لجريدة عمان:
2024-10-22@18:53:03 GMT

دماء غزّة ولبنان والاشتغال بالطائفيّة

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

لا يمكن لعقل أن يجمع بين إبادة، وليست حربًا في الواقع، وبين التّشفي، أو إشغال الواقع بالانقسامات الطائفيّة، ففي وقت الرّخاء النّاس متساوون في جوهرهم، والمحافظة على وجودهم باعتبار ذاتهم الإنسانيّة، والّتي لها حقّ المساواة في الحياة والوجود، وحقّ العدل في التّمتع بالوجود، لما يرتبط الحقّان – أي المساواة والعدل – بحق تحقّق الكرامة الإنسانيّة الواحدة، فإن كان هذا في الرّخاء؛ فهو أولى أن يكون في الشّدّة، فكيف والحال متعلّق بإبادة وحرب عبثيّة لا تفرق بين أحد، ولا ترحم صغيرا ولا شيخا ولا امرأة ولا أيّ مدنيّ لا ذنب له.

إنّ غياب النّزعة الإنسانيّة في التّعامل ودراسة هذه القضايا من الخارج هي الّتي تقود إلى الرّؤى الضيّقة، ومنها استحضار الطائفيّة، والتي ينبغي أن يتجاوزها العقل الإنسانيّ بما فيها الواقع الإسلاميّ والعربيّ، فالأديان والمذاهب ألبسة يلبسها الإنسان غالبًا بعد ولادته، كأيّ لباس آخر من ثقافة وعادات وتقاليد، فله حريّته في دينه ومذهبه وتوجهه باعتبار ذلك قيمة إضافيّة متعلّقة بذاته الإنسانيّة الواحدة، وليس باعتبار نزعته الأصليّة المتناغمة مع الوجود، والتي لا تمايز فيها بين أحد في الجوهر، فهي عابرة للهويّات والانتماءات والإثنيات، وبها نتعامل في السّلم والحرب، والشدّة والرّخاء تعاملا واحدا كذاتٍ مكرّمة لا تمايز لأحد فيها.

إنّ العيش في صندوق الطائفيّة لابدّ أن يتجاوزه العقل الأفقيّ أو الجمعيّ في العالم العربيّ، وما تقوم به السّياسات أو الإعلام الممنهج لا يتحقّق لها استحضار ذلك إلّا نتيجة ما تجده من قاعدة أفقيّة حاضنة لهذا الوضع الطائفيّ، لهذا نحن بحاجة اليوم أن نوجد خطابًا ذا نزعة إنسانيّة مشتركة به نفهم حركة النصّ الدّينيّ ومتعلّقات الاجتماع البشريّ في المنطقة، فموضوع الطائفيّة ينتعش ويظهر في الشّدّة؛ لأنّه هو المتعلق بالعقل الجمعيّ وليس النّزعة الإنسانيّة كما يرى محمّد الرميحيّ «أنّ موضوع الطّائفيّة قد انتعش... فلم ينجح أيّ سنيّ مثلا رشح نفسه في منطقة انتخابيّة أغلبها شيعة، وكذلك لم ينجح أيّ شيعيّ في منطقة انتخابيّة أغلبها سنّة، على الرّغم من الشّعارات والدّعم الوطنيّ، وأصبح تقليدا أنّ هناك دوائر مغلقة على قبيلة أو طائفة محدّدة».

ويرى حليم بركات في كتابه المجتمع العربيّ المعاصر أنّ «النّظام العام، والثّقافة السّائدة على اعتبار المواطن سنيّا أو شيعيّا أو درزيّا أو علويّا أو شافعيّا أو زيديّا أو إسماعيليّا أو قبطيّا أو أرثوذكسيّا أو كاثوليكيّا أو مارونيّا... أكثر ممّا يصرّ على اعتباره مواطنا بالدّرجة الأولى، من هنا أهميّة الدّعوة للعلمنة»، بيد أنّ العلمنة في نظري لا تحقّق قيمتها إذا لم تنطلق من النّزعة الإنسانيّة الواحدة، وإلّا «فقد عمدت الإمبرياليّة إلى تعزيز الطّائفيّة... وترسيخها في خدمة مصالحها، والإبقاء على سيطرتها»، واستغلالها لخيرات هذه الشّعوب، وخلق الصّراعات والحروب فيها، وتمكين كيانات عبثيّة تسعى لخرابها كما في فلسطين من الكيان المحتل، وما يحدثه حاليًا من إبادة في غزّة، ودمار في لبنان وباقي فلسطين.

