سرايا - يتواصل العدوان الإسرائيلي الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منذ أكثر من عام على قطاع غزة ومن بعده على جنوب لبنان، ولا يزال "ملك إسرائيل" عاجزا عن تحقيق أهدافه بإعلان "نصر مطلق" على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو حزب الله.

ورغم حالات "نشوة القوة وسكرة الغطرسة" التي يمر بها نتنياهو -خصوصا عقب تنفيذ جيش الاحتلال بعض الهجمات الكبيرة والنوعية ضد المقاومة وحاضنتها الشعبية، كاغتيال القادة وتحقيق نجاحات أمنية- فإن هاجس الإخفاق والفشل لا يزال يتلبسه ويسيطر عليه وهو يواجه حقائق على الأرض تعيده إلى نقطة الصفر في كل مرة.



وفي ظل المجازر وعمليات القتل والتدمير الممنهج التي يقوم بها جيش الاحتلال تنفيذا لقرارات المستوى السياسي في إسرائيل تبرز تساؤلات عن حقيقة الإنجازات الميدانية التي تحققها المقاومة، لتشكل شوكة في خاصرة نتنياهو تؤرقه وتفسد عليه نشوته.

وبعيدا عن الخسائر في السياسة الخارجية المتعلقة بوضع إسرائيل على الخارطة الدولية وجرها إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية يمكن الحديث عن 7 ملفات حققت فيها المقاومة إنجازات لا تزال تداعياتها تؤثر بشكل مباشر على نتنياهو كشخص، فضلا عن أركان حكومته وجيشه والجمهور الإسرائيلي.

1- ثمن مأساوي باهظ

لم يتوقف المحللون الإسرائيليون منذ بداية الحرب وحتى الآن عن الحديث عن حجم الخسائر البشرية في صفوف الجمهور الإسرائيلي والعسكريين على السواء، والتي تقدر بآلاف القتلى والجرحى، إذ أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت بأن نحو ألف جندي ينضمون شهريا إلى قسم إعادة التأهيل في وزارة الحرب.

وتتحدث تقارير صحفية عن أجواء من التشاؤم تسيطر على المشهد السياسي والمجتمعي، وسط خشية من أن نتنياهو بات "يجر إسرائيل إلى المجهول"، في الوقت الذي تتعرض فيه لضربات من المقاومة في غزة ومن إيران وحزب الله والحوثيين في اليمن وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق.

ورغم التعتيم الإعلامي الذي يفرضه جيش الاحتلال على تفاصيل الإصابات والخسائر التي تسجل يوميا فإن ما يرشح منها في وسائل الإعلام وحده كاف ليؤرق القادة السياسيين والعسكريين.

وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية قال المحلل السياسي الإسرائيلي شالوم ليبنر "إنه بعد مرور أكثر من عام على هجوم طوفان الأقصى فإن مشاعر الإحباط وخيبة الأمل ما زالت تسيطر على أغلبية الإسرائيليين".

2- حيفا مثل كريات شمونة

شكلت هجمات حزب الله الصاروخية في العمق الإسرائيلي مسارا جديدا في الصراع، إذ أطلق الحزب شعار "سنجعل حيفا مثل كريات شمونة والمطلة".

وسجلت حالة من الرعب في الأوساط الإسرائيلية في أعقاب استهداف منزل نتنياهو، إذ أكد ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن طائرة مسيّرة أطلقت من لبنان أصابت بشكل مباشر منزل نتنياهو في قيساريا جنوب حيفا.

واعتبرت مصادر عسكرية إسرائيلية أن وصول مسيّرة حزب الله إلى مكان يعيش فيه رئيس الوزراء يعد فشلا ذريعا لأجهزة الأمن.

كما حقق الهجوم بمسيّرة انقضاضيه على قاعدة بنيامينا التابعة للواء غولاني في حيفا قبل أيام مفاجأة عسكرية مؤلمة لإسرائيل، ووصف الحزب العملية بأنها "نوعية ومركّبة"، إذ تمكنت المسيّرة من اختراق رادارات الدفاع الجوي الإسرائيلي دون اكتشافها ووصلت إلى هدفها.

