الجزيرة:
2025-05-02@21:17:11 GMT

الخيار الصعب أمام قائد الدعم السريع المستسلم

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

الخيار الصعب أمام قائد الدعم السريع المستسلم

حاز حدث استسلام قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة بوسط السودان، اللواء أبو عاقلة كيكل للجيش السوداني، اهتمامًا كبيرًا وواسع النطاق في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية.

ويُعتبر هذا الحدث الثاني من حيث الأهمية في سلسلة أحداث وقعت خلال هذا الشهر في يوميات الحرب في السودان. ولعل الحدث الأول الأكثر أهمية خلال هذه الفترة كان استعادة الجيش السوداني منطقة (جبل موية) الإستراتيجية من قبضة قوات الدعم السريع، والتي اتهم فيها قائد قوات الدعم السريع مصر بضرب قواته في المنطقة.

حدث استسلام كيكل للجيش السوداني وما أحاط به من ملابسات وما رافقه من تداعيات على الوضع العسكري الميداني في وسط السودان، الذي تحول فيه ميزان القوى لصالح الجيش السوداني، أثار جدلًا واسع النطاق لدى الرأي العام السوداني خصوصًا. وكذلك أثار لغطًا كبيرًا داخل أروقة كلٍ من قوات الدعم السريع من جهة، والجيش والحكومة السودانية من جهة أخرى.

قوات الدعم السريع، وعلى لسان مستشاريها السياسيين وما تبقى من قادتها العسكريين، وصفت قائد قواتهم بولاية الجزيرة (السابق) بالخائن، وبأنه "باع القضية"، وبعضهم قال إنه كان مدسوسًا على قوات الدعم السريع، وأنه ظل يعمل لصالح الجيش السوداني.

ومن الجانب الآخر، أعلن الجيش السوداني في بيان رسمي أن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة ومجموعة من قواته انحازوا لجانب الحق والوطن، وغادروا صفوف التمرد والقتال جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش.

ورحب البيان بهذه الخطوة ووصفها بالشجاعة، مؤكدًا أن الأبواب مفتوحة لكل من ينحاز إلى صفّ الوطن وقواته المسلحة. وأشار البيان إلى تأكيد الجيش السوداني على عفو رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن أي متمرّد ينحاز لجانب الوطن، ويبلغ أقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان.

لكن هذا الحدث خلق بلبلة كبيرة في أوساط الرأي العام السوداني، وكان له تأثير مزدوج في الأوساط الشعبية ولدى قطاعات كبيرة من الجمهور السوداني. فالحدث أشاع قدرًا لا يُستهان به من الفرح والشعور بالارتياح لدى الشعب السوداني بالعموم، ومواطني ولاية الجزيرة بالخصوص؛ كونه يقود إلى وضع حد لمعاناتهم من الانتهاكات والفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحقهم منذ دخولها الولاية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

كذلك، فإن استسلام اللواء كيكل للجيش له أهميته عسكريًا، حيث يمثل هزيمة مادية ومعنوية لقوات الدعم السريع، وضربة موجعة لها، ولم تفق بعد من هزيمتها – التي اعترف بها قائدها (حميدتي) – أمام الجيش السوداني في (جبل موية).

كذلك فإن استسلام كيكل يُعد خصمًا كبيرًا من الرصيد السياسي للدعم السريع، وجناحها المدني المتمثل في (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) المعروفة اختصارًا بـ (تقدم)، حيث ظل خطاب هذه القوى يدّعي تمثيله للشعب السوداني وجماهير ولاية الجزيرة، وأنه يملك قواعد عريضة في هذه الولاية المهمة، وأن هذه القواعد الجماهيرية تمثل له السند الشرعي في مسيرة سعيه لاستعادة الحكم المدني، وجلب الديمقراطية والسلام والحرية والعدالة.

لكن رغم توحد الشعور بالفرح لدى الرأي العام السوداني حول استسلام كيكل، فإن الحدث أثار اختلافًا في ردود الفعل تجاه ما يجب أن يكون عليه الحال في اليوم التالي لحادثة الاستسلام، وتحديدًا حول مصير كيكل.

هذا الاختلاف بدأ في التنامي منذ اليوم الأول للاستسلام، آخذًا شكلًا تصاعديًا نحو التحول من مجرد "اختلاف" إلى "خلاف" يرشح بقوة أن يتبلور في "انشقاق" بين فئتين من الناس:

الفئة الأولى تقول إن كيكل رجل مراوغ، وأنه أعلن استسلامه لينجو من هزيمة ماحقة أحاطت به من كل حدب وصوب بعد استعادة الجيش جبل موية وإلحاقه الهزيمة بقوات الدعم السريع، وتقدمه المتسارع في الميدان، وتطويقه الكامل ولايةَ الجزيرة، بحيث انغلقت في وجهه كل سبل النجاة، فأعلن استسلامه لكي يخرج من هذه الورطة.

وترى هذه الفئة أن كيكل غير صادق، ويريد فقط الإفلات من العقاب؛ بسبب الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قواته طيلة ما يقرب من العام، وأنه يجب أن تتم محاكمته كمجرم حرب، لا أن يتم العفو عنه والاحتفاء به وتصويره كبطل وطني.

ويرى هؤلاء أن الحق الخاص مقدم على الحق العام، وأن الحكومة لا تملك حق العفو عن الحقوق الخاصة. فهناك ممتلكات نُهبت، وأعراض انتُهكت، ونفوس أُزهقت بغير حق، وأناس شُردوا ونزحوا ولجؤُوا، ويعيشون في أوضاع مزرية بالداخل والخارج بسبب كيكل، وبالتالي لا بدّ من الاقتصاص منه بتقديمه للعدالة.

ومن الجانب الآخر، ترى فئة تتقدمها الحكومة السودانية أن استسلام كيكل يُعتبر نصرًا مؤزرًا للجيش، كونه أحدث شرخًا كبيرًا في صف قوات الدعم السريع، وكان بمثابة قاصمة الظهر للدعم السريع ليس فقط في ولاية الجزيرة، وإنما في كل الولايات الأخرى التي تتواجد فيها.

كما أن استسلام كيكل وضع قوات الدعم السريع على شفا جرف الهزيمة والانهيار الشامل على مستوى السودان كله. وما حققه استسلامه وفّر وحقن الكثير من الدماء التي كانت ستسيل في معركة تحرير ولاية الجزيرة.

وترى هذه الفئة أن الفريق البرهان، بوصفه رأس الدولة وقائد الجيش، لديه حق العفو العام بحكم منصبه وبحسب تقديراته كقائد عسكري ورئيس شرعي للبلاد، فيما لو رأى أن هذا العفو مدعاة لتحقيق المصلحة العامة ودفع الضرر، وأن هذا العفو يقع ضمن نطاق تخطيطه للعمليات الحربية والاستخباراتية وإدارته للأوضاع السياسية بالبلاد.

وإزاء احتدام الجدل حول حادثة الاستسلام والانقسام الواضح حولها، ووجاهة دفوع ومبررات كلتا الفئتين – وهو وضع معقد ومربك ومحير وورطة حقيقية – فإن التساؤل يبرز بقوة حول كيفية الخروج بسلام من هذه الورطة التي ربما تتعقد أكثر بما يمكن أن يؤثر سلبًا على صعيد الجبهة الداخلية في السودان المساندة للجيش، والتي ظلت متماسكة ومؤتلفة بقوة في مواجهة قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول من الحرب، بما قد يؤدي إلى تصدعها، وهي قاب قوسين أو أدنى من النصر!

أقول إن المخرج الأوحد من هذه الورطة التي وجد الجميع نفسه فيها ما بين ليلة وضحاها هو في يد كيكل نفسه!

نعم، كيكل وحده هو من سيحل العقدة التي عقدها. وكما يقول المثل الشعبي السوداني "الشوكة بمرقوها بي دربها" [مثل يشبه المثل العربي: "وداوني بالتي كانت هي الداء" ويعني أن حل المشكلة يقتضي العودة لجذورها التي سببتها] أو المثل الشعبي السوداني الأشهر "يحلها الشربكا" [ويعني: أن من عقد عقدة، فمسؤوليته أن يحلها].

كيكل يمكنه أن يحل هذه العقدة، وهو الآن في المحك، وأمامه الفرصة واسعة لإثبات صدقه ووطنيته وتسجيل اسمه بأحرف من نور في سجل تاريخ السودان، يمحو به ما اقترفته يمينه في حق أهله وبلاده. والقادة العظام دائمًا يقدمون العام على الخاص.

أمام كيكل أن يعلن اليوم قبل الغد أنه يقدم نفسه طوعًا واختيارًا لأجهزة العدالة لمحاكمته وفق إجراءات التقاضي أمام القضاء السوداني. ويكون بذلك قد أثبت صدق نواياه أولًا، ثم تطهيرًا لنفسه من حقوق ومظالم الناس ثانيًا، ثم وهذا هو الأهم باعتباره يتعلق بمستقبل بلاده، الحيلولة دون تصدع الجبهة الداخلية الذي يمكن – بسبب الخلاف حول استسلامه – أن يتطور إلى مواجهات أهلية لا يريدها الجميع ولا تحمد عقباها.

افعلها يا كيكل لتسطر اسمك في سجل العظماء!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الجیش السودانی ولایة الجزیرة استسلام کیکل قائد قوات ا کبیر ا

إقرأ أيضاً:

هل تربك سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود حسابات الجيش؟

على نحو متسارع تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة النهود في غربي البلاد، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات الجيش التي تعتزم استعادة المدينة، الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تمثل مفتاح الوصول إلى مدن غرب كردفان وشمال دارفور.

وجاءت سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود، بعد معارك استمرت يومين شنت خلالها هجمات بالقصف المدفعي والمسيرات قاذفة الصواريخ، مما دفع الجيش للانسحاب إلى مدينة الخوي وإخلاء مقر اللواء 18 بمدينة النهود.

وقد تمكن الجيش في اليوم الأول من الدفاع عن المدينة عبر حامياته في اللواء 18 وفي اليوم الثاني للمعركة انسحب خارج المدينة التي خضعت كليا لسيطرة الدعم السريع.

وعقب دخول قوات الدعم السريع مدينة النهود، تحدثت مصادر عن عمليات قتل واسعة إلى جانب أعمال نهب نفذتها قوات الدعم السريع.

ووفقا لبيان صادر من شبكة أطباء السودان، التي قالت إن الدعم السريع قتل أكثر من 100 مدني بينهم نساء وأطفال فضلا عن نهب السوق والمستشفى وحرق عدد من المحال التجارية، في حين نشر ناشطون على منصات التواصل صورا قالوا إنها لبعض القتلى المدنيين.

 

كما ذكرت مصادر طبية أن من ضمن الذين قتلوا في الأبيض صحفي يعمل في إحدى الوكالات الإعلامية المحلية وطبيب وضابط بشرطة المدينة.

إعلان

في الأثناء قال مصدر عسكري للجزيرة نت، إن الجيش انسحب من قيادة اللواء 18 بالنهود إلى الخوي بعد تعرضه لقصف بمسيّرات حديثة لا تتوفر لجيوش دول أفريقيا.

واتهم المصدر جهات دولية بتوفير مسيّرات إستراتيجية لقوات لدعم السريع، أسهمت في ترجيح كفتها في معارك النهود، مشيرا إلى أن الجيش "كبّد المليشيا خسائر في الأرواح في معركة المدينة في اليوم الأول".

عمليات كردفان

وعقب انتصار الجيش في وسط السودان خاصة في ولايات سنار والجزيرة بدأ الجيش التخطيط للتقدم في إقليم كردفان الذي يضم 3 ولايات وهي شمال وجنوب وغرب كردفان ونجح الجيش في التوسع والانتشار في شمال كردفان بعد استعادته مدن أم روابة والرهد وفك حصار الأبيض.

