توجه جندي الاحتياط العسكري الإسرائيلي إليران مزراحي (40 عاما)، وهو أب لأربعة أطفال، إلى غزة بعد طوفان الأقصى، وعاد شخصا مختلفا، بعد إصابته باضطراب ما بعد الصدمة بسبب ما شهده من الحرب في القطاع، ثم انتحر به الأمر إلى الانتحار قبل يومين من عودته إلى غزة مجددا.

بهذا الخبر، ابتدر مراسلا شبكة (سي أن أن) نادين إبراهيم ومايك شوارتز تقريرا لهما بموقع الشبكة، قالا فيه إن مزراحي "خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه".

ونقلا عن والدته جيني مزراحي: "لقد مات بعد ذلك، بسبب الصدمة اللاحقة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: هكذا يستخدم الاحتلال الفلسطينيين دروعا بشرية في غزةlist 2 of 2صحيفة روسية: هل فعلا هدد ترامب بوتين بضرب موسكو "اللعينة"؟end of list

يقول الجيش الإسرائيلي، وفقا للتقرير، إنه يقدم الرعاية لآلاف الجنود الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة أو الأمراض العقلية الناجمة عن الصدمة أثناء الحرب. ومن غير الواضح عدد القتلى لأن الجيش الإسرائيلي لم يقدم رقما رسميا في هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل، ومع توسعها الآن إلى لبنان، يقول بعض الجنود إنهم يخشون التجنيد في صراع آخر.

خائفون من التجنيد

وقال مسعف في الجيش الإسرائيلي، خدم أربعة أشهر في غزة، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر: "كثيرون منا خائفون جدا من التجنيد مرة أخرى للحرب في لبنان، الكثير منا لا يثقون بالحكومة في الوقت الحالي".

وقال الجنود الإسرائيليون الذين قاتلوا في الجيب لشبكة سي إن إن إنهم شهدوا فظائع لا يستطيع العالم الخارجي فهمها حقا. وتقدم رواياتهم لمحة نادرة عن وحشية ما وصفه النقاد بـ "حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الأبد"، والخسائر غير الملموسة التي تلحق بالجنود المشاركين.

وتوفر المقابلات مع جنود إسرائيليين، وطبيب، وعائلة مزراحي، نافذة على العبء النفسي الذي تلقيه الحرب على المجتمع الإسرائيلي.

فقد كُلف مزراحي في غزة بقيادة جرافة من طراز دي-9، وهي مركبة مدرعة تزن 62 طنا يمكنها تحمل الرصاص والمتفجرات. كان مدنيا معظم حياته، وكان يعمل مديرا في شركة إنشاءات إسرائيلية. وأمضى 186 يوما في القطاع حتى أصيب بجروح في ركبته، تلاها تلف في السمع في فبراير/شباط عندما أصابت قنبلة صاروخية سيارته. وتم سحبه من غزة لتلقي العلاج.

وفي أبريل/نيسان الماضي تم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، وتلقى العلاج بالكلام الأسبوعي. لكن علاجه لم يساعد.

رأوا ما لم يروه في حياتهم

تقول والدته التي تعيش في مستوطنة معاليه أدوميم في الضفة الغربية المحتلة: "لم يعرفوا كيف يعاملونهم. هذه الحرب كانت مختلفة جدا. لقد رأوا أشياء لم يسبق لها مثيل في حياتهم".

عندما كان مزراحي في إجازة، عانى من نوبات غضب، تعرق، أرق وانسحاب اجتماعي. أخبر عائلته أن أولئك الذين كانوا معه في غزة هم وحدهم الذين يمكنهم فهم ما يمر به. وقالت شقيقته "كان يقول دائما، لن يفهم أحد ما رأيته".

كذلك أخبر مزراحي عائلته أنه في كثير من الأحيان كان يشعر "بدماء غير مرئية" تخرج منه، على حد قول والدته.

وتساءلت والدته عما إذا كان ابنها قد قتل شخصا ولم يستطع التعامل معه. "لقد رأى الكثير من الناس يموتون. ربما حتى قتل شخص ما. لكننا لا نعلم أطفالنا أن يفعلوا أشياء مثل هذه. لذلك، عندما فعل شيئا من هذا القبيل، ربما كانت صدمة له".

قدم غاي زاكين، صديق مزراحي ومساعده في قيادة الجرافة، مزيدا من التبصر في تجربتهم في غزة. وقال "لقد رأينا أشياء صعبة للغاية. الأشياء التي يصعب قبولها".

"كل شيء يخرج"

وتحدث زاكين وهو جندي سابق، علنا عن الصدمة النفسية التي عانت منها القوات الإسرائيلية في غزة. وفي شهادة له أمام الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، قال إنه في مناسبات عديدة، كان على الجنود "دهس الفلسطينيين، الأحياء والأموات، بالمئات"، مضيفا "كل شيء يخرج"، في إشارة لتمزق وتفتت أجساد الفلسطينيين.

يقول زاكين إنه لم يعد قادرا على أكل اللحوم، لأن ذلك يذكره بالمشاهد البشعة التي شاهدها من جرافته في غزة، ويكافح من أجل النوم ليلا، وصوت الانفجارات يرن في رأسه.

"عندما ترى الكثير من اللحم في الخارج، لحمهم ولحمنا"، في إشارة للجثث، "فهذا يؤثر عليك، بالتأكيد، عندما تأكل".

من المرجح أن تكون حصيلة الصحة النفسية في غزة هائلة. وقد سلطت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة الضوء مرارا وتكرارا على العواقب الصحية النفسية الكارثية للحرب على المدنيين في القطاع، الذين عانى كثير منهم بالفعل من الحصار المستمر منذ 17 عاما والعديد من الحروب مع إسرائيل. وفي تقرير صدر في أغسطس/آب، قالت الأمم المتحدة إن تجارب سكان غزة تتحدى تعريفات الطب الحيوي التقليدية لاضطراب ما بعد الصدمة نظرا لعدم وجود "وظيفة" في سياق غزة".

بعد أن انتحر مزراحي، ظهرت مقاطع فيديو وصور على وسائل التواصل الاجتماعي لجندي الاحتياط وهو يجرف المنازل والمباني في غزة ويقف أمام المباني المدمرة. وظهرت بعض الصور، التي يُزعم أنها نشرت على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمت إزالتها الآن، في فيلم وثائقي تضمن مقابلة معه على القناة 13 الإسرائيلية.

تجريف الجثث مع الركام

يقول أهرون بريغمان، عالم السياسة في كينغز كوليدج لندن والذي خدم في الجيش الإسرائيلي لمدة ست سنوات، بما في ذلك خلال حرب لبنان عام 1982، إن حرب غزة لا تشبه أي حرب أخرى تخوضها إسرائيل.

وقال: "إنها طويلة جدا، وهي حضرية مما يعني أن الجنود يقاتلون بين العديد من الناس، الغالبية العظمى منهم مدنيون. وإن مشغلي الجرافات هم من بين أولئك الذين يتعرضون بشكل مباشر لوحشية الحرب. ما يرونه هم القتلى الذين يجرفون جثثهم مع الركام، ويهرسونهم بجرافاتهم".

وأضاف بريغمان أنه بالنسبة لكثيرين، فإن الانتقال من ساحة المعركة إلى الحياة المدنية يمكن أن يكون ساحقا، خاصة بعد حرب المدن التي تنطوي على وفاة النساء والأطفال. "كيف يمكنك وضع أطفالك في الفراش بعد أن رأيت الأطفال الذين يُقتلون في غزة؟".

وعلى الرغم من اضطراب ما بعد الصدمة الذي عانى منه مزراحي، قالت عائلته إنه وافق على العودة إلى غزة عندما تم استدعاؤه مرة أخرى. لكن قبل يومين من ذهابه، قتل نفسه.

لا يُسمح بتقديم أرقام

وعن عدد حالات الانتحار في الجيش الإسرائيلي منذ الحرب، قال تقرير "سي إن إن" إن السلك الطبي غير مسموح له بتقديم أرقام.

ومع ذلك، اتضح أن أكثر من ثلث أولئك الذين تم إبعادهم من القتال يعانون من مشاكل في الصحة العقلية. وفي بيان صدر في أغسطس/آب، قالت شعبة إعادة التأهيل بوزارة الدفاع الإسرائيلية إنه في كل شهر، يتم إخراج أكثر من 1000 جندي مصاب جديد من القتال من أجل العلاج، 35 ٪ منهم يشكون من حالات عقلية، و27 ٪ يصابون "برد فعل عقلي أو اضطراب ما بعد الصدمة".