وفي بيان، أكدت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية الجناح العسكري لحزب الله أنها قررت "تأديب العدو وإظهار بعض قدراتها في أي وقت أو أي مكان تريده".

وعلق نتنياهو بقوله "نحن نخوض حملة شرسة ضد محور الشر الإيراني، إننا ندفع ثمنا مؤلما، ولكن لدينا إنجازات هائلة"، في حين وصف رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي الهجوم بأنه صعب ونتائجه مؤلمة.

وقالت وسائل إعلام لبنانية مقربة من حزب الله إن هذه العمليات تكشف عن "إحاطة استخبارية متقدمة وتطورا هائلا للمعدات التي استخدمها حزب الله، وعن احتراف في التكتيك العسكري"، خصوصا أنها جاءت بعد تصريحات متكررة لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أكد فيها أنه نجح في القضاء على معظم قدرات حزب الله الصاروخية وتلك المتعلقة بالمسيّرات.

3- عشرات آلاف النازحين داخل إسرائيل

تجنبا للضربات الصاروخية من غزة ولبنان فقد لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى إجلاء آلاف الإسرائيليين من منازلهم، وسجلت إسرائيل لأول مرة في تاريخها عددا قياسيا من النازحين.

وحسب صحف إسرائيلية، بلغ عدد النازحين من مستوطنات غلاف غزة ومن الحدود مع لبنان 120 ألف نازح، لكن العدد يرتفع إلى نصف مليون نازح، حسب ما أعلنه سابقا الجيش الإسرائيلي.

وسيفاقم وجود هؤلاء النازحين -الذين تتكفل الحكومة بنفقاتهم ومصاريفهم خلال فترة نزوحهم منذ أكثر من عام- المشاكل والأعباء الاقتصادية والمعنوية على حكومة الاحتلال التي استأجرت لهم غرفا فندقية وبيوت ضيافة، كما لجأت إلى إقامة خيام لإيوائهم.

وبحسب تقرير بثته قناة الجزيرة، فإن للنزوح دلالات كثيرة في المخيلة الإسرائيلية، إذ إن صور المغادرين نهائيا من إسرائيل تعمق المشهد.

4- مليونا إسرائيلي في الملاجئ

أعادت هجمات المقاومة في جبهتي غزة ولبنان إلى الواجهة مجددا التساؤلات بشأن جاهزية الجبهة الداخلية الإسرائيلية للهجمات الصاروخية، كما فاقمت الهجمات أزمة عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين، إذ بدلا من عودة هؤلاء إلى البيوت كما وعد نتنياهو فقد انضم إليهم مئات الآلاف الذين يبيتون في الملاجئ.

وقد تسببت هجمات المقاومة -بحسب قائد الدفاعات الجوية السابق الجنرال ران كوخاف في حديث للقناة الـ12 الإسرائيلية- بحبس أكثر من مليوني إسرائيلي في الملاجئ والغرف المحصنة في أكثر من 190 بلدة ومستوطنة ومدينة.

وتفاقم مشكلة عدم كفاية الملاجئ التي تسمى "فجوة المأوى" مخاوف سلطات الاحتلال، خصوصا مع كشف معطيات محلية عدم جاهزية نسبة كبيرة من الملاجئ العامة.

كما اتضح أن الغرف المحصنة في المنازل والشقق السكنية لم توفر الحماية التامة لقاطنيها من ضربات الصواريخ المباشرة والطائرات المسيرة، وبالكاد توفر الحماية من الشظايا.

5- ضرب إرادة البقاء

مشهد آخر يؤرق نتنياهو ألا وهو "الهجرة العكسية" التي تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل التي تقوم بالأساس على سياسة الاستيطان وجذب اليهود من مختلف أنحاء العالم.

وكما يقول مدير مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة قطر نايف بن نهار فإن عمليات المقاومة ضربت "إرادة البقاء" لدى الإسرائيليين القائمة بشكل أساسي على توفير كيان آمن لهم، لمواجهة أزمتهم الجوهرية المتمثلة في أن إسرائيل كيان مصطنع يمكنهم الرحيل عنه في أي وقت إلى البلد الذي جاؤوا منه ولا يزالون يحملون جنسيته.

