إيطاليا تلتف على حكم قضائي وتصدر مرسوما يقلص عدد البلدان "الآمنة" للمهاجرين
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
أصدرت الحكومة الإيطالية مرسوما جديدا بهدف التغلب على العقبات التي قد يضعها القضاء ويمكن أن تعرقل اتفاق الهجرة المثير للجدل مع ألبانيا. وبموجب هذا المرسوم -الذي دخل حيز التنفيذ فورا- تقلص الحكومة قائمة البلدان التي تعتبر "آمنة": من 19 دولة إلى 22، بعد استثناء الكاميرون وكولومبيا ونيجيريا.
ويحدد المرسوم البلدان الآمنة التي يعترف بها، ويضع استثناءات على فئات معينة من الناس كالمنشقين السياسيين مثلا، أو على أجزاء من الإقليم.
وتبذل إيطاليا مساعي حثيثة لتنفيذ خطتها التي أعدتها مع ألبانيا للتعامل مع ملف المهاحرين، لتخفيف العبء الملقى على إيطاليا في استقبالها للاجئين، مع السماح لروما بإعادة المهاجرين الذين لم يحصلوا على اللجوء إلى البلدان "الآمنة" من خلال إجراء سريع.
ويتضمن الاتفاق احتجاز المهاجرين في مركز إعادة المهاجرين، ضمن خطة تتبعها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لإدارة هذا الملف.
يأتي هذا بعد أن لم يتمكن بعض المهاجرين من البقاء في مدينة غيادر الألبانية، عندما لم تصادق محكمة روما الجمعة الماضية على أول 12 مهاجرًا تم إرسالهم من إيطاليا، فأمروا بالعودة إليها، ونقلوا على إثر ذلك إلى مدينة باري الإيطالية. هذا بالإضافة إلى أربعة مهاجرين أعيدوا فعلا لأنهم "ضعفاء" ولكونهم قاصرين أو يعانون من مشاكل صحية.
كان أحد قضاة قسم الهجرة في محكمة روما أمر بإرسال المهاجرين إلى إيطاليا بسبب استحالة الاعتراف بالبلدان الأصلية "الآمنة" للمهاجرين المحتجزين، وفي هذه الحالة لا يمكن إعادة المواطنين من بنغلاديش ومصر إليهما، وعليهم البقاء في إيطاليا.
تم اتخاذ القرار"تطبيقًا للمبادئ الملزمة" الواردة في حكم محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 4 تشرين أول/ أكتوبر 2024. وقررت المحكمة أن أي بلد لكي يُعتبر آمناً فإنه يجب أن تكون كافة أرجائه آمنة، وتركت المحكمة مساحة للتقييم الخاص بالقضاء.
ومع ذلك، فإن القرار الوزاري المشترك الصادر في 7 أيار/ مايو 2024 -الذي كان يشمل قائمة من 22 بلدا آمنا- لا يحترم توصية القضاة الأوروبيين. وذلك بالرغم من كونه يمنح صلاحيات للسلطات الإيطالية لاختيار المهاجرين من بنغلاديش ومصر من أجل ضمان بداية "سلسة" للاتفاقية مع ألبانيا.
الحكم القضائي وقف في طريق الاتفاق الإيطالي الألبانيكان الحكم المتعلق بالـ12 مهاجرا بمثابة حجر وقف في طريق الاتفاق بين إيطاليا وألبانيا الذي يمتد لخمسة أعوام. ويشمل استضافة تيرانا ثلاثة آلاف مهاجر شهريا يأخذهم خفر السواحل الإيطالي من المياه الدولية. ثم يتم فحصهم من أجل الحصول على اللجوء المحتمل في إيطاليا أو إعادتهم إلى بلدانهم.
أصرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بقوة على الاتفاق، ودافعت عنه باعتباره "نموذجا" جديدا للتعامل مع الهجرة غير الشرعية. وهاجمت ميلوني الحكم الذي أصدره قضاة روما ووصفته بأنه "متحيز" ووعدت بالتغلب على أي عقبة قضائية.
