تركيا.. فرص العدالة والتنمية في استعادة بلدية إسطنبول
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
على بعد 7 أشهر من الانتخابات المحلية في تركيا، بدأت معظم الأحزاب السياسية عملية التحضير لها بدءا من الإعداد للمؤتمرات العامة لها، ويبقى السؤال الأهم حول مدى قدرة المعارضة على منافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم على بلديات المدن الكبرى ومدى قدرة الأخير على استعادة البلديات التي خسرها في الانتخابات السابقة وفي مقدمتها بلدية إسطنبول الكبرى.
منذ فوز أردوغان ببلدية إسطنبول الكبرى عام 1994 عن حزب الرفاه، والتي شكلت مفاجأة في حينها، لم تخرج المدينة عن سيطرة الحزب ثم حزب العدالة والتنمية إلا عام 2019، وقد شكل ذلك في حينه مفاجأة أكبر من السابقة. كان الرئيس التركي يعدُّ إسطنبول ضمن أبرز إنجازاته في حياته السياسية، ولطالما ردد بأن "من يكسب إسطنبول يكسب تركيا ومن يخسرها يخسر تركيا"، قاصدا الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقفت أسباب عدة خلف خسارة العدالة والتنمية البلدية الأهم والأكبر وصاحبة الرمزية في البلاد، في مقدمتها توافق المعارضة خلف مرشح واحد هو أكرم إمام أوغلو، الذي حصل رسميا على دعم الأحزاب الأربعة المنضوية حينها في تحالف الأمة المعارض من توجهات مختلفة وبشكل غير رسمي على دعم حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي".
على عكس بلدية أنقرة الكبرى التي يحظى رئيسها منصور يافاش بحظوظ وافرة لإعادة انتخابه، فإن فرص حزب العدالة والتنمية باستعادة بلدية إسطنبول الكبرى تبدو كبيرة وفق المعطيات الحالية
لسنوات طويلة تسود قناعة لدى شرائح قيادية في الحزب الحاكم بأن أحد أهم أسباب خسارته لبلدية إسطنبول الكبرى هو ملف السوريين والأجانب عموما الذي رفعته المعارضة في وجهه كأحد أهم الملفات الانتخابية. ورغم أن الوجود السوري والأجنبي في البلاد أثر على فرص العدالة والتنمية جزئيا في بعض المناطق، لا سيما أن الحزب لم يدر الملف بكفاءة تجنبه هذا التأثير، فإنه لم يكن السبب الرئيسي للخسارة.
كان ثمة ما يتعلق بطول مدة حكم العدالة والتنمية البلاد وما تسبب به من مشاكل من جهة وتململ فئات داعمة له من جهة أخرى، وهو الأمر الذي أدى لتراجع شعبية الحزب وتأييده وكذلك لتأسيس أحزاب جديدة قادها قياديون سابقون فيه انشقوا عنه. كما كانت إدارة الحزب للبلدية وتغيير رئيسها قبيل الانتخابات، ثم اختيار رئيس البرلمان السابق ورئيس الحزب السابق بن علي يلدرم مرشحا لرئاسة البلدية، فضلا عن تراجع المؤشرات الاقتصادية في البلاد من ضمن أهم الأسباب التي أفقدت الحزب الحاكم بلدية إسطنبول. ثم كان إصرار الأخير على الطعن بالنتيجة وطلب إعادة الانتخابات في المدينة سببا إضافيا لرفع الفارق بين إمام أوغلو ويلدرم في الإعادة عشرات الأضعاف.
مما يدعم هذا التقدير، أن خسارة إسطنبول أتت في الأساس لأسباب ذاتية وليس بسبب السوريين أو الأجانب في المقام الأول، وأن الحزب وإن خسر رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى فقد فاز بأغلبية مجلسها البلدي، والأمر نفسه ينطبق على بلدية أنقرة الكبرى، بما يشير إلى "تصويت عقابي" أو احتجاجي من أنصاره أو المصوتين له تقليديا، وهو تصويت احتجاجي استمر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغم تراجع حضور الملف فيها، فضلا عن أنه فاز برئاسة بلديات يشكل السوريون نسبة مرتفعة جدا من سكانها في المدن الحدودية مع سوريا.
فرص الفوزقدم الفوز ببلديتي إسطنبول وأنقرة تحديدا جرعة معنوية كبيرة للمعارضة، فطفقت تروّج أنها قادرة على الفوز برئاسة البلاد وأغلبية البرلمان، واعدة بإعادة تركيا للنظام البرلماني السابق بعد تطويره وتعزيزه، وشكلت في سبيل ذلك الطاولة السداسية وحصلت على دعم الشعوب الديمقراطي، لكن مرشحها -زعيم المعارضة- خسر الرئاسيات ولم تحصل هي على أغلبية البرلمان.
أدت هذه الخسارة لتفاقم الخلافات بين أركان الطاولة السداسية بعد الانتخابات وخروجها للعلن، سواء كان داخل حزب الشعب الجمهوري أو بين الأخير وباقي الأحزاب الخمسة. فقد أعلنت معظم الأحزاب التي كانت منضوية تحت الطاولة السداسية عن انتهاء التحالف وانتفاء أسباب وجوده بعد الانتخابات، حتى أن رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار وصفت التعاون مع حزب الشعب الجمهوري بأنه "أكثر ما ندمت عليه" في حياتها السياسية. من جهة أخرى، يواجه زعيم المعارضة كمال كليجدارأوغلو عصيانا علنيا داخل حزبه ومطالبات بالتغيير والتجديد ترفعها قيادات بارزة في الحزب، في طليعتها أكرم إمام أوغلو نفسه.
وإذا كان تجمع المعارضة خلف مرشح واحد السبب الأبرز والأهم في فوزها ببلدية إسطنبول في 2019، فإن خلافاتها وتشرذمها الآن يوحيان بنتيجة مختلفة. فقد فاز إمام أوغلو بأصوات الشعب الجمهوري الكمالي والجيد القومي والسعادة الإسلامي والشعوب الديمقراطي "الكردي" وآخرين. أما في الانتخابات المقبلة، فتقول المعطيات الحالية إن هذه الأحزاب قد تقدم أكثر من مرشح هذه المرة، لا سيما الحزب الجيد الذي قدم عدة إشارات على أنه سيخوض الانتخابات المقبلة بمرشحه الخاص.
من البديهي أن هذه ليست قرارات نهائية وأن المشهد السياسي قبيل الانتخابات قد يختلف، وأنه سيتأثر بعدة عوامل في مقدمتها نتيجة المعركة الداخلية في الشعب الجمهوري. ذلك أن بقاء كليجدارأوغلو على رأس الحزب حتى الانتخابات سيكون عائقا كبيرا أمام إعادة التحالف مع الحزب الجيد والآخرين، بينما رحيله وترؤس شخص آخر للحزب -لا سيما إن كان إمام أوغلو- قد يعيد طرح فكرة التحالف مرة أخرى.
وعليه، فإن الخلافات الحالية والمرشحة للاستمرار بين أطراف المعارضة تعظّم فرص العدالة والتنمية بالفوز مجددا بالبلدية الأهم في البلاد، إذ إن نتيجة الانتخابات المحلية تحسم من الجولة الأولى لصالح الأعلى أصواتا ولا يحتاج الفائز للحصول على %50 أو لجولة إعادة، وبالنظر إلى أن الحزب الحاكم ما زال يتقدم الأحزاب الأخرى بفارق مريح فإن صيغة عدم التحالف والتكتل في مواجهته تعزز فرصه بشكل كبير.
بيد أن العوامل المتعلقة بالمعارضة ليست كافية لوحدها للفوز في المحليات المقبلة، بل ثمة عوامل أساسية متعلقة بالعدالة والتنمية نفسه. في مقدمة هذه العوامل حسن اختيار المرشح، وهو أمر يوليه الحزب الحاكم أهمية قصوى فتتردد في كواليسه أسماء قوية كمرشحين محتملين لرئاسة البلدية، مثل وزير الداخلية السابق سليمان صويلو ووزير البيئة والتطوير العمراني والتغير المناخي السابق مراد كوروم ورئيس بلدية إسنلار في إسطنبول ونائب رئيس كتلة الحزب في مجلس بلدية إسطنبول محمد توفيق غوكصو.
يغلب على ظننا أن صويلو لن يكون مرشحا مناسبا في إسطنبول بسبب عدم تفضيل "الناخب الكردي" فيها شخصية قومية "صقورية" مثله، مع بقاء فرصه ضمن المرشحين المحتملين في أنقرة، مما يجعل فرص كوروم وغوكصو -وربما غيرهما- أعلى منه.
من جهة أخرى، سيكون على الحكومة أن تقدم إنجازات ملموسة في المجال الاقتصادي قبل الانتخابات البلدية، ولا سيما ما يرتبط بالتضخم وغلاء والأسعار، فذلك من العوامل الرئيسة في توجهات الناخبين. كما أن الحملة المعلنة من وزارة الداخلية لضبط الهجرة غير النظامية في البلاد -خاصة في إسطنبول- تصب في رغبة الحزب الحاكم في تقديم صورة لناخبيه عن جديته في حل تعقيدات هذا الملف.
كما أن هناك عاملا أخيرا ينبغي وضعه في الحسبان وهو تقديم الأحزاب الصغيرة، لا سيما تلك المنشقة عن العدالة والتنمية، مرشحين خاصين بها في الانتخابات المقبلة، إذ من شأن ذلك أن يسحب قليلا من رصيد مرشحي الأحزاب الكبيرة، لكنه سيكون تأثيرا ضئيلا ومن الصعب أن يؤثر في النتائج.
