منذ عام تقريبًا ربط حزب الله في الثامن من أكتوبر جبهة غزة بجبهة لبنان بمعزل عن قرار الدولة اللبنانية، وتحت ما سمّي بـ"مساندة جبهة غزة"، ولم تنفع مواقف أحزاب لبنانية في ثنيه عن هذه الحرب التي توسّعت على نحو غير محدود مع إسرائيل، وطالت خسائرها معظم المناطق اللبنانية ولو بدرجات متفاوتة، في حرب وصفت بالأعنف والأكبر في تاريخ لبنان.

ومن الواضح أنّ ربط الجبهتَين بين غزة ولبنان يؤدي إلى طرح سؤال مشروع عن تأثير مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار برصاص جنود إسرائيليين في غزة، وهو الذي خطّط وأطلق هذه الحرب منذ عام في السابع من أوتوبر، على الجبهة اللبنانية المفتوحة على احتمالات شتّى، منها التصعيد العسكري، أو ترك المجال لحلّ دبلوماسي قوامه تطبيق القرار الأمميّ 1701، الذي تأخّر تطبيقه ثمانية عشر عامًا، وما يُحكى اليوم عن إضافات عليه فرضتها وقائع الحرب ضمن ما يعرف بـ 1701 بلاس.

وما يعطي مشروعية لهذا السؤال استمرار حزب الله على رغم الخسائر الكبرى التي مني بها لبنان في الآونة الأخيرة، ومني بها الحزب، في ربط الساحة اللبنانية بساحة غزة، وهذا الموقف جاء بوضوح في المداخلة المتلفزة لنائب أمينه العام نعيم قاسم، الأمر الذي استدعى ردود أفعال معارضة لهذا الموقف من شريحة كبرى من اللبنانيين لم تكن موافقة على هذا الربط من الأساس، وهي لا تزال حتى اليوم راغبة في فكّ مسار الجبهتين وتطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، و1701، وحصر القرار الإستراتيجي بيد الدولة اللبنانية، وإعطاء الجيش اللبناني كامل الصلاحيات اللازمة، وهو ما عبّرت عنه قوى المعارضة في مؤتمر "معراب" الأخير الذي دعت إليه القوات اللبنانية.

النائب في البرلمان اللبناني إبراهيم منيمنة، اعتبر في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "مقتل يحيى السنوار نكسة جديدة لمحور الممانعة وفق النموذج الذي كان يقدّمه باعتباره نموذجًا غير منتج وغير مجدٍ وخصوصًا فكرة وحدة الساحات في الفترة الأخيرة التي أثبتت أنّها كانت من دون أفق، واليوم مع الأسف مقتل السنوار يؤكّد أنّ التجربة التي خاضها فشلت، وهذه الهزيمة للمحور بأكمله شبيهة بنكسة 67".

وتابع منيمنة "أنّ مقتل السنوار والهزيمة التي مُنيت بها حماس ستؤثّر بشكل كبير على حزب الله، وستطرح تساؤلات كثيرة عن جدوى استمرار الحزب في حربه بعدما خسر الحليف الذي كان يسانده، وهنا نسأل: مَن الجهة التي يدعمها حزب الله الآن بعد مقتل السنوار؟ وأي جبهة يساند؟ فما الذي تقدّمه جبهة الإسناد بعد كل هذه الخسائر في لبنان؟ وهذه الأسئلة سيواجهها الحزب أمام جمهوره بكل تأكيد".

وختم منيمنه بأنّ "الوضع لا يزال قاتمًا والتشاؤم هو المسيطر لأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لن يقف عند أي حدود في التمادي بعدوانه، وهو يستغلّ لحظة زمنية تنشغل فيها الإدارة الأميركية بالانتخابات من أجل التوسّع بالقتل والتدمير وتسجيل نقاط في هذه الحرب ومن دون أيّ رادع للأسف".

أما النائب رازي الحاج، العضو في "تكتّل الجمهورية القوية" الذي يرأسه حزب القوات اللبنانية، وهو التكتّل الأكبر المعارض لحزب الله في لبنان، وفي حديث لموقع "الحرة"، اعتبر "أنّه لن يكون هناك تأثير مباشر لمقتل السنوار على لبنان لأنّ الحرس الثوري الإيراني هو مَن يقود المعركة بشكل مباشر عبر حماس وحزب الله، وبالتالي فمن الواضح أنّ الإيراني يريد إطالة أمد المعركة في لبنان وغزة كي يربح المزيد من الوقت وكي يثني إسرائل عن توجيه ضربة إلى إيران مباشرة، وهذا احتمال وارد كي يكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية التي ربّما قد تحمل له رئيسًا يقدّم بعض التنازلات في الملف النووي وقضايا أخرى تجنبًا لضربة إسرائيلية قد تهزّ النظام الإيراني".

من جهتها، رأت الصحفيّة في جريدة "النهار"، سابين عويس، في حديث لموقع "الحرة"، أنّ "مقتل السنوار سيُحبط طبعًا قيادة حزب الله التي ترى كيف يتمّ استهداف قيادات حركة حماس في غزة وأيضًا قيادات الحزب في لبنان بعد الخسائر الكبرى التي يتعرّض لها على مستوى القيادة وأبرزها استهداف أمينه العام حسن نصرالله، وعندما نعود إلى كلام نائب الأمين العام نعيم قاسم، نرى أنّ هناك نفسًا جديدًا استمدّه قاسم من زيارة وزير خارجية إيران ومن زيارة رئيس مجلس الشورى إلى لبنان، وهذا النفس يختلف عن الخطابين السابقين له، إذ طرح معادلة جديدة مفادها أنّنا لم نعد في معركة "جبهة إسناد غزة"، لكننا أصبحنا في معركة مواجهة مع إسرائيل، وبالتالي حاول الفصل بين جبهة غزة وجبهة لبنان، من هنا نرى أنّ اغتيال السنوار لن يغيّر في مجرى المواجهة التي قرّرها الحزب بتوجيه إيراني مباشر بعد زيارة رئيس مجلس الشورى مؤخرًا إلى بيروت".

وتابعت عويس أنّ "هناك خوفًا من عامل ثانٍ مؤثر في مسار الجبهة ربما يتمثل في تحريك المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، إذ ننتظر ونرى كيف سيؤثّر اغتيال السنوار على المشهد الفلسطيني قبل تأثيره على المشاهد الأخرى في ظلّ مخاوف من خلافات فلسطينيّة داخليّة، خصوصًا بعد تراجع قوّة حماس من جرّاء حربها الأخيرة في غزّة بعنوان "طوفان الأقصى".

وبرأي عويس فإنّ الاهتمام الداخلي في لبنان اليوم يجب ألا يتركّز على تداعيات مقتل السنوار على ساحة غزة، وإنما على رد فعل حزب الله على الطروحات والجهود الدبلوماسيّة لوقف إطلاق النار، خصوصًا أنّ نعيم قاسم عندما كلّف رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاوض، وضع له معايير ألا تكون المفاوضات مشروطة.

ونحن اليوم في مرحلة من المواجهة، وبعد الخسائر التي يتكبّدها لبنان بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص، تستغرب عويس كيف يمكن للبنان أن يضع شروطًا لوقف إطلاق النار في حين أنّ إسرائيل لم تعد تقبل، وبجانبها واشنطن، بمجرد تطبيق القرار 1701 الذي أعلن لبنان التزامه بتطبيقه، والحديث اليوم يدور حول تعديله.

من هنا فالكلمة اليوم برأي عويس هي للميدان، ولا تزال الجهود الدبلوماسية ضعيفة ولا ترقى إلى مستوى تحقيق وقف لإطلاق النار وإلى فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، ونحن لا نزال في لبنان بعيدين عن الوصول إلى تسوية سياسيّة في تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تكوين السلطة عبر حكومة جديدة في لبنان.       

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: مقتل السنوار حزب الله جبهة غزة فی لبنان

إقرأ أيضاً:

«القرض الحسن».. معلومات عن المؤسسة المالية التي استهدفها الاحتلال في لبنان

ليلة دامية ومؤلمة عاشها سكان الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت، أمس الأحد الموافق 20 أكتوبر 2024، بعدما عدوان الاحتلال الإسرائيلي بشن 11 غارة جوية في المناطق المكتظة بالسكان بمحيط مطار رفيق الحريري.

استهداف إسرائيلي لمؤسسة القرض الحسن

وبثت المشاهد القاسية والمروعة على كافة الوسائل الإعلامية وتداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في لبنان، وطالب دانيال هاجاري المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي سكان الضاحية الجنوبية بإجلاء أماكنهم نظرًا لاستهداف البنية التحتية لمؤسسة «القرض الحسن».

وبالفعل بعد ساعات قليلة من التحذير، نفذ طيران الاحتلال الإسرائيلي 11 غارة على جميع فروع المؤسسة في عدة مناطق مختلفة، وهي«بعلبك، والهرمل، ورياق، ومشغرة، وحي السلم، وبرج البراجنة، ومنطقة الشياح»، كانت تلك الاستهدافات حساسة للغاية نظرًا لتواجدها بمحيط مطار رفيق الحريري.

ماذا نعرف عن مؤسسة «القرض الحسن»؟

- تأسست مؤسسة القرض الحسن عام 1982 وقت الحرب الأهلية اللبنانية.

- منحت وزارة الداخلية اللبنانية ترخيصاً رسمياً لمؤسسة القرض الحسن سنة 1987.

- تهدف مؤسسة القرض الحسن لمساعدة الناس.

- تعتبر مؤسسة القرض الحسن ذراع المالية للمقاومة الإسلامية اللبنانية حزب الله.

- تملك مؤسسة القرض الحسن حوالي 31 فرعا بلبنان، موزعين على 3 مناطق، وهي: «بيروت، والجنوب، والبقاع».

- فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على مؤسسة القرض الحسن زاعمه أن إيران تستخدمها كغطاء لنشاطات مالية.

وبدأت الحرب على لبنان في يوم الثلاثاء الموافق 17 سبتمبر، إذ شن الاحتلال الإسرائيلي المحتل عمليات اختراق أمنية كبيرة داخل الأراضي اللبنانية لأجهزة الاتصالات اللاسلكية والناقلة التي يحملها عناصر حزب الله، مما تسبب في انفجار تلك الأجهزة من نوعي «بيجر» و «آي كوم»، وسقوط العشرات بل المئات من القتلى والجرحى.

ولم تنته انتهاكات الكيان الصهيوني المستمرة منذ 7 أكتوبر 2024 في غزة، بل اتجهت نحو الجهة الشمالية، وشن طيران الاحتلال الإسرائيلي غارات عنيفة استهدفت مباني سكنية لاغتيال قادة حزب الله و13 عنصرا آخرين، مما أسفر عن استشهاد القائدين إبراهيم عقيل، وأحمد وهبي.

ولم تنته تلك العمليات العسكرية الإسرائيلية أو عمليات الاختراق عند هذا الحد، بل استكمل الاحتلال الصهيوني جرائمه العدوانية من خلال تنفيذ عمليات اغتيالية كثيرة تجاه قادة حزب الله، وكانت أصعب الاغتيالات التي تمت في لبنان حين اغتيل حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله.

اقرأ أيضاًتحت ضربات المقاومة في فلسطين ولبنان.. انهيار نظرية الردع وتغير العقيدة القتالية الإسرائيلية

ميقاتي: أهم أولوياتنا وقف إطلاق النار في لبنان ونتمسك بتنفيذ قرار 1701

الامين العام للجامعة العربية يزور لبنان غدًا الإثنين

مقالات مشابهة

  • هذا ما قاله الطبيب الذي شرح جثمان الشهيد السنوار
  • إعلام عبري: إصابة 7 جنود على جبهة لبنان
  • مجدُ الاستشهاد في الميدان.. أُسطورةُ السنوار
  • «القرض الحسن».. معلومات عن المؤسسة المالية التي استهدفها الاحتلال في لبنان
  • ‏هآرتس: مسؤول في فريق التفاوض الإسرائيلي أبلغ أهالي الرهائن أن حماس لم تنهر بعد رحيل السنوار وتواصل العمل ووضعها مستقر
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؟
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي بلبنان؟
  • مجدُ الاستشهاد في الميدان .. أُسطورةُ السنوار
  • ‏الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عباس سلامة القيادي في جبهة الجنوب التابعة لحزب الله في غارة استهدفته بمنطقة تبنين