غزة- "كل مكالمة أشعر بالقلق خشية أن تكون الأخيرة"، هكذا تصف "أم عائد" النازحة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة حالها خلال الأسابيع الثلاثة من عمر العملية العسكرية البرية المتواصلة على مخيم جباليا في شمال القطاع.

وبعناء شديد تتمكن هذه المرأة النازحة من منطقة "الجرن" المتاخمة لمخيم جباليا، من إجراء مكالمة ناجحة مع أحد أفراد أسرتها، الذين رفضوا النزوح وتمكسوا بالبقاء في منازلهم منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ولليوم الثامن عشر على التوالي تحاصر قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم جباليا ومناطق متاخمة له، وارتكبت مجازر مروعة بحق السكان والنازحين في المنازل ومراكز الإيواء، واعتقلت أعدادا من الرجال، وأجبرت نساء وأطفالا على النزوح القسري.

تقول أم عائد "والله بنام على الجزيرة وبصحى على الجزيرة"، وتقصد أنها تلاحق على مدار اللحظة نشرات الأخبار على قناة الجزيرة لمعرفة ما يدور في المخيم، وللاطمئنان على أسرتها المكونة من 30 فردا، غالبيتهم من النساء والأطفال.

وفضّلت السيدة عدم الكشف عن هوية عائلتها تحسبا لما يتداوله الغزيون من أن الاحتلال يستهدف كل من يصرح علنا برفض النزوح ويدعو للصمود في جباليا وشمال القطاع.

بعد ويلات النزوح يتمنى العديد من النازحين لو أنهم صمدوا في شمال القطاع (الجزيرة) مكالمة الوداع

في خيمتها التي تقيم بها مع أفراد أسرتها الثمانية بمدينة دير البلح، المكتظة بنحو 800 ألف من سكانها والنازحين إليها، تضبط أم عائد المؤشر على إذاعة فلسطينية محلية تنقل البث المباشر لقناة الجزيرة الفضائية، وتقول إن العدوان على جباليا سلبها النوم، وتقوم كل ليلة لصلاة القيام والدعاء لأهلها وسكان المخيم، وترسل رسائل قصيرة على هواتف أسرتها للاطمئنان عليهم في ظل صعوبة إجراء مكالمات هاتفية.

ويعاني آلاف في مخيم جباليا ومناطق محافظة شمال القطاع من تردي خدمات الاتصالات والإنترنت بسبب عبث قوات الاحتلال بالشبكة وتدميرها، وانعكس ذلك على التواصل بين الأسر التي شردتها الحرب والنزوح بين شمال القطاع وجنوبه.

حياة بائسة يعيشها النازحون جنوب قطاع غزة وسط القلق على أقاربهم في الشمال (الجزيرة)

وفيما اتخذت أم عائد وأسرتها القرار بالنزوح جنوبا في الشهر الثاني للحرب، كان قرار والديها وأشقائها وشقيقاتها الصمود في جباليا، وتستذكر تلك الليلة التي تصفها بـ"ليلة موت"، والتي كانت سببا في نزوحها لجنوب القطاع، وتقول "نجونا من الموت بأعجوبة، بيتي كان مهددا بالقصف، وكنا وأسرتي نازحين جميعا في منزل تعرض خلال الليل لقصف مكثف بقذائف المدفعية، وغارة جوية دمرت الطابق العلوي، بعدها أنقذوا أمي من تحت الركام، واستشهدت زوجة عمي وابنة أخي، وأكثرنا أصيب بجروح".

صبيحة تلك الليلة نزحت أم عائد وأسرتها إلى مناطق ما أسماها الاحتلال بـ"جنوب وادي غزة"، وتنقلت من مكان إلى آخر، وتقيم حاليا في خيمة بمبنى الكلية التقنية بدير البلح، لكنها لا تعلم أيهما كان أفضل وأقرب للصواب قرارها بالنزوح أم بقاء عائلتها وصمودها في شمال القطاع.

"الموت يلاحقنا في كل مكان.. وفي ظل الحرب فقدنا القدرة على التفكير والأمان"، تقول أم عائد بينما تحتبس الدموع في عينيها، وتضيف "أنا الكبرى بين إخوتي وأخواتي، وعندما أسمع منهم كلمات الحب أشعر بقلق شديد أنها قد تكون المكالمة الأخيرة، وأن هذه هي كلمات الوداع".

