البحث عن براح داخل سجن اللوحة.. للأشكال موسيقى تراود تسنيم المشد
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تسنيم المشد التي غابت عن مواسم معارض الفن التشكيلي لأكثر من 10 سنوات منذ آخر معارضها الفردية في 2015، أطلت علينا مجددا في موسم خريف هذا العام بباقة من الأعمال هي الأنضج في مسيرتها.
ففي معرضها "سأكون" الذي احتضنه جاليري سفر خان بالزمالك، في الفترة من 1 وحتى 22 أكتوبر الجاري، قدمت المشد 39 عملا حاولت خلالها أن تعيد تفكيك علاقة شائكة وجدلية بين الشكل والمفهوم.
تستطيع أن تلمح ذلك في أول عمل قد يخطف بصرك فور دخولك من الباب الرئيسي لقاعة العرض. وهو عمل يحول المعرض التشكيلي إلي معرض تفاعلي يكون المشاهد جزء منه. كان هذا العمل عبارة عن قرص خشبي يلتصق في الحائط بمحور يمكِّن المشاهد من لفه بيديه لمشاهدة أكثر من تكوين عبر هذه الدائرة التي يبلغ قطرها 110 سم كما لعبة صندوق الدنيا. جميع العناصر على تلك الدائرة نابعة من عالم الطفولة؛ طائرة ورق، ضفيرة، فيونكات أياد أطفال تتشابك.
أن تخرج الطفل الذي داخلك- أكريليلك على دائرة خشبية قطرها 110سمحرصت "المشد" على إعطاء عنوان لكل عمل، اتسمت تلك العناوين بخلق مفهوم يرتبط بالصورة، فأصبح الـ"تيكيت" المجاور للعمل جزء لا يتجزأ من العمل لأنه يخلق صورة ذهنية تتماهى مع الصورة الواقعية التي يراها المشاهد أمامه في اللوحة.
تحترم "المشد" إذن، المفهوم فحين تطلق مثلا اسم the joker كعنوان لأحد أعمالها وتجد في منتصف اللوحة شخصية رسمت بخطوط سريعة ترتدي جوربين ملونين طويلين، كل جورب منهما له لون مختلف عن الآخر، ستدرك على الفور أن الشخصية المجردة في مركز اللوحة هي شخصية لمهرجة، مهرجة وليست مهرجا بسبب الجورب الطويل والفستان المنفوش.
لكن لم تقتصر الحالة المفاهيمية التي تعيشها المشد على مقابلة النص بالصور ولكن أيضا امتدت إلى داخل العمل نفسه بشكل مستقل عن النص من خلال العلاقات التي تنشأها بين رموزها، ففي عملها الذي أشرنا له "المهرجة" مثلا ثمة شخصية تمثل مهرجة بجوارها شخصية ترتدي زيا أشبه بالإسدال أو الخمار الإسلامي تتداخل مع كائن لم يتضح إن كان جمادا أو حيوانا وتوجد شخصيتان أخريان كل منهما تجلس على كرسي وتبدوان كنساء بسبب الشعر الطويل -إذا جاز هذا التصور- وشخصية أخرى تتداخل مع شكل يشبه الحرف الموسيقي وكرة ملونة أسفل التكوين وسلم ومصباح وشيء يشبه الحجر المتدلى من سطح مبنى. كل هذه رموز تفهم بسهولة رغم تجريديتها فهي لا تحبذ التجريد البحت ويظل لمعركة المفهوم مع الشكل قدسية عندها.
تتجلى هذه المعركة في معالجتها لموضوع الزمن ففي عملها “طاحونة الحياة” تصنع إيقاعا مرحا بين نوعين مختلفين من الخطوط ففيه خطوط عضوية وخطوط هندسية تخلق تصميما متزنا يوحي بأن جميع عناصر اللوحة تدور حول محور ما وسط إيقاع مكون من وحدتين زمنيتين هي الفوضى التي يمثلها الخط العضوي والنظام المثالي الذي يمثله الخط الهندسي، فترى بنت ترفع يدها وكأنه تتجه بقوة نحو السماء وبنت أخرى تشبهها ولكن تسقط في الاتجاه المقابل كليهما متحررين من الجاذبية أو الأرضية التي تلتصق بأقدامهما.