ثم أعلن الجيش في بيان صحفي لاحقا، عزمه التوجه نحو مدن كردفان الأخرى الخاضعة لسيطرة الدعم السريع لا سيما في غربها مثل الفولة والمجلد، غير أن التطورات المتسارعة في غرب كردفان أربكت حسابات الجيش.

ويسيطر الجيش على معظم مدن ولاية جنوب كردفان مثل كادوقلي والدلنج وأبو جبيهة والعباسية تقلي وكالوقي في حين يسيطر الجيش في غرب كردفان على بعض المدن مثل بابنوسة التي توجد بها قيادة الفرقة 22 مشاة والخوي وهجليج والنهود قبل سقوطها فضلا عن سيطرته على مناطق واسعة في شمال كردفان مثل الأبيض والرهد والسميح وأم روابة.

وإزاء هذا، كان يسعى الجيش لتقدم وإزالة وجود الدعم السريع في كردفان ومن ثم الانتقال الى دارفور القريبة من كردفان والخاضعة بنسبة 90% لسيطرة الدعم السريع.

مدينة إستراتيجية

ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يوسف عبد المنان للجزيرة نت إن مدينة النهود مفتاحية للوصول إلى كل مدن غرب كردفان وشمال دارفور وهي غنية بالموارد الطبيعية ومنطقة لسوق الفول السوداني.

وأضاف أن سيطرة الدعم السريع على النهود سيعيق تحرك رتل الصياد التابع للجيش السوداني والمنتشر في مدن كردفان قائلا "ستكون هناك معارك حرب مدن ويتطلب من رتل الصياد قوة نوعية من الأسلحة والرجال".

إعلان

كما أكد عبد المنان أن السيطرة على مدينة النهود تعني الضغط على قيادة الفرقة 22 التابعة للجيش بمدينة بابنوسة بغرب كردفان إذ كانت المدينة تمثل سندا للفرقة 22 بابنوسة قائلا إن خسارة الجيش للمدينة سيؤثر سلبا على أي معارك قادمة في كردفان ودارفور.

وفي ظل هذا، تظل تأكيدات مصادر بالجيش للجزيرة نت، بأن العودة إلى مدينة النهود قادمة، بالنظر إلى ما حدث في ود مدني وسنجة وبقية مدن السودان.

ويقول مصدر عسكري إن الجيش لا ينسحب من أي مدينة إلا وفق تقديرات "دقيقة"، خاضعة لحسابات منها تجنب الخسائر البشرية، مؤكدا أن الجيش يسيطر على نطاق واسع من كردفان وهو ما سيمكنه من استعادة النهود وكل مدن كردفان الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.

في الأثناء قالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي إن سيطرتهم على مدينة النهود يمثل منعطفا مهما في مسار الحرب، مشيرة إلى أنها عازمة على التقدم ميدانيا في كردفان ودارفور.

مقالات مشابهة

  • كيكل قائد قوات درع السودان يصل العاصمة الادارية بورتسودان لعقد مشاورات
  • هل تربك سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود حسابات الجيش؟
  • ذبح مدير الشرطة القضائية وزوجته وموجة اغتيالات وسرقات عقب سيطرة الدعم السريع على النهود غرب كردفان
  • اغتيال مراسل إذاعي في معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع
  • معارك ضارية وقصف بالطيران الحربي وجريمة متكاملة الأركان.. الجيش السوداني يوضح تفاصيل استعادة مدينة من الدعم السريع
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • اشتباكات عنيفة في شمال كردفان.. ومقتل قائد الدعم السريع في منطقة الحمرة
  • تفاصيل معركة سبع ساعات ومقتل قائد كبير في الدعم السريع
  • عاجل | مصدر عسكري بالجيش السوداني للجزيرة: ارتفاع عدد الجنود القتلى في قصف مليشيا الدعم السريع بمدينة كوستي إلى 11
  • هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع