هل تُغيّر نتيجة انتخابات كردستان العراق واقع التحالفات بالإقليم؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
أربيل- بعد تأخرها أكثر من عامين، نجح إقليم كردستان في إنجاز الانتخابات البرلمانية، لكن نتائجها الأولية تشير إلى عدم حصول أي من الحزبين التقليديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على أغلبية تمكّن أحدهما من تشكيل الحكومة، إلا بالاتفاق مع قوى سياسية أخرى.
ومع تصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني النتائج، يكون الاتحاد الوطني أقرب الأحزاب إليه والمرشح للتحالف معه لتشكيل الحكومة، الذي كان دائما الطرف الآخر لتشكيل الحكومة مع الديمقراطي منذ عام 1992 وحتى الآن، ولا يبدو أنه سيكون هناك تأثير للأحزاب الجديدة الأخرى في تشكيل الحكومة رغم حصولها على بعض المقاعد البرلمانية.
وتكمن أهمية الانتخابات البرلمانية الحالية في إعادة الشرعية للسلطات التشريعية لإقليم كردستان، التي جُردت من شرعيتها من قِبل المحكمة الاتحادية العراقية، بسبب انتهاء المدة القانونية للبرلمان السابق، وبعد تقديم شكوى من قبل المعارضة للمحكمة.
من جهته، رحب الاتحاد الأوروبي بنجاح العملية الانتخابية، وهو الذي كان يطالب باستمرار بضرورة إجراء هذه الانتخابات، وذلك بعدما تأخرت أكثر من عامين بسبب الخلافات الكردية الداخلية.
وأظهرت النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بنسبة 40%، بأكثر من 800 ألف صوت، تلاه في المركز الثاني الاتحاد الوطني الكردستاني بنسبة 20%، وحصل على ما يقارب 400 ألف صوت، وبلغت بنسبة المشاركة 72%، بأعداد أصوات تجاوزت المليونين.
ومن أصل 100 مقعد في البرلمان، سيتمكن الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني من الحصول على 39 مقعدا، في حين سيحصل الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل جلال طالباني على 23 مقعدا.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الوطني الكردستاني كان شريكا رئيسيا مع الديمقراطي الكردستاني في الحكومة السابقة، فإنه أظهر نفسه كمعارض قوي وهاجم غريمه بشراسة، حيث كرر رئيسه طالباني دعوته للمصوتين بإسقاط سلطة الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، متوقعا أن يتسبب في خسارته، لكن نتائج الانتخابات جاءت مخيبة له بعد حصول الديمقراطي على ضعف أصوات الاتحاد الوطني.
وإلى جانب الحزبين التقليديين، دفعت الانتخابات الأخيرة عدة أحزاب جديدة للمشاركة للمرة الأولى، من أبرزها "الجيل الجديد" بقيادة السياسي الشاب شاسوار عبد الواحد، الذي حصل على المركز الثالث بنسبة 14.5%، بعدد أصوات وصل إلى 290 ألف صوت، وتبعه الاتحاد الإسلامي الكردستاني بنسبة 5.8%، بعدد 116 ألف صوت.
وتوزعت باقي النسب على قوى أخرى مثل "الموقف" و"جماعة العدل" وجبهة الشعب وحركة التغيير والتحالف والحركة الإسلامية، حيث تؤهلها الأصوات التي كسبتها للحصول على مقعد واحد أو أكثر بقليل في البرلمان المقبل.
وكان من أبرز مفاجآت هذه الانتخابات خسارة حركة التغيير التي أسسها الراحل نوشيروان مصطفى عام 2009، والتي كانت تعد أقوى معارضة عبر تاريخ برلمان كردستان الذي بدأ عام 1992، حيث انخفض عدد مقاعدها تدريجيا من 24 مقعدا في أول مشاركة لها إلى مقعد واحد في الانتخابات الأخيرة.
وأرجع المراقبون ذلك إلى الانقسامات الداخلية التي طالت الحركة بعد وفاة مؤسسها، وتوزّع أصوات أنصارها بين الأحزاب الجديدة، خاصة حركة "الجيل الجديد".
على ضوء هذه النتائج، أكد رئيس مكتب تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني هيمن هورامي، للجزيرة نت، أن حزبه حطّم الرقم القياسي في هذه الانتخابات، وتمكّن من الفوز بأكثر من 800 ألف صوت من بين مليوني صوت. وقال إن الديمقراطي الكردستاني لديه تاريخ وجغرافيا واسعان في كردستان، وأن الحكومة العاشرة سيترأسها بدون شك رئيس الوزراء مسرور بارزاني الذي قاد الحكومة السابقة أيضا.
وأكد هورامي، أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بابه مفتوح أمام جميع الأحزاب الحاصلة على مقاعد في البرلمان لتشكيل الحكومة المقبلة، وأن الحزب سيعمل من أجل مشاركة الجميع في الحكومة، والعمل معا لجعل كردستان أكثر استقرارا وازدهارا.
من جانب آخر، قال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني طارق جوهر، للجزيرة نت، إن العملية الانتخابية كانت ناجحة، و"أستطيع أن أقول إن هذه الانتخابات كانت الأفضل من حيث المشاركة والتقنية، وكنا نتوقع نتائج أفضل، لكن في الوقت نفسه نحن نتقبل النتائج وحققنا فوزا جيدا، وقد ضاعف الاتحاد الوطني أصواته مقارنة بالانتخابات السابقة، وهو أمر مشجع لنا".
وأضاف جوهر أن حزبه يعمل على ضمان أن تكون الحكومة المقبلة مبنية على الشراكة والتوافق، وأنهم يطمحون لشراكة حقيقية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، "وليس مجرد مشاركة عادية في التشكيلة"، حسب قوله.
وأضاف أنهم يتطلعون لتولي مناصب سيادية في الإقليم، متوقعا أن مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة ستستغرق وقتا طويلا وستكون صعبة، بسبب رغبة الاتحاد الوطني بالشراكة الفعلية.
من جانبه، يرى الصحفي والكاتب المتخصص في شؤون إقليم كردستان سامان نوح، في حديثه للجزيرة نت، أن عملية تشكيل الحكومة المقبلة ستكون صعبة ومعقدة وستحتاج إلى وقت طويل، فليس أمام الديمقراطي بديل غير التحالف مع الاتحاد الوطني.
وفي سبيل تحقيق ذلك، أوضح نوح أن الاتحاد سيفرض شروطه التي سيكون بعضها صعبا، وقال "المشكلة أن جميع الأطراف لا تستطيع التراجع عن خطابها التصعيدي، لأن هناك انتخابات عراقية مقبلة بعد عام واحد، ستتنافس فيها هذه الأحزاب أيضا، وهو ما يستدعي خطابا متحديا حماسيا وربما شعبويا".
ويرى نوح أنه لن يكون للقوى الصغيرة دور كبير في تشكيلة الحكومة لأن مقاعدها قليلة، وهذه المقاعد لن تسعف الحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة القادمة، كما أن الواقع الكردستاني يفرض على الحزبين بشكل أو بآخر التحالف، حتى لو امتلك أي منهما القدرة على جمع الأغلبية، حسب قوله.
وأضاف الكاتب أن القوى السياسية سواء السنية أو الشيعية ليست فقط غير مهتمة بالوضع في إقليم كردستان، بل تعتقد أن استمرار الخلافات وعدم وجود برلمان وحكومة في الإقليم وضعف المؤسسات تخدم فرض إرادة القوى الاتحادية على الإقليم، وأضاف "جزء كبير من هذه القوى لا يريد أن يتشكل إقليم في كردستان بحكومة موحدة وبإدارة واحدة".
ويشير نوح إلى أن "القوى الشيعية بشكل خاص استفادت من ضعف الإقليم، حيث إنها لن تكترث في حال استمرار الخلافات، لأن هذا يسمح لها بالتحرك بشكل أكبر وبفرض إرادتها في مختلف الملفات بالإقليم كما حصل في السنوات الماضية، حيث ساهم ضعف الإقليم وانقساماته الداخلية في تقوية نفوذ الحكومة الاتحادية على أربيل، وسمح لها بفرض أجنداتها، سواء ما تعلق بقرارات المحكمة الاتحادية أو بمواقف وقرارات الحكومة الاتحادية ضد الإقليم".
لكن، برأي المحللة السياسية نوال الموسوي، فإن الحكومة المركزية دعمت هذه الانتخابات وأشادت بسيرها وهنأت الكيانات الفائزة، و"بالتأكيد ستدعم الحوار والمفاوضات للوصول إلى تشكيل حكومة توافقية بمعارضة بسيطة".
وقالت الموسوي للجزيرة نت "لا يمكن أن يستمر تأخير تشكيل الحكومة أكثر من 45 يوما، ومن الممكن أن تشهد التحالفات نوعا من الشد والجذب والعروض التي تسعى من خلالها الكتل للحصول على الكتلة الأكبر، لكن لن يؤثر ذلك كثيرا على جهود الحزب الأول في تشكيل الحكومة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحزب الدیمقراطی الکردستانی الاتحاد الوطنی الکردستانی هذه الانتخابات إقلیم کردستان تشکیل الحکومة للجزیرة نت أکثر من ألف صوت
إقرأ أيضاً:
واشنطن تضغط على بغداد.. إما السماح باستئناف تصدير نفط كردستان أو العقوبات
تضغط إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بغداد للسماح باستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق أو مواجهة عقوبات إلى جانب إيران.
واستئناف صادرات إقليم كردستان العراق شبه المستقل قد يساعد في تعويض الانخفاض المحتمل في صادرات النفط الإيرانية التي تعهدت واشنطن بخفضها إلى الصفر في إطار سياسة "أقصى الضغوط" التي تنتهجها مع طهران.
