الاجتماع الأول للرابطة الصينية العربية
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
حمد الناصري
في مدينة شنغهاي في أقصى الشرق في دولة الصين عقد الاجتماع الأول للرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية يوم 27 سبتمبر، وحضر حفل الافتتاح نائب وزير الخارجية الصيني "دنغ لي" الذي ألقى كلمة، أكد فيها عمق وعراقة العلاقات العربية الصينية وأن تأسيس الرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية يأتي انعكاسًا لتطور تلك العلاقات الودية التقليدية بين الصين والدول العربية وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، والمصالح المشتركة وتوسيع التعاون بين الجانبين، فضلاً عن كونها مبادرة هامة لمواجهة التحديات بشكل مشترك وخلق مستقبل أفضل.
ومن المؤمل أن تركز الرابطة على الأهداف الخمسة المتمثلة في خدمة التنمية ودعم التعاون وتعزيز السلام والدعوة إلى العدالة وتوسيع التبادلات وتقديم دعم فكري قوي لتنمية العلاقات الصينية العربية والتعاون في "الجنوب العالمي" في العصر الجديد.
وقد شارك في الاجتماع التأسيسي ممثلو ما يقرب من 40 مؤسسة فكرية من الصين و19 دولة عربية وجامعة الدول العربية، كما حضر الاجتماع بعض سفراء الدول العربية في الصين.
وأشاد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية في الحفل الختامي، وممثلون عرب آخرون بالإنجازات التنموية التي حققتها الصين معبرين عن تطلعهم إلى تعميق التعاون العربي الصيني في مختلف المجالات والعمل معًا لتطوير وتمتين تلك العلاقات لمصلحة كل الأطراف.
وكان من أبرز محاور هذا المحفل، التمسك بالإصلاح والابتكار وتعزيز الانفتاح والتعاون عالي المستوى بين الصين والدول العربية وتعزيز بناء الرابطة وتدعيم التواصل الحضاري وتقارب الشعوب، والدفع لوقف إطلاق النار في غزة وتحقيق الحل الشامل والعادل والدائم لهذه القضية. وقد ألقى الأستاذ حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية العُمانية كلمة شكر فيها القائمين على الرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية، مشِيدًا بدورهم البناء وجهودهم المضنية لتنظيم هذا الاجتماع، مؤكدًا أن الرابطة ستسهم في تحقيق جملة من الأهداف والغايات الطموحة، التي تعزز أواصر التعاون بين البلدان العربية وجمهورية الصين الشعبية الصديقة. ومؤكدًا على الرغبة الصادقة في بلورة علاقات ثقافية وفكرية نوعية بين الدول العربية والصين، بهدف استعادة التواصل الحضاري، الذي بدأ قبل عدة قرون، منذ أن أرسى العرب الأوائل سفنهم على الشواطئ الصينية، ومن بينهم البحار العُماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم، وأسهموا في وضع الأساسات المتينة للعلاقات الثنائية المزدهرة في جميع المجالات".
وكدأب العُماني والعربي الأصيل ذكَّر الأستاذ حاتم الطائي الحضور بما يجري في غزة مِن مأساة إنسانية تفرض على كل الشعوب أن تُسلط الضوء على ما يشهده القطاع من عدوان غاشم ومجازر كارثية تسببت في عدد هائل من الضحايا والمصابين؛ حيث تجاوز عدد الشهداء حاجز الـ42 ألف إنسان، جلهم من الأطفال والنساء، وأصِيب عشرات الآلاف بجروح بالغة، وتعرض العديد منهم لِبتر أطراف وعاهات مستديمة، كما يقبع أكثر من 15 ألف فلسطيني في سجون إسرائيل دون محاكمات تتوافر فيها أدنى مقومات العدالة، ويتعرضون فيها لأبشع الممارسات غير الإنسانية، إضافة الى تعرضهم إلى عمليات ممنهجة من التنكيل والتعذيب وثقتها المنظمات الحقوقية والدولية والأممية، وأدانتها مفوضية حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وبرهن عليها كذلك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وقد شدد الأستاذ الطائي في كلمته على ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنهاء هذه الحرب العبثية، التي لا تستهدف سوى المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية بالكامل في قطاع غزة، الذي يعاني في الأساس منذ أكثر من عقد من حصار خانق تسبب في تحويل حياة المواطنين الفلسطينيين إلى جحيم، بينما يمارس الطرف الإسرائيلي إجرامه بكل حرية دون محاسبة أو عِقاب، متجاهلًا تمامًا كل القوانين والأعراف الدولية، ومواثيق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.
ومن جانب آخر أكد د. ون قاو رئيس مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في كلمته بالمناسبة: "الصين دولة سلمية والشعب الصيني يتشارك مع الشعب العربي في مفهوم السلام".
وذكر الوزير المفوض بسفارة سلطنة عُمان في بكين علي بن خلفان الحسني، أن مشاركة سلطنة عُمان في هذا الاجتماع يؤكد عمق ومتانة هذه العلاقات الثنائية بين البلدين، وقال: "إن سعي دولنا العربية إلى تعزيز السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتثميننا الجهود الصينية وتقديرنا العالي للمبادرة الصينية للسلام في الشرق الأوسط، والتي أثمرت توقيع اتفاق المصالحة التاريخية بين الفصائل الفلسطينية، إلى جانب الجهود الدبلوماسية الطيبة للصين في مجلس الأمن، وحرص الدولة الصينية على اتخاذ ودعم القرارات التي من شأنها وقف الحرب والعدوان على غزة، ولذلك أجدد التأكيد على أهمية إرساء أسس السلام في العالم، من أجل أن ينعم الإنسان بالكرامة والعيش الآمن، وعلى المنظمات الدولية الأممية، تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، في حفظ الأمن ودعم الاستقرار حول العالم، حتى لا نجد عالمنا يتراجع إلى فترات ما قبل الحضارة، وتنتشر البربرية في أرجاء المعمورة".
خلاصة القول.. إنَّ الصين دولة عظمى وثاني أكبر وأهم اقتصاد عالمي، وهي شريك مُهم لدولنا العربية في كل المجالات وعلاقتنا بها تتنامى وتزداد تنوعًا وتطورًا وعمقًا؛ سواءً اقتصاديًا أو سياسيا أو ثقافيًا وإعلاميًا وفي مجال التعليم والصحة. وأعتقدُ أنَّ الرغبة في تطوير تلك العلاقة تكمن في نفوس كل الأطراف، وكما تدعم الصين قضايا العرب وعلى رأسها قضية فلسطين؛ فدول مجلس التعاون وأغلب الدول العربية تدعم وحدة الصين وسيادتها على كل أراضيها.
ومن هذا المنطلق، نحث دولنا العربية عامة ودول المنطقة خاصة على تعزيز التعاون الثنائي مع الصين والاستناد على مبادرتها لحل قضية العرب جميعًا؛ فلسطين، وإقامة شراكات استراتيجية وزيادة الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة والزراعة والاستثمار في الأمن الغذائي وتطوير آليات الصناعة الحديثة في شتى المجالات، وخاصة الابتكار والتكنولوجيا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ليانغ سوو لي: منفعة متبادلة بين الشركات الصينية والعربية في إطار النمط التنموي الجديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تُعقد الدورة الحادية عشرة لمؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب، والدورة التاسعة لندوة الاستثمارات التابعة لمنتدى التعاون الصيني العربي، في الفترة من 27 إلى 30 أبريل الجاري بمقاطعة هاينان جنوب الصين.
ويأتي هذا المؤتمر، الذي يضم أكثر من ألف من النخب الحكومية والتجارية من الصين والدول العربية، يأتي في وقت حاسم تتسارع فيه خطوات الصين نحو انفتاح رفيع المستوى، وتعزز فيه جهودها لبناء نمط تنموي جديد.
كما يكتسب المؤتمر أهمية مضاعفة نظرًا لتزامنه مع استعداد منطقة هاينان للتجارة الحرة للدخول في مرحلة الإغلاق الجمركي والتشغيل الكامل، ما يعكس ديناميكية التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية، ويؤكد أن مبدأ التعاون والمنفعة المتبادلة بات يشكل ركيزة أساسية ومتزايدة الأهمية في العلاقات الدولية.
وقالت الإعلامية الصينية ليانغ سوولي في ظل إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية وتسارع وتيرة التعاون الإقليمي، تمضي الصين قدمًا في ترسيخ نمط تنموي جديد يقوم على تعزيز الدورة الاقتصادية المحلية الكبرى، مع تحفيز التفاعل الإيجابي بين الدورتين الاقتصادية المحلية والدولية.
سوق ضخمةوأضافت ليانغ أن هذا التوجه يستند إلى سوق داخلية ضخمة، ويشدد في الوقت نفسه على أهمية الانفتاح الرفيع المستوى لجذب الموارد والعناصر الإنتاجية العالمية. وفي هذا الإطار، يُعد تعميق العلاقات الصينية العربية، خصوصًا على مستوى التعاون بين الشركات، عنصرًا أساسيًا في تفعيل هذا التفاعل المشترك.