لـ"المشد" بالتة ألوان ثرية ومفهوم فريد في تصميم اللون تميل إلى دفء الألوان في أغلب أعمالها لكنه ذلك الدفء المفعم بالأنوثة، وأحيانا يكون مفعما بالهدوء لكنه هدوء حذر كما في عملها "وقت السفر" الذي تسيطر عليه طبقة واسعة من الأخضر المزرق لا تخلو من من طبقة صفراء صاخبة نقية.
يبدو أن "المشد" تقتنع أن لكل زمن ألوانه فرغم أنها تحيي مدرسة عمرها 100 عام مثل التكعيبية إلا أننا من الصعب القول أنها تتأثر بأي من روادها كبيكاسو أو دولوناي -رغم تقاربها مع أسلوب دولوناي في تجاور المساحات الصغيرة اللونية النقية والبالتة التي تحتوي على ألوان تكمل بعضها أحيانا لتخلق في النهاية عملا قد يداعب العين البريئة كما أعين الأطفال- فهي انحرفت كثيرا عن التكعبيين فجاء عملها الفني مغلفا بشكل واضح بروح عصرنا.
فتأخذ "المشد" التكعيبية وتسافر بها إلى مدن التبسيطية (مدرسة بارزة في الفن المعاصر) تتفق معهم في تصميم الألوان ونقاءها بل يصل الأمر عندها إلى ترك مساحات كبيرة في العمل بلون الوسيط ذاته كما في لوحتها صغيرة الحجم (35 × 40 سم) "ليلة الحنة" وهو تكنيك غارق في التبسيط فيبرز فيه اللون الطبيعي لأنسجة الخشب وهي تلون سيقان وأذرع ورؤوس الثلاث بنات اللائي يشكلن الكتلة الرئيسية في هذا العمل وكانت خلفيتهم عبارة عن لون نقي دافئ أنوثي يقترب من اللون البمبي، سيّجته بخط أسود محاطا بطبقة لونية من درجات البيج محفورة بخطوط تحدث إيقاعا حرا وزخرفة تليق بليلة حنة.
ليلة الحناء أكريليك على خشب 35×40سمحادت عن آباء التكعيبية أيضا في اهتمامها بالموضوع؛ فهي لا تصور جيتارا مثلا أو برجا أو أي شكل واحد والسلام تضعه على خلفية وتحدث بينه وبين خلفيته علاقات لونية وشكلية بل جاءت مواضيعها ضرورية ليست شيئا مكملا للعمل بل شيء رئيسي: بنت محبوسة داخل بيت وداخل حي مليئ بالبيوت. البنت تنشأ علاقة مع البيوت ومستلزمات البيوت. تتعدد الرموز التي قد تروي حدوتة أو مشهدا في عملها إذن، ربما تكون تلك الرموز وعلاقتها مرتبطة بسيرتها الذاتية المعلنة، فجمهور الفن يعلم أنها أم معتزة بأسرتها ونشأت في الخليج ثم انتقلت إلى القاهرة إبان التحاقها بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان وربما تكون هذه السيرة المليئة ببعض المتناقضات –فهي فنان تشكيلية محترفة لا تعش بنفس الاستايل المعتاد للفنانين وهي فنانة مصرية قضت نصف عمرها في بيئة غير مصر تقريبا- السبب في خلق ذلك المكنون المتقد الشاعر باغتراب ما فمعظم مواضيع أعمالها -كما أشرنا- بنت تلازم البيت دائما. علاقتها بالبيت غامضة فلا نستطيع أن نسميها حبا أو رضا، ولا نستطيع أن نسميها أيضا رفضا كحالة بطلة مسرحية هنريك إبسن الشهيرة "بيت الدمية"؛ لكن كل ما في يدينا هو مقارنة تلك العلاقة بعلاقة الفنانة نفسها مع اللوحة. وأحيانا تخرج من معاناة ذاتها إلى صخب الوعي الجمعي وقضايا وطنها ويتضح ذلك في أكثر أعمال المعرض اختلافا وهو عمل عنوانه “الأرض المقدسة” مزجت فيه أسلوبها المعتاد برموز أكثر واقعية كبؤرة العدسة التي ترصد مأساة الفلسطينيين في الأرض المحتلة وصراعهم التاريخي بين مفاهيم الحرية والوطن والأمل.