في سياق آخر، أشار خبراء قانونيون إلى أن المرسوم الجديد الذي وافقت عليه حكومة ميلوني لا يمكن أن يكون كافيا لحل النزاعات المستقبلية المحتملة، لأن أحكام الاتحاد الأوروبي تسود على القوانين الوطنية المتضاربة.
أما وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي رفض الانتقادات يوم الاثنين قائلاً إن المرسوم الجديد يتماشى مع حكم محكمة العدل الأوروبية، ويأتي وفقًا للائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في عام 2026.
انقسام في إيطاليا حول حقوق المهاجرين قبل المرسوم الجديدكانت غالبية الحكومة متماسكة في الأيام الأخيرة في هذا الملف، وانتقدت تدخل القضاء باعتباره لا داعي له في مجال السلطة السياسية.
اعتبر وزير العدل والقاضي السابق كارلو نورديو حكم روما بأنه "غير طبيعي"، بينما نشرت رئيسة الوزراء بريدًا إلكترونيًا من نائب المدعي العام للمحكمة العليا ماركو باتارنيلو عندما كتب إلى زملائه في السلك القضائي: "لا توجد تحقيقات قضائية ضد ميلوني، وبالتالي هي لا تتحرك لمصالح شخصية ولكن لوجهات نظر سياسية، الأمر الذي يجعلها أقوى بكثير وأيضًا أكثر خطورة".
Relatedمسؤولة يونانية تتهم الاتحاد الأوروبي بالفشل في التعامل مع قضية الهجرة في ظل الحرب وتغير المناخبينهم مصريون.. إيطاليا ترسل "ليبرا" أول سفينة حربية تحمل دفعة أولى من المهاجرين إليها نحو ألبانيا إعادة 12 مهاجراً من ألبانيا إلى إيطاليا بعد صدور حكم قضائي يُبطل احتجازهموقال توماسو فوتي زعيم المجموعة في مجلس النواب عن حزب "فراتيلي ديتاليا" وهو حزب رئيس الوزراء يوم الاثنين: "المشكلة ليست مشكلة كفاءة، بل مشكلة مبادئ". وأضاف: "لا يمكن للقاضي العادي أن يقرر ما إذا كان البلد آمنًا أم لا، فهو شخص أعلى من القضايا الفردية".
ورد اتحاد الغرف الجنائية والرابطة الوطنية للقضاة -وهما المنظمتان اللتان تمثلان المحامين الجنائيين والقضاة في إيطاليا على التوالي- بأن القرار "يقتصر على تطبيق التشريعات الأوروبية ذات الصلة" ويتم مع مراعاة "احترام حقوق الناس وضماناتهم".
طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لأول مرة فكرة "مراكز العودة" في رسالة إلى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء الماضي، وتمت مناقشتها خلال قمة يوم الخميس.
يُعتقد أن الاقتراح مستوحى من الصفقة الأخيرة التي أبرمتها إيطاليا مع ألبانيا التي بموجبها يتم إرسال المهاجرين الذكور العازبين الذين اعترضتهم السلطات الإيطالية في البحر إلى مراكز في ألبانيا أثناء معالجة طلبات اللجوء الخاصة بهم. وذلك رغم قلة المعلومات المتوفرة حتى الآن.
وتعتبر دول مثل النمسا والدنمرك وهولندا وألمانيا داعمة للخطط، بالرغم من عدم اعتمادها بعد على مستوى الاتحاد الأوروبي.
انتقد رئيسا وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز وبلجيكا ألكسندر دي كرو هذه الدعوات علنًا، قائلين إنها مكلفة للغاية وفشلت في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية في الماضي.
أدت دعوات بعض الزعماء في الاتحاد الأوروبي إلى النظر في إنشاء مراكز لمعالجة الهجرة خارج أراضي الكتلة إلى انتشار معلومات مضللة.
ونشرت صحيفة التايمز البريطانية في أوائل تشرين الأول/أكتوبر مقالاً نقلاً عن دبلوماسي أوروبي، قال إن الكتلة "ستقيم معسكرات ترحيل في الدول المجاورة التي تريد الانضمام إلى للاتحاد كصربيا وألبانيا ومولدوفا".
أثار الأمر موجة من التقارير المضللة في مولدوفا، وفضح المتحدث باسم الحكومة في كيشيناو دانييل فودا، التقارير على قناته على تيليجرام وقال لصحيفة تايمز: "ظهرت قصة جديدة تدعي أن مولدوفا ستستضيف مركزًا لطالبي اللجوء المرفوضين الخاضعين لإجراءات الترحيل".
وأضاف "لنكن واضحين، الحكومة لا تناقش اقتراحا كهذا ولن تقبل مثل هذه الأفكار".
المصدر: euronews
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 روسيا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 روسيا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل أوكرانيا أزمة المهاجرين ألبانيا المفوضية الأوروبية إيطاليا جورجيا ميلوني أورسولا فون دير لايين الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 روسيا غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل أوكرانيا أمطار دونالد ترامب كوارث طبيعية إعصار حفل موسيقي واشنطن السياسة الأوروبية الاتحاد الأوروبی یعرض الآن Next مع ألبانیا فی إیطالیا لا یمکن
إقرأ أيضاً:
قمة سمرقند: لماذا يتزايد الاهتمام الأوروبي بآسيا الوسطى؟
استضافت مدينة سمرقند الأوزبكية، يومي 3 و4 إبريل 2025، أول قمة من نوعها بين منطقة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، بمشاركة قادة دول المنطقة الخمس- كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، وأوزبكستان- ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، وهي القمة التي هدفت إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين في ظل تصاعد التنافس بين القوى الدولية والإقليمية المختلفة على الهيمنة والنفوذ في آسيا الوسطى، وعلى رأسها روسيا والصين، على خلفية الأهمية الجيوسياسية الكبرى التي تحظى بها المنطقة، فضلاً عمَّا تزخر به من موارد طبيعية ومعدنية هائلة، ولا سيما المعادن الأرضية النادرة.
سياقات دولية وإقليمية:
عُقدت قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في سمرقند على خلفية مجموعة من التطورات الدولية والإقليمية، ومن أبرزها:
1. توجه آسيا الوسطى نحو توسيع الشراكات العالمية: تعمل دول آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة على توسيع نطاق تعاملها مع الجهات الفاعلة الخارجية لضمان أمنها السياسي والاقتصادي والعسكري. حيث تسعى هذه الدول بنشاط إلى بناء علاقات وتحالفات مع قوى عالمية أخرى، مثل الصين وتركيا والاتحاد الأوروبي. وتعمل دول آسيا الوسطى على تنويع ارتباطاتها وشراكاتها الاقتصادية، حيث تتعاون مع الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق لجذب الاستثمارات الصينية وتطوير البنية التحتية، إضافة إلى فتح أسواق جديدة لسلع آسيا الوسطى. كما تتعاون أيضاً مع الاتحاد الأوروبي في إطار مبادرة “البوابة العالمية” التي طرحها الاتحاد. فضلاً عن توجهها نحو تعزيز علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع تركيا.
2. تنامي التعاون الثنائي بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي: ترتبط دول آسيا الوسطى الخمس، كل على حدة، بعلاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي، ككيان جماعي، يعبر عن الدول الأعضاء فيه، وذلك في كافة المجالات. ومن أبرز المؤشرات على ذلك، اللقاءات رفيعة المستوى التي عقدها الطرفان قبل انعقاد القمة. ومنها الاجتماع الوزاري العشرين بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي الذي عُقد في عشق آباد بتركمانستان في 28 مارس 2025، بمشاركة وزراء خارجية دول آسيا الوسطى والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس؛ لمناقشة تعزيز التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.
