كامالا هاريس مُـرَشَّـحة الحرية
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
جَـعَـلَـت كامالا هاريس من الحرية موضوعا مركزيا لحملتها الانتخابية. تحت عنوان «حماية حرياتنا الأساسية»، يوضح موقعها على الإنترنت: «إن كفاح نائبة الرئيس هاريس من أجل مستقبلنا هو أيضا كفاح من أجل الحرية. فـي هذه الانتخابات، أصبحت حريات أساسية عديدة على المحك: حرية اتخاذك القرار بشأن جسدك دون تدخل من الحكومة؛ وحرية أن تحب من تحب علانية وبفخر؛ والحرية التي تفتح الباب أمام كل الحريات الأخرى: حرية التصويت».
لا شك أن هذه الرسالة موضع ترحيب. فقد حان الوقت لكي يستعيد التقدميون الأمريكيون أجندة الحرية من دُعاة التحرر واليمين، وخاصة الآن بعد أن بات اليمين يمثل العكس تماما. فـي حين يَـلُـف كثيرون من المنتمين إلى اليمين أنفسهم بالعَـلَـم، فإن التقدميين يروجون فـي حقيقة الأمر لأجندة الحرية التي تشمل الأمريكيين جميعا.
من خلال عدسة أهل الاقتصاد تتضح القضية. أولا، يتمثل جزء أساسي من الحرية فـي حرية الفعل والتصرف ــ التزام المرء بتحقيق كامل إمكاناته. إن من يعيشون على الكفاف أو على حافة المجاعة لا يملكون حرية حقيقية؛ إنهم يفعلون ما يتعين عليهم أن يفعلوا من أجل البقاء.
ثانيا، فـي أي مجتمع يتألف من أفراد تجمعهم الاتكالية المتبادلة والتضامن، قد يترتب على حصول بعضهم على الحرية خسارة آخرين لحريتهم. على حد تعبير الفـيلسوف أشعيا برلين من جامعة أكسفورد، «حرية الذئاب تعني فـي كثير من الأحيان الموت للخراف». كان التحرير المالي فـي تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين ــ حرية المصرفـيين ــ ليعني موت الاقتصاد لو لم تتدخل الحكومة؛ ولكن بما أن هذا التدخل تَـطَـلَّـب مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، فقد ظلت الأزمة تعمل على تقليص حرية دافعي الضرائب وكثير من العمال ومُـلّاك المساكن.
ثالثا، قد يؤدي قليل من الإكراه إلى توسيع نطاق الحرية للجميع بشكل ملموس. فعندما نعمل معا، يمكننا أن نفعل أشياء لا نستطيع أن نفعلها بمفردنا؛ ولكن لتجنب مشكلة «رُكَّـاب المجان»، ربما تنشأ الحاجة إلى بعض الإكراه.
رابعا، فـي حين عمل الاقتصاد النيوليبرالي على توسيع حرية الشركات فـي استغلال الآخرين، فإنه لم يؤد إلى الرخاء إجمالا، ناهيك عن الرخاء المشترك. وقد تنبأت النظرية الاقتصادية الواقعية بهذا حتى قبل أن تصبح النيوليبرالية رائجة فـي عهد رونالد ريجان ومارجريت تاتشر. النيوليبرالية فضلا عن ذلك ليست مستدامة، لأنها تشجع سمات فردية وسلوك السوق الذي يقوض عمل الاقتصاد. يعتمد عمل الاقتصادات ونجاحها على الثقة. وقد أَكَّـد الفائزون بجائزة نوبل فـي علوم الاقتصاد لهذا العام ــ دارون عاصم أوغلو، وسيمون جونسون، وجيمس أ. روبنسون ــ على أهمية المؤسسات؛ ولكن حتى المؤسسات التي تبدو نافعة لا تعمل بنجاح عندما يبدأ أفراد أنانيون، من أمثال دونالد ترامب، فـي انتهاك القواعد بشكل صارخ وإظهار قدر مُـفـرِط من التضليل والكذب.
خامسا، على عكس ادعاءات المحافظين والتحرريين مثل ميلتون فريدمان وفريدريك هايك، لا تشكل الأسواق غير المقيدة ضرورة للحرية السياسية، ولا حتى تُـفضي إليها. كان صعود الشعبوية الاستبدادية أشد وضوحا فـي البلدان حيث فعلت الحكومات أقل القليل (لمعالجة الفقر، والتفاوت، وانعدام الأمن، وما إلى ذلك)، وليس حيث فعلت أكثر مما ينبغي. إن التناقض بين هاريس وترامب فـيما يتصل بالحريات الأساسية ــ مثل حق المرأة فـي التحكم فـي جسدها ــ شديد الوضوح. فـي كل قضية كبرى فـي هذه الانتخابات، تعتزم هاريس توسيع حريات الأمريكيين، فـي حين سيعمل ترامب على تقييدها. فـي قلب أجندة هاريس يكمن الالتزام بمساعدة الأميركيين العاديين، بدلا من العودة إلى اقتصاد التقاطر إلى الأسفل السيئ السمعة الذي تبناه ترامب خلال فترة رئاسته. ومن شأن التخفـيضات الضريبية التي اقترحها لصالح أصحاب المليارات والشركات الكبرى أن تضيف ما يقدر بنحو 7.5 تريليون دولار إلى ديون الولايات المتحدة على مدار السنوات القليلة المقبلة، وهذا العبء سيجعل أبناء الأمريكيين وأحفادهم أقل حرية.
