محمد محمد عثمان

مراسل بي بي سي للشؤون السودانية

بعد أيام قلائل من اتهامات قائد قوات الدعم السريع السودانية الفريق محمد حمدان دقلو لمصر بالمشاركة في الحرب في بلاده إلى جانب الجيش السوداني، عمدت قوات تتبع له إلى إيقاف الصادرات المتجهة إلى مصر من المناطق التي تسيطر عليها في دارفور وكردفان.

ومع أن الخطوة جاءت في إطار التصعيد تجاه مصر، إلا أنها تعد مؤشراً على أن السودان يمضي نحو التقسيم، خاصة وأن الجيش أو الحكومة السودانية رفضت هذه الخطوة، واعتبرتها “محاولة لفرض سلطة الأمر الواقع”، بحسب مراقبين.

وعززت هذه الخطوة أيضا مخاوف كثيرة من السودانيين من احتمالية تقسيم بلادهم على غرار ما جرى في دول مجاورة، وذلك بسبب تداعيات الحرب المستمرة منذ أبريل/ نيسان من العام 2023 والتي أضحت البلاد بموجبها مناطق خاضعة للجيش وأخرى للدعم السريع.

ومنذ اندلاع الحرب، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور ما عدا مدينة الفاشر بالإضافة إلى مناطق واسعة في إقليم كردفان والعاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وسنار.

وبالرغم من أن حميدتي قد شدد خلال خطابه المصور، الذي اتهم فيه مصر بقصف قواته بالطيران الحربي، على وحدة السودان “وسيادة أراضيه”، إلا أن عدداً من الشواهد والمؤشرات تدل على أن قادته وقواته على الأرض تمضي في اتجاه التقسيم أو الحكم الذاتي على أقل تقدير، كما يقول العديد من الخبراء.

ولاحقاً أوضح الباشا طبيق، وهو أحد مستشاري قائد قوات الدعم السريع، أن الحاجة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة قواتهم أصبحت ضرورة قصوى.

وأضاف طبيق في تغريدة على منصة “إكس”: “هذه الخطوة يجب أن تجد الترحيب والاعتراف الفوري من المجتمع الدولي للحفاظ على بقاء الدولة السودانية موحدة”.

وواقعة وقف تصدير المنتجات والبضائع السودانية إلى مصر لم تكن الأولى في هذا الاتجاه؛ فقد شكلت قوات الدعم السريع ما أطلقت عليها الإدارات المدنية لإدارة شؤون الحكم في المناطق التي تسيطر عليها في دارفور والجزيرة وكردفان.

وقالت إن وظيفة هذه الإدارات هي تقديم الخدمات وحماية المدنيين وذلك بالتنسيق معها.

كما أنشأت الدعم السريع قوات خاصة لحماية المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها، فضلاً عن قوات للشرطة ونيابات خاصة بها في تلك المناطق، خاصة في إقليم دارفور غربي البلاد.

وفي سابقة تعد نادرة، إن صحت، ذكرت تقارير إعلامية سودانية أن طائرة أجنبية من طراز “يوشن” هبطت في مطار نيالا جنوب دارفور، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع مؤخراً، وأفرغت أسلحة وعتاداً عسكرياً ثم غادرت بهدوء.

” تقسيم فعلي للنفوذ”

ويرى مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات سليمان بلدو أن “السودان حالياً مقسمة فعلياً على أرض الواقع”.

وقال لبي بي سي إن السودان مقسم إلى جزئين: جزء في غرب السودان في دارفور وكردفان والجزيرة وسنار وهي تحت سيطرة ونفوذ قوات الدعم السريع، وجزء آخر في شرق السودان في كسلا والقضارف والبحر الأحمر، وشماله في نهر النيل والشمالية تحت سيطرة ونفوذ الجيش.

وتابع “المناطق التي تحت سيطرة قوات الدعم السريع أصبحت الآن بشكل كامل تتبع لها عسكرياً وإدارياً، وبدأت تشكيل مجالس للحكم خاصة بها دون أي وجود للحكومة فيها”.

وتدور حالياً معارك شرسة بين الجيش والفصائل المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي المدينة الوحيدة التي يسيطر عليها الجيش في إقليم دارفور بعد سقوط كامل الإقليم في يد قوات الدعم السريع.

وفي هذا الصدد، يقول بلدو “إن قوات الدعم السريع تريد السيطرة على الفاشر لتكمل سيطرتها على كامل الإقليم، وبالتالي تتمكن من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي له، خاصة وأن لها حدوداً مشتركة مع دول مثل تشاد وليبيا وهو ما يمكنها من التحكم في التجارة الخارجية مع هذه الدول وتنشيط حركة الصادرات والواردات”.

ويمضي بلدو قائلاً “حالياً هنالك حركة تجارية بين إقليم دارفور وهذه الدول. مثلاً الوقود الموجود حالياً في دارفور يأتي معظمه من ليبيا، وتقوم قوات الدعم السريع بتنظيم عملية البيع والشراء والاستيراد”.

“خطر التقسيم”

لا تتقاسم قوات الدعم السريع والجيش السوداني المناطق في السودان لوحدها، بل هناك فصائل مسلحة تشاركهما السيطرة والنفوذ.

فهناك الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها عبد العزيز الحلو، تسيطر على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان، بل إنها تمددت خلال فترة الحرب الحالية، وتمكنت من زيادة رقعة سيطرتها الجغرافية في ظل انشغال الجيش بالقتال مع قوات الدعم السريع.

وظلت الحركة التي تمتلك الآلاف من الجنود والعتاد العسكري الجيد على الحياد في الحرب المستمرة منذ نحو عام ونصف العام، لكنها دخلت في معارك متقطعة مع الجيش تارة ومع قوات الدعم السريع تارة أخرى.

ويرى المحلل السياسي والخبير في منطقة القرن الأفريقي، عبد المنعم أبو إدريس، أنه في ظل اتخاذ الحرب الحالية “شكلاً جهوياً ودفاع كل طرف عن مناطق حواضنه الاجتماعية، والتصعيد المستمر، فإن سيناريو تقسيم السودان وارد بشدة”.

وقال لبي بي سي “إذا استمرت الحرب على هذه الوتيرة، فإن هناك خطراً حقيقياً من انقسام الدولة، والخطر الحقيقي ليس في الانقسام إلى دولتين، وإنما إلى دويلات في ظل سيطرة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان لمناطق واسعة في جنوب كردفان، وايضاً سيطرة حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور لعدد من المناطق في إقليم دارفور”.

ويختلف رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” خالد التجاني مع بلدو وإدريس، معتبراً أن سيناريو تقسيم السودان على غرار ما حدث في ليبيا أو غيره من الدول “غير وارد بالرغم من الشواهد والمؤشرات”.

وقال التجاني إن محاولة استدعاء سيناريو تقسيم دولة ما وإنزاله على السودان أمر غير منطقي؛ لأن هنالك تعقيدات جيوسياسية كبيرة في المشهد السوداني، وهي تختلف عما سواها في المنطقة.

ويشرح التجاني بأن “الواقع في دارفور معقد جداً، وهنالك عرقيات وقبائل كثيرة ومتداخلة، وبالتالي يصعب على جهة واحدة مثل الدعم السريع إدارة الإقليم، كما أنه إقليم مغلق ولا توجد به موانئ أو منافذ، ما يجعله غير جاذب للانفصال”.

وبسؤاله عن انفصال جنوب السودان عن السودان بالرغم من عدم وجود موانئ أو منفذ، قال التجاني إن تجربة جنوب السودان مختلفة جداً عن دارفور.

وشرح قائلاً “في تجربة جنوب السودان، كان هنالك إجماع شبه دولي على منح الجنوب حق تقرير المصير، باعتبار أن هناك دواعي لإنشاء الدولة الجديدة، ومن بينها الاختلافات في الثقافات والدين بين الشمال والجنوب، وهذا الأمر غير موجود في دارفور”.

وكان جنوب السودان قد انفصل عن السودان في العام 2011 بعد استفتاء على تقرير المصير، وفقد السودان الأجزاء الجنوبية من أراضيه مع سكانه وثرواته.

