الإفتاء توضح حكم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول بها
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
عدة الأرملة قبل الدخول بها.. تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالاً يقول: ما حكم عدة المرأة التي توفي عنها زوجها قبل الدخول بها؟ فقد عقد رجل على امرأة، ومات عنها قبل الدخول بها، وقبل حصول خلوة شرعية معتبرة، فهل يجب عليها أن تعتد؟ وكيف تكون عدتها؟
في إجابتها عن السؤال، قالت دار الإفتاء: إن الأصل في عقد النكاح أنْ يُعقد للعُمر، فإذا انتهى عمر أحد الزوجين بالموت، انتهى معه عقد النكاح، والشيء إذا انتهى تقررت أحكامه، كتقرُّر أحكام الصيام بدخول الليل، وأحكام الإجارة بانقضائها، والعدَّةُ من أحكام عقد النكاح فتتقرَّر بانتهائه، ويقصد بها: المدة التي تتربص فيها المرأة عند حصول أحد أسباب زوال النكاح، سواء كان السبب طلاقًا، أو فسخًا، أو موتًا.
وأوضحت دار الإفتاء، أن الشرع الشريف أوجب على المرأة التي توفي عنها زوجها إن كانت من غير ذوات الحمل أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، يستوي في ذلك المدخول بها وغير المدخول، والصغيرة والكبيرة، ومن تحيض ومن لا تحيض، فكلهنَّ داخلات في عموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234].
قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 183، ط. دار الكتب المصرية) عند قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾: [عدة الوفاة تلزم الحرة والأمة والصغيرة والكبيرة والتي لم تبلغ المحيض، والتي حاضت واليائسة من المحيض والكتابية دخل بها أو لم يدخل بها إذا كانت غير حامل، وعدة جميعهن إلا الأمة أربعة أشهر وعشرة أيام، لعموم الآية في قوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾] اهـ.
وأضافت الإفتاء، أنه قد ثبت حكم العدة أيضًا بالسُّنَّة المطهرة، ففي حديث زينب بنت أبي سلمة أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» متفقٌ عليه.
وتابعت دار الإفتاء: وعلى ذلك تواردت نصوص فقهاء المذاهب الأربعة، وحُكي إجماعًا. ينظر: "المبسوط" للعلَّامة السرخسي الحنفي (6/ 30)، و"مِنَح الجليل" للعلَّامة عليش المالكي (4/ 311، ط. دار الفكر)، و"منهاج الطالبين" للعلَّامة النووي الشَّافعي (ص: 255، ط. دار الفكر)، و"المغني" للعلَّامة ابن قُدامة الحنبلي (8/ 115)، و"الإقناع في مسائل الإجماع" للعلَّامة ابن القطان (2/ 44، ط. الفاروق الحديثة).
عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخول أمر تعبدي محضوأوضحت دار الإفتاء، أن الفقهاء اتفقوا على أن المغلب في عدة المتوفى عنها زوجها عمومًا: التعبد، وفي عدة المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها زوجها خصوصًا: التعبد المحض.
قال العلامة ابنُ عابدين في حاشيته على "البحر الرائق" (4/ 146، ط. دار الكتاب الإسلامي) في خصوص معتدة الوفاة: [لا يُعقل تأثير كون المرأة متوفى عنها زوجها في تربُّصها أربعة أشهر وعشرًا، وإنما هو تعبُّدي] اهـ.
وقال الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (11/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [.. وإن كانت في غير مدخول بها من وفاة كانت تعبدًا محضًا] اهـ.
وقال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (2/ 815، ط. دار السلام) عند ذكره لأقسام العدد: [الثاني: تعبد محض، وهي عدة المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها] اهـ.
وبينت دار الإفتاء المصرية، أنه من الحكم التي ذكرها الفقهاء لهذا النوع من العدة: أنَّها تظهر الحزن بفوت نعمة النكاح، إذ النكاح كان نعمة عظيمة في حقها، فإنَّ الزوج كان سبب صيانتها، وعفافها، وإيفائها بالنفقة، والكسوة، والمسكن، فوجب عليها العدة إظهارًا للحزن بفوت النعمة، وتعريفًا لقدرها. يُنظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (3/ 192، ط. دار الكتب العلمية).
وقت ابتداء عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل الدخولوأشارت الدار، إلى أنه تبدأ عدة من توفي عنها زوجها عقيب الوفاة مباشرة، لأنَّ سبب وجوب العدة الوفاة، فيُعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب، فإن لم تعلم بالوفاة حتى مضت العدة فقد انقضت عدتها.
قال العلامة أكمل الدين البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (4/ 329، ط. دار الفكر): [ابتداء العدة في الطلاق عقيب الطلاق (وفي الوفاة عقيب الوفاة)، لأن سبب وجوب العدة الطلاق أو الوفاة (فيعتبر ابتداؤها من وقت وجود السبب)، فإن لم تعلم بالطلاق أو الوفاة حتى مضت مدة العدة فقد انقضت عدتها] اهـ.
وقال الشيخ محمد عليش المالكي في "منح الجليل" (1/ 174): [وأما عدة الوفاة فتحسب من يوم الموت] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 256): [وعدة الوفاة: من الموت] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (8/ 106) في عدة الوفاة: [فصل: وتحسب العدة من الساعة التي فارقها زوجها فيها، فلو فارقها نصف الليل، أو نصف النهار، اعتدت من ذلك الوقت إلى مثله، في قول أكثر أهل العلم] اهـ.
بناءً على ما سبق، وفي واقعة السؤال: فالواجبُ على المرأة التي توفي عنها زوجها قبل الدخول بها هو أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام بالتاريخ الهجري، وتبدأ في حساب هذه العدة من يوم وفاة زوجها.
اقرأ أيضاًحكم معاملة الكاش باك.. دار الإفتاء توضح الرأي الشرعي
دار الإفتاء ترد على مقولة: «مال أبونا لا يذهب للغريب»
ما حكم بيع وشراء الذهب بالتقسيط؟.. «الإفتاء» توضح
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المتوفى عنها زوجها عدة المرأة التی قبل الدخول بها وقال الإمام دار الإفتاء أربعة أشهر قال الإمام عدة الوفاة
إقرأ أيضاً:
بين سجن المشاعر وتحريرها
لا يُبارى بعض الرجال في مسألة كبت المشاعر وسجنها والتنصّل من كل ما قد يؤدي إلى بثّها، فبحسب العُرف والتربية العتيقة هم محافظون لا يتوجب أن يبوحوا أو أن يخافوا أو يبكوا. لا يشكون إذا تعبوا، لا يبكون إذا أُدميت قلوبهم، لا يعبّرون إذا فرحوا، وإن حصل ذلك فيكون على استحياء.
يتربى الولد منذ سنواته الأولى على مفهوم أنه رجل، ولا يليق بالرجال إظهار مشاعر الخوف أو الرغبة في البكاء، وأن هاتين الصفتين اختصّت بهما النساء. لا ينبغي للرجل أن يجزع أو يتألم، وإن حصل وشوهدت دموعه، يتعرّض لمختلف ألوان التهكم من قِبل محيطه. حتى في المواقف التي تستدعي أن يكون مُبتهجًا، لا ينبغي له أن يبالغ في الفرحة من منطلق أنه رجل!
ورغم أن القرآن الكريم سرد قصص الأنبياء والرُّسل كونهم بشرًا لم تُقدّ قلوبهم من صخر، حيث خافوا وحزنوا وتألموا في مواقف، وفرحوا وابتهجوا في مواقف أُخرى، فإننا نحن البشر العاديين نستحي إبداء عواطفنا خوفًا من أن تُفسّر أنها حالة ضعف لا تناسب رجلًا رصينًا أو تعبيرًا عن انتشاء لا يليق بوقور.
القرآن الكريم لم يتحفظ وهو يسرد لنا قصة سيدنا موسى عليه السلام وصراعه مع فرعون مصر على مشاعر الخوف والقلق التي كانت تعتريه بعد أن وكز الرجل المصري فقتله، بل ذكر بصورة صريحة أنه خرج من المدينة «خائفًا يترقب». فلماذا يُنكر علينا المجتمع نحن الذين لا يوحى إلينا الإتيان بأي صورة من صور الخوف؟
وجاء في السيرة النبوية المطهرة أن النبي عليه الصلاة والسلام خاف خوفًا شديدًا وفزع لما شاهد سيدنا جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية، بينما كان يتعبّد في غار حراء. النبي لم يُخفِ تلك المشاعر بل أخبر عنها زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقال لها قولته الشهيرة: «زملوني زملوني، دثروني دثروني».
كما أنه عليه الصلاة والسلام في ناحية أخرى لم يُخفِ مشاعر حبه لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألته عن مقدار حبه لها، إذ كان رده عليها: «حبي لك كعقدة حبل لا يستطيع أحد حلها». فتضحك، وكلما مر عليه يسألها وتقول: «كيف حال العقدة؟» فيرد عليها: «كما هي».
ومما جاء في السيرة المُعطّرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يُبيّن محبته لابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وكان يلاطفها ويُقبّلها على جبينها كلما دخل عليها بيتها، فيما نتحفظ نحن على تقبيل بناتنا أو احتضانهن إذا حققن إنجازًا علميًّا أو انتقلن إلى بيت الزوجية أو رُزقن بمولود!
النقطة الأخيرة..
لا علاقة بين الرجولة والقدرة على سجن المشاعر وتقويضها، لا رابط بين البوح وتحرير العواطف وضعف شخصية الرجل؛ فقوة الرجل تكمن في معرفته طرق استلاب القلوب وصناعة الأمل وإضفاء البهجة في نفوس كل من حوله.