ورغم أن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لا تكشف عن الأعداد الحقيقية للإسرائيليين الذين هاجروا فإن الصحف الإسرائيلية كشفت عن أن نحو ربع الإسرائيليين فكروا في الهجرة للخارج بسبب الأوضاع الأمنية.

ووفقا لتقرير أعدته الجزيرة إلياس كرام في أغسطس/آب الماضي، فإن الأرقام الرسمية تقول إن قرابة نصف مليون ممن كانوا خارج البلاد قبل عملية طوفان الأقصى لم يعودوا حتى الآن، في حين غادر 375 ألفا بعد الحرب.

وكانت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قد نقلت عن بيانات سلطة السكان والهجرة أن نصف مليون إسرائيلي غادروا إسرائيل في الأشهر الستة الأولى من الحرب.

6- العمليات المسلحة

كانت العمليات العسكرية -بما فيها الاستشهادية- إحدى أبرز أدوات المقاومة في مواجهة الاحتلال، لكن المقاومة امتنعت عن العمليات الاستشهادية لفترة "وفقا لتغييرات ارتبطت بالرأي العام العالمي والخسائر المدنية التي قد تترتب على هذه العمليات"، وفقا للمحلل السياسي محمد غازي الجمل في تصريحات سابقة للجزيرة نت.

لكن حجم المجازر التي حصلت في غزة وسط الصمت والتواطؤ الدولي مع الاحتلال دفعا المقاومة إلى إعادة النظر في هذه الإستراتيجية بوصفها أداة فاعلة للضغط على المجتمع الإسرائيلي.

واعتبر إعلان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد عودة العمليات الاستشهادية في الداخل الفلسطيني المحتل إلى الواجهة من جديد ردا على المجازر الإسرائيلية وتهجير المدنيين وسياسة الاغتيالات الإسرائيلية بحق قيادات فصائل المقاومة في قطاع غزة تحولا إستراتيجيا في المعركة.

وانعكس صدى هذا الإعلان داخل إسرائيل، وكشف درجة كبيرة من الخوف في المنظومة الأمنية من إدخال عبوات ناسفة إلى قلب المدن الكبرى في إسرائيل، الأمر الذي قد يسبب الكثير من الخسائر البشرية والمادية.

يضاف إلى ذلك أن النجاح الذي تحققه عمليات إطلاق النار التي ينفذها مقاومون داخل إسرائيل يضاعف مخاوف قادة إسرائيل من انعكاساتها السلبية على الجمهور الإسرائيلي، وظهر ذلك جليا عقب عملية يافا التي أسفرت عن مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 16 آخرين.

وعلق مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات في تصريحات للجزيرة نت بقوله إن مثل هذه العمليات تُظهر أن إسرائيل غير قادرة على ضبط الميدان في المواجهة مع الفلسطينيين، وأنها فشلت في المقاربة العسكرية والأمنية.

وتكشف الأرقام المعلنة بشأن عدد العمليات التي أعلن عنها الأمن الإسرائيلية -سواء ما نجح منها أو ما تم إحباطه- عن الضغط الكبير الذي تتعرض له أجهزة الاحتلال، فحتى أغسطس/آب الماضي أعلن عن أكثر من ألف عملية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

7- خسائر اقتصادية لا تحصى

ختاما، فقد تسببت الحرب التي يخوضها نتنياهو بخسائر هائلة للاقتصاد الإسرائيلي كما نُشر في تقرير للجزيرة نت، وأشارت تقديرات إلى أن تكلفة الحرب تجاوزت 67.3 مليار دولار حتى الآن، ولا تُحسب في هذا كلف أخرى تتعلق بالجيش مثل علاج الجرحى وتوفير المأوى والملاجئ.

وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لإسرائيل، مشيرة إلى تفاقم المخاطر الجيوسياسية مع استمرار الحرب في غزة، وسط تهديدات بانتقالها إلى جبهات أخرى.

وفي بداية الحرب وضعت الوكالة تصنيف الديون السيادية لإسرائيل تحت المراقبة السلبية، وحذرت من أن أي تصعيد كبير قد يؤدي إلى خفض التصنيف.