وقالت ثمانية مصادر مطلعة لرويترز إن الضغوط المتزايدة من الإدارة الأمريكية الجديدة كانت السبب الرئيسي وراء إعلان العراق يوم الاثنين استئناف تصدير النفط من الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي.
وأفادت أربعة مصادر من الثمانية أن العراق تسرع في الإعلان عن استئناف التصدير دون تفاصيل حول كيفية معالجة الأمور الفنية العالقة.
كانت الحكومة الأمريكية قد قالت إنها تريد عزل إيران عن الاقتصاد العالمي والقضاء على إيراداتها من صادرات النفط لإبطاء خطتها لتطوير سلاح نووي.
وأعلن وزير النفط العراقي بشكل مفاجئ الاثنين استئناف الصادرات من كردستان الأسبوع المقبل في خطوة من شأنها أن تنهي نزاعا دام قرابة عامين أدى إلى انقطاع إمدادات بأكثر من 300 ألف برميل يوميا تدخل الأسواق العالمية عبر تركيا.
وتنظر طهران إلى جارها وحليفها العراق كعنصر رئيسي في الحفاظ على اقتصادها في ظل العقوبات. لكن المصادر قالت إن بغداد، شريكة الولايات المتحدة أيضا، تخشى من الوقوع في مرمى نيران سياسات ترامب الهادفة للضغط على إيران.
ويرغب ترامب في أن يقطع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع إيران. وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن البنك المركزي العراقي منع خمسة بنوك خاصة إضافية من الحصول على الدولار بعد طلب من وزارة الخزانة الأمريكية.
ولدى إيران نفوذ عسكري وسياسي واقتصادي كبير في العراق تمارسه عبر جماعات مسلحة شيعية وأحزاب سياسية مدعومة منها. لكن الضغوط الأمريكية المتزايدة تأتي في وقت تراجعت فيه قوة إيران بسبب هجمات "إسرائيل" على الجماعات المسلحة المدعومة منها أو المتحالفة معها في المنطقة.
وازداد تهريب النفط من إقليم كردستان العراق إلى إيران في شاحنات بعد إغلاق خط الأنابيب الذي كان ينقل الخام إلى ميناء جيهان التركي في 2023. وقال ستة من المصادر إن الولايات المتحدة تحث بغداد على الحد من ذلك التهريب.
وأفادت رويترز في تموز/ يوليو بأن شاحنات تتولى تهريب ما يقدر بنحو 200 ألف برميل يوميا من الخام منخفض السعر من كردستان العراق إلى إيران، وبدرجة أقل إلى تركيا. وقالت المصادر إن الصادرات ظلت عند ذلك المستوى تقريبا.
وقال مسؤول عراقي في قطاع النفط ومطلع على شحنات الخام التي تعبر إلى إيران "تضغط واشنطن على بغداد لضمان تصدير الخام الكردي إلى الأسواق العالمية عبر تركيا بدلا من بيعه بثمن منخفض إلى إيران".
وبخلاف زيادة التهريب عبر إيران بعد إغلاق خط الأنابيب، أشارت رويترز في العام الماضي إلى ازدهار شبكة أكبر يقدر بعض الخبراء أنها تجمع مليار دولار سنويا على الأقل لإيران والجماعات المتحالفة معها في العراق منذ تولى السوداني منصبه في 2022.
وأكد مسؤولان في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة العراقية استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان. وقال أحدهما إن الخطوة ستساعد في تخفيف الضغوط التي تؤدي إلى زيادة أسعار النفط.
وردا على سؤال عن ضغوط الإدارة على العراق قال مسؤول في البيت الأبيض "ليس من المهم للأمن الإقليمي فقط أن يُسمح لشركائنا الأكراد بتصدير نفطهم، بل وأيضا للمساعدة في الحفاظ على انخفاض سعر الوقود".
وكان هناك تعاون عسكري وطيد بين السلطات في إقليم كردستان والولايات المتحدة خلال الحرب على تنظيم الدولة.
واستأنف ترامب حملة "أقصى الضغوط" على إيران بعد أيام من عودته للبيت الأبيض في يناير كانون الثاني. وإضافة إلى الجهود الرامية إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، أمر ترامب وزير الخزانة الأمريكي بضمان عدم قدرة إيران على استخدام النظام المالي العراقي.
ووعد ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض بخفض تكاليف الطاقة للأمريكيين. ومن الممكن أن يؤدي الانخفاض الحاد في صادرات النفط من إيران إلى ارتفاع أسعار الخام، مما سيؤدي إلى زيادة أسعار البنزين في جميع أنحاء العالم.
واستئناف الصادرات من كردستان سيساعد في تعويض بعض الخسارة التي قد تلحق بالإمدادات العالمية بسبب انخفاض الصادرات الإيرانية، لكنه لن يعوض سوى حصة ضئيلة من أكثر من مليوني برميل يوميا من النفط الخام والوقود الذي تشحنه إيران.