لماذا يعد بقاء قوات اليونيفيل في لبنان أمراً مهماً لأوروبا؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي الضغط على قوات حفظ السلام لكي تغادر جنوب لبنان، يبدو المجتمع الدولي متردداً إزاء الرد على ذلك، وهو ما يحول اليونيفيل إلى مهمة "هل يجب أن تبقى أم يجب أن ترحل؟".
اعلانتبحث الدبلوماسية الأمريكية عن وقف إطلاق نار في لبنان في اللحظة الأخيرة، قبل الانتخابات الرئاسية، وفي الوقت عينه، يكثف الجيش الإسرائيلي ضغوطه على مخابئ مزعومة لحزب الله في جنوب لبنان وبيروت.
والأحد، هدمت جرافة تابعة للجيش الإسرائيلي برج مراقبة تابعة لقوات حفظ السلام اليونيفيل في مروحين، وهو ما دفع وزراء دفاع مجموعة السبع للتعبير عن "قلقهم إزاء كل التهديدات لأمنها وجددوا دعمهم للبعثة لضمان استقرار لبنان".
ويقول وزير الخارجية الإيطالي السابق وأستاذ القانون بجامعة لويس في روما، إنزو موافيرو ميلانيزي لـ "يورونيوز": "إن الجيش الإسرائيلي يسعى لدفع قوات الأمم المتحدة إلى الانسحاب. وإن انسحاب الخوذ الزرقاء سيمهد الطريق لإعادة احتلال المنطقة دون وجود عناصر ثالثة مثل قوات الأمم المتحدة".
وتعد فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا من بين أكبر المساهمين في قوة القبعات الزرقاء، والخميس الماضي، تمكنت سفينة حربية ألمانية من إسقاط طائرة مسيرة "متطفلة للغاية".
وهذا السبب الذي يوضح أن بقاء قوات اليونيفيل عنصر مهم، إن لم يكن حيوياً، في الوجود الأوروبي في الشرق الأوسط، والسبب وراء شعور العواصم الأوروبية بأنها ستتعرض لضغط إضافي سيعتمد على ما قد يحدث لهذه القوات.
وقال ميلانيزي: "إن فشل اليونيفيل قد يتحول إلى فشل ذريع للأمم المتحدة، وإلى حد ما، ربما يشكل الأمر فشلاً مثيراً للقلق بالنسبة إلى أوروبا، لأن هذا ربما يعني تفاقم صراع آخر على مقربة شديدة من حدودها".
Relatedقائد بعثة اليونيفيل في لبنان يحذر من التصعيد المتزايد على جانبي الخط الأزرق"مهمتنا أصبحت صعبة" المتحدث باسم البعثة ليورونيوز.. ما هي "اليونيفيل" في لبنان وما هو الخط الأزرق؟اليونيفيل: نفقان اكتشفا على حدود إسرائيل ينتهكان قرارا لمجلس الأمنقواعد الاشتباك: جدار الحماية السياسيانتشرت معظم قوات اليونيفيل بعد حرب صيف 2006 بين إسرائيل وحزب الله، بهدف تعزيز الحاميات الصغيرة التي كانت موجودة منذ عام 1978.
وتولت هذه القوة مراقبة انسحاب الجيش الإسرائيلي وتنسيق نزع سلاح حزب الله في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق (الحدود بين إسرائيل ولبنان) ونهر الليطاني.
ووفقاً لإسرائيل، فمن الواضح أن أصحاب الخوذ الزرقاء لم يقوموا بعملهم على النحو الصحيح على مدى السنوات الـ18 الماضية، ولم يمنعوا حزب الله من تجميع ترسانته الصاروخية.
وتعرضت قوات الأمم المتحدة لنيران حزب الله في مناسبات مختلفة أيضاً، وخاصة أثناء محاولتها منع أنشطته العسكرية غير المشروعة في جنوب لبنان.