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: المقاومة فی حزب الله أکثر من

إقرأ أيضاً:

الاستخبارات الغربية ودورها المحوري في الحرب: شراكة كاملة مع آلة القتل الإسرائيلية

يمانيون – متابعات
لعبت الاستخبارات الغربية دوراً مفصلياً في الحرب على غزة ولبنان، سواء في عمليات محاولة تحرير الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، أو في الهجمات المعقدة التي استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان خلال الأشهر الفائتة، ولا سيما في الاغتيالات التي نفذها سلاح الجو في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي وأدّت إلى استشهاد عدد من القيادات الأساسية في المقاومة أبرزهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

وقد تأكد دور الاستخبارات الغربية في الحرب من خلال عدد من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون غربيون عقب بعض هذه الهجمات، وتبنوا فيها إلى حد كبير المساهمة في العمل الاستخباري الذي أدّى إلى تنفيذ عدد من الضربات ضد أهداف حساسة المقاومة في لبنان.

إذ نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية عن مسؤول أميركي، عقب الضربة التي شنها الاحتلال في الضاحية الجنوبية وأدت إلى استشهاد القائد الجهادي في حزب الله فؤاد شكر، وبعد ردّ المقاومة عبر استهداف قاعدة غاليلوت، أن الولايات المتحدة “قدمت مساعدة استخباراتية للضربة التي وجهتها إسرائيل ضد حزب الله”.

ولكن هذه التصريحات وغيرها شكلت “الرأس الظاهر” من جبل الجليد، فقط أكّدت العديد من الهجمات الأمنية التي تتالت ما صدر من التصريحات والتحليلات، بأنّ المقاومة في لبنان وطوال السنوات الماضية، لم تكن تتعامل ضدّ جهة استخبارية واحدة، بل ضدّ عدد غير مسبوق من أجهزة الاستخبارات التي تعاونت لمحاولة القضاء على قدراتها. وقياداتها، بالإضافة إلى تقنيات غير مسبوقة في أعمال التفخيخ وعبر استعمال تكنولوجيا مدنية توجب القوانين الدولية أن تبقى بعيدة عن أي استعمال هجومي قد يحمل أخطاراً كبيرة ضد المدنيين.

القدرات الاستخبارية الإسرائيلية غير كافية

وأشار بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، في أكثر من مقابلة عقب تصعيد العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، ولا سيما بعد موجة الاغتيالات والتفجيرات، إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المسؤولة الرئيسية عن حرب الاستخبارات التي سمحت للعدو الإسرائيلي بالقيام بالاستهدافات الدقيقة لشخصيات قيادية في المقاومة.

وفي مقابلة تلفزيونية الشهر الفائت، أكّد ماكغورك أنّ القدرات الاستخبارية الإسرائيلية “غير كافية لتحقيق المستوى الذي كان ضرورياً للوصول إلى قيادات المقاومة بهذه الطريقة”. وأشار ماكغورك إلى أنّ “الولايات المتحدة فقط هي القادرة على استعمال تقنيات معقدة كمراقبة شاملة للبصمات الصوتية”، بالإضافة إلى بصمة الوجه واستعمال تقنيات مراقبة جوية غير تقليدية عبر الأقمار الصناعية للوصول إلى جمع معلومات كافية للقيام بعمل من هذا النوع.

فشل استخباري أمام المقاومة الفلسطينية

كما يشير الفشل الاستخباري الكبير الذي لحق بالاحتلال و”جيشه” في السابع من أكتوبر 2023 وما بعده إلى أنّ العدو الإسرائيلي ليس بمستوى القدرة على القيام برقابة شاملة وتحقيق خرق أمني واسع على نطاق واسع، حتى على نطاق قطاع غزة المحاصر والواقع بكامله في قلب الجغرافيا الفلسطينية المحتلة وضمن مجال عمل أعقد التقنيات الإسرائيلية في التجسس والتتبع والرصد والاستطلاع.

إذ إنّ جهازاً لم يكن قادراً على توقع هجوم بحجم طوفان الأقصى، اشترك فيه آلاف المقاومين وتخلله بطبيعة الحال جهوزية ميدانية واسعة وتحشدات وتجمعات ونقل لأسلحة وذخائر وآليات بالإضافة إلى اتصالات وتداول معلومات وخطط وربط تشكيلات قتالية ببعضها البعض، الأولى به أن لا يكون قادراً على القيام بذلك ضدّ عدوّ أكبر وأبعد وأكثر تعقيداً على مستوى الهيكليات والتشكيلات وأنواع الأسلحة والقدرات والامتداد الجغرافي وخطوط الإمداد، كحزب الله.

وعلى الرغم من أنّ الإسرائيليين ادّعوا لاحقاً أنّ الفشل كان سببه التركيز على الجبهة الشمالية، فإنّ أداء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة من “موساد” و”أمان” و”شاباك” بعد 7 أكتوبر لم يبرهن ذلك، بل أثبت أنّ قادة المقاومة الفلسطينية صمدوا لفترات طويلة نسبياً في بيئة قتالية أصعب من لبنان بكثير، وأمام اجتياح لأرضهم وتركيز لجهود غير مسبوقة على اكتشاف أماكن تحصّن أو تخفي قيادات المقاومة الفلسطينية وصواريخها البعيدة المدى وأماكن احتجاز الأسرى.

ولم يتمكن الاحتلال من اغتيال المطلوب الأول له، والمسؤول المباشر عن عملية طوفان الأقصى، رئيس حركة حماس يحيى السنوار، إلا بعد أكثر من عام على ملاحقته، ومن دون أن يكون ذلك مبنياً على معلومات استخبارية بل عن طريق الصدفة خلال اشتباك في رفح تخلله قصف مدفعي.

كما لم ينجح الاحتلال في تحرير سوى عدد بسيط جداً من الأسرى الإسرائيليين، وفشل في الوصول إلى أي معلومات مرتبطة بأماكن احتجازهم أو دفن من مات منهم حتى الآن، فيما تمكنت القسام من استهداف تل أبيب بالصواريخ بنجاح في الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، برغم كل المزاعم الإسرائيلية عن تدمير قدرات المقاومة الصاروخية.

الغرب والجماعات التكفيرية.. شراكة في العمل ضد المقاومة

كذلك أشار عدد من التقارير الغربية إلى أنّ أجهزة الاستخبارات العالمية، وبخاصة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، عملت على استغلال الحرب على سوريا والتهديد الذي شكّلته الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة من الغرب لحزب الله ولبنان، من أجل مراقبة الأعمال العسكرية الذي شنّها حزب الله ضد الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بدءاً من معركة القصير عام 2013 وهجوم الغوطة الشرقية وصولاً إلى معارك حلب وأطراف إدلب ودير الزور والبوكمال.

وأكّدت التقرير المنشورة أنّ هذه الحرب شكّلت فرصة للاستخبارات الغربية، وقدراتها الواسعة في الرصد والتتبع والتحليل، لدراسة الميدان السوري والعراقي وفهم هيكليات وأساليب عمل المقاومة الإسلامية في لبنان، ونقلها إلى الإسرائيلي ليبني عليها فهمه لحزب الله وخططه في الحرب ضده، بعد أن أظهر الإسرائيلي عجزاً كبيراً في معرفة المقاومة عام 2006 أدّت إلى ما وصفه تقرير في “فورين بوليسي” بشكل موجز بأنه “سلسلة من التعثرات والمفاجآت انتهت بضربة كبيرة للقيادة السياسية والعسكرية والأمنية وتقاذف للمسؤوليات والاتهامات”.

“إسرائيل” بلا خطوط حمراء أميركية

من جهتها، استمرت الإدارة الأميركية في ادّعاء دور توسّطي بشأن التصعيد على الجبهة بين لبنان وفلسطين المحتلة طيلة الأشهر التي سبقت توسع العدوان. وقد وصل هذا الدور المزعوم إلى حدّه بعد اغتيال “إسرائيل” للقيادي الكبير في حزب الله الشهيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في تموز/يوليو الماضي، والذي جاء عقب ما أشار إليه مسؤولون لبنانيون لاحقاً من “ضمانات وتطمينات” قدّمها الأميركي للبنان بأنّ العدو الإسرائيلي لن يقدم على قصف الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقد ألمح قادة في المقاومة لاحقاً، وأبرزهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، إلى أنّ الأميركي مارس خداعاً ممنهجاً للبنان حكومةً ومسؤولين لمحاولة استدراج قادة المقاومة إلى خارج أماكن يتحصنون فيها في الضاحية تسهيلاً لاستهدافهم، ما يكشف بالتالي التعاون الاستخباري والعملياتي بين الولايات المتحدة، بأجهزتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية وليس فقط العسكرية والأمنية، وآلة القتل الإسرائيلية.

واشنطن تراهن على العدوان الإسرائيلي

ومنذ أسبوعين، ذكر تقرير في موقع “بوليتيكو” الأميركي بصراحة أنّ الإدارة الأميركية تؤيد بقوة المسار الإسرائيلي الجديد في الشرق الأوسط، وتصفه بأنه “يصنع تاريخ المنطقة”، وأنّ كلّ دورها هو ممارسة “ضبط ورقابة” على الممارسة الإسرائيلية لخطط العدوان العسكري والأمني الواسع ضد لبنان، لضمان نجاحه بأقل أضرار ممكنة، بالإضافة إلى استمرار الحرب على غزة.

وأكّد التقرير في “بوليتيكو” أنّ “(عاموس) هوكشتاين وماكغورك وغيرهم من كبار مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة معجبون بشدة بما تقوم به إسرائيل ويعتقدون أنه سيغير وجه الشرق الأوسط للأفضل في السنوات المقبلة”، في ما يفهم على أنه رهان على ضرب محور المقاومة وحضوره في المنطقة، ومواجهة إيران وقطع دعمها لحركات التحرر والمقاومة في البلدان العربية والإسلامية.

ورغم استمرار الولايات المتحدة بالحديث عن أنها تضع خطوطاً حمراء أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي ونواياه العدوانية تجاه لبنان وشعبه ومقاومته، ولكن ينقل التقرير عن مسؤول أميركي كبير أنّه “من غير الواضح أين يقع هذا الخط الأحمر بالتحديد”، إن وجد بالأصل.

المصالح الأميركية في المنطقة والعالم: “إسرائيل” أولاً

تقف الولايات المتحدة اليوم أمام تحديات كبرى على مستوى العالم، في وجه روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ودول في أميركا الجنوبية وأفريقيا وغير ذلك. ويعتبر التهديد الذي يمثله حزب الله لكيان الاحتلال الإسرائيلي، والذي صنّفه الاحتلال في أكثر من تقدير استراتيجي بأنه “خطر وجودي”، خطراً ضد المصالح الأميركية في المنطقة بالدرجة الأولى، لأنّ “إسرائيل” بحد ذاتها هي المصلحة الأميركية الأكبر في المنطقة، وراعية وضامنة استمرار المصالح الأخرى المرتبطة بنهب الثروات الطبيعية ومنع الشعوب من الاستفادة منها.

الأساطيل البحرية الأميركية للدفاع عن”إسرائيل”

وقد عبّرت واشنطن صراحة عشرات المرات خلال العام السابق عن التزامها الدفاعي المبدئي تجاه أمن “إسرائيل” وفي وجه أي هجمات ضدها من قبل حزب الله أو إيران، وثبتته بقرار تاريخي بإرسال مجموعة حاملة الطائرات “فورد” إلى قبالة السواحل اللبنانية في الأيام الأولى ما بعد طوفان الأقصى، تبعتها “روزفلت” و”أيزنهاور” ثم “لنكولن” واليوم يتحدث الأميركيون عن إرسال مجموعة حاملة الطائرات “ترومان” بموازاة التصعيد مع إيران.

وقد عملت كذلك على محاولة التصدي بشكل مستمر لهجمات اليمن الصاروخية ضد كيان الاحتلال، على الرغم من ما يتضمنه ذلك من تضحية بقدرات صاروخية مكلفة واستراتيجية، في وقت تقترب فيه الحرب في أوكرانيا من عامها الثالث وتبرز فيه الحاجة الغربية والأوكرانية إلى معترضات للصواريخ الروسية.

كما شكل التحالف الأميركي ضد اليمن وعملياته في البحر الأحمر سبباً آخر لإظهار مدى الجموح الأميركي في دعم “إسرائيل” ولو على حساب بعض مصالح واشنطن، فقد أدى التصعيد الذي جلبه الحضور الأميركي العسكري في البحر الأحمر إلى شبه إغلاق لمسار سفن الشحن في البحر الأحمر بشكل عام، وهو إغلاق لم يفرضه اليمن، الذي أكّد أنّ الاستهدافات هي فقط للسفن الإسرائيلية والمرتبطة بـ”إسرائيل”.

سمعة الصناعات الغربية في مهبّ ريح “نتنياهو”

كذلك فإنّ استعمال الاحتلال للتقنيات المدنية في استهداف “حزب الله” عبر تفخيخ أجهزة البايجر لم تكن لتمرّ من دون إذن الولايات المتحدة، التي ستتأثر بشكل كبير بأي ضربة لموثوقية الصناعات التقنية الغربية وسلاسل التوريد، والتي لم تقم بأي ردّ فعل استنكاري على هذا الهجوم.

إذ تركت احتمالية أن تكون البضائع الغربية في السوق العالمية قنابل موقوتة، آثاراً بعيدة المدى على الثقة العالمية بالصناعات الغربية حتى المدنية منها. ولا يخفى أن الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية هي أبرز ما تصدّره الولايات المتحدة إلى العالم، وهي بضائع تقوم بشكل أساسي على موثوقية المصادر وسلاسل التوريد.

وبالتالي، يظهر كيف أنّ الدور الغربي ولا سيما الدور الاستخباري عبر الرصد والاستطلاع والتحليل المعمق للمعلومات الأمنية من جهات عالمية مختلفة، ساهم بشكل كبير في أن يكون العدو الإسرائيلي اليوم قادراً على الظهور بمظهر القادر على تنفيذ اختراقات أمنية واسعة للمقاومة، وبهدف أبعد من النتائج المباشرة لأعماله الأمنية، عبر محاولة إفقاد بيئة المقاومة القريبة والبعيدة شعورها بأمنها وسريتها، وإشعارها بالانكشاف الأمني أمام العدو في محاولة لكسر إرادتها.

ولكن هذا الدور الذي أراده العدو لعدوانه الأمني الواسع في بداية الحرب أحبطته المقاومة وجمهورها حتى الآن، وبات كثر من الخبراء الغربيين بل والإسرائيليين أنفسهم يصرّحون باعتقادهم بأنه وصل إلى حدّه، بعد أن استنفد الاحتلال بنك أهدافه الذي جمعه بمساعدة الاستخبارات الغربية، وبعد عودة المقاومة خلال الأسبوعين الأخيرين إلى العمل بفعالية تصاعدية ضد العدو، كاشفةً عن استعادتها لهيكلياتها التنظيمية، وتعافي غرفة عملياتها ومنظومة القيادة والسيطرة لديها، واحتفاظها بقدراتها الاستراتيجية والفتاكة، التي توّجتها عملية استهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صباح اليوم.
———————————–
– الميادين نت

مقالات مشابهة

  • حزب الله يعلن مسؤوليته عن استهداف منزل نتنياهو.. وأبو عبيدة يشيد
  • حزب الله يعلن مسؤوليته عن استهداف منزل نتنياهو بطائرة مسيرة
  • السبع المهلكات التي يخشاها نتنياهو
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؟
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي بلبنان؟
  • الاستخبارات الغربية ودورها المحوري في الحرب: شراكة كاملة مع آلة القتل الإسرائيلية
  • ما هي ‘مفاجأة أكتوبر التي يخشاها جميع رؤساء أميركا في الشهر الأخير قبل الانتخابات؟
  • مسيرة ”صياد” التي أربكت نتنياهو وقصفت منزله: طائرة خفية تصعب مراقبتها وتكسر دفاعات الاحتلال (تفاصيل مثيرة)
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي: حزب الله حاول استهداف نتنياهو.. ولا توجد إصابات