العملاء، والبريد الإلكتروني، ومنشورات الوسائط الاجتماعية، ومصادر أخرى لتحديد المشاعر وراء الكلمات.
وهو ما يساعد الشركات في فهم كيفيّة شعور العملاء تجاه منتجاتها، أو خدماتها، وتحديد مجالات التحسين. التخصيص في الوقت الفعلي: يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل تجربة المستخدم في الوقت الفعلي، وفقا لإجراءات العميل.
على سبيل المثال، إذا كان العميل يتصفّح أنواعا معيّنة من المنتجات على موقع ويب، يمكن للذكاء الاصطناعي تعديل محتوى الموقع لتسليط الضوء على منتجات مماثلة، مما يخلق تجربة تسوّق مخصصة للغاية. تجربة سلسة عبر القنوات المتعددة: يمكن للذكاء الاصطناعي دمج البيانات من مصادر متنوعة، بما في ذلك القنوات الإلكترونية، والمتاجر، والهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الميزة تضمن تجربة سلسة للعملاء، الذين يمكنهم الانتقال بين القنوات ومتابعة رحلتهم دون انقطاع. تجزئة العملاء: يحلل الذكاء الاصطناعي بيانات العملاء لإنشاء شرائح مفصلة بناء على التركيبة السكانية، والسلوكيات، والتفضيلات، الأمر الذي يساعد الشركات على تقديم تجارب مخصصة وتحسين النتائج، ويمكنها من تقديم حملات تسويقية موجهة للغاية وتحسين أهمية رسائلها. إدارة علاقات العملاء "سي آر إم" (CRM) التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: يمكن للذكاء الاصطناعي في تجربة خدمة العملاء أن يعزز بشكل كبير أنظمة إدارة علاقات العملاء من خلال أتمتة مهام مثل إدخال البيانات، وتصنيف العملاء المحتملين، وتذكيرات المتابعة. أيضا يمكنه أن يوفر رؤى ذكيّة، مثل التنبؤ بأكثر العملاء المحتملين الذين من المرجح أن يتحولوا إلى عملاء فعليين، ممّا يُمكِّن فِرقَ المبيعات من تركيز جهودها بشكل أكثر فعالية. أمثلة على تجربة العملاء في الذكاء الاصطناعي
بعد أن فهمنا تجربة العملاء بالذكاء الاصطناعي، نلقي نظرة على كيفية استفادة بعض العلامات التجارية الشهيرة من الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة العملاء:
نظام توصيات المنتج من "أمازون": أحدثت شركة "أمازون" ثورة في التسوق في التجارة الإلكترونية من خلال نظام توصيات المنتج المدفوع بالذكاء الاصطناعي.إذ يقدم توصيات خاصة بالمنتج من خلال تحليل سلوك العملاء الفردي، وسجل الشراء، والعناصر الموجودة في عربة التسوق، وما يشتريه العملاء الآخرون. هذا التخصيص يحسن تجربة التسوق للعميل، ويزيد من مبيعات أمازون. التحليلات التنبؤية من "ستاربكس": تستخدم شركة "ستاربكس" الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة عملائها عن طريق أداة تسمّى "ديب برو" (Deep Brew)، حيث يستخدم التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتخصيص الرسائل التسويقية، وزيادة الولاء، وإدارة المخزون على مستوى المتجر.
على سبيل المثال، يمكن لنظام "ديب برو" اقتراح عناصر القائمة بناء على طلبات العميل السابقة، والموقع، والطقس، والوقت من اليوم، من بين عوامل أخرى. تطبيق "سيفورا" (Sephora) للفنان الافتراضي: تستخدم "سيفورا" وهي شركة تجزئة رائدة في مجال مستحضرات التجميل، الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة عملائها من خلال تطبيق "فيرتشوال آرتيست آب" (Virtual Artist App).
