مصطفى حجازي.. عالم النفس الذي فكك هدر الإنسان العربي وقهرِه
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
في مارس/آذار الماضي، وفي حواره مع الجزيرة نت، شدد عالم النفس والمفكر اللبناني الدكتور مصطفى حجازي -في سياق حديثه عن طوفان الأقصى- على أن علماء الاجتماع العرب وسواهم لا يدرسون الشعب الفلسطيني من الداخل وصولا إلى اكتشاف قواه الحية الكامنة، مضيفا أن هؤلاء العلماء "يلامسون سطح الواقع الفلسطيني وينخرطون هم والمثقفون في دراسة الفكر الغربي وقضاياه وأطروحاته وكأنها اليقين العلمي الكوني، مع أن هذا الفكر قد تم تطويره لفهم واقع الإنسان الغربي".
وبعد أشهر من ذلك، وتحديدا مساء الأحد 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024، رحل حجازي عن عالمنا عن عمر يناهز 88 عاما بعد مسار حافل كرّس فيه أبحاثه لبحث ودراسة القضايا الكبرى في المجتمعات العربية، على غرار قضايا الاستبداد والقهر والهدر والبطالة، من خلال مشروع فكري وظف فيه علم النفس في خدمة قضايا التنمية الإنسانية، انطلاقا من خصائص وديناميات الإنسان العربي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تتغلب الفرنكوفونية على انحسارها في ديارها بالتوسع خارجا؟list 2 of 2فكر ونقدend of list المولد والمسار الأكاديميرأى الراحل مصطفى حجازي النور في مدينة صيدا عام 1936، وتدرّج في دراسته إلى أن نال إجازة جامعية في علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عام 1960، ثم سافر إلى بريطانيا، حيث اطلع على مؤسسات رعاية الطفولة والناشئة.
وفي سنة 1965 حصل حجازي على دبلوم علم الجريمة العيادي من جامعة ليون الفرنسية، ثمّ على الدكتوراه سنة 1967 في علم النفس من الجامعة ذاتها. وبعد سنة من ذلك اعتُمد خبيرا نفسانيا في محاكم ومراكز رعاية الأحداث في لبنان، وهو النشاط الذي مارسه إلى غاية نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، وقاده إلى التنقل بين مؤسسات لبنانية وعربية معنيّة بتدريب العاملين برعاية الطفولة في سوريا والبحرين والكويت والعراق وقطر، كما شغل حتى رحيله منصب الرئاسة الفخرية للمركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية- نفسانيون.
أما على المستوى الأكاديمي، فقد عمل حجازي أستاذا لعلم النفس بالجامعة اللبنانية منذ 1983، ثم أستاذا للصحة الذهنية في جامعة البحرين بين عامي 1990 و2006، ليُعين بعدها أستاذا زائزا في كلية الطب بجامعة الخليج العربي، قبل تفرغه للبحث والكتابة بداية من عام 2008.
كتاب "ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة" (1993) (الجزيرة)وأثرى حجازي مكتبة علم النفس العربية بعدة مؤلفات، من بينها "ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة" (1993)، "المسؤولية المدنية للخبير القضائي: دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي والمصري والكويتي في ضوء آراء الفقه وأحداث أحكام القضاء" (1998)، "علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية" (2001)، "الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية" (2008)، "علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية" (2010)، "إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي" (2011)، "العصبيات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الإنسان" (2019)، "اللقاء: كيف يكشفنا لأنفسنا ويفتحنا على العالم" (2021).
كما أنه ترجم كتابَي "الكلام أو الموت" لمصطفى صفوان، و"معجم مصطلحات التحليل النفسي" للكاتبين جان لابلانش وج .ب. بونتاليس إلى اللغة العربية.
وقد عبّر مصطفى حجازي في أبحاثه عن الهموم الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات العربية، حيث درس وحلل سيكولوجية القهر والهدر في الوطن العربي في كتابَيه "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" (1981)، و"الإنسان المهدور" (2006)، وهما من أشهر مؤلفاته.
كتاب "التخلف الاجتماعي.. مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" لمصطفى حجازي (الجزيرة) علم النفس في خدمة التنميةكرّس مصطفى حجازي أبحاثه لبحث ودراسة القضايا الكبرى في المجتمعات العربية على غرار قضايا الاستبداد والقهر والهدر والبطالة والفقر، فملأ بذلك فراغا هائلا على المستوى العربي، وأحدث قفزة نوعية في مجال علم التحليل النفساني الاجتماعي، من خلال مشروع فكري وظف فيه علم النفس في خدمة قضايا التنمية الإنسانية.
"من أسباب تجنب علماء النفس العرب بحث القضايا الكبرى والشائكة في مجتمعاتهم -حسب حجازي- تعاظم نظام المحظورات، وهو النظام الذي يحرّم أي مقاربة تحاول الكشف عن أمراضنا الاجتماعية بسبب حاجته لإيثار السلامة "في عالم لا حصانة فيه لمن يقدم معلومات كاشفة عنه".
إذ كان قد انتبه إلى أن علم النفس الغربي قطع أشواطا مهمة وحقق اكتشافات بالغة الأثر على مستوى فهم تكوين الإنسان الغربي ودراسة قواه ودوافعه ودينامية سلوكه وتوجهاته، بينما اكتفى نظيره العربي -في أغلب الحالات- باستيراد هذه المعطيات وتطبيقها على المجتمع العربي، مؤكدا أن علم النفس في الوطن العربي لا يزال مقصرا في تناول هذه القضايا وظل رهين التبعية لعلم النفس الغربي الذي نشأ وتطور لخدمة احتياجات المجتمع الصناعي في الغرب، مهملا بذلك خصائص وديناميات الإنسان العربي.
ومن أسباب تجنب علماء النفس العرب بحث القضايا الكبرى والشائكة في مجتمعاتهم -حسب حجازي- تعاظم نظام المحظورات، وهو النظام الذي يحرّم أي مقاربة تحاول الكشف عن أمراضنا الاجتماعية بسبب حاجته لإيثار السلامة "في عالم لا حصانة فيه لمن يقدم معلومات كاشفة عنه".
تفكيك التخلف الاجتماعيلقي كتاب "التخلف الاجتماعي.. مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" منذ صدوره سنة 1981 إشادة كبيرة، وظل منذ ذلك الحين محافظا على راهنيته، فتوالت طبعاته إلى الآن بمعدل طبعة واحدة كل سنتين.
وقد حاول مصطفى حجازي في هذا الكتاب، من خلال منهجية تقوم على الملاحظة والتحليل النفسي والاجتماعي للظواهر المعيشة، دراسة التكوين النفسي والتكوين الذهني للإنسان المتخلف، والأساليب التي يواجه بها مأزقه الوجودي، مستعرضا أبرز ملامح بنية التخلف الاجتماعي وما تولده من سيكولوجية خاصة عند الإنسان المقهور. فحسب الكاتب، يتلخص وجود الإنسان المتخلف في وضعية مأزقية جراء القهر المفروض عليه، ويحاول مجابهتها في سلوكه وتوجهاته وقيمه ومواقفه ليحفظ لنفسه بعض التوازن النفسي الذي لا يمكنه العيش بدونه.
حجازي استعرض في كتابه أساليب مواجهة الإنسان للقهر، إما بالتمسك بالتقاليد أو اللجوء للعنف (رويترز)كما رصد مصطفى حجازي الأساليب الدفاعية التي يواجه بها الإنسان المقهور ما يتعرض له من قهر. ومن بين أبرز هذه الأساليب انكفاؤه على الذات من خلال التمسك بالتقاليد والرجوع إلى الماضي المجيد وتماهيه مع المتسلط، بالإضافة إلى السيطرة الخرافية على مصيره (الأولياء، الجن، العفاريت السحر، الحسد، تأويل الأحلام، قراءة الطالع…) ثم اللجوء إلى العنف، وهو ما تناوله حجازي بالشرح والتحليل، مبينا مظاهره وأشكاله، وذلك باعتباره أسلوبا يسجل حضوره بقوة في المجتمعات المقهورة، دون أن يغفل وضعية المرأة في هذه المجتمعات وأوجه وملامح القهر المفروض عليها، والوسائل التي تواجه بها هذا القهر.
ويؤكد حجازي أن هذه الخصائص النفسية التي تميز شخصية الإنسان المتخلف وأساليبه الدفاعية "تشكل في الكثير من الحالات عقبات جدية في وجه التغيير الاجتماعي، وتكون كوابح هامة لمشاريع التنمية"، مشددا على أهمية اكتشاف هذه الخصائص والوعي بها كشرط أساسي إذا أردنا لمشاريع التغيير والتطوير في مجتمعنا العربي أن تنطلق من أسس صلبة، وأن تؤتي المخططات التنموية التي نرسمها بعض أكلها.
في دراسة الإنسان المقهور، ركز حجازي على الخصائص النفسية للقهر، وعلى الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها الإنسان المقهور لمجابهة مأزق الوجود غير القابل للاحتمال. وانصب البحث أساسا على الخصائص النفسية للإنسان المقهور ودفاعاته، بدون الخوض في قوى التسلط التي تفرض هذا القهر
هدر الإنسانفي دراسة الإنسان المقهور، ركز حجازي على الخصائص النفسية للقهر، وعلى الآليات الدفاعية التي يلجأ إليها الإنسان المقهور لمجابهة مأزق الوجود غير القابل للاحتمال. وانصب البحث أساسا على الخصائص النفسية للإنسان المقهور ودفاعاته، بدون الخوض في قوى التسلط التي تفرض هذا القهر.
وفي كتابه "الإنسان المهدور"، عمل حجازي على استكمال الصورة "من خلال البحث في ألوان الهدر ووكالاته والقوى التي تفرضه لحساب مصالحها ونفوذها وسلطانها". كما تطرق -من خلال دراسة تحليلية نفسية واجتماعية- إلى "الاستبداد وما يتوسله من آليات وتلاعبات الفرض والإخضاع والتخويف، وصولا إلى خلق حالة الإعجاب بالمستبد والتعلق الانفعالي به، بل والذوبان في كيانه".