ما نراه حاليًا في وسائل التّواصل الاجتماعيّ من استحضار الطائفيّة من جديد، وفتح ملفات لصراعات سياسيّة حصلت بعد حادثة السّقيفة (11هـ)، وإعادة بعث بعض الجدليّات حول الصّحابة، وبعض الخلافات الكلاميّة والفقهيّة، وتوظيفها في هذا السّياق، وهو سياق ينبغي أن نتجاوز فيه جميع الخلافات، وأن يكون التّركيز فيه على قضيّة الإنسان في فلسطين أو لبنان، باعتباره إنسانا يتعرّض لإبادة وحرب همجيّة، يجب حمايته والدّفاع عنه، وليس إشغال الإعلام بهذه الجدليّات الطائفيّة.

إنّ استحضار الطّائفيّة في هذه القضيّة الإنسانيّة إذا لم يقف ضدّها العقلاء، ويستبدلونه بخطاب إنسانيّ عالمي واحد؛ لن يتوقف ضرره إذا تحول كحالة جمعيّة عند هذه القضيّة، ولن يقتصر عند مناطق الحرب والإبادة، فيمتد لساحات جغرافيّة أوسع كما يرى محمّد محفوظ في مقاله الدّولة والطّائفيّة وإشكاليّات الوحدة والسّلم المجتمعيّ، والذي نشر في مجلّة الكلمة، فيرى أنّ «لجوء تعبيرات المجتمع لهذه العناوين [الطّائفيّة] يعكس... أزمة عميقة تعيشها المجتمعات العربيّة كلّها، إذ تلاشت أو اضمحلت عناوين ويافطات الانتماء السّياسيّ الحديث، واستبدلت بعناوين طائفيّة عصبويّة، تزيد من حالة التّوتر الاجتماعيّ، وتعيد إنتاج أزمات المجتمعات العربيّة بمحن ومشاكل ذات طابع تأريخيّ مليء بالأحقاد والإرث الدّامي للعلاقة بين الطّوائف الإسلاميّة في حقب التّخلّف الحضاريّ... فالأحقاد الطائفيّة تصنع مبررات ومسوّغات استخدام العنف في الحياة العامّة... الّذي يدمر الإنسان والمجتمع والبنية الأساسية للحياة الكريمة بكلّ تفاصيلها».

لهذا يجب اليوم على أصحاب الأقلام المتنورة، ومن المؤثرين دينيّا وثقافيّا واجتماعيّا، تفكيك بنية هذا الخطاب الطّائفيّ، والعودة إلى الخطاب الإنسانيّ المشترك، كما يجب مواجهة هذه الخطابات الشّعبويّة، والجيوش الإلكترونيّة – إن صح التّعبير -، والّتي تحاول إرجاع خطابات الكراهيّة والطّائفيّة من جديد، واستغلال الحالة غير الإنسانيّة الّتي تعيشها فلسطين ولبنان في توسيع دائرة الانقسام المذهبيّ، خصوصا وأنّ العقل الجمعيّ اليوم أصبح مستقبلًا بشكل كبير من المقاطع القصيرة، والتّغريدات والرّسائل السّريعة، والّتي تحمل مضامين طائفيّة تدعو إلى التّعصّب والكراهيّة، واستحضار خلافات تأريخيّة ولاهوتيّة وفقهيّة، كما يجب استخدم ذات الأدوات في نشر أهميّة الإحياء، ومقاومة ظلم الإنسان، وبعث النّزعة الإنسانيّة الواحدة، وعدم الاقتصار عند الكتب والمقالات الطّويلة، فالوضع اليوم يحتم علينا تجاوز هذه المرحلة بروح نقديّة وإحيائيّة، ونقترب من الذّات الإنسانيّة الواحدة، بحيث يتشكل وعي أفقيّ جمعيّ يؤثر على الحراك الاجتماعيّ، والقرار السّياسيّ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة الإنسانی ة الطائفی ة ة الإنسان

إقرأ أيضاً:

مؤتمر باريس للدعم الإنساني هكذا يراه اللبنانيون

بيروت- في ظل العدوان المستمر على لبنان والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهه، تستعد باريس لاستضافة مؤتمر دولي في 24 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحت شعار "دعم سيادة لبنان وشعبه" بهدف حشد جهود المجتمع الدولي لدعم الشعب اللبناني وتعزيز قدرات الجيش على مواجهة التحديات المتزايدة.

وأعلنت الخارجية الفرنسية أن المؤتمر، الذي يأتي بمبادرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، سيشهد مشاركة واسعة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات دولية وإقليمية وأخرى غير حكومية، لتقديم الدعم الضروري للبنان في هذه المرحلة الحرجة.

وتتجلى أهمية هذا المؤتمر في انعقاده في باريس، إحدى أبرز العواصم المُلمة بالشأن اللبناني، وفي توقيته الحاسم، إذ يأتي بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى الشرق الأوسط شملت لبنان والسعودية وقطر والأردن وإسرائيل، حيث أجرى اتصالات دبلوماسية مهمة.

تطلعات فرنسية

أما بنود المؤتمر فتشكل محورا أساسيا، حيث تسعى للاستجابة لحاجات الشعب اللبناني في مجالي الحماية والمساعدات، إضافة إلى بحث سبل دعم الجيش باعتباره أحد ضامني الاستقرار الداخلي. كما يهدف المؤتمر إلى التذكير بضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي يمكّن من عودة النازحين وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 1701. ودعم الجهود الرامية إلى انتخاب رئيس في لبنان.

ويرى المحلل السياسي جورج علم أن هذا المؤتمر يشكل حلقة مهمة في إطار الاهتمام الفرنسي الخاص بلبنان، وأن فرنسا تُعد الدولة الكبرى الوحيدة العضو في مجلس الأمن التي تُظهر اهتماما جادا بلبنان، والذي يأتي رغم ضعف إمكانياتها الدبلوماسية مقارنة بالولايات المتحدة التي تُعتبر القوة الأكبر بهذا السياق.

وتوسيعا لهذا الاهتمام، يؤكد علم -للجزيرة نت- أن المؤتمر ينطوي على 3 أبعاد رئيسية هي:

البعد الأول: يتمثل في السعي الفرنسي لوقف إطلاق النار مستندا إلى الموقف الحكومي الرسمي الصادر من بيروت، ارتباطا بالاجتماع الثلاثي الذي جمع رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. البعد الثاني: يرتكز أيضا على البيان الأميركي الفرنسي الذي وافقت عليه الدول العشر النافذة، والداعي إلى وقف إطلاق النار، وتنفيذ القرار 1701، وضمان السيادة اللبنانية في الجنوب. لذلك، يعتبر علم أن هذا البعد يمثل تعبئة دولية للضغط على كل من إسرائيل وإيران للتوصل إلى وقف إطلاق النار في الجنوب. البعد الثالث: يركز على تعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، وخاصة الجيش، ويرى علم أنه يجب تمكين الجيش من أداء واجباته بالجنوب بعد تنفيذ القرار 1701. وهذا يضمن أن تكون الأوامر العسكرية تحت قيادة الجيش وليس تحت إشراف أي طرف آخر.

ضرورة ملحة

وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، يشير المحلل السياسي إلى أهمية توفير الاحتياجات الأساسية للبنان، والتي تشمل الأغذية والأدوية والرعاية الصحية. ويؤكد أنها ضرورية لدعم نحو 1.3 مليون نازح لبناني، وأن هذا الدعم يمثل ضرورة ملحة لضمان استقرار الوضع الإنساني في البلاد.

