لجريدة عمان:
2025-02-22@20:19:02 GMT

لعنة حرب نتنياهو

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

في السابع والعشرين من سبتمبر، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة يحكي نبوءة عمرها آلاف السنين إذ قال: «إن موسى [عليه السلام] قد قال لنا [نحن بني إسرائيل] إن أفعالنا هي التي ستحدد ما إذا كنا سوف نورث لأجيال المستقبل النعمة أم النقمة». وتبدو هذه الكلمات القديمة اليوم صادقة إلى حد مخيف.

فبعد تدمير الأجهزة العسكرية والمخابراتية لحماس وحزب الله وتشتيت قيادتيهما، وبالقرب من توجيه ضربة أخرى لإيران، وصل نتنياهو إلى لحظة طالما حلم بها، وهي اللحظة التي تسنح فيها فرصة يتصور أنها قادرة على تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط. لكن تراه بدلا من ذلك سيدفع بالمنطقة إلى هاوية؟

بعد عام من تبادل للهجمات بدأ بإطلاق حزب الله الصواريخ على إسرائيل في الثامن من أكتوبر سنة 2023، ومع نزوح أكثر من ستين ألف إسرائيلي من منازلهم في الشمال، صرف بنيامين نتنياهو انتباهه إلى لبنان. ومن خلال اغتيال حسن نصر الله وقادة كبار آخرين في حزب الله إلى جانب استمرار الهجوم البري، وضعت إسرائيل حزب الله في موقف تكتيكي سيئ لا سبيل فيما يبدو إلى إصلاحه. غير أن التكلفة على لبنان كانت باهظة إلى حد مأساوي، وذلك بسبب تشريد أكثر من ربع السكان حتى الآن فضلا عن مصرع أكثر من ألفي لبناني. وقد قال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان، عمران رضا: المرافق الصحية والمساجد والأسواق التاريخية والمجمعات السكنية بل والمباني الحكومية الآن قد «تحولت إلى أنقاض»، وأكد أنه لا ينبغي استهداف المدنيين والبنية الأساسية المدنية. غير أن هذا القصف العقابي للمدن اللبنانية لم يقلب اللبنانيين على حزب الله كما تمنى بنيامين نتنياهو، بل يبدو أنه عزز اتحادهم على معارضة العدوان الإسرائيلي.

في غزة، يستمر الوضع في الشمال في التدهور بسرعة. حيث يواجه السكان هناك مرة أخرى خطر المجاعة بعد تصاعد العنف من جراء ملاحقة إسرائيل لمقاتلي حماس. وفي غمار غضب واسع النطاق بشأن الشاب الفلسطيني شعبان الدلو البالغ من العمر تسعة عشر عاما الذي احترق حيا في ساحة مستشفى في دير البلح بعد أن أشعلت غارة إسرائيلية النار في خيمة. أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رسالة إلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، بقائمة طويلة من الطلبات لتحسين الوضع الإنساني في غزة، والسماح بمزيد من المساعدات الدولية وتخفيف الضرر الذي يلحق بالمدنيين. وبموجب هذه الرسالة، التي تمثل لائحة اتهام للهجوم الإسرائيلي الذي دام عاما على قطاع غزة، فإن أمام إسرائيل ثلاثين يوما للامتثال للطلبات أو المخاطرة بتعريض المساعدة الأمريكية للخطر. لكن الملاحظ أن هذا الموعد النهائي يقع بعد الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر، ما يثير تساؤلات حول كونها محاولة للتأثير على الناخبين العرب والمسلمين والمناهضين للحرب أكثر من كونها ضغطا حقيقيا على بنيامين نتنياهو.

اليوم، تستعد إسرائيل مرة أخرى للرد على أحدث هجوم إيراني ضدها. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية مداولات مكثفة داخل المؤسسات السياسية والعسكرية الإسرائيلية بشأن نوع ومستوى الرد اللازم ليس فقط لمعالجة التهديد الحالي من جانب إيران ولكن أيضا لضمان ردع الجمهورية الإسلامية عن شن هجمات مستقبلية على إسرائيل. وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت هذه اللحظة بأنها «مجال فرصة المرة الواحدة»، ودعا علنًا إلى توجيه ضربة إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية وزعم أن ضعف حماس وحزب الله يجعل إسرائيل قادرة على التحرك ضد إيران دون خوف من رد فعل «رهيب ولا يطاق».

ثمة أصوات بارزة خارج إسرائيل تردَّد فيها صدى لتقدير بينيت. ففي الولايات المتحدة، قال السيناتور الجمهوري المتشدد ليندسي جراهام: الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل يستحق «ردًا ساحقًا»، داعيًا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التنسيق مع إسرائيل للهجوم على مصافي النفط الإيرانية. غير أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تظل متوخية الحذر، خوفًا من اندلاع حرب إقليمية شاملة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير قبل أسابيع قليلة من انتخابات أمريكية ذات أهمية تاريخية. وهكذا حث فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن، من جانبه، بنيامين نتنياهو على تجنب الأهداف النووية ومصافي النفط. ويبدو أن بنيامين نتنياهو أصغى لهم، حيث أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن إسرائيل لن تضرب أيا من هذه الأهداف ولكنها سوف تقصر ردها على الأهداف العسكرية داخل إيران.

قد تتقبل إيران الهجوم على الأهداف العسكرية باعتباره ضربة مضادة مقبولة ومحدودة، بما يوفر الارتياح للشعوب في جميع أنحاء المنطقة التي ظلت على حافة الهاوية لأكثر من عام الآن. وفي محاولة واضحة لتجنب التصعيد، صرح يوآف جالانت أنه على الرغم من أن رد إسرائيل سيكون «دقيقا ومؤلما ومفاجئا»، إلا أنه قال أيضا: إسرائيل «غير مهتمة بفتح جبهات أو صراعات إضافية». وجاء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الأخير بنشر نظام بطارية (ثاد) المضاد للصواريخ الباليستية في إسرائيل إلى جانب مائة من أفراد الجيش الأمريكي، والذي قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إنه يؤكد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل، ليسهم بلا شك وبشكل كبير في تليين مواقف بنيامين نتنياهو وجالانت تجاه إيران.

وفي حين أنه يمكن أن تغير إسرائيل مسارها في اللحظة الأخيرة وتقرر ضرب أهداف إيرانية أكثر حساسية، يبدو في الوقت الحالي أن الحرب الشاملة التي يخشاها الكثيرون قد تُجتنب. غير أن هذا لا يعني أن إسرائيل أقرب إلى تحقيق أهدافها الأمنية بعيدة المدى ولا يعني أنه بات من الآمن لسكان الشمال العودة إلى ديارهم. فمحاولة تدمير حزب الله وحماس عسكريا، وبالتالي إضعاف إيران أو ردعها، قد جاءت بثمن باهظ للغاية على المدنيين في المنطقة، وباتت العداوة لإسرائيل في أعلى مستوياتها على الإطلاق.

والآن بعد إضعاف خصومه عسكريا وقطع رؤوس الهياكل القيادية لحماس وحزب الله، يجب على بنيامين نتنياهو الآن أن يسارع بالتحول إلى مخرج دبلوماسي يجعل جميع الأطراف تضع أسلحتها وتتحرك نحو وقف لإطلاق النار. أما إذا استمر نتنياهو في تفضيل القوة المدمرة على الدبلوماسية، فسوف يتذكره التاريخ باعتباره الرجل الذي أورث اللعنة للأجيال القادمة، على حد تعبير موسى [عليه السلام].

ياسمين الجمل محللة مستقلة ومستشارة سابقة في البنتاجون

عن موقع نيوستيتسمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرئیس الأمریکی جو بایدن بنیامین نتنیاهو حزب الله أکثر من غیر أن

إقرأ أيضاً:

تعويلٌ على تشييع نصرالله... هل بدأت إيران بخسارة لبنان؟

شكّلت الحرب الأخيرة على لبنان ضربة لإيران، بسبب نتائجها السلبيّة على "حزب الله" الذي خسر أمينه العام حسن نصرالله، إضافة إلى قيام إسرائيل بتدمير أنفاق عديدة في الجنوب، والسيطرة على أعتدة عسكريّة تعود لـ"الحزب". وأتى إتّفاق وقف إطلاق النار ليمنع "المقاومة" من شنّ هجمات ضدّ المواقع الإسرائيليّة، على الرغم من أنّ الجيش الإسرائيليّ لا يزال يحتلّ 5 تلال لبنانيّة استراتيجيّة ولا يزال يستهدف البلدات الجنوبيّة ويقوم بعمليّات إغتيال في العمق اللبنانيّ.
 
كذلك، فإنّ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على سوريا، قطعت خطوط الإمداد بين إيران و"حزب الله"، وبات الأخير مُحاصراً وغير قادر على إدخال السلاح إلى لبنان. أمّا سياسيّاً، فلم يستطع "الثنائيّ الشيعيّ" انتخاب مرشّحه سليمان فرنجيّة، كما أنّه شارك في حكومة لم يُسمّ فيها رئيسها ولا أغلبيّة الوزراء التابعين له، وأصبح مضطرّاً للسير مع رئيسيّ الجمهوريّة ومجلس الوزراء لترجمة خطاب القسم والبيان الوزاريّ، عبر دعم الجيش وحده لحماية سيادة البلاد، والعمل ديبلوماسيّاً من أجل الضغط على العدوّ الإسرائيليّ للإنسحاب الكامل من الأراضي اللبنانيّة في الجنوب.
 
ولعلّ السياسة الجديدة المتّبعة في لبنان، ساهمت كثيراً في تراجع ليس فقط نفوذ "حزب الله"، وإنّما إيران أيضاً، فقد تمّ تعليق الرحلات الجويّة من طهران وإليها، بينما أمست الطائرات المدنيّة الإيرانيّة تخضع لتفتيش دقيق، خوفاً من إدخال الأموال إلى "الحزب"، وتهديد العدوّ بأنّه سيستهدف مطار بيروت الدوليّ إنّ استمرّ تدفق المال إلى "المقاومة".
 
وكانت حركة الإحتجاج والشغب على طريق المطار لا تُعبّر فقط عن الرفض القاطع لإملاءات إسرائيل على الدولة اللبنانيّة، وإنّما على الخطوات التي استهدفت إيران وتحدّ من نفوذها في لبنان. فبعد سوريا، تخشى طهران بشدّة خسارة لبنان إنّ لم تستطع إعادة تنظيم حليفها الشيعيّ في بيروت عبر إيصال السلاح والمال له لينهض من جديد، ويُشكّل تهديداً لامن تل أبيب.
 
من هنا، أتت إحتجاجات المطار التي قد تُستأنف بعد تشييع نصرالله وهاشم صفي الدين إنّ استمرّ تعليق الرحلات والتضييق على الخطوط الجويّة الإيرانيّة، لتُعبّر عن الغضب الشيعيّ من مُقاطعة إيران، الراعي الرسميّ لـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط. وبحسب أوساط سياسيّة، فإنّ تلك التظاهرات تحمل في طياتها خشية من أنّ ينجر لبنان إلى المحور الغربيّ، وإضعاف "حزب الله" في الداخل غبر الضغط سياسيّاً عليه، كما عبر قطع الأوصال بينه وبين طهران.
 
ويجد "حزب الله" نفسه بعد الحرب وبعد انتخاب رئيس الجمهوريّة وتشكيل الحكومة الجديدة في موقعٍ ضعيفٍ، وقد تُؤثّر الإنتخابات النيابيّة المُقبلة كثيراً عليه إنّ لم يستطع مع الدولة إعادة بناء القرى الجنوبيّة، وإنّ لم يتبدلّ المشهد في المنطقة لصالحه. فهناك رغبة في تهجير سكان قطاع غزة إلى دول مُجاورة بهدف القضاء على حكم "حماس" في القطاع، وإبعادها عن الحدود الإسرائيليّة، كما أنّ هناك مُخططا لضرب النوويّ الإيرانيّ، الأمر الذي سيُشكّل إنتكاسة كبيرة للنظام في طهران ولكلّ "محور المقاومة".
 
ويُعوّل "الحزب" كما إيران على أنّ يُشارك أكبر عدد مُمكن من الجمهور في تشييع نصرالله وصفي الدين غدا الأحد ، كما مُشاركة شخصيّات بارزة من طهران ومن الدول حيث تتواجد "فصائل المقاومة" مثل العراق واليمن، لإرسال رسالة واضحة إلى الخارج من أنّ "حزب الله" لا يزال شعبيّاً يُحافظ على قوّته، وأنّه لم ينتهِ في الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان، وأنّه سيظلّ ذراع طهران الأقوى في المنطقة. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • هل لا يزال نتنياهو يحلم بمشروع إسرائيل الكبرى؟
  • إيران تتوعد إسرائيل بالوعد الصادق 3.. الحرس الثوري يهدد بتدمير دولة الاحتلال
  • تعويلٌ على تشييع نصرالله... هل بدأت إيران بخسارة لبنان؟
  • باحثة سياسية: نتنياهو مضطر للوصول إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة بسبب الضغط الأمريكي
  • إيران: سنسوي إسرائيل بالأرض..هل اقتربت عملية الوعد الصادق3؟
  • خبير إستراتيجي: إسرائيل قد تضرب إيران عسكريا في هذه الحالة
  • العلاقات بين إسرائيل وتركيا تتأرجح.. بسبب إيران وحزب الله؟
  • تصعيد جديد.. إيران ترد على تهديدات نتنياهو ماذا فعلت؟
  • شاهد | نتنياهو يجري تغييرات في فريق التفاوض ، يماطل و يعتمد على الدعم الأمريكي المطلق
  • مصطفى وزيري: لم تحدث لعنة فراعنة .. ومزيد من المقابر المجهولة