أكثر من 80 مليون شخص فقدوا حياتهم خلال حربين عالميتين فى النصف الأول من القرن العشرين، بينهم 28 مليون جندى وفرد مقاتل، بينما كان غالبية الضحايا من المدنيين، الذين بلغ عددهم حوالى 53 مليون شخص، الأمر الذى فتح باب النقاش أمام فكرة إنشاء آلية دولية مهمتها وقف واحتواء النزاعات المسلحة بين الدول، وصولاً إلى تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وعندما أوشكت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء فى عام 1945، كانت غالبية دول العالم فى حالة «خراب»، وكان العالم يريد السلام، فاجتمع ممثلو 50 دولة فى مؤتمر الأمم المتحدة حول التنظيم الدولى فى سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فى الفترة من 25 أبريل إلى 26 يونيو من نفس العام.

وعلى مدار الشهرين التاليين، شرع ممثلو هذه الدول فى صياغة ميثاق الأمم المتحدة، ثم التوقيع عليه، الأمر الذى أدى إلى إنشاء منظمة دولية جديدة، أطلق عليها «الأمم المتحدة»، التى كان من المأمول أن تمنع نشوب حرب عالمية أخرى، مثل تلك الحرب التى عايشوها للتو، وبعد نحو أربعة أشهر من انتهاء مؤتمر سان فرانسيسكو، بدأت الأمم المتحدة عملها رسمياً فى 24 أكتوبر 1945، بعد أن صادقت الصين وفرنسا والاتحاد السوفيتى والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على ميثاقها، إضافة إلى الموقعين الآخرين. إلا أنه بعد 79 عاماً من إنشائها، لا تزال الأمم المتحدة تسعى للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، وحماية حقوق الإنسان، والتمسك بالقانون الدولى، ولكن هل نجحت المنظمة، التى تجمع فى عضويتها نحو 192 دولة، فى تحقيق الهدف الذى أنشئت من أجله، أم أن الأزمة الراهنة الناتجة عن العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين فى قطاع غزة، وفى جنوب لبنان، جاءت لتكشف عن أزمات وإخفاقات لدى مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بحفظ السلام والأمن الدوليين؟

الدكتورة سماء سليمان، وكيل لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، أكدت لـ«الوطن»، أن الأمم المتحدة تحاول جاهدة أداء دورها المنوطة بتنفيذه فى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، مشيدةً بدور الأمين العام، أنطونيو جوتيريش، ومحاولاته الدائمة للحد من التوترات والصراعات فى أنحاء العالم، خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط، وأكدت أن الهيكل الأساسى لمنظمة الأمم المتحدة وأجهزتها، حال استخدام سلطاتها طبقاً للقانون الدولى، فإنها كفيلة بتحقيق السلم والأمن الدوليين، معتبرةً أن حق النقض «الفيتو» أضر بمنظومة عمل المنظمة الدولية، واستخدم فى حسابات سياسية بعيدة عن أهداف القانون الدولى وحفظ الأمن والسلام فى الأرض.

