الخيار الصعب أمام قائد الدعم السريع المستسلم
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
حاز حدث استسلام قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة بوسط السودان، اللواء أبو عاقلة كيكل للجيش السوداني، اهتمامًا كبيرًا وواسع النطاق في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية.
ويُعتبر هذا الحدث الثاني من حيث الأهمية في سلسلة أحداث وقعت خلال هذا الشهر في يوميات الحرب في السودان. ولعل الحدث الأول الأكثر أهمية خلال هذه الفترة كان استعادة الجيش السوداني منطقة (جبل موية) الإستراتيجية من قبضة قوات الدعم السريع، والتي اتهم فيها قائد قوات الدعم السريع مصر بضرب قواته في المنطقة.
حدث استسلام كيكل للجيش السوداني وما أحاط به من ملابسات وما رافقه من تداعيات على الوضع العسكري الميداني في وسط السودان، الذي تحول فيه ميزان القوى لصالح الجيش السوداني، أثار جدلًا واسع النطاق لدى الرأي العام السوداني خصوصًا. وكذلك أثار لغطًا كبيرًا داخل أروقة كلٍ من قوات الدعم السريع من جهة، والجيش والحكومة السودانية من جهة أخرى.
قوات الدعم السريع، وعلى لسان مستشاريها السياسيين وما تبقى من قادتها العسكريين، وصفت قائد قواتهم بولاية الجزيرة (السابق) بالخائن، وبأنه "باع القضية"، وبعضهم قال إنه كان مدسوسًا على قوات الدعم السريع، وأنه ظل يعمل لصالح الجيش السوداني.
ومن الجانب الآخر، أعلن الجيش السوداني في بيان رسمي أن قائد قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة ومجموعة من قواته انحازوا لجانب الحق والوطن، وغادروا صفوف التمرد والقتال جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش.
ورحب البيان بهذه الخطوة ووصفها بالشجاعة، مؤكدًا أن الأبواب مفتوحة لكل من ينحاز إلى صفّ الوطن وقواته المسلحة. وأشار البيان إلى تأكيد الجيش السوداني على عفو رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، عن أي متمرّد ينحاز لجانب الوطن، ويبلغ أقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان.
لكن هذا الحدث خلق بلبلة كبيرة في أوساط الرأي العام السوداني، وكان له تأثير مزدوج في الأوساط الشعبية ولدى قطاعات كبيرة من الجمهور السوداني. فالحدث أشاع قدرًا لا يُستهان به من الفرح والشعور بالارتياح لدى الشعب السوداني بالعموم، ومواطني ولاية الجزيرة بالخصوص؛ كونه يقود إلى وضع حد لمعاناتهم من الانتهاكات والفظائع وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع بحقهم منذ دخولها الولاية في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
كذلك، فإن استسلام اللواء كيكل للجيش له أهميته عسكريًا، حيث يمثل هزيمة مادية ومعنوية لقوات الدعم السريع، وضربة موجعة لها، ولم تفق بعد من هزيمتها – التي اعترف بها قائدها (حميدتي) – أمام الجيش السوداني في (جبل موية).
كذلك فإن استسلام كيكل يُعد خصمًا كبيرًا من الرصيد السياسي للدعم السريع، وجناحها المدني المتمثل في (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) المعروفة اختصارًا بـ (تقدم)، حيث ظل خطاب هذه القوى يدّعي تمثيله للشعب السوداني وجماهير ولاية الجزيرة، وأنه يملك قواعد عريضة في هذه الولاية المهمة، وأن هذه القواعد الجماهيرية تمثل له السند الشرعي في مسيرة سعيه لاستعادة الحكم المدني، وجلب الديمقراطية والسلام والحرية والعدالة.
لكن رغم توحد الشعور بالفرح لدى الرأي العام السوداني حول استسلام كيكل، فإن الحدث أثار اختلافًا في ردود الفعل تجاه ما يجب أن يكون عليه الحال في اليوم التالي لحادثة الاستسلام، وتحديدًا حول مصير كيكل.
هذا الاختلاف بدأ في التنامي منذ اليوم الأول للاستسلام، آخذًا شكلًا تصاعديًا نحو التحول من مجرد "اختلاف" إلى "خلاف" يرشح بقوة أن يتبلور في "انشقاق" بين فئتين من الناس:
الفئة الأولى تقول إن كيكل رجل مراوغ، وأنه أعلن استسلامه لينجو من هزيمة ماحقة أحاطت به من كل حدب وصوب بعد استعادة الجيش جبل موية وإلحاقه الهزيمة بقوات الدعم السريع، وتقدمه المتسارع في الميدان، وتطويقه الكامل ولايةَ الجزيرة، بحيث انغلقت في وجهه كل سبل النجاة، فأعلن استسلامه لكي يخرج من هذه الورطة.وترى هذه الفئة أن كيكل غير صادق، ويريد فقط الإفلات من العقاب؛ بسبب الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قواته طيلة ما يقرب من العام، وأنه يجب أن تتم محاكمته كمجرم حرب، لا أن يتم العفو عنه والاحتفاء به وتصويره كبطل وطني.
