«شعور بلا قيود» .. تعبير عن المشاعر عبر الألوان واللوحة
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
تذكرني أي فعالية فنية أو ثقافية تُقام في مقهى ما بموضوع ارتباط المقاهي بالفنون والآداب على مر الأزمنة في الوطن العربي، وهو ما طال الحديث عنه في مناسبات عديدة ومساحات كثيرة، فمقهى الفيشاوي في القاهرة -على سبيل المثال- يُعد حاضنًا للفن والأدب، فلا يكاد يخلو المكان من عازفي العود والإيقاعات وأصوات الغناء، بالإضافة إلى حضور بائعي الكتب المتجولين الذين يعكسون في كثير من الأحيان اطلاعهم الواسع على ما يحملونه من كتب، بل في زيارتي له لاحظت أن بين الحضور من يتناقشون حول مسائل ثقافية وحضورها وواقعها، كما أن عددًا من المثقفين يجدون في الفيشاوي مجلسًا دائمًا لهم، والأمر كذلك في مقاهٍ عديدة في مصر والعراق وبلاد الشام، وبعض مقاهينا في منطقة الخليج.
ما دفعني للشروع بهذه المقدمة هو معرض فني افتُتح مساء أمس في مقهى «نسق» الكائن في منطقة الموالح، وحمل المعرض عنوان «شعور بلا قيود»، ليكون المقهى حاملًا لرسالة الفن ومقدمًا كيانه كواحد من حواضن الإبداع الفني والأدبي، وليس لإقامته المعرض الذي سيستمر إلى التاسع من نوفمبر فحسب، بل لاحتضانه ورشة فنية قدمها الفنان جمعة البطاشي لمدة 3 أشهر في المكان ذاته، فكان المعرض ونتاجه الفني وليدًا لتلك الورشة.
ويقول الفنان جمعة البطاشي، المشرف على المعرض: «فكرة المعرض أنه امتداد لورشة حملت عنوان (من الفكرة حتى اللوحة)، وكانت الورشة مقدمة لعدد من المشاركين، وهم اليوم مقدمو هذا المعرض الفني، مستخدمين الألوان الأكريليك، وقد استمرت الورشة حوالي 3 أشهر في نسق كافيه».
وتابع البطاشي: «ركّزت الورشة على أن يقوم كل مشارك بكتابة مشاعره وأفكاره ثم ترجمتها في عمل فني، وذلك بهدف مساعدة الفنان في كيفية التعبير عن كل الأحاسيس بلغة بصرية فنية».
احتضن المعرض 8 أعمال فنية تنضح بالمشاعر والأحاسيس، لأجد بين اللوحات لوحة أسرت ناظري، دفعتني للتأمل في شعور اللوحة وكأنها تحمل الكثير من الطاقة والحيوية، تلك الفتاة في اللوحة مغمضة عينيها ورأسها مُوجَّه نحو القمّة، ضامة يديها على صدرها، إذ تبدو ممسكة بكرة مضيئة، فهل تشع نورًا أم طاقة أم أحاسيس مدفونة عصية على الكتمان؟ مزجت صاحبتها لمياء الجابرية ألوانًا متعددة في لوحتها، فهل هي مشتتة أو مختلطة بالمشاعر المتناقضة؟ فكما أعلم، لكل لون تعبير شعوري، في حين يبث شعرها المتطاير شعورًا بالتأثير على الآخر النابع من داخل الشخص ذاته، فما الذي تريد قوله لمياء بهذه اللوحة؟
«تشافي» هو العنوان الذي اختارته لمياء الجابرية لعملها، وتسترسل واصفة عملها: «رحلة التشافي هي رحلة داخلية تبدأ من خوض الأعماق، شيئًا فشيئًا تتسلل إلى الخارج في تموجات مليئة بالأمل لتنعكس على كل حياتنا».
أما هود الهنائي، فقد شارك بعمله الواقعي الذي حمل عنوان «الهوية»، حيث تتناول اللوحة الطابع العُماني البدوي، وتظهر طفلًا يعتمر العمامة العُمانية وخلفه باب حديد من الطراز القديم عليه آثار الصدأ في دلالة على الماضي وأثره على الإنسان وصنع هويته، ويقول الهنائي: «الطفل يرمز إلى البادية القديمة، يظهر ملثمًا كما هو حال أهل البادية عندما يسيرون قاطعين الهضاب الرملية حماية لهم من الغبار المتطاير، اللوحة تعكس ارتباطي بالبادية وأهلها واعتزازي بهويتي العُمانية الأصيلة المليئة بالخصال الحميدة، وهو شعور يجول في داخلي وعبرت عنه في هذه اللوحة».
في حين قدمت سندس السالمية لوحتها التي تغوص في الأعماق، وكأنها تبحث عن ذاتها بعمق، أو ربما تتأمل في أعماق الآخرين، وتقول عن عملها: «تتمثل اللوحة التي عنونتها بـ(عمق) حول موضوع الحوت القرشي، وهو الزائر الموسمي لبحار عُمان، تزين الحلقات الدائرية حول الحوت لتعطي إحساسًا بالتمركز، والأسماك الصغيرة الملتفة حول الحوت تعكس أن القوة لا تعني السيطرة دائمًا».
إلى جانب تلك اللوحات الثلاث، هناك خمس لوحات أخرى تحمل في تفاصيلها مشاعر مختلفة تسكن في نفس كل فنان مشارك.
وتضمن افتتاح المعرض جلسة حوارية بمشاركة أزهار الحارثية، مديرة النادي الثقافي، والفنان عبدالكريم الميمني، والمؤلف والمخرج المسرحي خليفة الحراصي، تم خلالها مناقشة الفنانين المشاركين حول أعمالهم الفنية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
د. سعيد الدرمكي
الذكاء الاصطناعي (AI) هو قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة الذكاء البشري، مثل التعلم واتخاذ القرار، ويُستخدم في مجالات عدة كالصحة، والصناعة، والتكنولوجيا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية. في المقابل، يشير الذكاء العاطفي (EI) إلى القدرة على فهم وإدارة العواطف، مما يسهم في تحسين التواصل، والقيادة، واتخاذ القرارات الفاعلة. ورغم اختلاف مجاليهما، فإن تكاملهما أصبح ضروريًا لتعزيز الفاعلية في مختلف المجالات.
كان يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي على أنهما كيانان منفصلان، إذ ارتبط الذكاء الاصطناعي بالقدرات الحسابية والمنطقية، حيث يركز على تحليل البيانات واتخاذ القرارات بناءً على الخوارزميات، دون أي بُعد عاطفي. في المقابل، اعتُبر الذكاء العاطفي مهارة بشرية بحتة، تتمحور حول إدارة المشاعر والتفاعل الاجتماعي، مما جعله وثيق الصلة بالقيادة والتواصل. الفرق الأساسي أن الذكاء الاصطناعي يُعامل كأداة تقنية، بينما يُنظر إلى الذكاء العاطفي كجزء من الذكاء البشري يصعب محاكاته بالتقنيات.
يُعد كل من الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي مكملًا للآخر، حيث يواجه كل منهما تحديات دون الآخر؛ فالذكاء الاصطناعي، دون الذكاء العاطفي، يعاني من ضعف في فهم المشاعر البشرية واتخاذ قرارات تتسم بالتعاطف، مما قد يؤثر على جودة التفاعل مع البشر. في المقابل، يواجه الذكاء العاطفي صعوبات في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالاتجاهات، وتحسين الإنتاجية، واتخاذ القرارات المعقدة دون الاستعانة بقدرات الذكاء الاصطناعي. لذلك، أصبح التكامل بينهما ضروريًا لتعزيز الكفاءة البشرية والتقنية معًا.
ويمكن تحقيق هذا التكامل من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر عبر النصوص، والصوت، وتعبيرات الوجه، مما يتيح فهمًا أعمق للتفاعل البشري. في المقابل، يسهم الذكاء العاطفي في تحسين الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير برمجيات تجعله أكثر استجابة للمشاعر البشرية، مما يساعد في إنشاء واجهات مستخدم أكثر إنسانية وتفاعلية، تعزز تجربة المستخدم وتجعل التقنيات الذكية أكثر توافقًا مع الاحتياجات الاجتماعية.
ويسهم تكامل الذكاءين في تحسين العديد من المجالات. ففي قطاع الأعمال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي العاطفي لتعزيز تجربة العملاء من خلال تحليل مشاعرهم والاستجابة لها بذكاء. وفي مجال الطب، تُوظَّف الروبوتات لدعم المرضى نفسيًا وعاطفيًا، مما يسهم في تحسين رفاهيتهم. أما في الموارد البشرية، فتعتمد الشركات على أدوات متطورة لتحليل رضا الموظفين وتعزيز تفاعلهم، مما يساعد في خلق بيئات عمل أكثر استجابة ومرونة.
ورغم الفوائد الكبيرة لهذا التكامل، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالخصوصية والانحياز الخوارزمي وتأثيره على التفاعل البشري. فالذكاء الاصطناعي لا يمتلك وعيًا حقيقيًا، بل يعتمد على تحليل الأنماط والاستجابات المبرمجة، مما يجعله غير قادر على الإحساس الحقيقي. كما إن هناك مخاوف بشأن جمع البيانات الشخصية دون إذن، والانحياز في تحليل المشاعر، ومخاطر التلاعب النفسي بالمستخدمين. ويبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري، بحيث لا يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء العاطفي، بل يكمله لتعزيز الفاعلية دون المساس بجوهر التفاعل الإنساني.
أما فيما يتعلق بدور الأبحاث والتكنولوجيا في تحقيق التكامل، فيجب تطوير أنظمة قادرة على فهم المشاعر البشرية باستخدام تقنيات التعلم العميق وتحليل اللغة الطبيعية. كما ينبغي تعزيز الذكاء العاطفي الاصطناعي ليكون أداة داعمة للتجارب البشرية، بحيث يساعد في تحسين التفاعل والتواصل دون أن يحل محل المشاعر الإنسانية.
المستقبل يعتمد على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي، مما يؤدي إلى ثورة في مجالات العمل والتعليم والتفاعل الاجتماعي، مع ضرورة وضع ضوابط أخلاقية تضمن التوازن البشري. يسهم هذا التكامل في تحسين بيئات العمل من خلال تحليل مشاعر الموظفين وتعزيز الإنتاجية، كما يتيح التعليم التكيفي الذي يستجيب لعواطف الدارسين، مما يعزز تجربة التعلم. وفيما يتعلق بالعلاقات البشرية، فإنه يدعم التواصل الفاعل، لكنه قد يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية إذا أُسيء استخدامه، مما يستدعي توجيه هذا التطور بما يحقق أقصى فائدة دون الإضرار بالجوانب الإنسانية.
من هنا، يمكن الاستنتاج أن التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي ضروري لتحقيق توازن فاعل بين الكفاءة التقنية والبعد الإنساني. فالذكاء الاصطناعي يُسهم في تعزيز الإنتاجية والدقة، بينما يضمن الذكاء العاطفي اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا لا تستطيع محاكاة المشاعر البشرية بشكل كامل، إلا أنها قادرة على دعم الفهم العاطفي وتعزيز التفاعل البشري.
لذا.. فإنَّ تحقيق أقصى استفادة من هذا التكامل يتطلب توجيه التطور التكنولوجي نحو تعزيز القيم الإنسانية، وضمان الاستخدام الأخلاقي للابتكارات التقنية، بما يسهم في رفاهية المجتمعات واستدامة التطور ودعم مستقبل أكثر ذكاءً وإنسانيةً.