تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تسنيم المشد التي غابت عن مواسم معارض الفن التشكيلي لأكثر من 10 سنوات منذ آخر معارضها الفردية في 2015، أطلت علينا مجددا في موسم خريف هذا العام بباقة من الأعمال هي الأنضج في مسيرتها.

ففي معرضها "سأكون" الذي احتضنه جاليري سفر خان بالزمالك، في الفترة من 1 وحتى 22 أكتوبر الجاري، قدمت المشد 39 عملا حاولت خلالها أن تعيد تفكيك علاقة شائكة وجدلية بين الشكل والمفهوم.

 تستطيع أن تلمح ذلك في أول عمل قد يخطف بصرك فور دخولك من الباب الرئيسي لقاعة العرض. وهو عمل يحول المعرض التشكيلي إلي معرض تفاعلي يكون المشاهد جزء منه.  كان هذا العمل عبارة عن قرص خشبي يلتصق في الحائط بمحور يمكِّن المشاهد من لفه بيديه لمشاهدة أكثر من تكوين عبر هذه الدائرة التي يبلغ قطرها 110 سم كما لعبة صندوق الدنيا. جميع العناصر على تلك الدائرة نابعة من عالم الطفولة؛ طائرة ورق، ضفيرة، فيونكات أياد أطفال تتشابك.

أن تخرج الطفل الذي داخلك- أكريليلك على دائرة خشبية قطرها 110سم

حرصت "المشد" على إعطاء عنوان لكل عمل، اتسمت تلك العناوين بخلق مفهوم يرتبط بالصورة، فأصبح الـ"تيكيت" المجاور للعمل جزء لا يتجزأ من العمل لأنه يخلق صورة ذهنية تتماهى مع الصورة الواقعية التي يراها المشاهد أمامه في اللوحة.
تحترم "المشد" إذن، المفهوم فحين تطلق مثلا اسم the joker  كعنوان لأحد أعمالها وتجد في منتصف اللوحة شخصية رسمت بخطوط سريعة ترتدي جوربين ملونين طويلين، كل جورب منهما له لون مختلف عن الآخر، ستدرك على الفور أن الشخصية المجردة في مركز اللوحة هي شخصية لمهرجة، مهرجة وليست مهرجا بسبب الجورب الطويل والفستان المنفوش.

المهرجة 135×100سم أكريليك على خشب

لكن لم تقتصر الحالة المفاهيمية التي تعيشها المشد على مقابلة النص بالصور ولكن أيضا امتدت إلى داخل العمل نفسه بشكل مستقل عن النص من خلال العلاقات التي تنشأها بين رموزها، ففي عملها الذي أشرنا له "المهرجة" مثلا ثمة شخصية تمثل مهرجة بجوارها شخصية ترتدي زيا أشبه بالإسدال أو الخمار الإسلامي تتداخل مع كائن لم يتضح إن كان جمادا أو حيوانا وتوجد شخصيتان أخريان كل منهما تجلس على كرسي وتبدوان كنساء بسبب الشعر الطويل -إذا جاز هذا التصور- وشخصية أخرى تتداخل مع شكل يشبه الحرف الموسيقي وكرة ملونة أسفل التكوين وسلم ومصباح وشيء يشبه الحجر المتدلى من سطح مبنى. كل هذه رموز تفهم بسهولة رغم تجريديتها فهي لا تحبذ التجريد البحت ويظل لمعركة المفهوم مع الشكل قدسية عندها.
تتجلى هذه المعركة في معالجتها لموضوع الزمن ففي عملها “طاحونة الحياة” تصنع إيقاعا مرحا بين نوعين مختلفين من الخطوط ففيه خطوط عضوية وخطوط هندسية تخلق تصميما متزنا يوحي بأن جميع عناصر اللوحة تدور حول محور ما وسط إيقاع مكون من وحدتين زمنيتين هي الفوضى التي يمثلها الخط العضوي والنظام المثالي الذي يمثله الخط الهندسي، فترى بنت ترفع يدها وكأنه تتجه بقوة نحو السماء وبنت أخرى تشبهها ولكن تسقط في الاتجاه المقابل كليهما متحررين من الجاذبية أو الأرضية التي تلتصق بأقدامهما.

طاحونة الحياة 80×200سم اكريليك على كانفس

لـ"المشد" بالتة ألوان ثرية ومفهوم فريد في تصميم اللون تميل إلى دفء الألوان في أغلب أعمالها لكنه ذلك الدفء المفعم بالأنوثة، وأحيانا يكون مفعما بالهدوء لكنه هدوء حذر كما في عملها "وقت السفر" الذي تسيطر عليه طبقة واسعة من الأخضر المزرق لا تخلو من من طبقة صفراء صاخبة نقية.
يبدو أن "المشد" تقتنع أن لكل زمن ألوانه فرغم أنها تحيي مدرسة عمرها 100 عام مثل التكعيبية إلا أننا من الصعب القول أنها تتأثر بأي من روادها كبيكاسو أو دولوناي -رغم تقاربها مع أسلوب دولوناي في تجاور المساحات الصغيرة اللونية النقية والبالتة التي تحتوي على ألوان تكمل بعضها أحيانا لتخلق في النهاية عملا قد يداعب العين البريئة كما أعين الأطفال- فهي انحرفت كثيرا عن التكعبيين فجاء عملها الفني مغلفا بشكل واضح بروح عصرنا.

وقت السفر 120×135سم أكريليك على كانفس

فتأخذ "المشد" التكعيبية وتسافر بها إلى مدن التبسيطية (مدرسة بارزة في الفن المعاصر) تتفق معهم في تصميم الألوان ونقاءها بل يصل الأمر عندها إلى ترك مساحات كبيرة في العمل بلون الوسيط ذاته كما في لوحتها صغيرة الحجم (35 × 40 سم) "ليلة الحنة" وهو تكنيك غارق في التبسيط فيبرز فيه اللون الطبيعي لأنسجة الخشب وهي تلون سيقان وأذرع ورؤوس الثلاث بنات اللائي يشكلن الكتلة الرئيسية في هذا العمل وكانت خلفيتهم عبارة عن لون نقي دافئ أنوثي يقترب من اللون البمبي،  سيّجته بخط أسود محاطا بطبقة لونية من درجات البيج محفورة بخطوط تحدث إيقاعا حرا وزخرفة تليق بليلة حنة.

ليلة الحناء أكريليك على خشب 35×40سم

حادت عن آباء التكعيبية أيضا في اهتمامها بالموضوع؛ فهي لا تصور جيتارا مثلا أو برجا أو أي شكل واحد والسلام تضعه على خلفية وتحدث بينه وبين خلفيته علاقات لونية وشكلية بل جاءت مواضيعها ضرورية ليست شيئا مكملا للعمل بل شيء رئيسي: بنت محبوسة داخل بيت وداخل حي مليئ بالبيوت. البنت تنشأ علاقة مع البيوت ومستلزمات البيوت. تتعدد الرموز التي قد تروي حدوتة أو مشهدا في عملها إذن، ربما تكون تلك الرموز وعلاقتها مرتبطة بسيرتها الذاتية المعلنة، فجمهور الفن يعلم أنها أم معتزة بأسرتها ونشأت في الخليج ثم انتقلت إلى القاهرة إبان التحاقها بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان وربما تكون هذه السيرة المليئة ببعض المتناقضات –فهي فنان تشكيلية محترفة لا تعش بنفس الاستايل المعتاد للفنانين وهي فنانة مصرية قضت نصف عمرها في بيئة غير مصر تقريبا- السبب في خلق ذلك المكنون المتقد الشاعر باغتراب ما فمعظم مواضيع أعمالها -كما أشرنا- بنت تلازم البيت دائما. علاقتها بالبيت غامضة فلا نستطيع أن نسميها حبا أو رضا، ولا نستطيع أن نسميها أيضا رفضا كحالة بطلة مسرحية هنريك إبسن الشهيرة "بيت الدمية"؛ لكن كل ما في يدينا هو مقارنة تلك العلاقة بعلاقة الفنانة نفسها مع اللوحة. وأحيانا تخرج من معاناة ذاتها إلى صخب الوعي الجمعي وقضايا وطنها ويتضح ذلك في أكثر أعمال المعرض اختلافا وهو عمل عنوانه “الأرض المقدسة” مزجت فيه أسلوبها المعتاد برموز أكثر واقعية كبؤرة العدسة التي ترصد مأساة الفلسطينيين في الأرض المحتلة وصراعهم التاريخي بين مفاهيم الحرية والوطن والأمل.

الأرض المقدسة أكريليك على كانفس 150سم×150سم أربعة قطع مجمعة

يبدو أن المشد ترفض تلك المساحة المؤطرة التي يفرضها الكانفس. تعتبرها سجنا تحتاج أن تفتش داخله عن معنى للبراح. فتنهال عليها بطبقات الألون، ومع كل ضربة فرشاه تخلق مساحة صغيرة، تلك المساحة الصغيرة تشكل حدود مساحة لونية أخرى، فالمساحة التي يشكلها لون نقي هي بداية مساحة أخرى للون نقي آخر. تتكاثر المساحات وتتجاور لتصل في لوحة مثل لوحة "المهرجة" إلى ما يقرب 120 مساحة أو 120 شكلا مطلقا تتنوع في مساحاتها بين الكبير والصغير والمتناهي الصغر، بين المخروطي والدائري والمكعب. فـ"المشد" قد ترى العالم كما يراه بول سيزان، تتنوع خطوطها بين الهندسية والعضوية وأحيانا لا تستطيع أن تطلق بدقة كلمة هندسية نظرا لتعمدها تمثيل عاطفتها وعفويتها في كل خط تجره سواء إن كان يجر بانتظام كما الخط الهندسي أو يجر بشيء من العشوائية والمرح أو اللامبالاة كما في الفن الفطري. فالخط عند "المشد" هو قطعة من روحها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: فن تشكيلي الأراضي المحتلة مفاهيمية أخبار الفن نقد فني موسم الخريف الموسم الفني فی عملها

إقرأ أيضاً:

«مصطفى بكري» يفند أكاذيب إسرائيل ضد مصر: الجيش اللي عملها في 73 يقدر يعملها تاني

علق الإعلامي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، على الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة ضد مصر بأنها خرقت اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين.

وقال مصطفى بكري، عبر حسابه الرسمي على موقع التغريدات القصيرة «X»: «الادعاءات الإسرائيلية ضد مصر بأنها خرقت اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين، هو ادعاء كاذب ومحاولة للتغطية علي الفشل الداخلي لحكومة نتنياهو، الأمر لم يقتصر على ذلك، بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي يطلب بتدخل الولايات المتحدة للطلب من مصر تفكيك بنيتها العسكرية».

وتابع « مصطفى بكري»: «هنا يتضح أننا أمام مخطط هدفه الجيش المصري وتسليحه، غير أنهم يتناسون قوة هذا الجيش والشعب من خلفه، هذا الجيش يحمي الأمن القومي للبلاد، وهو جيش وطني شريف، لا يعرف الانكسار ولا يقبل الإملاءات».

وواصل: «يبدو أن إسرائيل في حاجه إلى أن نذكرها بمشهد هزيمة جيشها في حرب أكتوبر 73، وكما قال الرئيس السيسي: الجيش اللي عملها مره، قادر علي أن يفعلها مرة أخرى».

اقرأ أيضاًمشيدا بتطوير مستشفى العدوة.. مصطفى بكري: لأول مرة يمكن إجراء عمليات القلب المفتوح في الصعيد كله

مصطفى بكري: شوارع مصر شهدت تعانق العلمين المصري والفلسطيني

مصطفى بكري: الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن أرضه مهما اشتدت الضغوط والمؤامرات

مقالات مشابهة

  • تأييد سجن الفنان شادي خلف 7 سنوات لهتـ.ـك عرض فتيات في ورش تمثيل
  • قرار جديد بشان المتهم بطمس اللوحة المعدنية لسيارته بالقاهرة
  • موسيقى الحالة.. واتساب يتيح ميزة جديدة
  • ليتوانيا: البحث عن جندي أمريكي فُقد داخل مستنقع بعد العثور على جثث ثلاثة من زملائه
  • لجنة مراقبة اتفاق وقف النار تعلق عملها... وهذا ما كُشف عن زيارة أورتاغوس
  • «مصطفى بكري» يفند أكاذيب إسرائيل ضد مصر: الجيش اللي عملها في 73 يقدر يعملها تاني
  • البحث العلمي تعلن عقد ورش إتقان الدبلوماسية العالمية.. تفاصيل التقديم
  • شابة صينية تعيش في حمام مكان عملها بسبب غلاء الإيجارات
  • أفران حمص تواصل عملها لتأمين الخبز خلال عطلة عيد الفطر المبارك
  • الفنان ماهر جرجس لـ "البوابة نيوز": النقد الجاد الذي يستند على الدراسة والعلم هام للحركة التشكيلية