الجزيرة:
2025-01-22@00:27:07 GMT

الخيار الصعب أمام قائد الدعم السريع المستسلم

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

الخيار الصعب أمام قائد الدعم السريع المستسلم

حاز حدث استسلام قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة بوسط السودان، اللواء أبو عاقلة كيكل للجيش السوداني، اهتمامًا كبيرًا وواسع النطاق في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية.

ويُعتبر هذا الحدث الثاني من حيث الأهمية في سلسلة أحداث وقعت خلال هذا الشهر في يوميات الحرب في السودان. ولعل الحدث الأول الأكثر أهمية خلال هذه الفترة كان استعادة الجيش السوداني منطقة (جبل موية) الإستراتيجية من قبضة قوات الدعم السريع، والتي اتهم فيها قائد قوات الدعم السريع مصر بضرب قواته في المنطقة.

حدث استسلام كيكل للجيش السوداني وما أحاط به من ملابسات وما رافقه من تداعيات على الوضع العسكري الميداني في وسط السودان، الذي تحول فيه ميزان القوى لصالح الجيش السوداني، أثار جدلًا واسع النطاق لدى الرأي العام السوداني خصوصًا. وكذلك أثار لغطًا كبيرًا داخل أروقة كلٍ من قوات الدعم السريع من جهة، والجيش والحكومة السودانية من جهة أخرى.

قوات الدعم السريع، وعلى لسان مستشاريها السياسيين وما تبقى من قادتها العسكريين، وصفت قائد قواتهم بولاية الجزيرة (السابق) بالخائن، وبأنه "باع القضية"، وبعضهم قال إنه كان مدسوسًا على قوات الدعم السريع، وأنه ظل يعمل لصالح الجيش السوداني.

ومن الجانب الآخر، أعلن الجيش السوداني في بيان رسمي أن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة ومجموعة من قواته انحازوا لجانب الحق والوطن، وغادروا صفوف التمرد والقتال جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش.

ورحب البيان بهذه الخطوة ووصفها بالشجاعة، مؤكدًا أن الأبواب مفتوحة لكل من ينحاز إلى صفّ الوطن وقواته المسلحة. وأشار البيان إلى تأكيد الجيش السوداني على عفو رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن أي متمرّد ينحاز لجانب الوطن، ويبلغ أقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان.

لكن هذا الحدث خلق بلبلة كبيرة في أوساط الرأي العام السوداني، وكان له تأثير مزدوج في الأوساط الشعبية ولدى قطاعات كبيرة من الجمهور السوداني. فالحدث أشاع قدرًا لا يُستهان به من الفرح والشعور بالارتياح لدى الشعب السوداني بالعموم، ومواطني ولاية الجزيرة بالخصوص؛ كونه يقود إلى وضع حد لمعاناتهم من الانتهاكات والفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحقهم منذ دخولها الولاية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

كذلك، فإن استسلام اللواء كيكل للجيش له أهميته عسكريًا، حيث يمثل هزيمة مادية ومعنوية لقوات الدعم السريع، وضربة موجعة لها، ولم تفق بعد من هزيمتها – التي اعترف بها قائدها (حميدتي) – أمام الجيش السوداني في (جبل موية).

كذلك فإن استسلام كيكل يُعد خصمًا كبيرًا من الرصيد السياسي للدعم السريع، وجناحها المدني المتمثل في (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) المعروفة اختصارًا بـ (تقدم)، حيث ظل خطاب هذه القوى يدّعي تمثيله للشعب السوداني وجماهير ولاية الجزيرة، وأنه يملك قواعد عريضة في هذه الولاية المهمة، وأن هذه القواعد الجماهيرية تمثل له السند الشرعي في مسيرة سعيه لاستعادة الحكم المدني، وجلب الديمقراطية والسلام والحرية والعدالة.

لكن رغم توحد الشعور بالفرح لدى الرأي العام السوداني حول استسلام كيكل، فإن الحدث أثار اختلافًا في ردود الفعل تجاه ما يجب أن يكون عليه الحال في اليوم التالي لحادثة الاستسلام، وتحديدًا حول مصير كيكل.

هذا الاختلاف بدأ في التنامي منذ اليوم الأول للاستسلام، آخذًا شكلًا تصاعديًا نحو التحول من مجرد "اختلاف" إلى "خلاف" يرشح بقوة أن يتبلور في "انشقاق" بين فئتين من الناس:

الفئة الأولى تقول إن كيكل رجل مراوغ، وأنه أعلن استسلامه لينجو من هزيمة ماحقة أحاطت به من كل حدب وصوب بعد استعادة الجيش جبل موية وإلحاقه الهزيمة بقوات الدعم السريع، وتقدمه المتسارع في الميدان، وتطويقه الكامل ولايةَ الجزيرة، بحيث انغلقت في وجهه كل سبل النجاة، فأعلن استسلامه لكي يخرج من هذه الورطة.

وترى هذه الفئة أن كيكل غير صادق، ويريد فقط الإفلات من العقاب؛ بسبب الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قواته طيلة ما يقرب من العام، وأنه يجب أن تتم محاكمته كمجرم حرب، لا أن يتم العفو عنه والاحتفاء به وتصويره كبطل وطني.

ويرى هؤلاء أن الحق الخاص مقدم على الحق العام، وأن الحكومة لا تملك حق العفو عن الحقوق الخاصة. فهناك ممتلكات نُهبت، وأعراض انتُهكت، ونفوس أُزهقت بغير حق، وأناس شُردوا ونزحوا ولجؤُوا، ويعيشون في أوضاع مزرية بالداخل والخارج بسبب كيكل، وبالتالي لا بدّ من الاقتصاص منه بتقديمه للعدالة.

ومن الجانب الآخر، ترى فئة تتقدمها الحكومة السودانية أن استسلام كيكل يُعتبر نصرًا مؤزرًا للجيش، كونه أحدث شرخًا كبيرًا في صف قوات الدعم السريع، وكان بمثابة قاصمة الظهر للدعم السريع ليس فقط في ولاية الجزيرة، وإنما في كل الولايات الأخرى التي تتواجد فيها.

كما أن استسلام كيكل وضع قوات الدعم السريع على شفا جرف الهزيمة والانهيار الشامل على مستوى السودان كله. وما حققه استسلامه وفّر وحقن الكثير من الدماء التي كانت ستسيل في معركة تحرير ولاية الجزيرة.

وترى هذه الفئة أن الفريق البرهان، بوصفه رأس الدولة وقائد الجيش، لديه حق العفو العام بحكم منصبه وبحسب تقديراته كقائد عسكري ورئيس شرعي للبلاد، فيما لو رأى أن هذا العفو مدعاة لتحقيق المصلحة العامة ودفع الضرر، وأن هذا العفو يقع ضمن نطاق تخطيطه للعمليات الحربية والاستخباراتية وإدارته للأوضاع السياسية بالبلاد.

وإزاء احتدام الجدل حول حادثة الاستسلام والانقسام الواضح حولها، ووجاهة دفوع ومبررات كلتا الفئتين – وهو وضع معقد ومربك ومحير وورطة حقيقية – فإن التساؤل يبرز بقوة حول كيفية الخروج بسلام من هذه الورطة التي ربما تتعقد أكثر بما يمكن أن يؤثر سلبًا على صعيد الجبهة الداخلية في السودان المساندة للجيش، والتي ظلت متماسكة ومؤتلفة بقوة في مواجهة قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول من الحرب، بما قد يؤدي إلى تصدعها، وهي قاب قوسين أو أدنى من النصر!

أقول إن المخرج الأوحد من هذه الورطة التي وجد الجميع نفسه فيها ما بين ليلة وضحاها هو في يد كيكل نفسه!

نعم، كيكل وحده هو من سيحل العقدة التي عقدها. وكما يقول المثل الشعبي السوداني "الشوكة بمرقوها بي دربها" [مثل يشبه المثل العربي: "وداوني بالتي كانت هي الداء" ويعني أن حل المشكلة يقتضي العودة لجذورها التي سببتها] أو المثل الشعبي السوداني الأشهر "يحلها الشربكا" [ويعني: أن من عقد عقدة، فمسؤوليته أن يحلها].

كيكل يمكنه أن يحل هذه العقدة، وهو الآن في المحك، وأمامه الفرصة واسعة لإثبات صدقه ووطنيته وتسجيل اسمه بأحرف من نور في سجل تاريخ السودان، يمحو به ما اقترفته يمينه في حق أهله وبلاده. والقادة العظام دائمًا يقدمون العام على الخاص.

أمام كيكل أن يعلن اليوم قبل الغد أنه يقدم نفسه طوعًا واختيارًا لأجهزة العدالة لمحاكمته وفق إجراءات التقاضي أمام القضاء السوداني. ويكون بذلك قد أثبت صدق نواياه أولًا، ثم تطهيرًا لنفسه من حقوق ومظالم الناس ثانيًا، ثم وهذا هو الأهم باعتباره يتعلق بمستقبل بلاده، الحيلولة دون تصدع الجبهة الداخلية الذي يمكن – بسبب الخلاف حول استسلامه – أن يتطور إلى مواجهات أهلية لا يريدها الجميع ولا تحمد عقباها.

افعلها يا كيكل لتسطر اسمك في سجل العظماء!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الجیش السودانی ولایة الجزیرة استسلام کیکل قائد قوات ا کبیر ا

إقرأ أيضاً:

احتدام المعارك بين الجيش والدعم السريع في دارفور والخرطوم

تستمر المعارك والاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عدة مناطق، أهمها دارفور والخرطوم والقضارف.

وقال مني مناوي، حاكم إقليم دارفور والقيادي في القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني، إن القوات السودانية والقوات المتحالفة معها حققت انتصارات على قوات للدعم السريع، تضم أكثر من 546 سيارة محملة بالعتاد العسكري، يقودها عبد الرحيم دقلو بنفسه، وذلك في معركة دارت بينهما بمحور الصحراء شمال دارفور.

وقصف الجيش من أم درمان تجمعات الدعم السريع في الخرطوم بحري التي شهدت صباح السبت اشتباكات عنيفة في ضاحية شمبات بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.

في المقابل، قصفت قوات الدعم السريع بالمدفعية الثقيلة من مواقعها في الخرطوم بحري مناطق سيطرة الجيش السوداني في محافظة كرري شمالي أم درمان.

وأفاد مراسل الجزيرة بتصاعد أعمدة الدخان إثر سقوط القذائف في ضاحية الثورة وحي الواحة بأم درمان.

وتشهد الخرطوم بحري اشتباكات متواصلة بين طرفي القتال ويحاول الجيش من مواقعه شمال المدينة الوصول إلى سلاح الإشارة أقصى جنوب الخرطوم بحري، ومنها إلى مقر القيادة العامة للجيش المحاصر وسط الخرطوم.

20 قتيلا

من جهته، قال مؤتمر الجزيرة، وهو هيئة معنية برصد انتهاكات الدعم السريع بولاية الجزيرة، إن قوات الدعم السريع قتلت 20 مدنيا بقرية الخيران.

إعلان

وعلى صعيد آخر، قالت مصادر للجزيرة إن مسيّرات الدعم السريع استهدفت محطة كهرباء الشوك شمال مدينة القضارف فجر السبت، مما أدى إلى خروج المحطة عن العمل، وانقطاع الكهرباء في كل من ولايتي القضارف وكسلا وشرقي السودان.

وفي بيان سابق، قالت قوات الدعم السريع إن قواتها دكت ودمرت، أمس السبت، القوات المتحالفة مع الجيش في مناطق الحِلف، ودِريشقى، ومَاو بولاية شمال دارفور، حسب تعبيرها.

وذكرت قوات الدعم السريع أن قواتها فرضت السيطرة الكاملة على تلك المناطق، وكبدت الحركات المتحالفة مع الجيش خسائر كبيرة في الأفراد والعتاد والمعدات، واستولت على 206 سيارات قتالية، وأحرقت 67 منها في المعركة، طبقا للبيان.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني: قواتنا تسيطر على الفاشر وشائعات الدعم السريع «محاولة يائسة» لرفع معنوياتهم 
  • الجيش السوداني يصد هجوماً للدعم السريع على منطقة «الأعوج» بالنيل الأبيض
  • تقدم للجيش السوداني بالخرطوم بحري وتحذير إنساني بولاية الجزيرة
  • تجدد اشتباكات عنيفة بين الجيش و الدعم السريع في العاصمة الخرطوم
  • وحدات الجيش السوداني تحرز تقدما بالخرطوم في مواجهة الدعم السريع
  • الدعم السريع تمهل الجيش السوداني 48 ساعة
  • مساعد قائد الجيش السوداني: المرتزقة من جنوب السودان يشكلون 65% من قوات الدعم السريع
  • الجيش السوداني يتقدم في مناطق جديدة والدعم السريع يستهدف الخرطوم
  • قائد ثاني قوات الدعم السريع يشارك في معارك محور الصحراء
  • احتدام المعارك بين الجيش والدعم السريع في دارفور والخرطوم