وبرزت المخاوف من تكرار تجربة جنوب السودان في دارفور مع استمرار الحرب في عامها الثاني وعدم وجود مؤشرات على توقفها في المدى القريب.

نقلاً عن موقع بي بي سي عربي

الوسومآثار الحرب في السودان تقسيم السودان حرب الجيش والدعم السريع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان تقسيم السودان حرب الجيش والدعم السريع قوات الدعم السریع تقسیم السودان المناطق التی إقلیم دارفور جنوب السودان السودان فی فی دارفور فی إقلیم بی بی سی

إقرأ أيضاً:

المجاعة تُهدد أكثر من «8» ألف لاجئ جنوب سوداني في ولاية سودانية

 

يواجه أكثر من «8» ألف لاجئي جنوب سوداني بمحلية عديلة في ولاية شرق دارفور السودانية باقليم دارفور، هذه الأيام شبح المجاعة والعطش ونقص الخدمات الصحية. 

عديلة ــ التغيير

وأكد الناشط المدني بمنطقة عديلة محمد الضوء اسكولا لـ «راديو تمازج»، أن لاجئي دولة جنوب السودان بالمدينة يعيشون أوضاعا مأساوية نتيجة لانعدام الغذاء والدواء في ظل غياب تام لمنظمات الإغاثة العالمية والمحلية.

وأشار إسكولا إلى أن اللاجئين يقيمون في مخيمين رئيسين، يضم  الأول الذي يقع شمال المدينة «4800» لاجئي، بينما يضم المخيم الثاني يقع جنوب المدينة «2600» لاجئي.

قال إسكولا أن لاجئي جنوب السودان بالمخيمين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة.

من جانبه أكد السلطان تونق، إحدى القيادات الأهلية بالمخيم الرئيسي أن اللاجئين يعانون الجوع والعطش، ويعيشون وضعا صعبا للغاية.

وقال تونق إن أوضاعهم تفاقمت منذ اندلاع الحرب في السودان إلى أن وصلت هذه المرحلة الخطيرة.

وأضاف اللاجئ بالمخيم دينق وت اكود «نحن تعبانين شديداً من الجوع ونقص العلاج، ولكننا بخير من ناحية الأوضاع الأمنية».

وبعث رسالة تطمين إلى أهله في جنوب السودان إنهم عائشون وعلى قيد الحياة.

وكان قد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» انتشار المجاعة في مخيم زمزم للنازحين بمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

ويعني إعلان المجاعة هذا، أن مستوى انعدام الأمن الغذائي وصل إلى المرحلة الخامسة وهي المرحلة الأخطر التي تصنف بالكارثية، وفقاً للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة.

وقد تم هذا الإعلان استناداً على تقرير “لجنة مراجعة المجاعة” التابعة للأمم المتحدة، وهي الجهة الوحيدة المخول لها بالتحقق من شروط المجاعة والإعلان عنها.

الوسومالمجاعة جنوب سودانيين شرق دارفور لاجئين

مقالات مشابهة

  • مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
  • السودان: هل تنهي مكاسب الجيش في العاصمة الحرب؟
  • الخارجية السودانية تندد بالمساعي الكينية لاحتضان حكومة موازية بقيادة “الدعم السريع”
  • ثالث دولة عربية تعلن رفضها دعوات تشكيل حكومة موازية فى السودان للدعم السريع
  • المجاعة تُهدد أكثر من «8» ألف لاجئ جنوب سوداني في ولاية سودانية
  • ثاني دولة عربية تعلن رفضها تشكيل حكومة سودانية موازية بقيادة الدعم السريع
  • في بيان رسمي.. مصر تعلن رفضها لحكومة سودانية موازية
  • الجيش السوداني يتقدم أكثر باتجاه العاصمة و مقتل 10 من مليشيات الدعم السريع
  • الحرب تغتال بهجة رمضان في السودان
  • الجيش السوداني يقصف مواقع الدعم السريع في الخرطوم وشمالي الأبيّض