يمانيون – متابعات
تدخل المواجهة القائمة على الشريط الحدودي اللبناني والأراضي المحتلة أسبوعها الرابع، ولا يزال جيش الاحتلال يلهث خلف السراب، رغم فارق القوى والتسليح.

خمس فرق تضم 70 ألف مقاتل، وآلاف الدبابات والآليات العسكرية الحديثة، مدعومة بغطاءِ جوي ومدفعي وتكنولوجي.

وفي مشهديةٍ تحليليةٍ للموقف الميداني تؤكد كل المؤشرات على إخفاق جيش الاحتلال في مناورته، إذ لم يحقق أي إنجازات ملموسة على الأرض، في المقابل، ينجح مجاهدو حزب الله في المقاومة الإسلامية في لبنان، وبدعمٍ من وحدات الصواريخ والمدفعية، في إيقاف الزخم الهجومي لجيش الاحتلال، وإعاقة تقدمه في محاور متعددة، وتعمل على استدراجه أيضاً في مناطق محددة.

وفيما نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أكد في كلمةٍ سابقة على أن النزوح سيتسع للصهاينة وإخلاء المغتصبات سيتصاعد، يشير الإعلام العبري إلى أن جيش العدو أخلى “كيبوتس نؤوت مردخاي” في الجليل الأعلى، و”كيبوتس بيت هعيمك”، و”أوشرات” بالجليل الغربي”، جنوب شرقي “نهاريا”، نتيجة الحرائق المندلعة بفعل صواريخ حزب الله.

في التفاصيل، أكّد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، “محمد عفيف”، الثلاثاء محمد عفيف أنّ “المقاومة الإسلامية في لبنان هي المسؤولة بشكلٍ كاملٍ وتامٍ وحصري عن عملية استهداف منزل المجرم نتنياهو في قيسارية”.

وقال عفيف خلال مؤتمرٍ صحافي من ضاحية بيروت الجنوبية مخاطباً نتنياهو إنّ “عيون مجاهدي المقاومة ترى وأذانهم تسمع، فإن لم تصل إليك أيدينا في هذه المرّة فإنّ بيننا وبينك الأيام والليالي والميدان”، مضيفاً، “الحديد بالحديد، والدم بالدم، والنار بالنار”.

وأشار إلى أنّ “المعدّل اليومي لعمليات المقاومة في تصاعد، ومعدّلها في اليوم الواحد نحو 25 عملية”، معلناً أنّ “استهداف الشمال والعمق الصهيوني سوف يتواصل، وتزداد قوته نوعاً وكمّا مع الوقت”، مؤكداً على أنّه “لن يطول الوقت قبل أن يكون لدى المقاومة في لبنان أسرى من العدو، وسنتفاوض عليهم”.

وبشأن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لـ”إسرائيل”، قال عفيف إنّ الولايات المتحدة شريكةٌ في العدوان على لبنان وهي تمدّ في عمره، ولا يغير وصول موفدها من رأينا بأنّ أمريكا هي أم الإرهاب.

رجال الله لم يتخلوا عن الحدود

وفي الإطار؛ وفي ظل الحملات الدعائية التي يروّجها جيش الاحتلال الصهيوني في المعارك عند الحدود جنوبي لبنان، استعرض موقع “إنترسبت” الأمريكي وقائع الحرب على الأرض والحقائق التي يسعى الاحتلال لتزييفها ليقدّم للمستوطنين الصهاينة نصرًا زائفًا؛ إذ يزعم تقدّمه وتحقيق قواته إنجازات عسكرية.

ويشرح الموقع أن قرّاء وسائل الإعلام الغربية يرون أن “المناورات “الإسرائيلية” حقّقت نجاحاً مذهلًا منذ بداية العملية البرية في لبنان”، ويعزو ذلك إلى “قيام المتحدّث العسكري الإسرائيلي “دانييل هاغاري” بتصوير بيان صحافي من جنوب لبنان، وقيام قوات العدو بجولة في حي في “بليدا” لمجموعة من المراسلين، سواء من الدوليين أم المحليين، ويعقّب الموقع على ذلك بالقول: “إنّ ما حجبته هذه الحملة الإعلامية هو التكلفة الفعلية للعملية البرية حتى الآن”.

وفنّد الموقع الاستعراض “الإسرائيلي”، مشيرًا إلى أن “الجيش الإسرائيلي يستمرّ في عمليته البرية، فيما المسافة الفعلية نادرًا ما تجاوزت البلدات الواقعة عند الخط الأمامي من الحدود”، ويضيف، “مقاتلو حزب الله لم يتخلوا عن الحدود، وما تزال المناوشات مع القوات الإسرائيلية مميتة، إذ قُتل 15 جنديا إسرائيليا في القتال الأسبوع الماضي”.

ويختم موقع “إنترسبت” الأمريكي ساخرًا بالقول: “على الرغم من الواقع المعقّد على الأرض، فإنّ المسؤولين “الإسرائيليين” وداعميهم الأمريكيين يفكّرون بالفعل في المستقبل البعيد، ورغم الدمار الكامل في غزة واستشهاد القادة، فشلا حتى الآن في إزاحة حماس، فـــ “إسرائيل” والولايات المتحدة ما تزلان تتحدّثان عن لبنان ما بعد حزب الله”.

في السياق، أشار مراقبون إلى أن قصف حزب الله صباح الثلاثاء، “قبة نيريت”، و”غليلوت” التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية “8200” في ‏ضواحي “تل أبيب” وقاعدة “ستيلا ماريس” البحرية شمال غرب ‏حيفا، يدحض كل تلك الادعاءات.

الوضعية العامة والموقف العملياتي لجيش العدو:

في تفاصيل وضعية الانتشار؛ وبعد انقضاء ثلاثة أسابيع من البدء بتنفيذ عملياتها البرية، تشير تقارير عبرية إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلت في بعض البلدات الحدودية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة من “رأس الناقورة وأحراج اللبونة”، وصولاً حتى بلدة “كفر كلا”، بعمق لم يتجاوز حتى كتابة هذا التقرير 2كلم، في الأراضي اللبنانية.

ووفقاً للتقارير، فقد عبرت القوات الصهيونية المتوغلة تحت غطاءٍ ناري تدميري غير مسبوق، بمئات الغارات الجوية وآلاف القذائف المدفعية وقذائف الدبابات، التي أتت على ما تبقى من منشآت مدنية عند أطراف القرى المحاذية للحدود بعد تعرضها لعدوان جوي وبري منذ عامٍ كامل.

واستحدثت القوات المتوغلة ممرات ترابية عبر جرافات عسكرية في الأماكن المنخفضة وبين الأودية وصولاً إلى أحياء القرى التي لا تُرى من أنحاء واسعة من الأطراف الأخرى ومرئية فقط من الجانب المحتل.

ورغم اتباع العدو سياسة التفخيخ والتفجير والتجريف لكل المنشآت والمنازل المدنية التي تقع على طريق التوغل خصوصاً الأحياء المحاذية للحدود أو المشرفة على مناطق حدودية، تعترض التوغلات والتحركات الاسرائيلية للاستهداف والهجمات والكمائن المختلفة وتوقع فيها اصابات أكيدة يعترف فيها جيش العدو تباعاً والتي تخطت بحسب تصريحات مستشفيات العدو 400 جندي بين صريعٍ وجريح.

ويتواصل سقوط الصواريخ على رؤوس هذه التجمعات على مدار الساعة والعدو لا يجرؤ على تحريك قواته في أنحاء البلدات التي دخلها والمطلة على بقية البلدات في الخط الثاني المحاذي للبلدات الحدودية التي تتعرض بدورها للعديد من الغارات الجوية بشكلٍ مستمر.

ويرى مراقبون، أنه حتى الآن لا هدف للعدو قد تحقق، وأن عمليات التصدي مستمرة، وأن الصليات الصاروخية على أنواعها باتجاه المغتصبات من “حيفا” وضواحي “تل أبيب” إلى “طبريا” لا تهدأ وصافرات الرعب لا تتوقف، وبقاء مئات الآلاف من المستوطنين بالقرب من الأماكن المحصنة وتهجير المزيد منهم.

الموقف الميداني لرجال الله في محاور الحد الجنوبي:

ميدانياً؛ تشير المصادر إلى الكثير من التكتيكات الخاصة التي يتبعها رجال الله أبطال المقاومة، تتوزع ما بين إطلاق المسيرات الانقضاضية، والصليات الصاروخية وقذائف المدفعية والصواريخ الموجهة ضد الدروع والأفراد، وعمليات الإغارة والكمائن الدقيقة والقناصة، والتي ألحقت جميعها خسائر فادحة بقوات العدو.

وخلال الـ24 الساعة الماضية، وبعد تكبدهم خسائر بشرية وعسكرية فادحة، تراجعت قوات العدو الصهيوني من محيط بلدتي “العديسة وكفر كلا”، ثم قامت بتدمير هاتين المنطقتين بالكامل عبر هجمات جوية مكثفة، نظرًا لعجزهم في مواجهة رجال الله في الاشتباكات المباشرة، وتهدف هذه الخطوة، وفقاً لخبراء إلى تمهيد الطريق أمام تقدم قواتهم البرية.

واستمرت حتى ساعة متأخرة الثلاثاء؛ في محور جنوبي شرق لبنان المجاور لشمال شرق الأراضي المحتلة، الاشتباكات في ضواحي بلدات “كفر كلا، العديسة، رب الثلاثين، ومركبا”، وكما يقول مراقبون: فإن “الاحتلال يسعى من خلال محاولة السيطرة على هذه المناطق، تأمين خط النار لبلدات “ميسغاف، كفر جلعادي، مرجليوت، كريات شمونة” وغيرها.

وعند الشريط الحدودي جنوب لبنان، شمال فلسطين المحتلة، تستمر أيضاً الاشتباكات العنيفة في الضواحي الجنوبية لبلدات “يارون، مارون الراس، شرقي جبال العرب، وجنوبي عيترون”، وفي حال تمكن العدو من السيطرة على بلدة “عيترون”، بحسب مراقبين، فإن ذلك سيقطع الاتصال بين بلدتي “النبي يوشع وبنت جبيل”، وهو ما لم يسمح به رجال الله بالحدوث.

كما دارت الثلاثاء، اشتباكات متقطعة في الضواحي الجنوبية والجنوبية الشرقية لبلدة “عيتا الشعب”، إذ أن هذه البلدة لم تقع تحت سيطرة قوات الاحتلال كما تدعي وسائل إعلامه، حيث جرت اشتباكات جنوبي “راميه”، وتمكن رجال الله من منع سقوط هذه البلدة، رغم أن قوة الضغط الصهيوني في هذين المحورين.

وفيما نشر الإعلام الحربي للمقاومة اللبنانية الاثنين، فيديو يوثق استهداف جنود إسرائيليين داخل حدودهم، ويظهر في المشهد مصرع وإصابة أكثر من 13 جندي بضربتين صاروخيتين ضد المدرعات، يؤكد مراقبون: “يبدو أن حزب الله قرر توثيق عملياته للرد على الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وتعمدها إخفاء الخسائر البشرية”.

محور “عيتا الشعب – مروحين” الصامد:

وفي سياق تفسير زيادة الضغط الصهيوني على بلديتي “عيتا الشعب وراميه”، يشير مراقبون إلى أن سكان بلدة “رميش” المسيحية شرقي “عيتا الشعب” قد استسلموا لقوات العدو – كانت محمية من قوات “اليونيفل”- ما أتاح لقوات العدو دخول المنطقة، وهذا الإجراء أدى إلى حصار “عيتا الشعب” من المحور الشرقي.

ورأى خبراء عسكريون أن جيش العدو يسعى في هذا المحور إلى احتلال بلدات “عيتا الشعب، راميه، رميش، صموخة، مروحين، بيت ليف، وقوزح”، بهدف تأمين جزء من شمال الأراضي المحتلة، بما في ذلك بلدات “زرعيت، شتولا، نتوعا، ماتات”، وغيرها.

أما في الشريط الحدودي جنوبي غرب لبنان شمال غرب فلسطين المحتلة، فتستمر الاشتباكات في جنوب بلدتي “اللبونة والناقورة”، وتمكن رجال الله أبطال المقاومة من صد الهجمات، ولم تُحقق أي تقدم ملحوظ، ويهدف كيان الاحتلال من خلال التوغل في هذه المنطقة بحسب الخبراء، إلى احتلال هاتين البلدتين، للوصول إلى الطريق الجنوبي المؤدي إلى مدينة “صور” الساحلية.

إلى ذلك، فمنذ 22 يوماً فقط، تشير معطيات وبيانات المقاومة إلى سقوط أكثر من 600 قتيل وجريح صهيوني، وتدمير ما لا يقل عن 26 دبابة من طراز “ميركافا”، و10 جرافات، بالإضافة إلى عددٍ من ناقلات الجند والمركبات المدرعة.

وتحت بند “سمح بالنشر” متحدث جيش العدو، الثلاثاء، أكد مصرع ضابط وإصابة 3 جنود بجروح خطيرة خلال القتال في الشمال، ولفت إعلام عبرية، إلى “نقل ١٦ جندياً إسرائيلياً أصيبوا في معارك جنوب لبنان إلى مستشفى زيف في صفد”.

في السياق، قال مراسل إذاعة جيش العدو “دورون كادوش”: “اعترف بأن الرقابة العسكرية تطلب مني أن أقوم بكتابة أشياء غير صحيحة من أجل إخفاء أشياء معينة لأسباب أمنية”، مؤكداً أن “معدل الإصابات في جيش الاحتلال عند الحدود يتراوح بين 20 و50 إصابةً يومياً”.
—————————————————-
المسيرة – عبد القوي السباعي

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: جیش الاحتلال قوات العدو عیتا الشعب جیش العدو رجال الله فی لبنان حزب الله إلى أن

إقرأ أيضاً:

أمّة المقاومة.. مقاومة الأمّة

 

ميزة الأمّة في المصطلح أنها عنوان جامع عابر للحدود الجغرافية والعرقية واللونية واللسانية، ولأنها أمّة فهي في ذاتها عصيّة على الزوال والاندثار والضعف؛ وما يبدو في بنيتها العامة من توزّع وانتشار واختلاف في المناطق والبلاد هو في الحقيقة عامل ديمومة وقوة وانتصار طالما أنه مشدود إلى الهدف نفسه والغاية نفسها، وأي هدف وغاية أوثق من المقاومة كخيار وثقافة ونهج وأسلوب ومسار!؟ هنا تكمن عناصر القضية.

بالأمس ودّعت أمّة المقاومة التي اجتمعت من جهات الأرض “قائداً تاريخياً استثنائياً.. وطنياً، عربياً، إسلامياً، وهو يُمثل قبلة الأحرار في العالم”؛ كما عبّر الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم خلال مراسم تشييع الأمينَينِ ‏العامَّينِ لحزب الله سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وخليفته الشهيد الهاشميِّ ‏السيد هاشم صفي الدين. هذه الصفات الجوهرية التي لخّصها سماحة الشيخ قاسم في تعريف السيد الشهيد هي في الواقع تجسّد عناصر الأمّة التي قادها تحت عنوان المقاومة، والتي أرادها أن تتنكّب عبء المسؤولية في المبادرة والفعل لتصبح المقاومة في هذا المنحى عقيدة إيمانية أكثر منها خياراً تقتضيه ضرورة القيام لنيل الحرية والاستقلال.

أمّا مقتضى الرسوخ في ثقافة المقاومة، فهو يفترض إلى جانب العزم والإرادة والفعل وجود صلة تسمو فوق أصول المعرفة وقيود الاتصال والتواصل، وهو الحب، ولا تقف هذه القيمة الإنسانية السامية عند حدود الاقتناع بالفكرة والهدف أو الغاية والاتجاه بل تتجاوز أساسات القضية لتصل إلى التعلّق بالشخص – الرمز، وهي الميزة التي التصقت بسيّد شهداء الأمّة في تقويم أحاسيس ومشاعر الملايين الذين عشقوه دون أن يعرفوه أو يكون له أي صلة مادّية بهم، فتعلّقوا به وتبعوه وناصروه وأخلصوا له في حبّهم، فأتى من أتى في الحضور ومن لم يحضر شيّعه كأن القائد الشهيد حاضراً لديه، وهو بذلك “حبيب المجاهدين وحبيب الناس، حبيب الفقراء والمستضعفين، حبيب المعذبين ‏على الأرض، حبيب الفلسطينيين”.

هي الأمّة التي أيقظها السيد الشهيد من سباتها واستنهضها من ركود خلال ثلاثة عقود من المقاومة، وسارت معه قوافل ممتدّة من الشهداء والجرحى والأسرى، وخلفه اصطفت المجتمعات الصغيرة من الأسر الصابرة، ترعاها أمّهات ربّت أجيالها على حب المقاومة، وحجزت لنفسها مكاناً فاعلاً ومتفاعلاً في مراتب الأمّة، حتى غدت هذه المجتمعات في سيرورة متنامية فتحوّلت إلى مجتمعات كبيرة كسرت قيد الجغرافيا واللغة والانتماء العرقي والطائفي، وتعملق قرار المقاومة الذي أطلقه ليصبح خياراً ترفع لواءه الجموع التائقة إلى الانعتاق من أسر الاحتلال، واستطاع بحكمته وذكائه وشجاعته أن يؤسس للصلة التي يلتقي فيها المقاومون على هدف واحد، وهو تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني.

اجتمعت الأمّة على خيار المقاومة، فأصبحت المقاومة دليلاً على الهوية وإليها، واستحالت سلاحاً في رحم الأحرار ومنهم، وهم الذين رأوا فيها القوّة التي ترفعهم من حضيض الاستكانة إلى قمّة التحرّك، ورأوا في السيد الشهيد الترجمة الفعلية للقيادة المؤهلة التي ستأخذ بأيديهم إلى تحقيق هدفهم الأسمى، فأضحى السيد نصر الله قبلة الأحرار في كل العالم، و”قاد المقاومة إلى الأمة وقاد الأمّة إلى المقاومة، فأصبحنا لا نميز بين مقاومةٍ وأمة..”، فكلّما كانت الأمّة ملتصقة بخيارها المقاوم ومخلصة في اتجاهاتها تحولّت إلى مقاومة يخوضها الأحرار، حيثما كانوا وأينما وجدوا، فتصبح أمّةُ المقاومة مقاومةَ الأمّة لا انفكاك في ذاتية كينونتها وعوامل قوتها، وتصبح الأمّة نفسها هي المقاومة التي تدافع عن الأمّة وتحميها وتقاتل من أجلها، موضع الروح من الجسد، فإذا انفصلت عن مقاومتها تحوّلت إلى كيان هشّ ضعيف لا حول له ولا قوة، وهذا لا يكون إلا بالتضحية والفداء وبذل الأنفس والأموال والأرزاق صبراً على ضيق إلى حين أوان الانتصار.

إنها الأمّة التي تحدث عنها سماحة الشيخ قاسم، والتي حضرت في مليونيتها السامية في تشييع سيد شهداء الأمة، وقد استشهد وجرح من أجلها عشرات آلاف المقاومين من القادة والمجاهدين في لبنان وفلسطين والعراق وسورية واليمن وإيران خلال معركتي “طوفان الأقصى” و”أولي البأس” حتى فرضت المقاومة حالاً من المراوحة الميدانية، ما اضطر العدو الصهيوني إلى طلب وقف إطلاق النار على غرار ما حصل في قطاع غزة، فوافقت القيادة على ذلك حرصاً على مصلحة المقاومة ولبنان باستمرار ‏القتال غير التناسبي وتحقيق الأضرار من دون أُفق سياسي ولا ميداني”، لتنتقل المقاومة إلى ‏مرحلة جديدة تختلف بأدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها”، وجوهر المرحلة هو أن المقاومة أنجزت ما عليها من ردع للعدوان، ومنعته من إسقاط الكيان اللبناني وإلحاقه بحظيرة الكيانات التابعة له، ويبقى على الدولة اللبنانية أن ‏تتحمل مسؤوليتها في الردع واستكمال التحرير.

حسم سماحة الشيخ قاسم في كلمته جملة من المحدّدات على المستويين السياسي والميداني، تشكّل بمجموعها برنامج عمل حزب الله في المرحلة المقبلة، وأعلن بداية حقبة جديدة في أداء الحزب والمقاومة على مستوى لبنان والمنطقة والعالم، كما أكد على جملة من الثوابت التي تلبّي طموحات الأمة وتطلعاتها، وأهمها:

– المقاومة حق وواجب ولا يمكن لأحد سلبنا إيّاه، وهي خيارنا الإيماني والسياسي ما دام الاحتلال وخطره موجوداً ‏نُمارس حقنا في المقاومة بحسب تقديرنا للمصلحة والظروف، ولا يُثنيها من يُعارضها، وتقتلع المُحتل ولو بعد ‏حين، والنصر النهائي حتميٌ ومطلق.

– أي هجوم تشنّه “إسرائيل” على لبنان لم يعد مجرد “خروقات” بل هو بمنزلة “احتلال وعدوان”، والمقاومة قوية عدداً وعدّة وشعباً ولا تزال مستمرة بِحضورها وجهوزيتها، وستمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة.

– لن نقبل باستمرار قتلنا واحتلالنا ونحن ‏نتفرج، ولا يُمكن لِأحد أن يطلب منا بأن ننكشف وأن نُقدم ما لدينا من قوة لِيتحكّم بِنا العدو.‏

– الرفض المطلق للمساعي الأمريكية للتحكم بلبنان، “لن يأخذوا بالسياسة الذي لم يأخذوه بالحرب”.

– المسؤولون في لبنان يعرفون توازن القوى، وسنتابع تحرك الدولة لِطرد الاحتلال ‏ديبلوماسياً، ونَبني بعد ذلك على النتائج. ونُناقش لاحقاً استفادة لبنان من قوته عند مناقشة الاستراتيجية ‏الدفاعية.‏

– المشاركة في بناء الدولة القوية والعادلة، والإسهام في نهضتها على قاعدة المساواة بين المواطنين في ‏الحقوق والواجبات وتحت سقف اتفاق الطائف..” لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ونحن من أبنائه”.

– التأكيد على ثلاث ركائز أساسية في سياق بناء الدولة، وهي إخراج المحتل وإعادة الأسرى، وإعادة الإعمار والترميم والبنى التحتية كالتزام أساسي، وإقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والاجتماعية.

– الحرص على مشاركة الجميع في بناء الدولة، وعلى الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

– فلسطين حق وهي بوصلتنا، ندعم تحريرها.. ونستمر على العهد.

ولعلّ البند الأهمّ في المحدّدات والثوابت التي أعلنها الأمين العام لحزب الله هي في تأكيد التحالف بين حزب الله وحركة أمل، والذي لا يقف عند وحدة المذهب الشيعي بقدر ما يتجسّد في تحالف شامل وتنسيق متكامل في المواقف ولا سيّما في الملفات الداخلية أولاً وثانياً في الاستحقاقات المقبلة التي تبدأ عند الانتخابات البلدية والاختيارية ولا تنتهي عند الانتخابات النيابية العام المقبل، فهذا “التحالف تعمّد بالدم والتضحية ‏والعطاءات والمقاومة والمواجهة، وإننا واحدٌ في الموقف وواحدٌ في الخيارات ‏وواحدٌ في السياسة”.

إن قراءة ملخّصات المواقف التي وردت في الكلمة المفصلية لسماحة الشيخ قاسم تفيد بأنها حملت رسالة واضحة وأكيدة لكل الأفرقاء في الداخل والخارج، وخصوصاً أولئك الذين راهنوا قبل العدوان الصهيوني وخلاله وبعده على سراب الوهم الأمريكي بهزيمة حزب الله، أن المقاومة باقية ومستمرة بقوتها وعزيمتها الراسخة في مواجهة المحتلّ وإحباط المخططات الأمريكية الرامية للهيمنة على لبنان وقراره وسيادته، وأن لا أحد قادراً على أن يضعف أو يلغي حضور حزب الله السياسي في تشكيل القرار الوطني، وأقوى دليل على ذلك إسهام الحزب في انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية وتسهيل تكليف نواف سلام لتشكيل الحكومة، وفرض الخيارات المناسبة في تسمية الوزراء الشيعة في هذه الحكومة. أما المظهر الأقوى يبقى للأحرار الذين تقاطروا من لبنان وخارجه وأثبتوا صدق وفائهم للمقاومة بحضورهم المليوني المبارك في مراسم تشييع السيدين الشهيدين، وأكّدوا أنهم أمّة المقاومة.

مقالات مشابهة

  • لحظة بلحظة.. هكذا تمكن مقاومو نخبة القسام من قتل وأسر كل جنود وضباط “ناحل عوز”
  • فيما القسام تنشر فيديو “الوقت ينفد”.. حكومة نتنياهو تتقدّم خطوة وتتراجع خطوتين
  • عشية القمة العربية…. رسالة من “العمل الإسلامي” للقادة العرب
  • اتهامات بسرقة القصة تلاحق مسلسل “بالدم”!
  • أمّة المقاومة.. مقاومة الأمّة
  • المشاركون في المؤتمر الدولي “فلسطين: من النكبة إلى الطوفان” يؤكدون على أهمية دور المقاومة في مواجهة التهجير
  • عزالدين: المقاومة حاضرة وجاهزة
  • بيان لـ سياسي أنصار الله بشأن غزة
  • إنا على العهد.. معادلة لا مجرد شعار
  • الناطق باسم “حماس”: تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي يطرحها العدو مرفوض