فـي حين يبدو أن ارتفاع التضخم بعد الجائحة فـي مختلف أنحاء العالم بات تحت السيطرة، يظل الأمريكيون قلقين بحق بشأن أسعار الأدوية والإسكان. وقد اقترحت هاريس تدابير لمنع التلاعب بالأسعار، لكن هذه التدابير أُسيئ تفسيرها على نطاق واسع (وعن عمد). إنها لا تدعو إلى تحديد الأسعار من جانب الحكومة الفـيدرالية، والحق أن عددا كبيرا من الولايات تطبق بالفعل قوانين لمكافحة التلاعب بالأسعار لمنع الشركات من استغلال مواقف استثنائية مثل الأعاصير والفـيضانات. وبالفعل، أثبتت الجائحة ضرورة تعزيز وإنفاذ مثل هذه السياسات.
على نحو مماثل، كان قانون خفض التضخم يحتوي على أحكام لخفض أسعار الأدوية مثل الأنسولين ــ وهو دواء لا غنى عنه (يعود تاريخه إلى قرن من الزمن) لمرضى السكري ــ من مستويات باهظة بشكل واضح. مع ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تبذل مزيدا من الجهد لخفض أسعار الأدوية إلى مستويات أقرب إلى تلك فـي أوروبا، حيث توجد قوانين أقوى ضد إساءة استخدام القوة السوقية. وسوف تسعى هاريس إلى القيام بذلك على وجه التحديد، فـي حين وعد ترمب بتفكيك قانون خفض التضخم، وبالتالي زيادة الأسعار التي يتحملها الأمريكيون.
وَعَـدَ ترامب أيضا برفع الرسوم الجمركية ــ إلى معدل 100% على السلع القادمة من الصين ــ وهو ما من شأنه ببساطة أن يزيد من أسعار الملابس، والأجهزة المنزلية، وكثير من السلع الأخرى التي يشتريها الأمريكيون العاديون. الواقع أن أجندته الاقتصادية بالكامل تتلخص فـي فرض ضريبة رجعية ضخمة على الأمريكيين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. وسوف تتقلص حريتهم كمستهلكين، لأن المتاح لهم من مال يمكنهم إنفاقه كما يحلو لهم سيكون أقل.
علاوة على ذلك، فـي حين أصدرت هاريس خطة شاملة لتوسيع المعروض من المساكن وخفض تكلفتها ــ وزيادة قدرة مشتري المساكن لأول مرة على تحمل تكلفتها ــ التزم ترامب الصمت بشأن هذه القضية الـحَـرِجة.
أخيرا، لدعم حرية الأميركيين فـي الارتقاء إلى مستوى إمكاناتهم، تتضمن أجندة هاريس رؤية واضحة وبعض الخطوات الأولية الملموسة نحو توسيع الفرص، وخاصة فـي مجال ريادة الأعمال. مثل هذه التدابير ستكون نافعة لأولئك الذين يأملون فـي بدء عمل تجاري بقدر ما ستكون مفـيدة للاقتصاد فـي مجمل الأمر. الحق أن ترامب شهادة حية على رفض اليمين للحرية. ما يدعو إلى التفاؤل أن هاريس تُـظـهِـر كيف قد يبدو الأمر عندما يحتضن التقدميون هذه القيمة الأمريكية الأساسية ويعملون على تعزيزها.
جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل فـي الاقتصاد وأستاذ جامعي فـي جامعة كولومبيا، وكبير خبراء الاقتصاد السابق فـي البنك الدولي، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی حین
إقرأ أيضاً:
شولتس ينتقد ماسك: حرية التعبير ليست مبررًا لدعم اليمين المتطرف
وجه المستشار الألماني أولاف شولتس انتقادًا للملياردير الأمريكي والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، بعد قيام الأخير بلفتة بيده أثارت جدلًا واسعًا عبر الإنترنت، حيث شبّهها البعض بالتحية النازية، وذلك خلال احتفال أعقب حفل تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
اعلانوفي تصريحات أدلى بها خلال مشاركته في قمة دافوس للأعمال، قال شولتس: "نحن في أوروبا وألمانيا ندعم حرية التعبير، ويمكن لأي شخص أن يقول ما يريد، حتى لو كان مليارديرًا. لكن ما لا يمكننا قبوله هو استخدام هذه الحرية لدعم مواقف اليمين المتطرف".
إيلون ماسك خلال حفل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في واشنطن، الاثنين، 20 يناير 2025. APماسك يرفض الانتقاداتورفض إيلون ماسك الانتقادات التي وجهت إليه، مؤكدًا أنه لن يتراجع عن مواقفه.
وسبق لماسك أن هاجم المستشار شولتس علنًا عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، واصفًا إياه بـ"الأحمق غير الكفء"، كما دعا إلى استقالته في أعقاب هجوم مميت وقع في سوق عيد الميلاد الألماني.
وكان ماسك قد أثار جدلًا في برلين بإعلانه دعم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي يُعد الأقرب إلى سياسات إدارة ترامب بين الأحزاب الألمانية.
وجاء إعلان ماسك قبيل الانتخابات الألمانية المقررة الشهر المقبل، ما أثار استياءً كبيرًا في الأوساط السياسية في برلين، وسط انتقادات حادة لموقفه.
تحقيقات أوروبية بشأن منصة "إكس"ولم تقتصر الانتقادات على التصريحات السياسية، بل أكدت المفوضية الأوروبيةأيضا أنها تكثف تحقيقاتها حول احتمال انتهاك منصة "إكس" لقواعد الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالإشراف على المحتوى.
Relatedمن الولايات المتحدة إلى ألمانيا.. كيف أصبح ماسك لاعبًا سياسيًا مؤثرًا؟ماسك واليمين المتطرف في أوروبا.. هل تجاوز الملياردير الأميركي الخطوط الحمراء بدعمه لحزب البديل الألماني؟ بعد شولتس وماكرون.. إسبانيا تعلن موقفها بشأن تصريحات ماسكوأشارت المفوضية إلى أنها تتابع عن كثب استضافة ماسك لزعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل، في نقاش جرى على المنصة هذا الشهر، بهدف التحقق مما إذا كانت تلك النقاشات قد تضمنت نشر معلومات مضللة أو محتوى مخالف للقوانين.
ورغم الغضب الذي أثارته مواقف ماسك المتكررة، لم تصل الحكومة الألمانية إلى حد اتخاذ قرار مشترك بمقاطعة منصته. ومع ذلك، فإن العلاقة المتوترة بين ماسك وبرلين تسلط الضوء على القلق المتزايد من تأثير الأغنياء على الخطاب السياسي في أوروبا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بسبب سلوك ماسك.. وزيرة العمل الإسبانية تعلن مغادرتها "إكس" "تشبه التحية النازية"؟.. إيلون ماسك يثير الجدل بإيماءة يده أثناء تنصيب ترامب "اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى".. إيلون ماسك يواصل دعمه للأحزاب اليمينية المتشددة في أوروبا دونالد ترامبنازيةألمانياإيلون ماسكأولاف شولتسيمين متطرفاعلاناخترنا لكيعرض الآنNextمباشر. إسرائيل تواصل هجومها على جنين لليوم الثاني ووزير الدفاع يتوعد بتوسيع العمليات في الضفة الغربية يعرض الآنNextعاجل. وزير خارجية سوريا يكشف لـ "فايننشال تايمز": ديون بقيمة 30 مليار دولار لإيران وروسيا تثقل كاهل البلاد يعرض الآنNext خان يونس: خيام على مد البصر وسكانها لم يعودوا إلى بيوتهم جراء الدمار الإسرائيلي المروع والمرعب يعرض الآنNext إندونيسيا: استئناف البحث عن مفقودين جراء الانهيارات الطينية وارتفاع عدد القتلى إلى 19 يعرض الآنNext "ولا تنس نصيبك من الدنيا".. منازلة بكرات الثلج بين راهبات وأحد القساوسة في لويزيانا اعلانالاكثر قراءة تركيا: حصيلة ضحايا حريق منتجع التزلج ترتفع إلى 76 قتيلاً وأردوغان يتوعد بمحاسبة من كان السبب الحرائق تكتسح شمال سان دييغو.. إجلاء طارئ للمنطقة بسبب النيران المدمرة عدة إصابات في حادثة طعن بتل أبيب أحدهم جندي خدم في غزة والمشتبه به سائح أمريكي من أصل مغربي وعد ولم يُخلف.. ترامب يعفو عن 1500 شخص مدان في أحداث الكابيتول ويلغي 78 قرارا لسلفه بايدن مغالطات دُسّت في خطاب التنصيب.. ما صحة ما ذهب إليه ترامب في كلمته؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبإسرائيلضحاياغزةروسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة حماسفلاديمير بوتينإيرانكوارث طبيعيةالمساعدات الإنسانية ـ إغاثةبنيامين نتنياهوالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025