تعثر نهضة أفريقيا…السودان نموذجا
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
تعثر نهضة أفريقيا…السودان نموذجا
د.الشفيع خضر سعيد
نواصل حديثنا عن ملتقى الحوار الأفريقي للسلام والأمن الذي نظمته مؤسسة تامو أمبيكي بتاريخ الرابع إلى السادس من أكتوبر الجاري في جنوب أفريقيا. في كل جلسات ومداخلات الملتقى كان الشباب والمجتمع المدني، تواجدا وقضايا، حاضرين بكثافة وفعالية مميزة، بينما شكّل موضوع نهضة أفريقيا جوهر كل المداخلات والنقاشات.
ظل الجدل يدور طويلا بين الجيل الأول من المفكرين الأفارقة والعرب حول النهضة أو البعث الحضاري، وهم يسعون لمعرفة أسباب تخلف مجتمعاتنا، وكيف نكتسب القدرة للحاق بركب الحضارة البشرية. وأعتقد أن فاتحة الإجابة عن هذا السؤال، تفترض القول بأن قدرة الشعوب على تحقيق “مفخرة” اقتصادية اجتماعية فكرية تتجلى فيها عظمة تراثها الثقافي والحضاري، تبدو لنا محددة بمدى صدق والتزام وقدرة النظام السياسي على التصدي لقضية البعث النهضوي. لكن، ليس النظام السياسي وحده هو العامل الوحيد الحاسم هنا، وإنما هو جزء من مؤثرات كثيرة في حركة الوعي والتاريخ والثقافة لهذا الشعب أو ذاك.
ولقد واجهت أفريقيا التحدي التاريخي المرتبط بإشكالية التخلف والتقدم من خلال عدة محطات، أهمها، في نظري، محطتا الاستنزاف والتبعية. الاستنزاف في القارة بدأ منذ خمسة قرون بالإنسان، بتجارة تصدير العبيد إلى الدنيا الجديدة. ثم أعقب ذلك استنزاف الثروة، أي سرقة الموارد الطبيعية للقارة الأغنى في العالم، وهو استنزاف مستمر حتى اللحظة.
ومنذ أكثر من نصف قرن، تتعرض أفريقيا لاستنزاف من نوع جديد، هو استنزاف الأدمغة أو العقول، أي تفريغ أفريقيا من أفضل كفاءاتها وأكثرهم تعليما وموهبة، في علوم الطب والالكترونيات والهندسة والفنون والأدب…الخ، يجذبهم الغرب بتوفير ظروف معيشية واعدة وفرص ذهبية لتطوير الذات، تاركين وراءهم فراغا يصعب تعويضه. وعلى الرغم من بدايات نهوض أفريقيا بعد انتصارات حركة التحرر الوطني في ستينيات القرن الماضي، فإنه كان نهوضا مؤقتا، إذ سرعان ما سيطر الاستعمار الجديد على القارة، وتعثر مشروع النهضة بتمكن أنظمة التبعية عبر الاستبداد والطغيان وما أفرزته من صراعات عرقية دموية، وتجاهل لأولويات التنمية، وتفشي الفقر والجوع والمرض والفساد، والتواطؤ مع سارقي ثروات القارة، وتغذية البيئة الطاردة لشباب أفريقيا وأدمغتها، وللأسف السودان نموذج ساطع.
الشعوب العربية جابهت ذاك التحدي التاريخي في لحظتين حاسمتين: لحظة المواجهة بين التخلف والتقدم إبان الغزو الاستعماري للعالم العربي في القرن التاسع عشر، ولحظة الصدام العنيف مع الغرب بعد قيام دولة إسرائيل. وقد حاول المفكرون العرب، كل حسب ميوله الإيديولوجية وتصوراته الفكرية وانتماءاته الاجتماعية والسياسية، الإجابة عن الاسئلة المتولدة من ذلك التحدي التاريخي، والتي أوجزها المفكر المغربي عبد الله العروي في أربع مشكلات رئيسية، هي: مشكلة الأصالة، أي تحديد الهوية أو تعريف الذات. ومشكلة الاستمرار، أي علاقة العرب بماضيهم. ومشكلة المنهج الفكري العام، أي الوسائل التي سيتبعها العرب لكي يكتسبوا المعرفة، ويمارسوا الفعل.