ويستخدم هذا التطبيق الواقع المعزز "إيه آر" (AR) للسماح للعملاء بتجربة منتجات تجميل مختلفة، حيث يقوم بمسح وجه العميل، ويتيح له كيف تبدو المنتجات المختلفة على بشرته.
ويساعد هذا التطبيق العملاء على اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة، ويضيف عنصرا ممتعا وتفاعليّا للتسوق عبر الإنترنت.
تظهر هذه الأمثلة أنه سواء كانت التجارة الإلكترونية، أو الأطعمة والمشروبات، أو صناعة مستحضرات التجميل، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز تجربة العملاء بشكل كبير عبر مختلف القطاعات.
من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل (شترستوك) مستقبل الذكاء الاصطناعي.. ماذا ينتظر خدمة العملاء؟حسب ما أشارت له منصة سرفي سبارو، من المقرر أن يلعب الذكاء الاصطناعي دورا أكبر في تجربة العملاء مع اقترابنا من المستقبل. ومع تطور التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع تشكل عديد من الاتجاهات الرئيسية.
في ما يلي، نعرض لكم بعض الآفاق المثيرة للذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في خدمة العملاء:
الذكاء الاصطناعي العاطفي: يستعد الذكاء الاصطناعي لتجاوز مجرد التعرف على النص والصوت، إذ يبدو أن المستقبل يحمل وعدا للذكاء الاصطناعي العاطفي، الذي يمكنه أن يفهم ويستجيب للمشاعر الإنسانية التي يتم التعبير عنها عبر إشارات الوجه، أو نبرات الصوت.تخيل خدمة عملاء تفهم ما تقوله وكيف تشعر! سيمهد هذا الطريق لتجارب العملاء المتعاطفة حقا. تجارب الذكاء الاصطناعي الغامرة: مع التقدم في تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تجارب عملاء غامرة.
تخيل تجربة الملابس على الصورة الرمزية الرقمية الخاصة بك في بيئة واقع افتراضي قبل الشراء، أو استخدام الواقع المعزز لمعرفة كيف ستبدو قطعة أثاث في غرفتك.
إن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع المعزز والافتراضي سيعيد طريقة تعريف تفاعل العملاء مع الأعمال التجارية. الشبكات العصبيّة والتعلم العميق: ستمكن الأنظمة المتقدمة للذكاء الاصطناعي من تقديم تجارب عملاء فائقة الذكاء، حيث ستتمكن من فهم البيانات غير المهيكلة مثل نشاط العميل على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقديم تجارب على مستوى آخر من التخصيص. أخلاقيات وشفافية الذكاء الاصطناعي: عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدا ، سيكون التركيز المتزايد على جعله أخلاقيا وشفافا.
إذ يجب أن يفهم العملاء بشكل أفضل كيفية معالجة الذكاء الاصطناعي لبياناتهم لاتخاذ القرار، وهو ما يؤدي إلى زيادة الثقة في تجارب العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي. الذكاء الاصطناعي المستقل: سيتولى الذكاء الاصطناعي دورا أكثر استقلالية في إدارة تجربة العملاء، حيث سيقوم بدعم الوكلاء البشريين، والعمل كوكيل مستقل، مما يتيح له اتخاذ القرارات وتنفيذ الإجراءات التي تحسن رحلة العميل.
بشكل عام، مستقبل الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء لا يقتصر على جعل العمليّات أسرع وأكثر كفاءة، بل يتعلق بخلق تفاعلات فريدة، وغامرة، وذكية عاطفيا، تحترم فردية العميل واستقلاليته.
بمعنى أدق، يتعلق المستقبل بجعل الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من النظام البيئي للأعمال، حيث يفهم ويستبق احتياجات العملاء وقيمهم، ويحترمهم ويتعاطف معهم.
أمام هذه التطورات المثيرة، هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق بالفعل على التفاعل البشري في تقديم تجربة عملاء مثالية؟ أم أن لمسة الإنسان، خاصة العاطفية، ستظل العنصر الذي لا غنى عنه؟