نزوح ومجازر

في ناحية أخرى، وبعد أيام من الجزع الشديد هدأت أم عمر عبد ربه قليلا، عندما تأكدت من تمكن عائلتها المكونة من 16 فردا من النزوح من أطراف جباليا، ووصولهم إلى حي الشيخ رضوان بمدينة غزة. وتقول "كانت الطرق مرعبة، وقد نجوا من موت محقق، في كل خطوة تتساقط قذائف المدفعية من حولهم، والطيران يحلق من فوقهم".

وتنقل أم عمر، وهي التي سبق أن نزحت من جباليا إلى منطقة القرارة في الشمال الغربي لمدينة خان يونس بجنوب القطاع، عن شقيقتها التي رافقت والدها ووالدتها وأشقاءها الثلاثة مع 5 أسر من الجيران، رافعين الرايات البيضاء، "من الخوف الشديد والموت يحيطنا من كل جانب لم نستطع أن نلتفت خلفنا، ولم يتحدث أحدنا مع الآخر لمسافة طويلة حتى مغادرتنا جباليا".

وتنقل أم عمر عن عائلتها أنهم عندما وصلوا إلى حي الشيخ رضوان تفقدوا بعضهم بعضا بالأحضان، وتقول للجزيرة نت "لم يكونوا واثقين بأنهم جميعا وصلوا سالمين وعلى قيد الحياة، فالرايات البيضاء ليست لها حصانة، وقد كانوا شهودا قبل يوم من نزوحهم على إعدام ميداني لفتاة من الجيران حاولت مغادرة منزلها حاملة راية بيضاء".

ومنذ نزوحها مع أسرتها المكونة من 7 أفراد في الشهر الثاني للحرب من جباليا، نحو مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع عبر "حاجز نتساريم" العسكري الإسرائيلي، الذي يفصل بين الغزيين شمالا وجنوبا، لم تشعر أم عمر بالخوف كما شعرت به منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية ضد جباليا وشمال القطاع.

"لدي خوف دائم على عائلتي من الموت قصفا أو جوعا" تقول أم عمر، ويتعاظم لديها هذا الشعور مع كل ما يتعرض له الغزيون في شمال القطاع من مجازر، وكذلك التجويع بمنع الاحتلال كل سبل الحياة عنهم، وزاد خناقه عليهم منذ بدء العملية العسكرية الحالية.

وهذه هي العملية البرية الثالثة لقوات الاحتلال في غضون شهور قليلة ضد مخيم جباليا، وهو الأكبر من حيث الكثافة السكانية بين مخيمات اللاجئين الثمانية في القطاع، وكان يقطنه نحو 165 ألف لاجئ قبل اندلاع الحرب، في مساحة تقل عن كيلو ونصف الكيلو متر مربع.

أم عمر وأطفالها يسترجعون ذكرياتهم مع عائلتها المحاصرة في شمال القطاع (الجزيرة) قلق دائم

تعاني أم عمر من صداع دائم منذ عدة أيام، ترجعه إلى القلق الذي يتملكها خشية على عائلتها، والسؤال الذي يتردد صداه في رأسها ولا تعرف له إجابة "ما الذي أريده؟ أن أكون مع عائلتي في الشمال أم يكونوا عندي هنا بالجنوب؟".

وكثيرا ما تقول هذه النازحة "ليتني بقيت -حتى لو مت- في الشمال"، لكنها تعود وتتذكر أطفالها والخوف الشديد الذي أصابهم بعد ليلة الرعب إثر الدخول البري الأول لمخيم جباليا، وقطع مسافة طويلة في طرق تتناثر فيها جثامين وأشلاء الشهداء، واجتياز "التفتيش المرعب" عبر حاجز نتساريم، قبل وصولها إلى مدينة رفح التي قضت فيها بضعة شهور قبل النزوح عنها، إثر العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة فيها منذ مايو/أيار الماضي.

تضيف "نحن شعب جبار وقادر على العيش في أي مكان وفي ظل أصعب الظروف، ولكن الشعور بالخوف على الأهل والأحبة هو ما يقتلني ويحرمني النوم والراحة".

وتشير تقديرات محلية ودولية إلى أن زهاء 400 ألف فلسطيني لا يزالون في مدينة غزة وشمال القطاع، رفضوا الامتثال لإنذارات النزوح منذ اندلاع الحرب، التي تسببت في نزوح نحو مليوني فلسطيني، يتكدس غالبيتهم في الخيام ومراكز الإيواء في جنوب القطاع.

وبحسب رصد هيئات محلية ودولية، فإنه ومنذ بدء العملية العسكرية البرية ضد مخيم جباليا، قتلت قوات الاحتلال أكثر من 500 فلسطيني، وجرحت زهاء 1500، ولا تزال تمنع سيارات الإسعاف من انتشال عشرات الشهداء من الشوارع ومناطق التوغل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات العملیة العسکریة فی شمال القطاع مخیم جبالیا جنوب القطاع فی الشمال أم عائد أم عمر

إقرأ أيضاً:

حقوقي فلسطيني: إسرائيل تنتقم من مخيم جباليا لتاريخه ولصموده

غزة- قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تنتقم من مخيم جباليا في شمال قطاع غزة بارتكاب المجازر المروعة بحق أهله ونسف منازلهم بهدف التغيير الديمغرافي والجغرافي، بإجبار من تبقى من سكانه على النزوح. وهو الأكبر من بين مخيمات القطاع الثمانية من حيث الكثافة السكانية.

وفي حوار مع الجزيرة نت، أوضح أن الاحتلال يستهدف تصفية المخيمات، وفي مقدمتها جباليا المعروف تاريخيا بأن فيه الثقل الرئيسي للحركة الوطنية الفلسطينية في القطاع، وكان مفجرا وباعثا للثورة وعلى رأسها الانتفاضة الأولى (1987-1993)، عدا عن وجود عدد كبير من أبنائه قادة في مختلف التنظيمات والفصائل، وهو ما يفسر العملية البرية الثالثة ضده في غضون شهور.

ويجمع مخيم جباليا -وفقا لعبد العاطي- بين صورتين: المأساة والكارثة، والصمود والمقاومة، وقد كبد قوات الاحتلال خسائر فادحة كان آخرها مقتل إحسان دقسة قائد اللواء 401 "الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".

وفيما يلي نص الحوار:

كيف تراقب ما يتعرض له مخيم جباليا منذ نحو أسبوعين جراء العملية العسكرية الإسرائيلية الثالثة ضده منذ اندلاع الحرب؟

للأسبوع الثالث على التوالي تستمر دولة الاحتلال في فرض حصار خانق على شمال القطاع، وتواصل عمليات الاستهداف المنظم بالقصف العشوائي والممنهج لمنازل المواطنين ومراكز الإيواء والمستشفيات.

وتهدف إلى تحويل الشمال إلى منطقة منكوبة وفرض هجرة ونكبة جديدة عليه بإفراغه من سكانه، وذلك ضمن جملة من الإجراءات القائمة على الحصار والتجويع وتدمير كل مقومات الحياة والبنى التحتية والمنازل السكنية بالروبوتات المتفجرة وبراميل البارود والغارات الجوية والمدفعية.

وفي الوقت ذاته، تواصل ارتكاب المجازر ضد المدنيين، وهذا ما يحصل حاليا في مخيم جباليا، الذي يشهد مجازر مروعة وغير مسبوقة، ولغاية اللحظة تفوق الحصيلة 650 شهيدا ومفقودا وأكثر من 1500 إصابة، إضافة إلى تهجير عشرات الآلاف ممن حاصرهم الاحتلال في مراكز الإيواء بعد استهدافها وإحراقها.

كما أجبرهم على النزوح القسري سواء إلى جنوب القطاع أو مدينة غزة، وبالتالي إسرائيل ماضية في مخططها التهجيري وإفراغ الشمال من السكان واحتلاله وضمه لها أو جعله منطقة عسكرية وأمنية عازلة ومغلقة، وهذه جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية تستكمل بفرض كارثة إنسانية غير مسبوقة.

هل ثبت لديكم استخدام الاحتلال أسلحة محرمة دوليا ضد المخيم؟

نعم، هناك أدلة وشواهد كثيرة تثبت أن دولة الاحتلال تعمدت استخدام مختلف أنواع الأسلحة وسط المدنيين والأعيان المدنية، وهو أمر محرم ومخالف لقواعد وأحكام اتفاقيات لاهاي التي تحدد طرق وأساليب القتال المشروعة، ولذلك دولة الاحتلال ليست مطلقة اليد لاستخدام ما تشاء من قوة لديها.

مع الإشارة إلى أن القطاع هو المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم، والاحتلال استخدم ضد المدنيين -في هذه المنطقة الجغرافية الصغيرة- أسلحة الفوسفور الأبيض والقنابل الكيميائية والفراغية والصواريخ المجنحة، إضافة إلى التجويع والعقوبات الجماعية المحرمة دوليا.

ما حقيقة استخدام الاحتلال براميل متفجرة لنسف مربعات سكنية في مخيم جباليا، وهل الغرض مسح هذا المخيم من خارطة القطاع؟

بكل تأكيد، استخدم الاحتلال براميل متفجرة لنسف مربعات سكنية فوق رؤوس السكان المدنيين في مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا المجاور له، وهذه البراميل تمسح المناطق ديمغرافيا وتحولها إلى مناطق محروقة كليا وغير قابلة للحياة.

ما أبرز الجرائم الإسرائيلية التي رصدتموها كهيئة حقوقية؟

أول هذه الجرائم هي العقوبات الجماعية وفرض الحصار الخانق، وفصل المدن والمخيمات عن محيطها، وتعقيد ومنع دخول المساعدات الإنسانية والوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، وهذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ويتزامن ذلك مع ارتكاب المجزرة تلو الأخرى بحق العائلات وأدت إلى مسح عدد كبير منها من السجلات المدنية، وأخرى فقدت نصف أفرادها أو أكثر، إضافة إلى عمليات الاستهداف والقنص والإعدام الميداني للمواطنين والنازحين في الشوارع.

وقد رصدنا عشرات الجثامين لا تزال ملقاة بالشوارع، ويمنع الاحتلال الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف من دخول المخيم لانتشال الشهداء وإجلاء الجرحى، وتعمد استهداف المستشفيات وإخراجها عن الخدمة، مع إمعانه في استهداف مراكز الإيواء وحرقها، ومنها مراكز تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

هل رصدتم جرائم إعدام ميداني وتنكيل بسكان المخيم والنازحين في مراكز الإيواء؟

نعم، هناك إفادات تشير إلى عمليات تنكيل وتثبتها صور ومقاطع مصورة ينشرها جنود الاحتلال على منصات التواصل الاجتماعي لجرائم حصار واقتحام مراكز الإيواء ومنازل المواطنين والتنكيل بالمدنيين والنازحين واعتقالهم، واقتيادهم إلى مناطق مجهولة.

وللأسف، لا نمتلك رقما دقيقا لأعداد المعتقلين. كما هناك إفادات عن جرائم إعدام ميداني ويثبتها انتشار عشرات الجثث في الشوارع ومناطق التوغل وبينها جثث نساء وأطفال، وهذه الجرائم باتت سمة من سمات الإجرام البشع الذي ترتكبه قوات الاحتلال في عدوانها على القطاع المستمر للعام الثاني.

ما الذي يميز مخيم جباليا ولماذا التركيز الإسرائيلي عليه بالعملية البرية الثالثة ضده؟

مخيم جباليا هو الأكبر من بين مخيمات غزة من حيث الكثافة السكانية للاجئين، وكان يسكنه قرابة 165 ألف لاجئ قبل العدوان، وتاريخيا هو يمثل مركز الثقل الرئيسي للحركة الوطنية في القطاع، وكان مفجرا وباعثا للثورة الفلسطينية وعلى رأسها الانتفاضة الأولى، عدا كون عدد كبير من أبنائه قادة في مختلف التنظيمات والفصائل.

وبالتالي، تستهدف دولة الاحتلال المخيمات -وفي المقدمة جباليا- بمسحها بالمجازر والتدمير بهدف إحداث تغيير ديمغرافي وجغرافي داخل القطاع، وهو ما يفسر العملية البرية الثالثة ضده في غضون شهور. كما أنه يجمع بين صورتين: المأساة والكارثة، والصمود والمقاومة، وقد كبد الاحتلال خسائر فادحة كان آخرها مقتل العقيد إحسان دقسة قائد اللواء 401 الذي مارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ما الذي تريده إسرائيل من مخيم جباليا وشمال غزة؟

بكل بوضوح، تهدف دولة الاحتلال إلى تطبيق ما باتت تُعرف بـ"خطة الجنرالات"، وتتضمن حصار شمال القطاع، وفرض عقوبات جماعية والاستهداف الممنهج للمدنيين، وإجبارهم على النزوح، بهدف إفراغ جباليا والشمال من سكانه وتحويله إلى منطقة حربية ومعزولة وضمها تدريجيا إليها.

واقع مستشفيات غزة (الجزيرة) كيف تقيم الواقع الصحي والإنساني بالمخيم وشمال القطاع عموما؟

باختصار، الواقع هناك كارثي، وخاصة أنه ما قبل هذه العملية البرية الثالثة ضد مخيم جباليا، كانت 3 مستشفيات تعمل في الشمال كنقاط طبية جراء تدميرها خلال عمليات الاجتياح المتكررة، وهي الإندونيسي وكمال عدوان والعودة، في حين خرج مستشفى اليمن السعيد مبكرا عن الخدمة.

ومنذ اللحظة الأولى منعت قوات الاحتلال إدخال الوقود اللازم لتشغيل هذه المستشفيات، مما جعلها تعمل في ظروف كارثية، وأدى إلى تراجع قدرتها على التعامل مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى والمرضى في مناطق الشمال. وأمعن الاحتلال في استهداف القطاع الصحي بمنع الوفود الطبية الدولية ومنظمة الصحة العالمية من الوصول إلى تلك المناطق، بل واستهدف الطواقم الطبية الفلسطينية مما أدى إلى استشهاد أعداد من الأطباء.

وآخر نتائج الاستهداف الممنهج خروج مستشفيي الإندونيسي والعودة عن الخدمة، ولم يبق سوى مستشفى كمال عدوان يعمل في ظروف كارثية وصعبة جدا ويعجز عن مواجهة الضغط الهائل من ضحايا العدوان، مما دفع الأطباء إلى خيار المفاضلة بين الحالات، بمعنى ترك جرحى للموت وعلاج آخرين فرصهم أعلى للنجاة.

بماذا تفسر الصمت الدولي إزاء هذه الإبادة المستمرة؟

على مدار أكثر من عام يتواصل العجز الدولي والصمت وخذلان الفلسطينيين، ويستمر عجز المجتمع الدولي عن إنفاذ تدابير محكمة العدل الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي الذي تبنى مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن، وعدم العمل الحثيث على وقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية.

واستمرت دولة الاحتلال في عدوانها متسلحة بعقلية إرهابية وعنصرية وبدعم من الولايات المتحدة عسكريا وسياسيا واقتصاديا وإعلاميا، إضافة إلى دعم بعض الدول الغربية، في الوقت الذي يستمر فيه العجز العربي والانقسام الفلسطيني الداخلي. وكلها عوامل ساعدتها على مواصلة جرائم الإبادة الجماعية التي أسفرت عن قرابة 60 ألف شهيد ومفقود ونحو 100 ألف جريح وتهجير كل سكان القطاع وتحويل حياتهم إلى جحيم.

ورغم ذلك، يبقى المطلوب هو الاستمرار في محاولات توفير الحماية الدولية للفلسطينيين بمختلف الأشكال، واستمرار إدانة جرائم الاحتلال، ودعوة الدول للقيام بواجباتها لحماية القانون الدولي، والاستمرار في تطوير كل أدوات المقاطعة وفرض العقوبات على دولة الاحتلال وطرد السفراء، للضغط عليها من أجل وقف عدوانها وجرائم الإبادة.

ولابد من تحرك في القدس والضفة الغربية التي خذلت القطاع نتاج تقاعسها رغم كل المبررات التي قد يسوقها البعض، ولكن وحدة الدم والمصير تقتضي تحركا خلاقا إسنادا لغزة.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يشن عشرات غارات على شمال القطاع.. قنابل ثقيلة تستهدف جباليا (شاهد)
  • الاحتلال يشن عشرات الغارات على شمال القطاع.. قنابل ثقيلة تستهدف جباليا (شاهد)
  • إعلام فلسطيني: سلسلة غارات تستهدف مخيم جباليا شمال قطاع غزة
  • حقوقي فلسطيني: إسرائيل تنتقم من مخيم جباليا لتاريخه ولصموده
  • ‏القسام تكشف كيف قضت على قائد اللواء 401 في مخيم جباليا
  • استشهاد 8 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي مخيم جباليا شمال غزة
  • إعلام فلسطيني: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل على مخيم جباليا شمال قطاع #غزة
  • العدو يرتكب مجزرة جديدة بغزة ويستهدف مركز إيواء نازحين في مخيم جباليا
  • غارات مكثفة.. الاحتلال يستهدف عددا من النازحين في جباليا بغزة