لجريدة عمان:
2025-02-22@20:07:25 GMT

تعلّم أن تبكي

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

تعلّم أن تبكي

ثمة حياة تولد كلّ يوم من جديد. لكن الموت يسيطر على هذا المكان، على داخلي. رأيت مؤخرًا الكثير من الموت، من الناس الذين يرحلون، لدرجة أنني لم أعد أستطيع أن أشعر بأي فرح حيث يبدأ كل شيء من جديد. كأن الموت، مثل جرذ، أحدث ثقبا فـي قلبي الذي لا يمكن لأي شيء أن يمنعه من عيش الحرب، من تذكر الحروب الماضية، من التكهن بالحروب المقبلة.

سنون تنهار فجأة. العمر أيضا. مثل هذه المباني..

***

لساعات كاملة، شعرت بالخضوع التام لسحر ما نسميه الحرب الشاملة، التي أصبحت أمرا مألوفا فـي هذه المدينة؛ مشيت طيلة الصباح، فـي بعض حواري المدينة وشوارعها، حاملًا حقيبة على كتفـي. لا شيء فـي داخلها. فارغة. ولا شيء لأشتريه كي أضعه فـيها. كأنني أحسست باطمئنان ما، بأنه فـيما لو سقطت قذيفة، يمكن للمسعفـين أن يضعوا أشلائي داخلها.

المدينة أمامي فـي جميع الاتجاهات، جلست فـي أمكنة متفرقة، على رصيف، على كومة من رمال، من ركام، على حافة جدار حيث يمكنني أن ألقي نظرة واسعة على الدمار الذي يلف الناس، الناس الذين لم يعودوا قادرين على التغلب على هذا الدمار؛ نظرة تغوص فـي يأس البشر، فـي انحطاطهم، وفنائهم. طوال حياتي، قرأت كتبا حول هذه الضائقة الإنسانية التي حدثت فـي حروب أخرى، التي ستحدث فـي هذه المدينة أيضًا. ضائقة مخيفة، مثيرة للشفقة، وهذا ما لم يعد يعرفه أحد أو يريد أن يعرفه أحد بعد الآن؛ تعلمت ورأيت من خلالي مدى فظاعة الحياة. أكثر من كل الكتب. من وجودي أيضا، الذي يشير إلى مدى ضآلة قيمتنا، أو لنقل إلى لا قيمتنا كبشر. لا قيمة للبشر فـي أزمنة مماثلة.

***

يُصرّ البعض على اعتبار أن الكتابة هي حديث مع الآخر. هروب باتجاه الآخر. تحاول أن تفكر فـي هذا الأمر وأن تقنع نفسك به. وتكتشف أن لا أحد يجيبك مباشرة، حين تحدثه.

ربما الأمر الوحيد الذي يمكنك فعله أن تحاول البحث من خلالها عن رفقة: لكنها رفقة الذين غابوا. من هم على قيد الحياة، لديهم أشياء أخرى ليقوموا بها فـي هذه الحياة. تكتب وتحاول أن تتذكر. أن تبحث عن ذكرى. تكتشف أن الذكرى قد تكون بداية الكتابة، لكن الكتابة ليست ذكرى بالفعل، بل هي بداية الموت، بصفته كينونة مستقلة.

***

يشعر فـي هذا الصباح أن شيئا يشبه الموت يلمع أمام عينيه مثل برق أسود، ليضرب لذته غير المؤذية، ويحول شبابه إلى رماد، ويدفعه إلى حافة الأعماق الغامضة التي تفصل بين الأحياء والأموات.

يشعر بهذا القلق الخاص الذي كان يعاني منه بانتظام قبل أن تتغير حياته. يشعر أن خطرا جديدا، كالعيش مثلا، يهدده من جديد؛ أعظم خطر يمكن له أن يعترض كينونته، هو ذاك الذي كان هو نفسه يرغب فـيه بشدة: الحياة.

***

ماذا باستطاعة المرء أن يفعل حين لا تأتيه الكلمات على الرغم من محاولاته المتكررة؟ ماذا عليه أن يكتب حين لا يرى أمامه سوى هذا المشهد الكبير من الموت. هكذا بدت الصورة التي تفرض نفسها عليك، التي تسيطر على كل تفصيل من تفاصيلك الجسدية والروحية، حتى لتحيلك حطاما داخل هذا الحطام الذي يلف كلّ شيء، وتحيلك مِزقة من بين هذه المِزق التي يصير إليها كلّ شيء.

بالأحرى، لِمَ عليك أن تكتب، حين تعرف أن «كلّ شيء يفوق الوصف» وأنك مهما حاولت، ستبقى كلماتك مجرد كلمات، لا غير، وأنها لا تستطيع أن تبدل شيئا. كلّ ما تبدله فـي واقع الأمر، أنها تنزع عنك تأنيب الضمير -ضميرك الخاص- بأنك لم تصمت، بينما، فـي الواقع، كان من الأجدر عليك أن تصمت وأن لا تتحف أحدا بأي فكرة. من قال إن الكلمات تغلب الموت؟ من أعلن أن هذه الخرافة الجميلة -خرافة الكتابة- يمكن لها أن تفـيد بشيء، وبأنها تخفف الوطأة. ***

الموت هو فقط نتيجة للطريقة التي نعيش بها. نحن نعيش بين فكرة وأخرى، من شعور إلى آخر. مشاعرنا وأفكارنا، بدلًا من أن تتدفق كنهرٍ هادئ، «تمر عبر رؤوسنا»، «تغزونا» وتتركنا: إضاءات، ومضات، وتقاطعات. لو راقبت نفسك عن كثب، ستدرك أن الروح ليست مادة يتغير لونها من خلال التحولات الدقيقة، ولكن الأفكار تنبثق منها مثل الأرقام التي تخرج من ثقب أسود. لديك هذا الفكر، وهذا الشعور، وفجأة يحل مكانهما أمر آخر، يظهر من لا شيء. إذا كنت منتبهًا جدًا، فـيمكنك حتى التقاط لحظة اللون الأسود المطلق بين فكرتين. هذه اللحظة هي بالنسبة لنا، بمجرد اغتنامها، الموت بكل بساطة. حياتنا لا تتكون من شيء أكثر من تحديد معالم والقفز من واحدة إلى أخرى، وبالتالي عبور ألف وألف ثانية مميتة كل يوم. إلى حد ما، نحن لا نعيش إلا فـي هذه الوقفات بين قفزتين. ولهذا السبب نشعر بخوف فظيع فـي مواجهة الموت الأخير، وهو ما لم يعد بإمكاننا تحديده، الهاوية التي لا يمكن سبر غورها والتي نغرق فـيها. بالنسبة إلى طريقة العيش هذه، فهي حقًا إنكار مطلق. ولكن هذا فقط من هذا المنظور، فقط لأولئك الذين لم يتعلموا العيش إلا من لحظة إلى أخرى. يسمي الكاتب ذلك مرض القفز. ويكمن السر بأسره فـي هزيمته. يجب أن تتعلم تجربة حياتك كشريحة هادئة طويلة. وبحلول الوقت الذي نحقق فـيه ذلك، نكون قريبين من الموت كما اقتربنا من الحياة. لم نعد نعيش وفقًا لمعاييرنا المشتركة، لكن لم يعد بإمكاننا أن نموت، لأننا مع الحياة أيضًا علّقنا الموت. هذه هي لحظة الخلود، اللحظة التي تخرج فـيها روحنا من سجن الدماغ، وتدخل إلى حدائقه الرائعة.

الموت ليس غريبًا علينا كما تظن، فنحن نموت كل يوم فـي أعماق نوم بلا أحلام. ***

إذا كان هناك أي شيء يمكنك تعّلمه، فهو البكاء. لذا لا ينبغي عليك أن تخجل. لا تخجل من كونك رجلا يبكي أمام هذا الدمار. مهما كان الأمر، لتشعر به بعمق وحماس. لتشعر به مرة أخرى بمزيد من الحماس، ولتشعر به مرة أخرى بمزيد من العمق. لتشعر به لنفسك. لتشعر به من أجل الآخرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فـی هذه

إقرأ أيضاً:

دراسة صادمة: اكتشاف انفجارات غامضة في الدماغ لحظة الوفاة

شمسان بوست / متابعات:

يتساءل الكثيرون عن تجربة الاحتضار وما يمر به الشخص في اللحظات الأخيرة قبل الوفاة، وقد تناول الدكتور ستيوارت هامروف، أخصائي التخدير وأستاذ في جامعة أريزونا، هذا الموضوع في دراسة جديدة تركزت على نشاط الدماغ للمرضى في الدقيقة الأخيرة قبل الموت.

في هذه الدراسة قام العلماء بتسجيل نشاط الدماغ خلال آخر دقيقة من حياة سبعة مرضى يعانون من أمراض مزمنة، تم وضع أجهزة استشعار صغيرة على أدمغتهم قبل دقائق من فصلهم عن أجهزة الإنعاش، مما أتاح لهم التقاط النشاط بعد انخفاض ضغط الدم ونبض القلب إلى الصفر، وفقًا لما نشرته صحيفة “نيويورك بوست”.

وفي حديثه عن هذه الدراسة في برنامج قناة Project Unity على يوتيوب وصف الدكتور هامروف أن هناك انفجارًا غامضًا يحدث في الدماغ أثناء الموت، قد يرمز إلى خروج الروح من الجسد، وذكر أن العلماء شهدوا اختفاء كل شيء وظهور هذه الانفجارات المفاجئة للنشاط، مما قد يدل على تجربة اقتراب من الموت أو حتى على مغادرة الروح للجسد.

يعتقد هامروف أن الوعي يتم تجربته على مستوى كمي أعمق من داخل الأنابيب الدقيقة (هياكل صغيرة في خلايا الدماغ)، وليس فقط نتيجة للإشارات الكهربائية واسعة النطاق بين الخلايا العصبية، وأوضح أن هذا قد يفسر استمرار الوعي في حالات انخفاض طاقة الدماغ، مثل التخدير أو النوم العميق أو حتى تجارب الاقتراب من الموت.

وأشار الباحثون إلى أن الانفجارات قد تحدث بسبب انقطاع الأكسجين عن المخ، وعلق هامروف قائلاً: “عندما يتوقف القلب عن النبض ويتوقف تدفق الدم، تفقد الأنابيب الدقيقة حالتها الكمية، لكن المعلومات الكمية لا تُدمر، بل تتناثر في الكون”.

وأضاف أنه إذا تم إنعاش المريض يمكن لهذه المعلومات الكمية أن تعود إلى الأنابيب الدقيقة، مما قد يجعل المريض يشعر بأنه “مر بتجربة قرب الموت”. وفي حال لم يتم إنعاشه ووافته المنية، فإنه يمكن أن تبقى هذه المعلومات الكمية خارج الجسم، ربما إلى أجل غير مسمى، كنوع من الروح.

ومع ذلك يعتقد معظم العلماء أن الوعي هو نتيجة تفاعلات معقدة داخل الدماغ، تتشكل من خلال الشبكات العصبية التي تعالج المعلومات وتخلق تجربة ذاتية موحدة.

وفي تحليل لنتائج الدراسة أشار هامروف إلى أنه بعد توقف قلب أحد المرضى، أظهر دماغه اندفاعًا مفاجئًا من النشاط عالي التردد المعروف بتزامن جاما، واستمر هذا النشاط لمدة 30 إلى 90 ثانية قبل أن يتلاشى، وتزامن جاما هو نمط من الموجات الدماغية المرتبطة بالتفكير الواعي والإدراك، مما يعني أنه حتى بعد توقف القلب، أظهر الدماغ لفترة وجيزة علامات يمكن أن ترتبط بالوعي أو الإدراك.

مقالات مشابهة

  • حرق شعرها وضربها حتى الموت.. متهم قنا يواجه هذه العقوبة وفقا للقانون
  • رجل آلي يشبه الإنسان وقد ينزف حتى الموت (فيديو)
  • العناية الإلهية تنقذ شابا وصغيرة من الموت في حريق بالوراق
  • اكتشاف مثير قد يفسّر تجارب الاقتراب من الموت!
  • الموت بأرخص سعر.. لماذا تهدد "حبة الغلة" أرواح المصريين؟
  • شاب قتل زوجته ضرباً حتى الموت
  • علماء يكشفون حركة الدماغ لحظة الموت.. كأنها خروج الروح
  • «فورمة الموت».. دراسة تُحذر من سلوكيات يومية لبناء العضلات
  • غزاوي أفرجت عنه إسرائيل: إذا عادوا للقبض علي أفضل الموت
  • دراسة صادمة: اكتشاف انفجارات غامضة في الدماغ لحظة الوفاة