الأرض المقدسة أكريليك على كانفس 150سم×150سم أربعة قطع مجمعةيبدو أن المشد ترفض تلك المساحة المؤطرة التي يفرضها الكانفس. تعتبرها سجنا تحتاج أن تفتش داخله عن معنى للبراح. فتنهال عليها بطبقات الألون، ومع كل ضربة فرشاه تخلق مساحة صغيرة، تلك المساحة الصغيرة تشكل حدود مساحة لونية أخرى، فالمساحة التي يشكلها لون نقي هي بداية مساحة أخرى للون نقي آخر. تتكاثر المساحات وتتجاور لتصل في لوحة مثل لوحة "المهرجة" إلى ما يقرب 120 مساحة أو 120 شكلا مطلقا تتنوع في مساحاتها بين الكبير والصغير والمتناهي الصغر، بين المخروطي والدائري والمكعب. فـ"المشد" قد ترى العالم كما يراه بول سيزان، تتنوع خطوطها بين الهندسية والعضوية وأحيانا لا تستطيع أن تطلق بدقة كلمة هندسية نظرا لتعمدها تمثيل عاطفتها وعفويتها في كل خط تجره سواء إن كان يجر بانتظام كما الخط الهندسي أو يجر بشيء من العشوائية والمرح أو اللامبالاة كما في الفن الفطري. فالخط عند "المشد" هو قطعة من روحها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فن تشكيلي الأراضي المحتلة مفاهيمية أخبار الفن نقد فني موسم الخريف الموسم الفني فی عملها
إقرأ أيضاً:
«إمبراطورية النور» أغلى لوحة في العالم.. سعرها 121 مليون دولار «ومش هتفهمها»
شراء اللوحات العالمية واقتناؤها هواية خاصة للكثيرين حول العالم، الذين عادة ما يتسارعون لشراء كل ما هو قيم ونادر من تلك الأعمال الفنية، ومؤخرًا حطمت لوحة «إمبراطورية النور» الشهيرة الأرقام القياسية في المزادات، بعد شرائها مقابل مبلغ خيالي.
تحقيق رقم قياسيبيعت لوحة «إمبراطورية النور» للفنان رينيه ماجريت بمقابل أكثر من 121 مليون دولار، أي ما يعادل نحو 2 مليار ونصف مليار جنيه في دار كريستيز بولاية نيويورك الأمريكية.
وبهذا المبلغ الخيالي تتجاوزت هذه اللوحة، الرقم القياسي لإحدى اللوحات السابقة لرينيه أيضًا، والتي بيعت في وقت سابق مقابل 95 مليون دولار، بحسب صحيفة «تايمز» الهندية.
ويضع هذا الإنجاز الرسام بين مجموعة مختارة من الفنانين الذين تجاوزت أعمالهم حاجز 100 مليون دولار في المزادات العالمية، مثل بيكاسو ووارهول، إذ وصف مارك بورتر، رئيس دار كريستيز، هذا الحدث بأنه لحظة تاريخية في صالة المزادات.
ما هي لوحة «إمبراطورية النور»؟بين عامي 1953 و1954 رسم الفنان رينيه ماجريت لوحة «إمبراطورية النور»، وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي استخدم فيها عنوانًا غامضًا، وتُظهِر اللوحة الزيتية المثيرة للاهتمام منزلًا جميلًا مضاءً بأضواء داخلية، ومحاطًا بظلام الليل، فضلًا عن أن السماء فوق المنزل وخط الأشجار نهارية مليئة بالسطوع والسحب البيضاء الممتلئة، حيث يبدو المشهد هادئا وغامضا.
وخلال هذا العمل الفني، يقدم ماجريت فرضية تنظيمية أساسية للحياة، حيث يمثل ضوء الشمس مصدر الوضوح، ويشير أيضًا إلى الارتباك والقلق المرتبطين تقليديًا بالظلام، وهنا يصبح سطوع السماء مزعجًا، ما يجعل الظلام الفارغ أدناه أكثر صعوبة في الاختراق مما قد يبدو في سياق عادي.
ويتم التعامل مع الغموض في اللوحة الفنية بأسلوب غير شخصي ودقيق، لأنه عبارة عن أسلوب نموذجي للرسم السريالي الواقعي والذي يفضله ماجريت منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين.