صحيفة التغيير السودانية:
2024-10-22@13:34:16 GMT

الحرب بين الرغائب والوقائع

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

الحرب بين الرغائب والوقائع

 

الحرب بين الرغائب والوقائع

خالد فضل

هتاف (جيش واحد شعب واحد)، ينطوي على رغبة وسط من يرددونه  ولا يعبر عن وقائع ما يحدث على الأرض، الرغبة في رؤية جيش سوداني واحد يؤدي مهامه الدستورية بمهنية وانضباط واحترافية ؛ رغبة عزيزة وأمنية عميقة في نفوس كثير من السودانيين، وهي رغبة وردت بإستمرار في أدبيات معظم القوى السياسية وتحالفاتها ومطالب الحركات المسلحة، وأكثر من ذلك تم التوقيع عليها بإمضاء (البرهان وحميدتي) في الإتفاق الإطاري (المنبوذ) الآن من البرهان وحميدتي أنفسهما ؛ كأنما كانا في حالة سكر أفاقا منها فجأة .

الأسوأ من ذلك أن ترديد هذا الهتاف الآن في مناطق سيطرة جيش البرهان ولو مؤقتا مدعاة لنيل العقوبة والإنتقام من جانب جيش حميدتي، كما حدث ويحدث في كثير من المناطق ضد المدنيين المحتفلين المبتهجين بالكاكي الأخدر بلغة أنصار الحرب . أما من لم يهتفوا بشعب واحد جيش واحد فينالون العقاب كذلك براميلا مفخخة ضحاياها في الغالب ذات المدنيين غير المحتفلين !! وقد تضمنتها_ أي تلك الرغبة _ بعض إتفاقات السلام والترتيبات الأمنية،  بل شرعت إتفاقية نيفاشا 2005م في تكوين ما عرف بالوحدات المشتركة ؛ وكان مقر قيادتها في معسكر سوبا جنوب الخرطوم،  وهي بحسب توصيفها الوارد في الإتفاقية (نواة) لتوحيد الجيش الحكومي والجيش الشعبي مستقبلا في حال جاء خيار الإستفتاء لصالح (الوحدة ). بالطبع لم ينبت من تلك النواة ما كان مأمولا من سموق جيش سوداني واحد … إاخ الصفات المار ذكرها، عوضا عن تلك الرغبة عادت وحدات كل جيش إلى جيشها الأم ،  في وطنين مختلفين، خاضا حربا دولية على خلفية نزاع حول الحدود في مناطق انناج البترول،  وسنّ برلمان السودان (الشمالي) حينها قانونا سمي بقانون حرب الجنوب كسابقة لم تحدث من قبل منذ استقلال السودان الكبير في 1956م ،  وقال علي عثمان محمد طه القيادي في حزب المؤتمر الوطني الإسلامي مقولته المشهورة باللغة الإنجليزية وترجمتها العربية (أضرب لتقتل) ؛ في توجيه (من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ) للقوات العسكرية على الحدود المكلفة بمراقبة عمليات تهريب المواد الغذائية والوقود من بلده إلى بلد الأعداء ! كما أنّ الجيش الشعبي في دولة جنوب السودان انقسم لجيوش شعبية تقاتلت فيما بينها عدة مرات ، وأبرمت اتفاقات سلام متعددة ، وما تزال الأوضاع هشّة لم تبلغ مرحلة النضج والإستواء . بينما تفرّع عن الجيش السوداني ؛ فرعا آخر ضخما للغاية ، تغذى معه من ساق واحدة هو جيش الدعم السريع ، الذي أطلق عليه منذ 15أبريل 2023م صفات كثيرة ( مليشيا متمردة ، مرتزقة أجانب، مليشيا آل دقلو الإرهابية ..إلخ) وهي صفات تدخل كلها في حيز الرغائب ولا تعكس الوقائع . كما أنّ هناك جيش الحركة الشعبية شمال/قيادة الحلو ، وجيش حركة تحرير السودان/قيادة عبدالواحد، وجيوش الطاهرحجر والهادي إدريس ، بل حتى جيشي مناوي وجبريل في الفاشر ؛ اللذان لم تشملهما عمليات الدمج في جيش ياسر العطا حتى الآن _حسب إفادات الأخير في حوار سمر إبراهيم ، جريدة الشروق المصرية 18أكتوبر 2024م .فهل مع كل هذه الجيوش على الأرض نهتف (جيش واحد) !

في عنفوان فترة الثورة، وهتافات الثوار السلمية (جيش واحد شعب واحد) كانت الرغبة هي المحرّك ؛ الواقع لم يؤكد ذلك الهتاف، فلا الجيش كان واحدا، ولا الشعب كان كذلك . أما تعدد الجيوش فهو أمر لا ينتطح فيه عنزان، ولكن الشعب نفسه لم يك واحدا وإن تساوى في حمل الوثائق الثبوتية، الحلم أو الرغبة في رؤية شعب واحد في الحقوق والواجبات، في الوثيقة الدستورية التي تكفل وتضمن و تعزز حقوق الإنسان، في المبادئ فوق الدستورية التي تجعل من بعض القيم الديمقراطية مسلمات غير قابلة للنقض والتعديل، هذا لم يتحقق على أرض الواقع، إذ ظل وما يزال قسم لا يستهان به من الشعب، يرفض ويقاتل من أجل هيمنة وسيادة قيم مناهضة ومناقضة للديمقراطية والحرية والسلام وحقوق الإنسان، قسم كبير من الشعب يعتبر أنّ عدوه الأول هم القسم الآخر من الشعب الذي ينادي بقيم الحرية والسلام والعدالة، يقود هذا الجزء من الشعب ضباط كبار في جيش سوداني، ونائب عام في سلطة عسكرية يسيطر عليها أؤلئك الضباط،  بالنتيجة نحصل على واقع لا الجيش فيه واحد و لا الشعب فيه واحد، الرغبة والتمني مباح ومطلوب ومرغوب، ولكن تحقيق ذاك المنى يحتاج إلى تحريك للجهود في إتجاه تحقيق تلك الرغبات، يحتاج إلى أداء واجبات، وأولها على الإطلاق ؛ إعمال العقول وتحريرها من أغلال العواطف التي تغلفها،  وهو واجب فردي لكل إنسان عاقل راشد، العقل هو الذي يصنع الفارق بين سلوك الإنسان وغرائز الحيوانات الأخرى، ولعل يوما ما ولو بعد أجيال يتحقق الحلم والرغبات ويصبح الهتاف واقعا (شعب واحد جيش واحد) . دعونا نحلم بحلمنا في المستقبل، أن نرفض جمال الكون ونناضل من أجل الأجمل ؛ كما حلم توفيق زياد الشاعر الفلسطيني .

 

الوسومالحرب الرغائب الوقائع جيش واحد شعب واحد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب الرغائب الوقائع جيش واحد شعب واحد

إقرأ أيضاً:

من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لك الله يا مصر (١١)

نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ عن الدور المصرى الذى ما زال حاضرًا وبقوة فى المشهد السوداني، وخير دليل على ذلك ان مؤتمر القاهرة الأخير هو الوحيد من بين المسارات الإقليمية والدولية الأخرى الذى تمكن من تقديم رؤية شاملة وكاملة فى تناول الأزمة السودانية، هذا المؤتمر عبارة عن مبادرة غير مسبوقة فى عمر الأزمة خصوصًا على صعيد شموله من حيث الأطراف المشاركة فى الداخل السودانى والخارج، أو من حيث الموضوعات المتناولة والتى تمثل كل جوانب الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية، فضلًا عن تأكيده أن القضية والحل سودانيان بالأساس ويجب أن تحل الأزمة على المستوى السودانى من دون إملاءات أو تدخلات خارجية، والحديث عن «تراجع الدور المصرى أو غياب تأثيره كما يتصور أو يصوره البعض» هو أمر «غير صحيح ومغرض»، فالموقف المصرى يتصاعد من أجل إيجاد حل للأزمة الطاحنة والمستعرة فى جارتها الجنوبية، يمكن القول إن الحديث فى الوقت الحاضر فى ما يتعلق بالدور المصرى لم يعد حول انحياز مصر لحساب طرف على حساب طرف آخر، والذى كان رائجًا بداية الأزمة لكنه لم يعد موجودًا الآن، فواقع الأمر أن الموقف المصرى منذ بداية الأزمة كان الوقوف إلى جانب الشعب السودانى ودعم خياراته انطلاقًا من الروابط التاريخية بين البلدين والمصالح المشتركة.

عند الحديث عن الدور المصرى فى السودان يجب أن نلاحظ أننا فى أزمة وتعثر وعدم القدرة على التوصل إلى حل فى كل المؤتمرات التى عقدت بما فى ذلك المؤتمر الذى عقد بالقاهرة، فهناك رواسب تاريخية تحكم النظرة المتبادلة بين البلدين تظهر على السطح فى وقت الأزمات، فمصر الآن أمام فرصة مهمة لاستعادة تأثيرها وذلك عبر تأكيد التعاطى مع السودان بصورة قائمة على الندية فى العلاقات والمصالح المتبادلة والمشتركة، والانفتاح على التيارات والأطراف السياسية كافة والتفاعل مع المبادرات العربية والدولية وعدم النظر إليها على اعتبار أنها جزء من التاريخ المصرى، ومطلوب من مصر أن تخرج من دائرة الموقف الملتبس أو الذى يؤيد ضمنًا أحد الأطراف لتأخذ موقف الأخ الأكبر الذى تهمه المصلحة العامة للسودان، وبخاصة أن الحرب تهدد أمن مصر من حدودها الجنوبية وكل حدودها تشهد حروبًا ونزاعات، وهنا أعتقد أن أولويات السياسة المصرية لوقف الحرب يمكنها أن تحدث اختراقًا إذا استطاعت أن تجمع طرفى الحرب البرهان وحميدتي، وأن تستمع مصر بعد ذاك لوجهات نظر القوى السودانية السياسية والمجتمعية من خلال اجتماعات أو مبعوث دبلوماسى محدد، ومن ثم النظر فى إمكانية عقد مؤتمر أو مائدة مستديرة، وأن تنظر مصر للملف السودانى باعتباره شأنًا سياسيًا وليس من وجهة نظر أمنية، فالأزمة السودانية وصلت طورًا يمكن معه انفراط عقد الأمن بصورة يصعب السيطرة على تداعياته فى الإقليم والعالم الذى يعانى أزمات متعددة، وأن التعثر فى التوصل إلى تفاهمات بين أطراف الصراع أدى إلى ضرورة اللجوء إلى طرق أخرى، قد تعزز دور المنابر القائمة أصلًا، وأن التوصل لتفاهمات متعلقة بالعملية السياسية لمرحلة ما بعد الحرب مسألة من المهم رسم ملامحها منذ وقت مبكر، فنحن الآن أمام بداية جديدة لطبيعة جديدة حيال السودان، عنوانها الأبرز هو وقف الحرب والدخول فى عمليات سلام، ولا نستطيع أن نخمن طبيعة هذا السلام وحدوده.

لنا هنا وقفة عزيزى القارئ أمام نداء مشترك للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لقد قالت ٨ منظمات إنسانية دولية إن الحرب المستمرة منذ عام ونصف العام فى السودان حولت حياة السكان العالقين فى مناطق القتال إلى «جحيم»، والجهود المبذولة حتى الآن للحد من العنف وإنهاء معاناة السودانيين ليست كافية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية بشكل كبير، مع وصول الحرب إلى ١٣ ولاية من ولايات السودان الـ١٨، ولقد شهدت وتيرة الصراع في السودان ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع الأخيرة، حيث بلغ العنف أعلى مستوى له منذ اندلاع القتال منتصف أبريل ٢٠٢٣، ولقد جاء إعلان قائد قوات "الدعم السريع"، عن اللجوء إلى ما سماه الخطة (B) وتعبئة قواته، فى وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا ملحوظًا فى أعمال العنف والاشتباكات بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد يأتى بالتزامن مع بدء الجيش هجومه البرى والجوى الذى استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، ما يزيد من حدة التوتر فى البلاد، وللحديث بقية.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • سقوط أكثر من 31 قتيل في غارة لطيران الجيش وسط السودان
  • الوكالة اللبنانية: الجيش الإسرائيلي فجر منازلا في #عيتا_الشعب جنوبي البلاد
  • الجيش السوداني يُسجِّل أول انشقاق لقيادي كبير في قوات "حفتر السودان" الدعم السريع
  • الجيش السوداني يعلن أول انشقاق لقائد في الدعم السريع.. يقود 35 ألف مقاتل
  • خبير علاقات دولية: لا يوجد شبر واحد آمن في غزة.. والجرائم متواصلة
  • أكثر من 80% من المرافق الصحية توقفت عن العمل بسبب الحرب في السودان
  • مناوي: يجب تطبيق شعار  جيش واحد شعب واحد  على أرض الواقع و إصلاح القوات المسلحة
  • من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لك الله يا مصر (١١)
  • لجان المقاومة في السودان: النشوء وتحديات الارتقاء