وحتى لو كانت الاتهامات الإسرائيلية تستند جزئياً إلى حقائق، فهل ذلك سبب وجيه لإطلاق النار على الخوذ الزرقاء، وكيف ينبغي لقوات حفظ السلام أن تتصرف في حالة وقوع هجوم عسكري؟
جنود لبنانيون يقفون خلف مركبة متضررة بعد تعرض قافلة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لإطلاق نار في قرية العقبة بجنوب لبنان، 15 كانون الأول /ديسمبر 2022.Mohammad Zaatari/ APويقول الجنرال الفرنسي أوليفييه باسو لـ "يورونيوز" إن بعثات حفظ السلام العسكرية التابعة للأمم المتحدة عادة ما يتعين عليها التعامل مع ما يتناقض وصلاحياتها، مما يحد بشكل كبير من استخدام القوة من خلال ما يسمى بـ "قواعد الاشتباك".
وقال باسو، وهو ضابط سابق مخضرم في اليونيفيل في إجازة وباحث مشارك في المدرسة العسكرية الفرنسية للدراسات الاستراتيجية: "إن اليونيفيل ليست أداة قتالية، ولم تشارك في القتال منذ عام 1978. وفي هذه الحالة، أطلقت النار بشكل عشوائي".
وذكر باسو أن "رد الفعل القوي، في هذه الحالة المحددة، يمكن أن يقود إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين قوات الأمم المتحدة والجيش الإسرائيلي".
وتابع: "بالنسبة إلى جنود اليونيفيل، كان ذلك يعني خوض تحدي عملية قتالية حقيقية ضد خصم مثل الجيش الإسرائيلي، لكن ماذا بعد؟".
اعلانوقال الضابط الفرنسي: "إن جنود اليونيفيل لا يملكون ـ أصلا ـ الأسلحة اللازمة لذلك، فلا يملكون سوى أسلحة خفيفة، وليس من ضمن تفويضهم إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على الميركافا الإسرائيلية".
وعلى الرغم من صلاحيات الرد المحدودة، فإن قوات حفظ السلام لديها مجال للمناورة عندما يتعلق الأمر بالدفاع المشروع، بحسب الضابط الفرنسي الذي أضاف: أن "الدفاع المشروع متأصل في قواعد الاشتباك ويسمح بالرد على النيران فورا، واتخاذ القرار بهذا الشأن يعود لقائد المفرزة. تلك هي القاعدة".
وأضاف: "أن قائد المفرزة، في الواقع يتعين عليه أن يفكر. وربما يتردد خشية إثارة حادث سياسي، وربما يرحج تجنُّب إطلاق النار، على الرغم من أن له كامل الحق في الرد على مصادر النيران، من الناحية النظرية".
.مركبة تابعة لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة يونيفيل تقوم بدوريات في بلدة الناقورة على الحدود الساحلية الجنوبية اللبنانية الإسرائيليةMohammad Zaatari/APوقوات اليونيفيل هي تحالف متعدد الجنسيات يتألف من جنود من 50 دولة حول العالم.
اعلانولكن عندما يتعلق الأمر بالعمليات البرية، فإن خط القيادة يكون وطنيا لأن الأنشطة العسكرية عادة ما تتم على مستوى الكتيبة تحت إشراف قائدها، وهو عقيد يحمل نفس الشارات الوطنية والعسكرية التي تحملها الحامية التي شاركت في الحادث.
ويوضح باوس: "إذا كان الوضع أكثر تعقيداً، فيجب على القائد أن يقدم تقريراً إلى رئيس الأركان الذي يبعد بضعة أميال عن منطقة تبادل إطلاق النار. ومن المحتمل جداً أن يقدم رئيس الأركان والقائد العام لقوات اليونيفيل تقريراً إلى الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك".
ويتابع: "في نهاية المطاف، فإن هذا الإجراء يترك مبادرة محدودة للغاية للقائد التكتيكي المحلي".
إن جميع دول الاتحاد الأوروبي التي تشكل جزءا من قوات اليونيفيل لديها علاقات ودية إلى حد كبير مع إسرائيل. لذا فإن إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي قد يؤدي إلى نتائج سياسية غير مرغوب فيها.