ومشكلة أدوات التعبير، أي ما هي أنسب أدوات التعبير التي تتيح للعرب أن يعبروا بواسطتها عن مرحلة تطورهم الراهنة. وأعتقد أن الفكر العربي طرح أيضا ثلاثة قضايا أساسية خاصة بتطوير المجتمع العربي ذاته، تمثلت في السعي إلى الأصالة من خلال الحديث عن الإسلام وقدرته على التجدد لكي يتلاءم مع الفكر الحديث. والسعي إلى الحرية من خلال الحديث عن أهمية تطبيق النظام الديمقراطي، الذي يكفل المساواة بين المواطنين في ظل سيادة القانون. والسعي إلى التحديث من خلال تأكيد الدور الحاسم لاقتباس التكنولوجيا الغربية وإقامة حركة شاملة للتصنيع.
يحاول البعض التعليل لفشل النهضة الأفريقية بأن التراث المعرفي لشعوبها لا يؤهلها لتبني الديمقراطية، ولا يمتلك مفاتيح بوابات التحديث. لكن هذه النظرة، في تقديري، خاطئة لأنها تنطلق من فرضية وكأن هذه الشعوب قد خرجت لتوها من مرحلة الجمع والالتقاط وليس لديها ما تتمثله لتربية الأبناء أو لابتداع وسائل للمعيشة اليومية. يقول الروائي السنغالي شيخ حميدو “الجهل بالثقافة الإفريقية له سببان: الأول تاريخي يرتبط مسألة العبودية، والآخر بنيوي يتمثل في كون الثقافة الإفريقية شفهية غير مكتوبة، وهذا لا يعني عدم وجود ثقافة، فالإفريقي يعرف كيف يتعامل مع أهله وأبنائه وله قيمه ومبادئه وموروثاته، لكن بما أنها ثقافة وحضارة غير مكتوبة، لا يستطيع الآخر أن يعرفها”.
كما أن تلك النظرة الاستعلائية تتناسى الأثر الكبير للحضارة العربية في إعادة بعث النهضة الأوروبية من خلال حركة الترجمة والتأليف في علوم الجبر والهندسة والفلك…الخ، وتتجاهل حقيقة أن الدين الإسلامي نفسه أتي بنقلة حضارية رفعت راية التعايش السلمي بين القبائل تمهيدا لتوحيدها في شعوب وأمم. إن سقوط مشروع النهضة العربية والافريقية بعد أفول نجم ثورات التحرر الوطني لم يكن بأي حال نتيجة حتمية للسمات الخاصة بالموروث الثقافي، أو المكون البيئي والجغرافي، أو التركيبة الجينية الوراثية لشعوب هذه البلدان، كما يدعي البعض. بل كان بسبب سياسات وبرامج أنظمة الاستبداد والطغيان التي حكمت أفريقيا والعالم العربي بعد انتصارات حركة التحرر الوطني.
فسيف هذه الأنظمة طال صناع النهضة الحقيقيين من مفكرين وعلماء ومثقفين ورجال دين مستنيرين، لتمتلئ مساحتهم الشاغرة بالتيارات الماضوية، وبأنصاف المثقفين الذين سيطروا على وسائل الإعلام وأدوات التوجيه الثقافي والتربوي، ففرضوا نموذجا معرفيا بائسا يقوم على التلقين دونا عن التفكير الناقد، وينحط بالفنون إلى درك سحيق، ويتحمس للتجهيل ومعاداة العلم، بدرجة أقرب إلى الملهاة المأساوية. فلنسترجع فقط ما قاله أحد قادة نظام الإنقاذ البائد وهو يأمر بتعذيب العالم البروفسيور فاروق محمد إبراهيم، أستاذه ولاحقا زميله في هيئة التدريس في الجامعة: “نحن نعذبك لأنك تدرس نظرية دارون “أصل الانواع” لطلاب الجامعة”! ولاحقا سنستكمل حديثنا حول النهضة الأفريقية، ونتناول الشباب والمجتمع المدني.
نقلا عن القدس اللندنية
الوسومافريقيا الحرب السودان الشفيع خضرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: افريقيا الحرب السودان الشفيع خضر
إقرأ أيضاً:
شراكة استراتيجية بين الصين والعالم العربي لتعزيز سلاسل التوريد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بحث الدكتور خالد حنفي، أمين عام اتحاد الغرف العربية، في دبي – الامارات العربية المتحدة، مع رئيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية CCPIT السيّد REN HONGBIN، على رأس وفد من المجلس، وبحضور رئيس مكتب ترويج الاستثمار والتكنولوجيا التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية(يونيدو) الدكتور هاشم حسين، ورئيس الجمعية العربية الصينية للتعاون والتنمية ACCDA قاسم الطفيلي، في الدورة الحادية عشرة لمؤتمر الأعمال العربي الصيني والنسخة التاسعة لمؤتمر الاستثمار العربي الصيني، المزمع عقدهما في مدينة HAINAN الصينية خلال الفترة 27-29 أبريل 2025، بتنظيم من اتحاد الغرف العربية والمجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية CCPIT وجامعة الدول العربية وحكومة الشباب في مقاطعة HAINAN الصينية.
ودعا الجانبان إلى وجوب العمل على نجاح الفعاليات المزمع عقدها في الفترة القادمة، بما يخدم التطلعات المشتركة نحو تنمية التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري بين الجانبين العربي والصيني.
وتم خلال اللقاء الاتفاق على عقد اجتماع عربي – صيني في إطار عمل الغرفة العربية – الصينية، وذلك في الربع الأخير من العام الحالي 2025 في إحدى الدول العربية.
وجرى خلال اللقاء التشديد، على أهمية التعاون البناء بين اتحاد الغرف العربية والمجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية، في سبيل تنمية العلاقات الاقتصادية العربية –الصينية والارتقاء بها من مستوى التجارة التقليدية القائمة على الاستيراد والتصدير، إلى مستوى الشراكات الاستراتيجية القائمة على نقل التكنولوجيا والاستفادة من الطاقات البشرية، عبر إنشاء مناطق تكنولوجية كبرى في البلدان العربية.
كما جرى التأكيد على أن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي له أهمية بارزة من خلال استخدام الطاقات والموارد البشرية من أجل بناء نماذج ذكاء اصطناعي، وهذا ما يمكن أن تقدمه البلدان العربية ذات الكثافات السكانية، بالإضافة إلى إدماج الدول العربية ذات الفوائض المالية العالية في الاستثمار في المناطق التكنولوجية، وبالتالي المساهمة في تحقيق المنافع المتبادلة، وجعل المناطق العربية نقطة محورية تمكن من الوصول إلى الأسواق الافريقية والأسيوية والإسهام بالتالي في إنشاء ممرات وطرق لوجستية جديدة.
وأكد أمين عام اتحاد الغرف العربية أنّ "الصين والبلدان العربية مهمان لبعضهما البعض، وبالتالي يجب علينا كبلدان عربية أن نستغل الفرص المتاحة من أجل رفع مستوى التعاون العربية – الصيني إلى آفاق أوسع وأشمل، لا سيما لجهة إقامة مناطق لوجستية مشتركة بين الجانبين العربي والصيني، خصوصا وأن ما يحصل في الصين اليوم بمثابة تطور وتطوير ضخم و هائل في كافة المقاطعات الصينية وليس مقاطعات أو مناطق محدودة مثل العاصمة بكين أو غوانزو أو شنغهاي أو شينزن.. إلخ".
واضاف نحن كبلدان عربية يمكننا أن نستفيد من هذا التحول عبر الدخول مع الصين في شراكة استراتيجية، حيث انتقلت الصين من مرحلة التنمية الاقتصادية المحلية إلى مرحلة التوسع الاقتصادي الخارجي عبر المشاريع الضخمة التي تنفذها في إطار مبادرة "الحزام وطريق الحرير"، والتي تدخل في خلق فرص كبيرة في موضوع سلاسل القيمة التي تعتبر حاجة أكثر من ضرورية في ظل هذا العالم المتغير.
ونوه إلى أنه "لمواكبة التطور الحاصل في الصين، و لنكون كبلدان عربية شركاء حقيقيين لا بد أولا من وضع خارطة استرشاديه، تقودنا نحو وضع رؤية ثم وضع آلية قابلة للتطبيق، وفي هذا المجال نحتاج إلى انفتاح أكبر من الجانب الصيني على الأسواق العربية، خصوصا وأن الصين تحتاج إلى إعادة تدوير ثرواتها المجمدة لدى الولايات المتحدة الأميركية والتي تعتبر هائلة، وذلك من خلال المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في مناطق النزاعات و الحروب.
من جهته، أكد رئيس المجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية CCPIT السيّد REN HONGBIN على "الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص على صعيد تعظيم العلاقات الاقتصادية العربية – الصينية"، لافتا إلى أن "هناك إمكانيات كبيرة وضخمة من أجل فتح المجال أمام القطاع الخاص من كلا الجانبين لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية الضخمة، خصوصا وان الحزب الحاكم في الصين يشجع القطاع الخاص الصيني على إقامة شراكات مع نظرائه في الخارج ولا سيما القطاع الخاص العربي. وبالتالي أمام هذا الواقع لا بد من استغلال الفرص المتاحة والتي هي كبيرة وضخمة".
ونوه إلى أهمية فتح المجال أمام الشركات العربية لزيادة حضورها في الصين وإقامة شراكات واستثمارات في مختلف انحاء الصين وفي كافة القطاعات الحيوية والاستراتيجية.