حجازي يرى أن الهدر يجعل من الإنسان أداة لخدمة أغراض الاستبداد فيضحَّى به في الحروب باعتباره الوقود الذي يغذي اشتعالها (الجزيرة)ويتجلى هدر الإنسان العربي من قبل ثالوث الحصار والقمقمة (الاستبداد، العصبيات، الأصوليات) -حسب حجازي- "من خلال التعامل معه ليس باعتباره إنسانا له كيان وقيمة، وإنما باعتباره أداة، أو عقبة ومصدرَ تهديد، أو عبئا وحملا زائدا".
ويؤكد صاحب حصار الثقافة في هذه الدراسة أن الهدر يتفاوت "بين انعدام الاعتراف بإنسانية الإنسان كحد أقصى، وبين استبعاده وإهماله والاستغناء عن فكره وطاقاته باعتباره عبئا، أو كيانا فائضا عن الحاجة" كما هو الشأن -مثلا- في تعامل الأنظمة التي تستأثر بخيرات الوطن، وترى في جحافل الجماهير المغبونة والمحرومة عبئا على رفاه المَحظيين.
"الناس أداة المستبد يزج بهم في الحروب، أو يستخدمهم للترويج لعظمته وعلو شأنه، في مختلف عمليات التبجيل والتطبيل والتزمير والإشادة بقدراته الخارقة، أو أعطياته ومكرماته"
ويضيف حجازي أن الهدر قد يتخذ طابع تحويل الإنسان إلى أداة لخدمة أغراض الاستبداد يضحَّى به في حروب النفوذ باعتباره الوقود الذي يغذي اشتعالها، أو هو الأداة التي تُبجّل وتُطبل لسلطان المستبد وتخدم أغراض همينته وتوسع سطوة نفوذه. فالناس -على حد قوله- "أداة المستبد يزج بهم في الحروب، أو يستخدمهم للترويج لعظمته وعلو شأنه، في مختلف عمليات التبجيل والتطبيل والتزمير والإشادة بقدراته الخارقة، أو أعطياته ومكرماته"، بينما قد يتخذ الهدر أحيانا طابعا ذاتيا كما يشاهد في الحالات المرضية التي ينخرط فيها المريض في عملية تدمير ذاتي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر الإنسان العربی القضایا الکبرى علم النفس فی مصطفى حجازی حجازی على من خلال
إقرأ أيضاً:
الأعلى للاقتصاد العربي الأفريقي: مشاركة السيسي في قمة العشرين تعزز الشراكات الدولية
قال المستشار ياسر البخشوان، نائب رئيس المجلس الأعلى للاقتصاد العربي الأفريقي، إن مشاركة الرئيس السيسي في قمة العشرين تعكس بما لا يدع مجالا للشك التزام مصر بالانخراط الفعال في القضايا العالمية الكبرى، وحرصها على تعزيز الشراكات الدولية لتحقيق التنمية المستدامة، الأمر الذي يرتبط بشكل وثيق بدعم حقوق الإنسان بمفهومها الشامل في ظل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس السيسي لتعزيز الحقوق الاقتصادية.
وأضاف "البخشوان"، أن الرئيس السيسي من خلال مشاركته في قمة العشرين يسعى إلى التأكيد على أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي السبيل الأساسي لتحقيق حقوق الإنسان، مع إبراز جهود الدولة المصرية في دعم الفئات الأكثر احتياجًا محليًا ودوليًا كمؤشر واضح على ثقل مصر الإقليمي والدولي، ودورها المتنامي في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي.
وأوضح أن الحضور المصري في هذه القمة يعكس رؤية شاملة توازن بين التنمية واحترام القيم الإنسانية العالمية، بما يعزز دورها كجسر للتواصل بين الدول النامية والمتقدمة، مؤكدا أن مشاركة مصر في هذا المحفل الدولي تمثل منصة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع شركائها الدوليين، وتعكس رؤية القيادة السياسية في استثمار مكانة مصر الاستراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وأكد أن مشاركة الرئيس السيسي في قمة العشرين تعزز الشراكات الدولية ودور مصر المحوري، وتأتي في إطار سعي مصر إلى تعزيز الشراكات الدولية، وبحث سبل التعاون في مجالات التنمية المستدامة، الطاقة، والتكنولوجيا، بما يدعم رؤية مصر 2030.
وأشار إلى أن مصر تمتلك مكانة إقليمية ودولية، وتمثل جزءًا محوريًا من الاقتصاد العالمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يعكسه حجم التبادل التجاري بينها وبين مجموعة دول العشرين خلال الـ9 أشهر الأولى من 2024، فضلًا عن دورها الرائد ورؤيتها الشاملة لمعالجة الأزمات الإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتمسكها بالتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وكذلك تمسكها برفض الإبادة الجماعية وضرورة مرور المساعدات الإنسانية والإغاثية لإنقاذ هذا الشعب من الجوع والفقر.