وأضافت أنه بحلول نهاية العام، من المرجح أن يتم قبول 14000 مقاتل جريح للعلاج، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 40٪ منهم مشاكل في الصحة العقلية.

وذكر التقرير أن أكثر من 500 شخص يموتون بسبب الانتحار في إسرائيل ويحاول أكثر من 6000 شخص الانتحار كل عام، وفقا لوزارة الصحة في الإسرائيلية، التي تشير إلى أن "هناك نقص في الإبلاغ عن حوالي 23 ٪ في الأرقام المذكورة".

وتابع بأنه في عام 2021، كان الانتحار هو السبب الرئيسي للوفاة بين جنود الجيش الإسرائيلي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات ترجمات الجیش الإسرائیلی ما بعد الصدمة أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

استراتيجيات الحرب النفسية في زمن المعلومات المُضللة

مع تطور الحروب من أساليب القتال التقليدية إلى المواجهات السيبرانية، أصبح للحرب النفسية دور بالغ الأهمية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدول والجماعات. هذه الحروب لم تعد تقتصر على الاشتباكات العسكرية المباشرة، بل أصبحت تعتمد بشكل متزايد على التأثير في العقول والمشاعر، واستخدام الأدوات الإعلامية لتوجيه الرأي العام وتفكيك استقرار المجتمعات. في عالم يُهيمن فيه تدفق المعلومات بشكل غير مسبوق، أصبحت القدرة على التحكم في الروايات والأخبار المضللة جُزءًا أساسيًا من استراتيجيات الحرب، حيث تسعى الدول والجماعات المسلحة إلى زعزعة استقرار خصومها بوسائل غير تقليدية.

في كتابه "الحرب السيبرانية: الحقائق، التكتيكات، والاستراتيجيات"، يستعرض خبير الأمن السيبراني الأمريكي جيمس لويس العديد من المفاهيم الأساسية المتعلقة بالحرب النفسية وكيفية تأثيرها على النزاعات الحديثة، بالإضافة إلى الأساليب والتقنيات المستخدمة في الحروب السيبرانية، مثل الهجمات على البنية التحتية، والتجسس، وعمليات التخريب، ويركز لويس على كيفية تطور هذه الأساليب مع مرور الوقت، ويناقش أهمية بناء دفاعات سيبرانية قوية لحماية الأنظمة والبنية التحتية، كما يتناول استراتيجيات لتقليل المخاطر وتحسين الاستجابة للأزمات.

يؤكد لويس أن "الحروب الحديثة تداخلت فيها الحدود بين الهجمات الجسدية والتلاعب النفسي، مما يجعل من الضروري فهم تأثير كل منهما". ومن خلال الفهم العميق للنفس البشرية، يمكن للجهات الفاعلة استخدام الحرب النفسية لتعزيز قدراتها وإضعاف خصومها.

كما يشير لويس في كتابه، الذي صدرت طبعته الأولى في العام 2020، إلى أن الحرب النفسية اتخذت أشكالًا جديدة في العصر الرقمي. مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت الجماعات والدول هذه المنصات لنشر معلومات مضللة أو تعزيز روايات معينة. يُبرز لويس هذه الظاهرة بقوله: "لقد غيّر استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي في العمليات النفسية طريقة الدول في إجراء الحروب، مما يتيح حملات مستهدفة يمكن أن تصل إلى الملايين على الفور".

يتحدث لويس عن تأثير المعلومات المضللة والحملات الإعلامية الموجهة، ويقول: "فهم المشهد النفسي لكل من الحلفاء والخصوم أمر بالغ الأهمية لوضع استراتيجيات فعالة في الحرب السيبرانية".

في العصر الحديث، يمكن اعتبار الحرب النفسية جزءًا من "الحرب الباردة الجديدة"، حيث تتنافس الدول الكبرى على النفوذ في مختلف المجالات. يوضح لويس أن الحرب النفسية لا تقتصر فقط على الصراعات العسكرية، بل تمتد إلى الحروب الاقتصادية والثقافية أيضًا، وقد يؤدي استخدام المعلومات والتأثير النفسي إلى تغييرات كبيرة في سلوك الدول والجماعات.

ويعتبر المؤلف أن الانتخابات، سواء كانت محلية أو دولية، تمثل ساحة خصبة للحرب النفسية، حيث يتم استغلال الشائعات والمعلومات المضللة لتعزيز الانقسام السياسي وزعزعة ثقة الناخبين في العملية الانتخابية والتأثير على سلوكهم.

وتعتبر التنظيمات الإرهابية الحرب النفسية أداة استراتيجية فعالة في تحقيق أهدافها السياسية والدعائية. وتستخدم أساليب متنوعة للتأثير على العقول والمشاعر وغسل الأدمغة، بهدف تعبئة أفكار مسبقة وروايات مُختلقة ونشر المعلومات المضللة، وتنظم هذه الجماعات حملات دعائية تستهدف الرأي العام، تسعى من خلالها إلى زعزعة الثقة في الحكومات والأنظمة القائمة، مما يخلق بيئة من عدم الاستقرار والفوضى. وتعتمد هذه التنظيمات على تقنيات الحرب النفسية لتعزيز الولاء والانتماء داخل صفوفها، وتعمل على بناء هوية جماعية قوية تعزز قدرتها على التجنيد والحشد، كما تستخدم الرموز والأيقونات الثقافية والدينية لتوجيه رسائل عاطفية تزيد من تأثيرها على الأفراد والمجتمعات.

يتناول لويس في كتابه استراتيجيات الدفاع ضد الحرب النفسية، ويعتبر الوعي والقدرة على التحليل النقدي من الأدوات الرئيسية لمواجهة تأثيرات هذه الحرب. يحتاج الأفراد والمجتمعات إلى تطوير مهارات التفكير النقدي لتقييم المعلومات بشكل فعَّال، مما يساعد على تقليل التأثير السلبي للحرب النفسية. يُشير لويس إلى ذلك قائلًا: "تتطلب مواجهة الحرب النفسية تطوير قدرات التحليل النقدي لدى الأفراد، مما يمكنهم من التعامل مع المعلومات المضللة بشكل فعَّال".

ومن خلال الفهم العميق لاستراتيجيات الحرب النفسية، يمكن للأفراد والمجتمعات تطوير دفاعات فعالة ضد هذه الأساليب، مما يعزز قدرتهم على مواجهة التحديات الحديثة في عالم مترابط بشكل متزايد، لكن الحرب النفسية ليست مجرد أداة للصراعات العسكرية فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من الاستراتيجيات السياسية والاجتماعية الحديثة. في عصر تكون فيه المعلومات سلاحًا يمكن أن يُستخدم لتفتيت الثقة في المؤسسات وتعميق الانقسامات الاجتماعية، يُصبح من الضروري على الحكومات تعزيز الوعي المجتمعي وتنمية المناعة النفسية لدى الأفراد.

وهذا يتطلب ليس فقط بناء قدرات تقنية لمواجهة الهجمات السيبرانية، بل أيضًا استثمارًا في تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليل العميق. إن مواجهة التحديات المستقبلية في هذا المجال تستدعي رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار البعد السيكولوجي والاجتماعي للحرب النفسية، مما يجعل التحصين النفسي جزءًا لا يتجزأ من أمن المجتمعات واستقرارها.

مقالات مشابهة

  • اضطراب ما بعد الصدمة.. انتحار جندي اسرائيلي بعد استدعائه مرة أخرى إلى غزة
  • أسقط مسيّرة وتصدى لأخرى.. حزب الله يقصف مصنعاً عسكرياً وتجمعات للجنود الإسرائيليين
  • الصدمة والانتحار يلاحقان الجنود الإسرائيليين بعد عودتهم من غزة
  • اضطراب ما بعد الصدمة.. ناجية إسرائيلية تنتحر في عيد ميلادها
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؟
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي بلبنان؟
  • كبار الضباط الإسرائيليين الذين قتلوا منذ 7 أكتوبر
  • استراتيجيات الحرب النفسية في زمن المعلومات المُضللة
  • ‏حزب الله: أطلقنا رشقة صاروخية على تجمع للجنود الإسرائيليين ببلدة يعرا في شمال إسرائيل