وأكدت أن الدول العربية تُعتبر شريكًا رئيسيًا في مبادرة "الحزام والطريق"، كان يسعى خلال السنوات الأخيرة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي عبر تطوير الطاقة المتجددة والصناعات المتقدمة والابتكار التكنولوجي وهي أهداف تلتقي بشكل وثيق مع ما تملكه الصين من قدرات صناعية وتقنية وسوق واسعة.
وتشير البيانات إلى أن حجم التبادل التجاري بين هاينان ودول الجامعة العربية سجّل نموًا سنويًا تجاوز 30% خلال السنوات الثلاث الماضية، متجاوزًا 240 مليار يوان (حوالي 32.94 مليار دولار أمريكي) في عام 2024، ما يعكس نموذجًا ناجحًا للتعاون بين المناطق الصينية والدول العربية.
مجتمع المصير المشتركويعقد المؤتمر تحت شعار "بناء خمسة أسس للتعاون وتسريع بناء مجتمع المصير المشترك"، مع التركيز على التكامل في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والسياحة والثقافة والمالية، بهدف رفع التعاون إلى مستويات أشمل وأكثر عمقًا.
ومن المقرر إصدار "إعلان هايكو"، وإنشاء مكتب تنسيق لغرفة التجارة الصينية العربية المشتركة في هاينان، إلى جانب انضمام أربع مناطق تجارة حرة عربية إلى مبادرة الشراكة العالمية لموانئ التجارة الحرة، وهو ما سيوفر دعامة مؤسسية مستدامة للتعاون بين الجانبين.
وأوضحت ليانغ أنه في الوقت ذاته، تهيئ مزايا الانفتاح المؤسسي في منطقة هاينان للتجارة الحرة بيئة مواتية للغاية لتعاون الشركات الصينية والعربية. فبفضل سياسات مثل "التعريفات الصفرية" و"معدلات الضرائب المنخفضة"، و"النظام الضريبي المبسط"، إضافة إلى آليات التخليص الجمركي السريعة وحرية تدفق البيانات، أصبحت هاينان منصة محورية لربط السوق الصينية بموارد وأسواق الدول العربية. لذا، لا يمثل هذا المؤتمر مجرد منصة لجمع السياسات والموارد، بل يشكل فرصة استراتيجية لتعزيز تكامل هاينان مع الدول العربية وتنشئة تفوقات اقتصادية وتجارية جديدة.
لم يعد التعاون بين الشركات الصينية والعربية محصورًا في مجال الطاقة التقليدية، بل امتد ليشمل الطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية والصناعات الخضراء.
وتشارك شركات صينية كبري بفعالية في مشاريع المدن الذكية وشبكات النقل الحديثة بالدول العربية، في حين يتسارع دخول الشركات والمستثمرين العرب إلى السوق الصينية، مما يحول التدفق الاستثماري إلى عملية متبادلة تعكس تطور جودة التعاون بين الجانبين.
وتابعت ليانغ إن جوهر النمط التنموي الجديد في الصين يتمثل في تحقيق توازن ديناميكي رفيع المستوى بين العرض والطلب من خلال ضمان سلاسة وكفاءة الدورة الاقتصادية. وبصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تطلق الصين العنان لإمكانات سوقها الداخلية الضخمة، ما يوفّر فرصًا غير مسبوقة لشركائها العالميين، وعلى رأسهم الدول العربية.
وأضافت ليانغ أن الصناعات الصينية حاليًا تشهد تحسنًا في الجودة وارتقاءً في المستوى، إلى جانب توسع "الخروج" في مجالات التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والمعدات المتقدمة، بينما تستمر مناطق مثل هاينان في جذب الاستثمارات الأجنبية بفضل سياسات الانفتاح المؤسسي والتجارة الحرة.
وجددت تأكيدها أنه على أرض هاينان النابضة بالحيوية وروح الإصلاح، تتفتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون الصيني العربي. لقد تجاوز الانفتاح الصيني مرحلة "تدفق السلع"، وبدأ في التوجه نحو الاندماج العميق في "القواعد والمعايير والمؤسسات"، وهو تحول تلعب فيه الشركات من كلا الجانبين دورًا محوريًا بصفتها الفاعل الرئيسي في التنفيذ. وبفضل الرؤية الاستراتيجية وروح الابتكار العملي، تكتب هذه الشركات فصلًا جديدًا من المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، في سياق التفاعل البنّاء بين الدورتين المحلية والدولية.
ومع مواصلة تفعيل حوافز السياسات في منطقة هاينان للتجارة الحرة، سيواصل التعاون الصيني العربي توسعه في مجالات أرحب، بما يسهم في ضخ زخم جديد في مسار التعاون بين بلدان الجنوب على مستوى العالم.