وقبل ذلك، قام مفوض الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية، جوزيف سيكيلا، بجولة في آسيا الوسطى، خلال الفترة من 12 إلى 18 مارس 2025؛ بهدف تعزيز التعاون في إطار مبادرة البوابة العالمية، مع التركيز على أربعة مجالات رئيسية: البنية التحتية للنقل، والطاقة النظيفة، والمواد الخام الحيوية، والاتصال الرقمي. وقد عكست الجولة الاهتمام الاستراتيجي المتنامي للاتحاد الأوروبي بمنطقة تُمثل اقتصاداً بقيمة 340 مليار يورو، بمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 5%.
وبجانب ما سبق، فقد شهدت منطقة آسيا الوسطى في الفترة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في زيارات قادة أبرز دول الاتحاد الأوروبي إلى المنطقة، والتي أسفرت عن التوقيع على حزمة كبيرة من الاتفاقيات بشأن تطوير التعاون في مختلف المجالات، بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.
3. تنامي التحديات المشتركة: عُقدت قمة سمرقند في سياق العديد من التحديات المتزايدة التي تواجه آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، ولا سيما على الصعيدين الأمني والبيئي. حيث تواجه المنطقتان تهديدات وتحديات أمنية مشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة العابرة للحدود الوطنية، مثل الاتجار بالمخدرات. كذلك، تواجه آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي تهديدات مناخية مشتركة، حيث تواجه الأولى الجفاف وذوبان الأنهار الجليدية ونقص المياه، بينما تشهد الثانية ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة وحرائق الغابات وتغيرات في النظم البيئية.
4. الحرب الروسية الأوكرانية: أدت هذه الحرب إلى اهتزاز العلاقات التاريخية الوثيقة بين دول آسيا الوسطى وروسيا؛ الأمر الذي دفع هذه الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا لتقليل الاعتماد عليها وتقليل المخاطر. فمن منظور آسيا الوسطى، فقد باتت روسيا التحدي الرئيسي لاستقرار وتنمية المنطقة ودولها؛ وهو ما دفعها إلى الامتناع عن تقديم أي دعم سياسي أو عسكري للحرب في أوكرانيا.
وعلى الجانب المقابل، فقد ترتب على هذه الحرب تقويض الأمن الأوروبي وخلق واقع؛ تنظر فيه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، من جهة، وروسيا، من جهة أخرى، إلى بعضها بعضاً على أنها تهديدات أساسية.
ومن جهة ثالثة، فقد مثلت الحرب في أوكرانيا فرصة سانحة للعديد من القوى الإقليمية والدولية لزيادة انخراطها وعلاقاتها مع دول منطقة آسيا الوسطى؛ ومن ثم زيادة نفوذها وتأثيرها في هذه المنطقة المهمة من العالم، وعلى رأس هذه القوى الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
5. تزايد نفوذ روسيا والصين: تشهد منطقة آسيا الوسطى في الآونة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في دور كل من روسيا والصين في المنطقة. فعلى الرغم من انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، وما ترتب على ذلك من تداعيات على دورها ومكانتها في منطقة آسيا الوسطى؛ فإنها ما زالت تؤدي دوراً مهماً في المنطقة بالنظر إلى أهميتها البالغة لمصالحها القومية. ومن جانبها، تعمل الصين على زيادة اندماجها وتفاعلها السياسي والاقتصادي مع المنطقة، وهو ما عبرت عنه العديد من المؤشرات، وعلى رأسها القمة الأولى التي عقدت بين الصين ودول آسيا الوسطى في مايو عام 2023 بمدينة شيآن الصينية، والمشروعات التي تقيمها الصين في دول المنطقة في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
تعزيز الدور والمكانة:
انطلاقاً من السياقات التي أحاطت بالقمة الأولى بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، فقد جاء انعقادها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية، على النحو التالي:
1. تعزيز المكانة الاستراتيجية: تمثل أحد الأهداف الرئيسية للقمة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، ولا سيما في ظل تزايد المنافسة بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى؛ ومن ثم تعزيز دور ومكانة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في النظام الدولي الراهن. حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز مكانته الإقليمية في مواجهة تغيرات التوازن الجيوسياسي في آسيا الوسطى نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، وتنامي التكامل الاقتصادي بين منطقة آسيا الوسطى والصين.
فقد عبّرت فون دير لاين عن أملها في أن ترتقي القمة بعلاقات بروكسل مع آسيا الوسطى “إلى مستوى جديد”، خاصة وأن آسيا الوسطى تحظى بمكانة مهمة ضمن الأولويات التي حددها رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا لإعادة التواصل مع الشركاء العالميين في إطار أولويات سياسته الخارجية. ومن جانبها، تركز دول آسيا الوسطى في إطار توجهها نحو تبني سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تقوم على التعاون مع جميع الأطراف الدولية لتحقيق مصالحها، دون إقصاء أي طرف منها.
2. تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية: يرغب الاتحاد الأوروبي في تعميق علاقاته التجارية والاستثمارية مع دول آسيا الوسطى، ولا سيما في ضوء تزايد اهتمام قادة دول المنطقة بتنويع خياراتهم من خلال تطوير طريق التجارة “الممر الأوسط”، بجانب اهتمام الاتحاد الأوروبي بتأمين إمدادات الطاقة والوصول إلى المعادن النادرة في آسيا الوسطى.
ومن جانبها، تسعى دول آسيا الوسطى إلى الحصول على التكنولوجيا الصناعية المتقدمة التي تتميز بها دول الاتحاد الأوروبي؛ بهدف تطوير صناعاتها المحلية، بما يمكنها من توسيع صادراتها. وقد بدا لافتاً قيام كازاخستان باستباق القمة بالإعلان عن اكتشاف ما يُحتمل أن يكون “أكبر” مخزون لها على الإطلاق من العناصر الأرضية النادرة. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يبدي اهتماماً كبيراً برواسب اليورانيوم، بالإضافة إلى معادن استراتيجية أخرى، مثل التيتانيوم والكوبالت والليثيوم.
3. محاولة الاتحاد الأوروبي الضغط على روسيا: مثلت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا إحدى المسائل المهمة التي نوقشت خلال القمة، خاصة وأنه يُنظر إلى آسيا الوسطى باعتبارها إحدى الجهات المسؤولة عن إعادة تصدير السلع الغربية الخاضعة للعقوبات إلى روسيا. حيث يرغب الاتحاد الأوروبي في دفع دول آسيا الوسطى إلى الحد من تدفق هذه السلع، في إطار مساعيه المتواصلة للضغط على روسيا، في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتقارب مع موسكو. وهو ما أبدت دول آسيا الوسطى “استعدادها” للتجاوب معه لمنع التحايل على العقوبات.
حقبة جديدة للعلاقات:
بجانب إعلان قادة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي عن الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، فقد تمخضت القمة عن العديد من النتائج الإيجابية، التي تعزز العلاقات بين الطرفين في كافة المجالات، وترتقي بها إلى حقبة جديدة، ومن أهمها:
1. إطلاق حزمة مساعدات بقيمة 13.2 مليار دولار لآسيا الوسطى: أطلق الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار يورو (13.2 مليار دولار) لمنطقة آسيا الوسطى في إطار مبادرة “البوابة العالمية”، تتضمن أربع أولويات رئيسية: الأولى: مشروع ممر النقل الدولي عبر بحر قزوين، الذي يربط أوروبا وآسيا الوسطى، باستثمارات أوروبية بقيمة 10 مليارات يورو (11 مليار دولار). الثانية: المناخ والطاقة والمياه، من خلال بناء سدود لدعم أمن المياه والطاقة في المنطقة، وإنشاء حزام أخضر جديد في حوض بحر الآرال. الثالثة: الاتصال الرقمي، عبر تعاون الجانبين لإيصال الإنترنت إلى المناطق النائية والمدارس والمستشفيات في منطقة آسيا الوسطى عبر الأقمار الاصطناعية الأوروبية. الرابعة: المواد الخام الحيوية، وهي ضرورية لتسريع التحول المستقبلي إلى الطاقة النظيفة.
2. تعزيز التعاون لتحقيق الاستقرار الإقليمي: أكدت القمة أهمية تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن. كما أعربت عن القلق المشترك إزاء الوضع في أفغانستان، بما في ذلك التهديدات الأمنية ومخاطر امتدادها المحتملة إلى آسيا الوسطى وأوروبا. كما أكدت القمة أهمية منع التحايل على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، كأحد الجوانب المهمة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى. كما رحبت بتوقيع معاهدة الحدود الدولية بين قرغيزستان وطاجيكستان في 13 مارس 2025.
3. تعزيز التعاون في مواجهة التحديات الأمنية: أكدت القمة أهمية تعزيز التعاون بين الطرفين في المجالات التالية: الأمن السيبراني والتهديدات الهجينة، والتهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ومنع ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز أمن الحدود، ومنع الاتجار بالمخدرات والاتجار بالبشر، وإطلاق حوار مُتخصص بشأن مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وبناء القدرة المجتمعية على الصمود في وجه التضليل الإعلامي.
4. العلاقات الاقتصادية والتجارة والاستثمارات: أكدت القمة أهمية التنفيذ الكامل لاتفاقيات الشراكة والتعاون الثنائية المعززة الحالية والمستقبلية لتعميق التعاون الإقليمي، ورحبت بتوقع اتفاقية الشراكة والتعاون الثنائية المعززة بين الاتحاد الأوروبي وقرغيزستان في يونيو 2024، وأبدت تطلعها إلى توقيعها مع أوزبكستان وطاجيكستان. كما أكد قادة الاتحاد الأوروبي دعمهم المستمر لانضمام أوزبكستان وتركمانستان إلى منظمة التجارة العالمية. كما شهدت القمة اتفاق القادة على عقد منتدى للمستثمرين في وقت لاحق من هذا العام لجذب المزيد من الاستثمارات، ولا سيما لممر النقل عبر بحر قزوين الذي سيقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتصدير البضائع بين المنطقتين.
5. تعزيز التعاون في مجال المعادن النادرة: وقّع الاتحاد الأوروبي مذكرات تفاهم بشأن المعادن الحيوية مع كازاخستان وأوزبكستان، وتم الارتقاء بهذا التعاون إلى مستوى جديد من خلال اعتماد إعلان نيات مشترك بشأن المواد الخام الحيوية. كما أقرت القمة خارطة الطريق 2025-2026 بموجب مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وكازاخستان بشأن المواد الخام الحيوية والبطاريات والهيدروجين الأخضر. حيث يُعد الوصول إلى الطاقة النظيفة والمعادن النادرة أمراً بالغ الأهمية للاتحاد الأوروبي في سعيه لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وتعزيز استقلاليته في القطاعات الاستراتيجية.
وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من النتائج الإيجابية التي تمخضت عنها قمة آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي الأخيرة في سمرقند، باعتبارها تمثل تدشيناً لحقبة جديدة في علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ولا سيما دورها في تعزيز المكانة الاستراتيجية لكل من آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، وتمتين العلاقات التجارية والاستثمارية بينهما، فضلاً عما تعكسه من الالتزام الأوروبي المتجدد تجاه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى؛ فإن ما انطوت عليه القمة من دلالات تتعلق بإمكانية تقليل الاعتماد على روسيا والصين، سيضع عقبات عديدة أمام نجاح آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي في الأهداف المعلن عنها خلال القمة لتفعيل العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، في ظل إصرار روسيا والصين على تكثيف وجودهما في هذه المنطقة ذات الأهمية البالغة لمصالحهما القومية؛ وهو ما يعني أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من التنافس الثلاثي الأوروبي الروسي الصيني على النفوذ والهيمنة في آسيا الوسطى؛ الأمر الذي يفرض على دولها ضرورة تبني سياسة خارجية توازن بين القوى الكبرى الثلاث؛ بما يجعلها تحقق أقصى استفادة ممكنة لمصالحها الوطنية والإقليمية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”