ويتساءل علم حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى إفشال هذا المؤتمر عبر تصعيد عسكري كبير بالمنطقة، ويعتبر أن هذا التصعيد قد يؤدي إلى توجيه ضربة لإيران لها تداعيات خطيرة. وبالتالي، يظل المشهد العسكري طاغيا على المشهد الدبلوماسي مما يثير القلق بشأن المستقبل.

وفي سياق الجهود الإقليمية، يذكر علم أن هذا المؤتمر يتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان وتبادل الأسرى. كما يُتوقع وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت وإسرائيل للعمل على تهدئة أوضاع الجنوب.

إضافة إلى ذلك، يشير المحلل السياسي إلى زيارة أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى بيروت لتشجيع المسار السياسي الذي اعتمدته الحكومة اللبنانية للتوصل إلى وقف النار، وذلك في إطار عدم خضوع لبنان لأي وصاية خارجية، خاصة بعد الرفض الذي عبر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاقتراح رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف.

وكان ميقاتي قد استنكر تصريحات سابقة لقاليباف عن استعداد إيران للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار 1701، واعتبر ذلك تدخلا في الشأن اللبناني، وطلب استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت.

دعم ورهانات

بينما يرى المحلل السياسي إبراهيم حيدر أن لقاء باريس يختلف عن المؤتمرات الأخرى، حيث إنه يقام بدعوة فرنسية بهدف تقديم مساعدات إنسانية وليس للبحث في وقف إطلاق النار. ويشير إلى أنه قد يتم إجراء مشاورات أو مباحثات بشأن التصعيد في جنوب لبنان والدفع نحو تطبيق القرار 1701.

وباعتقاده، فإن هدف المؤتمر الأساسي هو توفير مساعدات ودعم مالي للبنان وحشد الدعم للجيش خصوصا إذا استمرت الحرب فترة طويلة، استعدادا للمرحلة المقبلة. ويلفت لأهمية أن يراهن لبنان على المؤتمر في توفير المساعدات وتأمين الدعم الأوروبي الضروري، خاصة في ظل موقف مغاير للولايات المتحدة التي تسعى لتعديل هذا القرار.

أما بشأن الموقف الأميركي، يقول حيدر -للجزيرة نت- إن لبنان ينتظر مشاركة أميركية فعالة، والتي لم تتحدد بعد، ويعتبرها مؤشرا أساسيا لنجاح المؤتمر في توفير مظلة سياسية للبنان وحمايته من الحرب الإسرائيلية.

ومن جهة أخرى، يشير حيدر إلى أنه لا يوجد رهان كبير على ما يمكن أن يحققه المؤتمر بخلاف الدعم، حيث لا توجد توقعات بأن يكون مدخلا واضحا لوقف إطلاق النار، خاصة مع سعي إسرائيل لقطع الطريق أمام فرنسا وأوروبا للعب أي دور بالمفاوضات، وللضغط على قوات حفظ السلام الدولية (يونيفيل).

ويشدد حيدر على ضرورة مراقبة التمثيل الأميركي بالمؤتمر وما إذا كان بلينكن سيشارك شخصيا، كمؤشر للضغط لوقف النار. ويشير إلى أن إسرائيل تعمل على منع الفرنسيين من أداء أي دور في الحلول المرتبطة بالجنوب اللبناني، وذلك عقب المواقف الأخيرة التي أعلنها ماكرون والتي انتقدت إسرائيل، مما يبعد باريس عن أي دور في المفاوضات.

مقالات مشابهة

  • قطعوه أشلاءً ورموه في البئر.. جريمة مروعة في العراق
  • دماء الأحرار
  • دماء على الرباط المقدس .. سائق ينهي حياة زوجته بالخانكة
  • الضربات الإسرائيلية تحيي الصراع الطائفي في بيروت المنقسمة
  • دماء القادة.. بركان متجدد يحرق الطغاة المستكبرين
  • مؤتمر باريس للدعم الإنساني هكذا يراه اللبنانيون
  • دماء علي قرط ذهبي .. يحيل المتهم إلي حبل مشنقة عشماوي
  • الضمير الإنساني تحت أنقاض غزة
  • متظاهرون بجنيف: "إسرائيل" قامت على دماء الفلسطينيين