وأوضحت وكيل لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تمثل 193 دولة، رفضت العدوان الإسرائيلى على غزة، وصوتت أكثر من مرة انحيازاً للحق الفلسطينى، إلا أنها أشارت إلى أن قرارات الجمعية العامة «غير ملزمة للأسف»، وأضافت «سليمان» أن الجمعية العامة بحاجة لتعديل ميثاقها، لتكون القرارات التى تصدر بأغلبية الأعضاء ملزمة وواجبة النفاذ، مع إيجاد آليات أقوى لمحاسبة من يخالف هذه القرارات ويضرب بها عرض الحائط، وطالبت بإعادة تشكيل المشهد العالمى، حتى تتمكن المنظمة من تحقيق أهدافها التى أنشئت من أجلها، وتحقيق السلم والأمن الدوليين، والحفاظ على السلام العالمى، بعيداً عن سيطرة أو هيمنة قوى تساند دولاً أخرى تخالف القانون الدولى، وترتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية على مرأى ومسمع من العالم أجمع، بدون أى رادع، وتواصل انتهاك القانون الدولى، الذى توافقت عليه دول العالم، ويعتبر الدستور الذى يحكم العلاقة بين الدول والشعوب. من جانبه، قال الدكتور حسام الدين محمود، الباحث فى العلاقات الدولية، ورئيس مركز أفريقيا للتخطيط الاستراتيجى، إن المجتمع الدولى كافة يقف عاجزاً أمام ما يحدث فى الشرق الأوسط، معتبراً أن من أغرب المواقف الدولية هو تراجع دور الأمم المتحدة، ووقوفها صامتة وعاجزة أمام ما يحدث فى الشرق الأوسط، والأحداث الجارية شرقاً وغرباً منذ عام ونصف حتى الآن، بدايةً من الإشكالية التى وقعت فى السودان وشرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقى، وصولاً للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إضافة إلى الحرب الضارية، التى قد يكون جزء منها خفياً وآخر واضحاً، وهى الأزمة الإسرائيلية الإيرانية، ودخول محور المقاومة بالكامل فى مواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلى.

وأشار «محمود» إلى وجود أسباب واضحة لاندلاع حرب شاملة فى المنطقة، لافتاً إلى أن الجهة الأولى المعنية بمحاولات وقف هذه الحالة هى الأمم المتحدة، وشدد على ضرورة العمل على إصدار قرار عاجل بوقف إطلاق النار بضمانات والتزامات كاملة بين الأطراف، وأضاف أن الأمم المتحدة كانت تستطيع فى الفترة ما بعد 7 أكتوبر 2023 أن يكون لها دور كبير فى أزمة الحرب على غزة، ولكنها تراجعت عن دورها المنوطة به، ووصف ذلك التراجع فى دور الأمم المتحدة خلال الأزمة الحالية، بأنه «مشين ومؤسف»، وتابع أن المنطقة العربية والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا ترى أن منطقة الشرق الأوسط تتحول إلى ساحة حرب، بينما ترى الأمم المتحدة ذلك وتتراجع بخطاها إلى الخلف.

ولفت الباحث فى العلاقات الدولية إلى أن الأمم المتحدة تعانى من الضعف حالياً، وتعانى أيضاً من التفاف بعض القيادات داخل المنظمة، والتى تقف ضد أن تكون منطقة الشرق الأوسط آمنة، بالإضافة إلى الصراع الدولى والإقليمى، وضرب المثل بالدور البارز للأمم المتحدة فى أزمات سابقة، مثل حربى الخليج الأولى والثانية، حيث كان دورها قوياً ومؤثراً، وطالب «محمود» بتغيير نظام الأمم المتحدة بقوله إن «العالم يحتاج إلى نظام دولى جديد، ويحتاج إلى منظمة جديدة، يكون فيها قادة العالم متساوين، ويستطيعون إيقاف نزيف الحروب فى المناطق المشتعلة عبر العالم».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمم المتحدة مجلس الأمن فلسطين غزة الاحتلال لبنان أمريكا إسرائيل والأمن الدولیین الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

روسيا .. محطة أخرى

زيارة المقام السامي إلى روسيا تلبية لدعوة الرئيس فلاديمير بوتين التي بدأت اليوم، محطة أخرى فـي جولات جلالة السلطان لعواصم العالم المؤثرة سياسيا واقتصاديا، وهي أول زيارة لسلطان عمان إلى موسكو بعد أن تبادلت الدولتان الاعتراف الرسمي فـي 25- 9- 1987م، وتبادل السفراء منذ عام 1987 هذه الزيارة لروسيا التي ورثت القيصرية والاتحاد السوفـييتي وتبلغ مساحتها 17,017,400 كيلومتر مربع كأكبر دولة فـي العالم مساحة بنسبة ثمن مساحة الكرة الأرضية، وتعد تاسع دولة من حيث عدد السكان البالغ 143 مليون نسمة.

روسيا التي أدت دورا حضاريا وسياسيا وعسكريا فـي بناء الحضارة البشرية، تعد مهد الفلاسفة والفنون والتجارة والسياحة والصناعة العسكرية والمدنية والرياضة، اليوم هي واحدة من أقطاب العالم، ذات مواقف واضحة وقرار مستقل لا تتأثر بضغوط اللوبيات التي تحرفها عن أهدافها وتسهم فـي السلام العالمي. فـي زيارة الدولة هذه للمقام السامي لجلالة السلطان تتساوى فـيها اهتمامات المسارات السياسية والاقتصادية نظرا لحجم روسيا، فهي ذات الثقل الدولي، وكلاهما يؤثر فـي صناعة القرار السياسي وأسواق العالم، كما أنها تمثل حالة توازن بين الشرق والغرب وتنحاز إلى الجانب الذي ترى أنه يخدم البشرية. خلال الزيارة كما هو معلوم توقع الدولتان على مجموعة من مذكرات التعاون التي تهدف إلى الاستفادة من الخبرات العلمية والعملية وتعزيز الجانب التجاري والسياحي ورفع أرقامها خلال المرحلة المقبلة وإقامة مشاريع مشتركة فـي عدد من القطاعات.

كما أن البلدين سيبحثان الأوضاع السياسية والأمنية كالحرب الروسية الأوكرانية والأوضاع فـي الشرق الأوسط، خاصة ملف الإبادة للاحتلال فـي قطاع غزة والمحادثات الإيرانية الأمريكية من خلال الوساطة العمانية وأيضا جهود حفظ ممرات الملاحة البحرية وطرق التجارة فـي مضيقي هرمز وباب المندب.

أهمية هذه الزيارة أنها ستركز على توحيد الجهود والتشاور لتعزيز الأمن والاستقرار فـي منطقة الشرق الأوسط من خلال الحوار البنّاء الذي يؤدي إلى ترسيخ السلم الدولي.

محطة موسكو تأتي ضمن جهود جلالة السلطان -حفظه الله- فـي تفعيل العلاقات السياسية والتجارية خاصة مع روسيا وبعد زيارته لهولندا مؤخرا، الهادفة إلى رفع وتيرة التبادل الاقتصادي بين مسقط وموسكو إلى أرقام أكبر من 133 مليون ريال عماني (346 مليون دولار أمريكي)، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال المزيد من التبادل التجاري بين البلدين، والحرص على تشجيع الاستثمار وبناء الشراكات التجارية.

مقالات مشابهة

  • سوريا تسعى للإعمار عبر محادثات مع صندوق النقد والبنك الدوليين
  • الأمم المتحدة تحذر من توسع عمليات الاحتيال الآسيوية عبر الإنترنت عالميًا بفعل تشديد الإجراءات الأمنية
  • الأمم المتحدة تحذّر: عمليّات احتيال بقيمة 35 مليار يورو مركزها آسيا وتنتشر في أنحاء العالم
  • جمعية الشرق الأوسط للقيادة تحتفل بـ15 عاما من الإنجازات
  • روسيا .. محطة أخرى
  • الامم المتحدة تبدي قلقها من الاحتيال الالكتروني: تتوسع على مستوى العالم
  • أمريكا: إبلاغ الطلاب الدوليين عبر البريد بإلغاء تأشيراتهم وضرورة مغادرتهم ذاتيًا...ما يجب معرفته
  • انجاز جديد.. وكالة الفضاء المصرية تستضيف اجتماع مجلس إدارة منظمة "راسكوم" الإفريقية كخطوة جريئة نحو التكامل وتوحيد الجهود بعد عقود من المبادرات المتفرقة التى أطلقتها دول القارة على نحو منفرد
  • منظمة يونيسف: أطفال غزة مهددون بالموت ما لم تتوقف الحرب وتدخل المساعدات
  • الأمم المتحدة: القطاع يواجه كارثة إنسانية متصاعدة بفعل الحصار.. 595 طفلًا و308 امرأة ضحايا شهر من الإبادة الجماعية