ويرى هؤلاء أن الحق الخاص مقدم على الحق العام، وأن الحكومة لا تملك حق العفو عن الحقوق الخاصة. فهناك ممتلكات نُهبت، وأعراض انتُهكت، ونفوس أُزهقت بغير حق، وأناس شُردوا ونزحوا ولجؤُوا، ويعيشون في أوضاع مزرية بالداخل والخارج بسبب كيكل، وبالتالي لا بدّ من الاقتصاص منه بتقديمه للعدالة.
ومن الجانب الآخر، ترى فئة تتقدمها الحكومة السودانية أن استسلام كيكل يُعتبر نصرًا مؤزرًا للجيش، كونه أحدث شرخًا كبيرًا في صف قوات الدعم السريع، وكان بمثابة قاصمة الظهر للدعم السريع ليس فقط في ولاية الجزيرة، وإنما في كل الولايات الأخرى التي تتواجد فيها.كما أن استسلام كيكل وضع قوات الدعم السريع على شفا جرف الهزيمة والانهيار الشامل على مستوى السودان كله. وما حققه استسلامه وفّر وحقن الكثير من الدماء التي كانت ستسيل في معركة تحرير ولاية الجزيرة.
وترى هذه الفئة أن الفريق البرهان، بوصفه رأس الدولة وقائد الجيش، لديه حق العفو العام بحكم منصبه وبحسب تقديراته كقائد عسكري ورئيس شرعي للبلاد، فيما لو رأى أن هذا العفو مدعاة لتحقيق المصلحة العامة ودفع الضرر، وأن هذا العفو يقع ضمن نطاق تخطيطه للعمليات الحربية والاستخباراتية وإدارته للأوضاع السياسية بالبلاد.
وإزاء احتدام الجدل حول حادثة الاستسلام والانقسام الواضح حولها، ووجاهة دفوع ومبررات كلتا الفئتين – وهو وضع معقد ومربك ومحير وورطة حقيقية – فإن التساؤل يبرز بقوة حول كيفية الخروج بسلام من هذه الورطة التي ربما تتعقد أكثر بما يمكن أن يؤثر سلبًا على صعيد الجبهة الداخلية في السودان المساندة للجيش، والتي ظلت متماسكة ومؤتلفة بقوة في مواجهة قوات الدعم السريع منذ اليوم الأول من الحرب، بما قد يؤدي إلى تصدعها، وهي قاب قوسين أو أدنى من النصر!
أقول إن المخرج الأوحد من هذه الورطة التي وجد الجميع نفسه فيها ما بين ليلة وضحاها هو في يد كيكل نفسه!
نعم، كيكل وحده هو من سيحل العقدة التي عقدها. وكما يقول المثل الشعبي السوداني "الشوكة بمرقوها بي دربها" [مثل يشبه المثل العربي: "وداوني بالتي كانت هي الداء" ويعني أن حل المشكلة يقتضي العودة لجذورها التي سببتها] أو المثل الشعبي السوداني الأشهر "يحلها الشربكا" [ويعني: أن من عقد عقدة، فمسؤوليته أن يحلها].
كيكل يمكنه أن يحل هذه العقدة، وهو الآن في المحك، وأمامه الفرصة واسعة لإثبات صدقه ووطنيته وتسجيل اسمه بأحرف من نور في سجل تاريخ السودان، يمحو به ما اقترفته يمينه في حق أهله وبلاده. والقادة العظام دائمًا يقدمون العام على الخاص.
أمام كيكل أن يعلن اليوم قبل الغد أنه يقدم نفسه طوعًا واختيارًا لأجهزة العدالة لمحاكمته وفق إجراءات التقاضي أمام القضاء السوداني. ويكون بذلك قد أثبت صدق نواياه أولًا، ثم تطهيرًا لنفسه من حقوق ومظالم الناس ثانيًا، ثم وهذا هو الأهم باعتباره يتعلق بمستقبل بلاده، الحيلولة دون تصدع الجبهة الداخلية الذي يمكن – بسبب الخلاف حول استسلامه – أن يتطور إلى مواجهات أهلية لا يريدها الجميع ولا تحمد عقباها.
افعلها يا كيكل لتسطر اسمك في سجل العظماء!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع الجیش السودانی ولایة الجزیرة استسلام کیکل قائد قوات ا کبیر ا
إقرأ أيضاً:
الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
يواصل الجيش السوداني معاركه مع قوات الدعم السريع في عدة جبهات متفرقة حيث يسعى للسيطرة على مركز العاصمة الخرطوم، كما كثف هجماته الجوية على معاقل الدعم في الفاشر ويسعى للسيطرة على طرق رئيسية بولاية شمال كردفان، بعد أن حقق تقدما بولاية النيل الأبيض حيث توفي 100 شخص هناك بسبب وباء الكوليرا.
وتستمر المعارك بوتيرة متصاعدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إذ يسعى الجيش عبر محور وسط الخرطوم إلى السيطرة على مركز العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومرافق حكومية سيادية.
وفي ولاية شمال كردفان تدور مواجهات بين الجانبين ويسعى الجيش من خلالها للسيطرة على طرق رئيسية.
وجنوبا، تتواصل المعارك أيضا بولايتي النيل الأبيض والنيل الأزرق حيث أعلن الجيش سيطرته على مدن وبلدات تقع على الشريط الحدودي بين السودان وجنوب السودان.
وفي ولاية شمال دارفور، استهدفت قوات الدعم السريع بالمسيّرات مواقع بمدينة المالحة شمالي الولاية اليوم الأحد.
وفيما يتعلق بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، قال الإعلام العسكري في بيان له "إن الطيران الحربي للجيش السوداني نفذ غارات جوية دقيقة، مستهدفا تجمعات العدو ـفي إشارة لقوات الدعم السريعـ بالمحور الشمالي الغربي مساء أمس مما كبّدهم خسائر كبيرة في العتاد والأرواح".
إعلانوأضاف البيان أن مدينة الفاشر تشهد حالة من الاستقرار الأمني وأن القوات المسلحة تواصل تقدمها بثبات في جميع المحاور، وسط انهيار واضح في صفوف العدو وأن المعركة مستمرة حتى تحقيق النصر الكامل واستعادة أمن واستقرار البلاد وفقا للبيان".
وفي وقت سابق، قالت وكالة الأنباء السودانية "سونا" إن مدرعات الفرقة السادسة مشاة بالفاشر "نفذت عملية عسكرية محكمة في المحور الشمالي الشرقي للمدينة، أسفرت عن تدمير عربة جرار محملة بالأسلحة والذخائر تابعة لمليشيا آل دقلو المتمردة، إضافة إلى تدمير 3 عربات لاندكروزر كانت تتولى حراستها، دون نجاة أي من العناصر التي كانت على متنها".
كما نقلت عن الفرقة السادسة مشاة قولها إن "الضربات المدفعية الثقيلة مستمرة بمعدل 4 حصص يوميا، بالتزامن مع حملات التمشيط والرمايات الدقيقة، مما أجبر عناصر المليشيا على الانسحاب الواسع من المدينة، بينما فر بعضهم سيرا على الأقدام نحو المناطق النائية".
وخلال هجمات قوات الدعم السريع في الولاية في 16 فبراير/شباط الماضي، أصابت قوات الدعم السريع محطة توليد الطاقة في ربك، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتعطيل محطات المياه.
وأعلنت منظمة أطباء بلا حدود وفاة نحو من 100 شخص بسبب وباء الكوليرا في غضون أسبوعين منذ بدء تفشي الوباء المنقول بالمياه في ولاية النيل الأبيض.
وقالت المنظمة، الخميس الماضي، إن 2700 شخص أصيبوا بالمرض منذ 20 فبراير/شباط، كما لقي 92 آخرون حتفهم.
وقالت المنظمة إن أهالي المنطقة اضطروا إلى الاعتماد بشكل أساسي على المياه التي يتم الحصول عليها من عربات تجرها الحمير، لأن مضخات المياه لم تعد تعمل.
وقالت مارتا كازورلا، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان "إن الهجمات على البنية التحتية الحيوية لها آثار ضارة طويلة الأمد على صحة المجتمعات الضعيفة".
إعلانوبلغ تفشي الكوليرا في الولاية ذروته بين 20 و24 فبراير/شباط الماضي، عندما هرع المرضى وأسرهم إلى مستشفى كوستي التعليمي، مما أدى إلى إرهاق المنشأة بما يتجاوز قدرتها.
ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود، كان معظم المرضى يعانون من الجفاف الشديد، وقدمت المنظمة 25 طنا من المواد اللوجستية مثل الأَسِرة والخيام إلى كوستي للمساعدة في استيعاب المزيد من مرضى الكوليرا.
كما استجابت وزارة الصحة بولاية النيل الأبيض لتفشي المرض من خلال توفير إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة للمجتمع وحظر استخدام عربات الحمير لنقل المياه. كما أدار مسؤولو الصحة حملة تطعيم عندما بدأ تفشي المرض.
وقالت وزارة الصحة السودانية يوم الثلاثاء الماضي إن هناك 57 ألفا و135 حالة إصابة بالكوليرا، بما في ذلك 1506 حالات وفاة، في 12 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان.
وأعلنت وزارة الصحة رسميا تفشي الكوليرا في 12 أغسطس/آب من العام الماضي بعد الإبلاغ عن موجة جديدة من الحالات بدءًا من 22 يوليو/تموز من العام نفسه.
وانزلق السودان إلى الحرب منذ ما يقرب من عامين عندما تصاعدت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وقتلت الحرب في السودان ما لا يقل عن 20 ألف شخص، كما دفعت الحرب أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، ودفعت أجزاء من البلاد إلى المجاعة، وتسببت في تفشي الأمراض.