رغم ضراوة تصعيد العدو .. أبناء غزة يرفضون الاستسلام ومغادرة الشمال
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
على مدار 10 أيام متواصلة، منذ شرع جيش العدو الإسرائيلي في إطباق حصاره الخانق على جباليا وأحياء أخرى قريبة، حيث يرتكب مجازر مروعة بحق المدنيين الأبرياء، وترافق ذلك مع تهديداته باقتحام المستشفيات الوحيدة المتبقية في القطاع، ما يجعل الواقع الذي تعيشه العائلات الفلسطينية يُوصف بأسوأ واقعٍ معيشيٍ عرفه تاريخ الحروب في عصرنا الحديث.
ومنذ الوهلة الأولى لبدء العمليات العسكرية، كشف جيش العدو الإسرائيلي بوضوح عن هدفه، حيث دعا سكان المدينة البالغ عددهم 400 ألف نسمة، حسب آخر الإحصائيات الفلسطينية، إلى النزوح فورًا نحو الجنوب، في خطوة تُعرف بخطة الجنرالات والتي تعكس نية العدو الفعلية في غزة.
ماهي خطة الجنرالات وما هدفها؟
هي خطة تهدف إلى تهجير سكان منطقة شمال غزة إلى الجنوب، ثم فرض حصار كامل على الشمال، يشمل منع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع كوسيلة ضغط للتهجير، وصولا إلى السيطرة الكاملة على شمال قطاع غزة.
وتفيد الأنباء أن رئيس “المجلس الأمني” الإسرائيلي السابق الجنرال احتياط (غيورا آيلاند) كان قد دعا في أغسطس 2024 إلى فرض حصار شامل على شمال غزة من أجل الانتصار على حركة حماس.
وفي سبتمبر 2024، قام آيلاند بعرض خطته على بنيامين نتنياهو، وتبناها عدد كبير من جنرالات جيش العدو، لذلك سميت بخطة الجنرالات، الخطة تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وذلك بتهجير سكان المنطقة إلى الجنوب، ثم فرض حصار كامل على الشمال، بما في ذلك منع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع وسيلة ضغط للتهجير.
ويتمحور طموح الجنرالات بهذه الخطة، حول تحويل شمال غزة إلى منطقة عسكرية، الأمر الذي سيدفع بسكان مناطق الجنوب إلى الانتفاض ضد حركة حماس.
وتتحدد مسارات الخطة في العمل على تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرا، بعمليات اجتياح واسعة تستخدم فيها أقصى وسائل العنف المتاحة، تنتهي بفرض حصار كامل على المنطقة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، لتجويع من تبقى من المدنيين، ووضع المقاومين أمام خيارين إما الموت أو الاستسلام، ومن ثم يتم تحويل شمال القطاع إلى “منطقة عسكرية مغلقة” ما يعني القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة.
مراحل تنفيذ الخطة
تبدأ المرحلة الأولى من الخطة بإخلاء شمال القطاع من السكان، وهو الهدف الذي كان جزءًا من إستراتيجيات جيش العدو الإسرائيلي منذ بداية العدوان على غزة، في أكتوبر 2023 أي قبل وضع هذه الخطة.
وفي المرحلة الثانية والأخيرة تفرض خطة الجنرالات حصارا شاملا على من تبقى من المدنيين في شمال القطاع إضافة لعزل المنطقة عن باقي مناطق القطاع، وذلك بمنع حركة الدخول أو الخروج منها أو إليها، ووقف المساعدات والإمدادات بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه، واعتبار كل من تبقى في المنطقة أهدافا عسكرية.
أيضًا من تفاصيل المرحلة الثانية للخطة جاء التأكيد بالظن الإسرائيلي، على أنه وفور استكمال تهجير الفلسطينيين إلى الجنوب عبر طريق الرشيد مرورا بممر نتساريم (منطقة تمتد من الشرق إلى الغرب وتقسم القطاع نصفين)، وإخلاء المنطقة من السكان، ستبدأ مرحلة تحويل شمال القطاع إلى منطقة عسكرية مغلقة.
تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في جباليا ومجازر بالجملة
تطبيق هذه الخطة، جاء بتصعيد غير مسبوق من العدو الإسرائيلي، ظهر من خلال ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين بمدينة غزة، وشمال قطاع غزة، وفرض حصار خانق على شمال القطاع منذ 18 يوما، خاصة في مخيم جباليا، والذي أسفر عن عشرات الشهداء والإصابات.
مصادر فلسطينية قالت يومنا هذا الثلاثاء الموافق 22 أكتوبر 2024م: إن مدفعية العدو الإسرائيلي استهدفت النازحين في منطقة العلمي بمخيم جباليا شمالي القطاع، ما أدى إلى استشهاد 8 أشخاص وعدد من الإصابات.
وأضافت أن مدفعية العدو استهدفت أيضاً النازحين عند مفترق “أبو الجديان” بمشروع بيت لاهيا؛ ما أسفر عن 12 شهيدًا.
ووفق مصادر طبية فلسطينية، فإن أكثر من 640 شهيدًا ارتقوا في العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة على جباليا وشمال قطاع غزة.
فيما أفادت مصادر طبية بارتكاب جيش العدو الصهيوني، خلال الساعات الـ48 الماضية، سبع مجازر، أسفرت عن استشهاد 117 فلسطينيا، وإصابة 487 آخرين، منوهة بوجود ضحايا آخرين لا يزالون تحت أنقاض البنايات المدمرة، دون انتشال جثثهم حتى الآن.
ويوم الثلاثاء الماضي الموافق15 أكتوبر2024م، وبينما تتواصل نيران العدوان على غزة، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في بيان صحفي له، عن إصدار تحديث جديد حول إحصائيات الحرب الوحشية التي يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة.
البيان أكد أن الحياة في غزة تحولت إلى كابوس واقعي، وأن جيش العدو ارتكب 3,695 مجزرة، أسفرت عن استشهاد 52,344 شخصًا، حيث يعتبر10,000 منهم مفقودون، بينما تم تسجيل42,344 شهيدًا، من بينهم17,029 طفلًا، إضافةً إلى171 رضيعًا و710 أطفال لم يتجاوزوا عامًا واحدًا.
كما أوضح أن جيش العدو الإسرائيلي، لم يكتفِ بذلك، بل قام بإبادة 902 عائلة بالكامل، وأُعدم37 شخصًا نتيجة المجاعة، ولم تسلم النساء من هذه الجرائم، إذ تجاوز عدد الشهداء منهن11,585، بينما سقط 986 من الطواقم الطبية، و85 من أفراد الدفاع المدني، و177 صحفيًا.
وكشف عن تأسيس جيش العدو 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات، حيث تم انتشال520 جثة من هذه المقابر، مع تسجيل ما يزيد عن99,000 جريح ومصاب، بما في ذلك396 صحفيًا. والأكثر استغرابًا أن69% من الضحايا هم من الأطفال والنساء، ما يعكس الطبيعة الوحشية لهذه الحرب.
وأضاف بقوله: لم يقتصر الأمر على ذلك، فالأطفال يعانون من فقدان الأهل، فهناك25,973 طفلًا يعيشون بدون والديهم، كما يعاني3,500 طفل من سوء التغذية، في حين أن12,000 جريحا يحتاجون للعلاج في الخارج، و12,500 مريض سرطان يواجهون الموت بسبب نقص العلاج.
ودعا البيان إلى التحقيق في الأرقام المروعة التي تعكس الفوضى والدمار، حيث دمرت204 مقرات حكومية و125 مدرسة وجامعة، ليتسع نطاق الدمار إلى150,000 وحدة سكنية تم تدميرها بشكل كلي، بينما تضررت200,000 وحدة أخرى جزئياً.
وأفادت وزارة الصحة في قطاع غزة أن العدو ارتكب7 مجازر بحق العائلات خلال الـ 48 ساعة الأخيرة، مما أدى إلى استشهاد115 شخصاً وإصابة487 آخرين. ويواصل العدوان الصهيوني المستمر لليوم الـ 381 حصد الأرواح، حيث بلغت حصيلة العدوان42,718 شهيداً و100,282 مصاباً منذ السابع من أكتوبر2023.
هذه الأرقام تجسد مأساة لا توصف، حيث تشير إلى خسائر أولية تقدّر بـ35 مليار دولار، ومع دمار يمس86% من غزة. في ظل هذه الظروف المأساوية، يبقى الأمل ضعيفًا، لكن صوت المعاناة يصرخ رغم قسوة الواقع.
المعاناة وخوار العجول
إن الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة نسفت كل دعاوى القوانين الإنسانية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرها من الشعارات الكاذبة. تلك الجرائم، التي تتضمن القصف العشوائي، ونسف المنازل، وتطبيق سياسة التجويع، هي جزء من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إضعاف إرادة الشعب الفلسطيني، ولكنها رغم ذلك تُظهر حقيقة أخرى؛ حيث إنها تشعل الروح المقاومة وتجعل من الفلسطينيين أكثر إصراراً على الدفاع عن حقوقهم.
مما لا شك فيه، أن هذه الأعمال الإجرامية لا تؤدي إلا إلى تعزيز وحدة الفلسطينيين. إذ يشعر الجميع، في ظل هذه المعاناة، بأنهم جزء من هدف مشترك، وهو المقاومة والدفاع عن الوطن. إن هذا النوع من الإبادة الجماعية يدفع الفلسطينيين إلى تعزيز تلاحمهم، وتجديد التزامهم بالتصدي لأي شكل من أشكال الاحتلال والارهاب والظلم.
يُظهر تاريخ الصراع أن الأعمال الوحشية لا تثمر عن خضوع أو استسلام، بل غالبًا ما تكون كفيلة بإشعال فتيل معارك أشد ضراوة، ويحفز المجتمعات على اتخاذ مواقف أكثر قوة ودعماً للدفاع عن قضاياهم المصيرية. ولذلك، يمكن القول إن الجرائم التي تُرتكب ليست فقط عنفاً موجها يعود حصاد مؤشراتها ونتائجها وآثارها على الفاعل الصهيوني، بل هي أيضاً محفز لتوحيد الأمة وتعزيز التوجه نحو العمل المقاوم بمختلف أوجهه، السياسية والعسكرية.
سقوط الأقنعة
لم يعد مقبولاً أن يستمر المجتمع الدولي في تقوقعه وصمته، متسماً بما يُسمى “الحياد” في الوقت الذي يتعرض فيه المدنيون في غزة لأسوأ أنواع القتل والإجرام والتهجير. فالتنازل عن حتى أبسط المواقف الداعمة للعدالة والحق الفلسطيني يمثل خيانة للإنسانية جمعاء، حيث يصعب تصور غياب حتى ذلك “خوار العجول” من المواقف المتخاذلة المستترة خلف بيانات الاستنكار والتنديد.
إن المجتمع الدولي لم يعد مجرد ضيف شرف يُدعى لتقديم التعازي والاعتذارات، بل هو كيان مسؤول عن اتخاذ مواقف حاسمة وفعّالة لوقف العدوان ورفع الحصار الجائر عن غزة. إن فشل العالم اليوم في بلورة موقف واضح وحاسم من القضية الفلسطينية في غزة وجنوب لبنان يعكس تواطؤ مع سبق الإصرار مع الجرائم التي يرتكبها العدو. هذا التواطؤ يحرف مسار العجول من مكانتها كرموز نصبت نفسها، في سالف الأيام، بحراس العدالة إلى مستنقع من العبودية، مُشجعاً العدو على التمادي في انتهاكاته وزيادة إفراطه في ممارساته القمعية.
إن دعم الحق الفلسطيني يجب أن يكون ضمن أولويات كل الأحرار في العالم، ولا ينبغي أن تبقى تلك الأيادي مكتوفة في وجه الظلم المتواصل، بل يجب أن تُوجه الجهود نحو تحقيق العدالة والسلام الذي يستحقه كل إنسان.
صمود وثبات في وجه آلة التوحش
هذا وكان، ناطق جيش العدو الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي”، أعلن في بيان، في الـ 7 من أكتوبر 2024م، عن بدء تنفيذ خطة الجنرالات رسميا، وتضمن الإعلان حينها، إشعار إخلاء لسكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ومناطق أخرى في مدينة غزة، وبعد يومين شن جيش العدو، هجوما واسعا على مخيم جباليا شمال القطاع، إضافة إلى إصدار أوامر بإخلاء 3 مستشفيات في المنطقة.
ومن يوم السبت 12 من أكتوبر 2024، وسَّع الجيش الإسرائيلي، من عملياته العسكرية في شمال قطاع غزة، مطالبا السكان بإخلاء المزيد من المناطق المجاورة لمخيم جباليا، وسط قصف جوي ومدفعي كثيف من الآليات العسكرية والطائرات المسيّرة.
وقال سكان محليون، الأحد 13 من أكتوبر لوسائل إعلام محلية وعالمية، وعلى حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي: إن جيش العدو الإسرائيلي ينفذ عملية “فصل تام” لمناطق الشمال عن مدينة غزة، عبر سيطرة الآليات العسكرية الإسرائيلية على المحاور الرئيسية.
وأشاروا إلى أن الوضع في شمال غزة يشهد تصاعدا مستمرا، وتدهورا حادا على حياة الغزاويين، حيث تؤكد مصادر محلية في الشمال، أن القصف الإسرائيلي لم يتوقف، ما أدى إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية بما في ذلك المرافق الصحية ومخيمات النازحين.
كما توكد المصادر أن جيش العدو، أطبق حصارا خانقا،ً وأغلق منافذ إدخال المواد الأساسية من الغذاء والماء إعمالا في تعميق معاناة سكان الشمال المحددة في خارطة الخطة.
وفي صباح الاثنين 14أكتوبر 2024م حدثت كارثة جديدة، حينما استهدف الطيران الإسرائيلي مركز توزيع المساعدات التابع للأونروا، ما أسفر عن مقتل عشرات الفلسطينيين وإصابة المئات منهم، وفق مصادر طبية فلسطينية رسمية.
ورغم كل ذلك، جاءت ردود الأفعال الفلسطينية، وتحديدا في شمال قطاع غزة، مخيبة للآمال الإسرائيلية، فإرادة الشعوب دائما ما تتغلب على آلة الدمار، مهما بلغت من الوحشية.
حيث تصدح أصوات سكان شمال غزة بالتأكيد على أن ما يقوم جنود العدو، من عمليات تهجير قسري، لن يسمح لها بأن تكون حلاً يخدم الأوهام الإسرائيلية في نهب الأرض أو فرضها منطقة معزولة، مؤكدين أنه ورغم أن الإمعان الصهيوني، في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وهدم منازلهم سيزيد من حجم المأساة، “إلا أنهم يفضلون الموت فيها على العيش في خيام”، وقال أحد السكان، مستفزا جنود العدو ومعبرا عن عمق الارتباط بالحق في الأرض: نعم، لقد أصبح الخروج منها حلمًا بعيد المنال.
وكان جيش العدو، قد أعلن، في نوفمبر 2023م، أن 95% من سكان الشمال نزحوا إلى جنوب القطاع، فيما لاتزال المصادر الفلسطينية تؤكد أن الغزاويين لم يغادروا الشمال، بل ولايزالون يرفضون الاستسلام لأهداف الخطة، رغم قساوة ما يواجهون من ضراوة القصف وتفجير المنازل وإحراق بعضها بمن فيها من السكان.
————————————
موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: جیش العدو الإسرائیلی خطة الجنرالات شمال قطاع غزة شمال القطاع بما فی ذلک من أکتوبر شمال غزة کامل على على شمال فی شمال التی ت فی غزة
إقرأ أيضاً:
الآبار المحلية التعاونية.. حل سكان شمال غزة لمواجهة أزمة المياه
غزة– "هذه الآبار كانت ملاذنا للصمود في غزة"، يشير أحمد المغربي بذلك لآبار محلية يلجأ الغزيون في مدينة غزة وشمال قطاع غزة لحفرها واستصلاح القائم منها، لمجابهة أزمة المياه الحادة الناجمة عن الاستهداف الإسرائيلي المركز لآبار وشبكات المياه.
يسكن المغربي في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، حيث كان من أول مناطق المدينة التي توغل بها جيش الاحتلال بريا، وعاث فيه فسادا وتدميرا، حيث اختار المغربي وأسرته (6 أفراد) البقاء والصمود في مدينة غزة، ولم ينزحوا جنوبا.
ويقول للجزيرة نت: "كان لا بد من التفكير في مصادر بديلة للمياه بعد تدمير الآبار البلدية وشبكات المياه، وكانت الآبار المحلية ملاذنا وعاملا مهما دعمت صمودنا في غزة".
وكما غالبية من مكثوا في مدينة غزة وشمال القطاع، اضطر المغربي للتنقل بأسرته مرارا في نزوح داخلي كلما اشتد الخطر، وفي نهاية المطاف عاد لمخيم الشاطئ، حيث كانت تقطنه آنذاك قلة من السكان، إثر النزوح الكبير نحو جنوب القطاع.
وقبل عودة النازحين من جنوب القطاع نحو مدينة غزة وشمال القطاع، إثر اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، كان المغربي وسكان المخيم قد نجحوا في حفر وتشغيل ما يتراوح بين 20 إلى 30 بئرا محلية.
ويقول إن البئر الواحدة تكلف نحو 5 آلاف دولار للوصول إلى المياه، التي يتراوح عمقها ما بين 25 إلى 35 مترا في المخيم، وتزداد هذه التكلفة كلما زاد العمق في شرق المدينة كحي الشجاعية، في حين كانت تكلفة حفر مثل هذه البئر قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تتراوح ما بين ألفين إلى 3 آلاف دولار.
إعلانوتعود هذه الزيادة الكبيرة في كلفة حفر البئر الواحدة في الوقت الراهن لعدم توفر الآليات والمواد اللازمة، جراء القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول الاحتياجات والأولويات اللازمة، والتي تخرق البروتوكول الإنساني ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.
ولا تقتصر تكاليف البئر على الحفر، حيث هناك حاجة أيضا لمصروفات تشغيلية، وفي فصل الشتاء لا تعمل منظومة الطاقة الشمسية بكفاءة عالية، ويضطر المستفيدون من البئر لشراء الوقود من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، لتشغيل المولدات لاستخراج المياه، حيث لا يزال الاحتلال يعرقل دخول الوقود عبر المعابر.
وتغطي البئر الواحدة، بحسب المغربي، الحد الأدنى من المياه لنحو ألف نسمة، وقد زادت الحاجة لمثل هذه الآبار وقت نزوح سكان جباليا ومناطق شمال القطاع على وقع العملية البرية الإسرائيلية التي استمرت لنحو 100 يوم، وانتهت قبيل اتفاق وقف إطلاق النار.
ولجأ النازحون من شمال القطاع لمناطق غرب مدينة غزة، بما فيها مخيم الشاطئ، ولمجابهة الحاجة الكبيرة من المياه للنازحين والسكان "نجحنا خلال الشهور الستة الماضية في حفر عدد كبير من هذه الآبار المحلية" بحسب المغربي.
ويقول كانت مهمة حفر هذه الآبار محفوفة بمخاطر جمة، جراء الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لكل جهد إنساني من شأنه تعزيز صمود الناس، حيث يحتاج الحفر إلى الانتقال بمعدات من مكان إلى آخر، لتغطية أكبر مساحة ممكنة.
احتياجات مضاعفةومع العودة الكبيرة للنازحين من جنوب القطاع لشماله، تضاعفت الحاجة إلى المياه، حيث تشير التقديرات المحلية إلى أن عدد المقيمين حاليا في النصف الشمالي من القطاع ارتفع مع هذه العودة إلى مليون و400 ألف نسمة.
ويقول يسري الغول، وهو كاتب وروائي لم يغادر شمال القطاع، إن الآبار المحلية "التعاونية" باتت اليوم المصدر الرئيس للتزود بالمياه بالنسبة للغالبية في مدينة غزة وشمال القطاع، "ولولاها لما بقي أحد هنا".
إعلانولشدة أزمة المياه في الشهور الأولى للحرب، يروي الغول للجزيرة نت تجربة مريرة مرت بها جدته زمقنة الغول، والتي تجاوزت المئة من العمر، وحوصرت مع آخرين في مقر تابع للأمم المتحدة غرب مدينة غزة لنحو 3 أسابيع، ولم يكن لديهم أي مصدر لمياه الشرب سوى نقاط تتساقط من أجهزة التكييف تروي حلوقهم الجافة.
كان هذا حال الصامدين في مدينة غزة والشمال، ويقول الغول "لا يزال واقع المياه مؤلما، ونصطف يوميا بالطوابير من أجل التزويد بالقليل منها للشرب والنظافة".
ولمواجهة هذه الأزمة كانت فكرة اللجوء للآبار المحلية، سواء بحفر جديدة أو باستصلاح أخرى قديمة تعرضت لتدمير، أو هجرها أصحابها ونزحوا نحو الجنوب، وحاليا يعتمد الغول الذي يقيم مع أسرته في منطقة "أرض الغول" شمال غربي مدينة غزة، على بئر محلية يملكها أحد أقاربه، ويتشارك السكان في كلفة الوقود اللازم لتشغيل البئر واستخراج المياه.
ووفقا له تدفع كل أسرة نحو 10 شواكل (أقل من 3 دولارات) في التعبئة الواحدة كل 3 أيام، وتحصل على 120 لترا فقط، لا تكفي استخدامات الأسرة، وتضطر إلى تقنين استهلاكها لأقصى درجة حتى موعد التعبئة الثانية.
وفي حين اضطر السكان إلى تحمل كلفة حفر هذه الآبار وحدهم، فإن هيئات خيرية داعمة باتت تدعم مشاريع الآبار المحلية سواء بتكاليف الحفر فقط أو بتشغيلها أيضا، وبحسب الغول والمغربي فإن غزيين ميسوري الحال يساهمون كذلك في تكاليف الحفر الباهظة، ويتشارك السكان غالبا في كلفة التشغيل واستخراج المياه.
يقول المتحدث باسم بلدية غزة، كبرى بلديات القطاع، عاصم النبيه للجزيرة نت، إنه "مع حالة الطوارئ الناجمة عن الحرب، والأزمة الحادة في المياه، انتشرت الآبار المحلية، وتعود تبعيتها لمنازل سكنية أو جمعيات أو مساجد أو هيئات محلية مثل لجان الأحياء، ويلجأ السكان حاليا لهذه الآبار سواء بحفر جديد أو بصيانة القديمة واستصلاحها، للتغلب على الأزمة".
إعلانوتضاعف حفر هذه الآبار بعد العودة الكبيرة للنازحين من جنوب القطاع، في الوقت الذي تعاني فيه بلدية غزة من عدم قدرتها على إيصال المياه لنحو نصف المدينة، التي يقطنها حاليا قرابة نصف مليون نسمة، وذلك جراء تدمير الاحتلال 75% من الآبار البلدية، وأكثر من 100 ألف متر طولي من شبكات المياه.
وبحسب النبيه فإن نسبة ما بين 40 إلى 45% فقط من مساحة مدينة غزة تصلها مياه بكميات محدودة وغير كافية لحاجة السكان، الذين يواجهون أيضا معضلة في عدم توفر خزانات مياه منزلية دمرها الاحتلال، علاوة على عدم توفر مصادر طاقة قادرة على رفع هذه المياه للمنازل، فيلجؤون لطرق بدائية شاقة بحمل غالونات المياه بأيديهم ورفعها لمنازلهم، خاصة أولئك الذين يقطنون في بنايات متعددة الطبقات.
وما يزيد من حدة الأزمة تنصل الاحتلال من التزاماته بموجب البروتوكول الإنساني، ويقول النبيه إن البلدية قدمت لهيئات دولية قوائم فنية تفصيلية باحتياجاتها من أجل الصيانة، وبكميات الوقود اللازمة، لكن الوعود التي تلقتها لم تترجم على أرض الواقع حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
وتعرضت بلدية غزة لخسائر فادحة جراء الاستهداف الإسرائيلي الذي نال من 133 آلية ثقيلة ومتوسطة، تمثل 85% من مقدراتها، وهي -وفقا للنبيه- كانت تصلح للعمل بالأوقات الطبيعية وليست مؤهلة للعمل في أوقات الطوارئ الكبرى والتداعيات الناجمة عن حرب مدمرة.