اعلانومع ذلك، فإن ممارسة الحرب تجبر الجنود في بعض الأحيان على إزالة أي نوع من العوائق، وفي بعض الحالات، قد يعتبر الإسرائيليون أن مواقع اليونيفيل بمثابة غطاء غير طوعي لأنشطة حزب الله.
وفقاً لقيادة الجيش الإسرائيلي، فإن حزب الله بنى أنفاقا ومخابئ ومنصات لإطلاق صواريخ على بعد أمتار قليلة من مواقع اليونيفيل.
وقال ميلانيزي: "إن مهاجمة الخوذ الزرقاء هي أعمال تتعارض مع روح ونص أحكام الأمم المتحدة".
قرار للأمم المتحدة في عداد الموتى؟الاتهامات المتبادلة بين الخوذ الزرقاء والجيش الإسرائيلي تصاعدت، وتجاوزت نطاق ساحة المعركة.
اعلانفوفقاً لإسرائيل، فإن القرار 1701 فشل في توفير الأمن لإسرائيل ضد أنشطةحزب الله العسكرية، وأصبح القرار بمثابة وثيقة قانونية ميتة تحرم اليونيفيل من أي شرعية قانونية دولية للعمل في جنوب لبنان.
ولكن الخبراء يختلفون مع هذا الرأي.
يقول ميلانيزي: "يجب تقييم العمل البري الملموس على أساس كل حالة على حدة. يجب أن ننظر إلى القواعد المحددة لاشتباك قوات حفظ السلام وهدف مهمتها. ولا يمكن إلا لطرف ثالث القيام بذلك، وليس الأطراف المشاركة بشكل مباشر في الصراع".
وأضاف: "لا يوجد شيء اسمه قرار ميت. وحتى إذا لم يتم تطبيقه، فإن قرارات الأمم المتحدة تظل ملزمة. والسبب وراء استمرار اليونيفيل في مهمتها هو أنها قوة فاصلة. ولا يمكن سحب قواتها إلا من قبل الأمم المتحدة أو الحكومات الوطنية أو هما معا".
اعلانإن دور قوات حفظ السلام لا يقتصر على تجنب القتال المباشر مع العدو، بل إنها تقدم تقارير ميدانية إلى المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، الأمر الذي يجعل مهمتها تشمل جمع المعلومات إلى حد كبير.
يقول خافيير جونزالو فيجا، أستاذ القانون الدولي في جامعة أوفييدو: "حتى لو لم يتم كتابة ذلك رسمياً في القرار 1701، فإن نوعاً من النشاط المعلوماتي المحلي المحدود ضمني في نصه".
ويضيف لـ"يورونيوز": "بصرف النظر عن ذلك، فإن القرار لم يتم تنفيذه جزئياً وهذا يعطي إسرائيل المبرر للتدخل".
ويتابع: "يتعين على السلطات اللبنانية أن تسيطر على أراضيها بشكل كامل، لكي تؤدي الالتزامات اللازمة. لكن هذا لم يحدث، بل بقي حزب الله هناك".
اعلانالدور المنفصل لفرع الاتصالأكد باسو أن هناك وظيفة أخرى ذات صلة تماماً لقوات اليونيفيل وهي وظيفة غير معروفة إلى حد ما.
وأضاف: "يضمن فرع الاتصال الفصل بين الجانبين: اللبناني والإسرائيلي. بحيث لا يتحدثون مباشرة بعضهم مع بعض". وأوضح الجنرال الفرنسي أن "هذه الوظيفة مهمة للغاية في المراحل المنخفضة من الصراع، وقد تجنبت ما يسمى بالتصعيد غير المقصود للصراع مئات المرات".
وأضاف قائلا: "في بعض الأحيان، تتخطى دوريات صغيرة من الجانبين الخط الأزرق عن غير قصد. وعلى الجانب اللبناني، هناك الكثير من المدنيين الذين يتجولون بالقرب من خط التماس. يصل جنود اليونيفيل إلى هناك، ويوقفون هؤلاء الأشخاص، ويتصلون بنظرائهم للإبلاغ عن عدم وجود تهديدات فورية".
اثنان من قوات حفظ السلام الفرنسية التابعة للأمم المتحدة يراقبان خطوط المواجهة من مواقعهما في الملعب الأوليمبي في سراييفو، 27 سبتمبر/أيلول 1994.Rikard Larma/APوهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها البعثات العسكرية التابعة للأمم المتحدة لانتقادات بسبب عدم فعاليتها المفترضة في الصراعات.
اعلانوأشار باسو إلى أنه خلال حرب البوسنة في الفترة 1992-1995، كانت قوة الأمم المتحدة للحماية ، التي ضمت قوات فرنسية وإسبانية وبريطانية، هدفا لهجمات مختلفة من جانب الأطراف المتحاربة دون إمكانية الرد بسبب قواعد الاشتباك.
وقال: "لقد أرادوا أن يجعلونا نعتقد أن خصمهم هو الذي يستهدفنا. تسللوا إلى خطوط العدو لإطلاق النار علينا. وكانت القوات الفرنسية في مطار سراييفو تتعرض لإطلاق نار متكرر".
وخلص إلى القول: "كان من الصعب في تسعينيات القرن العشرين اكتشاف مصادر الهجمات. ففي بعض الأحيان كانت قناصة، وفي أحيان أخرى مدافع آلية ثقيلة، وفي أحيان أخرى قاذفات صواريخ صغيرة".
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية هوكستين في بيروت بشروط إسرائيلية لوقف الحرب.. نحن مع لبنان إذا ما قرر اتخاذ "قرارات شجاعة" نتنياهو يزعم العثور على أسلحة روسية في لبنان ويصف تصريحات ماكرون حول تأسيس إسرائيل بـ "جهل تاريخي" ما هي الشروط الإسرائيلية لوقف الحرب على لبنان؟ حفظ السلام الأمم المتحدة جنوب لبنان لبنان اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next اليوم الـ382: هلع في إسرائيل وغارات على جنوب لبنان والجيش الإسرائيلي يعلن مقتل هاشم صفي الدين يعرض الآن Next تل أبيب تضرب تحذيرات واشنطن بعرض الحائط.. تجويع غزة مستمر مع اعتراض 254 شحنة أممية إنسانية للقطاع يعرض الآن Next بريطانيا تقرض أوكرانيا 2.9 مليار دولار من عائدات الأصول الروسية المجمدة يعرض الآن Next أسعار الـ"بيتكوين" تحلّق مع الرهان على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة يعرض الآن Next بلينكن في حجه الـ11 إلى إسرائيل في عام واحد.. هل بوسعه الضغط على نتنياهو لوقف الحرب على غزة اعلانالاكثر قراءة عودة السعال الديكي.. وباء يجتاح أمريكا وأوروبا دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما الكشف عن أخطر شبكة تجسس إيرانية في إسرائيل اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما تقرير "ألفية الخلاص من الإرهابيين" يشعل الجدل.. التحقيق مع مسؤولي "MBC" السعودية ومطالب بالمقاطعة اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024غزةروسياإسرائيلاقتصادالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أزمة المهاجريندونالد ترامبحفل موسيقيحصارأوكرانياأمطار Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 غزة روسيا إسرائيل اقتصاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 غزة روسيا إسرائيل اقتصاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حفظ السلام الأمم المتحدة جنوب لبنان لبنان الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 غزة روسيا إسرائيل اقتصاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أزمة المهاجرين دونالد ترامب حفل موسيقي حصار أوكرانيا أمطار السياسة الأوروبية التابعة للأمم المتحدة قوات الأمم المتحدة الجیش الإسرائیلی قوات حفظ السلام قوات الیونیفیل الیونیفیل فی یعرض الآن Next إطلاق النار الخط الأزرق جنوب لبنان فی لبنان حزب الله فی بعض إلى حد
إقرأ أيضاً:
لماذا يعد انسحاب واشنطن من الملف السوري خطوة خاطئة؟
فتح الانهيار السريع والمفاجئ لنظام حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا، الباب أمام تساؤلات الجميع عن الرابحين والخاسرين من هذا السقوط، وتداعيات ذلك على المنطقة وما ورائها.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، قال المحلل الأمريكي هنري باركي أستاذ فخري العلاقات الدولية في جامعة ليهاي الأمريكية والباحث الزميل في دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية إن "قائمة الرابحين من سقوط نظام حكم الأسد تبدأ بتركيا وتضم إسرائيل ولبنان وربما دول أخرى في العالم العربي، ناهيك عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
On Washington’s opportunities and the challenges of post Assad Syria https://t.co/O6IOzqurej
— Henri Barkey (@hbarkey) December 19, 2024ولكن الوقت مازال مبكراً للغاية للتنبؤ بالتطورات المستقبلية في سوريا التي ستكون خلال المرحلة المقبلة، ساحة لتدخل عدد من اللاعبين الدوليين والإقليميين في مقدمتهم الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل.
وقد أظهرت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، أن هذه الصراعات الحادة غالباً ما تطلق سلسلة من النتائج غير المرغوبة. وتعود هذه النتائج غالباً ترجع إما للتكوينات المجتمعية، أو للقرارات غير المدروسة التي اتخذها القادة، أو إلى كليهما.
ويمكن أن تعزى التطورات السورية الحالية جزئياً إلى هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ ذلك اليوم. فقد قررت إيران ووكيلها في لبنان، حزب الله، على الفور دعم حماس بقصف شمال إسرائيل وإجبار عشرات الآلاف من الإسرائيليين على النزوح منه. وفي نهاية المطاف، أدى القصف الذي استمر لمدة عام إلى رد فعل إسرائيلي مضاد مدمر أضعف كل من إيران وحزب الله بشدة، وجعلهما غير قادرين على دعم بشار الأسد كما كانا في الماضي.
وتشير التقارير القادمة من سوريا، إلى أن الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، فوجئت بالسرعة التي انهار بها نظام الحكم السوري وتبخر جيشه. ولم يكن أحد، بما في ذلك حلفاء الأسد أو أعداؤه، يتوقعون الدرجة التي تآكلت بها مؤسسات الدولة والجيش السوري، بسبب الفساد المتعمد والقمع وسوء الإدارة.
وهذا يشير إلى حاجة المجتمع الدولي وجيران سوريا، إلى ممارسة أقصى درجات الحذر في تعاملهم مع سقوط نظام الحكم وتقديم الدعم للشعب السوري. فالمعروف عن طبيعة هيئة تحرير الشام قليل. وهي منظمة مسلحة جذروها تعود إلى تنظيمي القاعدة وجبهة النصرة. وهذان التنظيمان الإرهابيان تسببا في الكثير من الفوضى والعنف والبؤس في سوريا.
كما أن هيئة تحرير الشام ليست الجماعة المسلحة الوحيدة في سوريا، حيث يمكن للظروف الاقتصادية المزرية في البلاد أن تفجر العنف مرة أخرى بسهولة. وربما نجح زعيمها أبو محمد الجولاني في السيطرة على الموقف فور سقوط الأسد. ومع ذلك، فإن التحديات الخارجية والداخلية التي تنتظره ومنظمته قد تكون مستعصية للغاية.
ومن الخارج انخرط زعيمان متسلطان من دولتين مجاورتين في تصرفات من شأنها تقويض الحكومة السورية الجديدة. فقد أصدر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو توجيهات للجيش الإسرائيلي، بعبور الحدود مع سوريا واحتلال مساحات واسعة من أراضيها. كما أمر بتنفيذ حملة تدمير شاملة لكل مقدرات الجيش السوري بدعوى القلق من وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة.
وقررت الحكومة الإسرائيلية مضاعفة نشاط الاستيطان في هضبة الجولان السورية المحتلة. ولم يمد نتانياهو المتبجح على حد وصف هنري باركي يده للشعب السوري، بل استخدم لغة صارمة وعدائية لا بد أن تثير غضب الزعماء السوريين الجدد، بل وتزيد من الشكوك والعداء لإسرائيل في المنطقة، لأن الزعيم الإسرائيلي مهتم إلى حد كبير باستغلال سوريا لتعزيز موقفه الهش في الداخل، الذي تضرر من إدارته للحرب في غزة وتعامله مع قضية المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في القطاع ومحاكمته بتهم الفساد.
وأما الزعيم الثاني، فهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسعى أيضاً لتحقيق أهدافه الخاصة في سوريا، حيث وجه الجيش الوطني السوري وهو فصيل مسلح يسيطر عليه، لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية في شمال سوريا. كما أن السلطات الجديدة في دمشق قالت إنها لن تتسامح مع أي مجموعات مسلحة خارج سيطرة الحكومة المركزية.
وتعتبر تركيا قوات قسد منظمة إرهابية، في حين أنها تشكل المحور الرئيسي للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة منذ 10 سنوات لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا واحتوائه. وقد نشرت واشنطن 900 جندي للتعاون مع الأكراد السوريين.
كما أن تركيا، ترى قسد تهديداً استراتيجياً، لأنها تخشى من نجاحها في الحصول على أي شكل من أشكال الحكم الذاتي لأكراد سوريا على الأقلية الكردية في تركيا، وهو ما جعل الأخيرة تتحدث عن استعدادها للتدخل العسكري في سوريا للقضاء على هذا التهديد، في حين تتحدث تقارير عن وساطة أمريكية لوقف إطلاق النار بين قسد والأتراك.
وكل هذا يعني أن واشنطن ستظل القوة الوحيدة القادرة، على إدارة علاقات القوة بين اللاعبين في الساحة السورية واستمرار مطاردة تنظيم داعش. وهذه من بين الأسباب الخارجية التي تفرض على الولايات المتحدة، وعلى عكس رغبات الرئيس القادم دونالد ترامب، استمرار انخراطها في سوريا والشرق الأوسط الأوسع.
سقوط الأسد نهاية "الهلال الإيراني" - موقع 24شكل سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا نهاية النفوذ الإيراني، وصعوداً كبيراً للنفوذ تركيا، مما يعيد رسم المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان.فالحكومة السورية الجديدة تواجه مهمة ضخمة لإعادة بناء الدول المتداعية والاقتصاد المدمر، في حين أن الولايات المتحدة تمثل حالياً عقبة أمامها. فواشنطن وحلفاؤها الغربيون يدرجون هيئة تحرير الشام وزعيمها رئيس السلطة الحالية في سوريا أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني سابقاً على قوائم الإرهاب. وهذا الإدراج إلى جانب العقوبات المفروضة على سوريا تجعل من الصعب جداً على الشركات الدولية أو الدول الأخرى التعامل مع الحكام الجدد في دمشق.
ويرى هنري باركي أن "الإطاحة بحكم الأسد مع هزيمة إيران وحزب الله وفقدان روسيا لنفوذها في سوريا، تمثل فرصة لا تتاح إلا كل جيل. فالنظام الإيراني أقام شبكة حلفاء قوية سمحت له بحماية نفسه ومواصلة سياساته القمعية في الداخل. والآن لم يعد من هؤلاء الحلفاء إلا الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن. لذلك سيكون من المؤسف أن تنسحب واشنطن من الملف السوري، فتسمح لإيران بإعادة تشكيل محورها أو للروس باستعادة نفوذهم. فالولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على منع هذا السيناريو حالياً".
ولا يوجد أي سبب يدعو واشنطن إلى عدم الاستفادة من مثل هذه الظروف المواتية، وخاصة في ظل إعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي على نحو جذري. ويتوقع الجميع تقريباً في المنطقة، من الأقليات في سوريا مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين إلى كل الدول، من الأعداء إلى الحلفاء، أن تظل الولايات المتحدة منخرطة في سوريا. وربما تكون المنطقة مستعدة لدفعة حقيقية من أجل السلام الشامل، لكن من المفارقات العجيبة أن تركيا ونتانياهو (وليس إسرائيل)، هما الوحيدان اللذان لا يرغبان في رؤية واشنطن تقوم بهذا هذا الدور.