وفي الخلاصة، وعلى عكس بلدية أنقرة الكبرى التي يحظى رئيسها منصور يافاش بحظوظ وافرة لإعادة انتخابه، فإن فرص حزب العدالة والتنمية باستعادة بلدية إسطنبول الكبرى تبدو كبيرة وفق المعطيات الحالية. ومما يعزز هذا التقدير خلافات المعارضة وتوقع تقديمها أكثر من مرشح في الانتخابات المقبلة، وتوقع تقديم العدالة والتنمية مرشحا قويا وذا خبرة وسمعة طيبة، وعدم تقديم إمام أوغلو في السنوات الماضية إنجازات كبيرة في إسطنبول وانشغاله أكثر بالتنافس السياسي في البلاد ثم داخل حزبه، فضلا عن أهمية البرنامج الاقتصادي الحالي ومآلاته قبيل الانتخابات.
لكن، وكما نذكّر دائما، يبقى هذا تقييما أوليا بانتظار اقتراب الانتخابات وتبلور المشهد الانتخابي بتحالفاته ومرشحيه وبرامجه، وإلا فإن "24 ساعة مدة طويلة جدا في السياسة التركية".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المقبلة الشعب الجمهوری فی الانتخابات الحزب الحاکم فی إسطنبول إمام أوغلو فی البلاد من جهة
إقرأ أيضاً:
الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (5)
المُبْتَدَأُ: -
الحَرْبُ ظاهِرَةٌ اِجْتِماعِيَّةٌ وَاِقْتِصادِيَّةٌ مُعَقَّدَةٌ؛ يَصْعُبُ فَهْمُها؛ لِذا فَهُناكَ دَوْماً ضَرُورَةٌ لِتَفْسِيرِها لِلجَماهِيرِ؛ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرٍ مادِّيَّةٍ طَبَقِيَّةٍ.
وَالخَبَرُ: -
(40)
من وجهة النظر الماركسية، فالصراع الطبقي -كما ذكرنا من قبل -هو أساس اندلاع الحروب الأهلية، نتيجة لتفاقم التناقضات الطبقية الحادة داخل المجتمع؛ فالنظم الحاكمة غير العادلة، تخلق تفاوتات طبقية عميقة؛ تزيد نسبة البطالة؛ والفقر والتهميش الاقتصادي؛ لفئات كبيرة في المجتمع مما يحفز ويزيد احتمالية اندلاع الحروب الأهلية.
(41)
من هنا نستطيع أن نلمس أن التحليل الماركسي للحروب الأهلية يركز على فهم الصراعات المسلحة من وجهة نظر الصراع الطبقي والعلاقات الاقتصادية. ووفقًا للماركسية، الحروب ليست مجرد صراعات بين مكونات سياسية أو اجتماعية، بل هي نتاج للتناقضات الداخلية في النظم الرأسمالية المسيطرة؛ والصراع بين مكوناتها الاجتماعية على الموارد والثروات والسلطة.
(42)
ومن المهم أن نعي كشيوعيين وتعي الجماهير؛ حقيقة أن الحرب الأهلية هي امتداد للصراع الطبقي، حيث تُستخدم كأداة من قبل الطبقات الحاكمة لحماية مصالحها الاقتصادية وتوسيعها. كما تستخدم أيضا لإلهاء الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية المسحوقة عن مشاكلها المعيشية، وحقها في النضال من أجل حياة أفضل؛ بصرف نظرها وتحويله نحو ويلات الحرب وتداعياتها المؤلمة.
(43)
التعقيد الذي يشوب ظاهرة الحرب؛ وتحليلها من وجهة نظر طبقية؛ ليس شيئا سهل الفهم ميسور للجماهير؛ من هنا تبرز أهمية طرح الحزب الشيوعي لوثيقة فكرية تفسيرية؛ تعالج مسألة الحرب التي اندلعت بتاريخ 15 أبريل 2023م؛ ليس من باب الفذلكة؛ بل سعيا لتبسيط المفاهيم الفلسفية والنظرية المعقدة؛ وحلحلت طلاسمها؛ منعا لأي تشويش أو إرباك؛ يصيب العضوية والجماهير ويضر بوحدة الفكر والإرادة.
(44)
من المفهوم أن واقع الحرب واقعا استثنائي يشل دولاب العمل السياسي؛ ويعيق النخبة الفكرية عن أداء دورها المناط بها؛ فهي تثقل كاهل الجميع بأعباء جسام؛ ولكن قدر الأحزاب الشيوعية وواجبها؛ أن تكون دوما في طليعة الركب؛ خاصة عند المدلهمات حينما تنكص؛ على عقبيها بقية القوى السياسية؛ وتختار سبل السلامة.
(45)
لا يستطيع أحد نكران أن الحزب الشيوعي؛ قد امتص صدمة اندلاع الحرب سريعا؛ وفي أقل من شهرين أصدر مكتبه السياسي "في 24 يونيو 2023م" ورقة (سياسية) نقاش فيها عدة مواضيع؛ أهمها دعوته إلى تأسيس جبهة جماهيرية عريضة لإيقاف الحرب واسترداد الثورة؛ مشدداً فيها على رفضه لعودة الوضع في البلاد إلى ما قبل الحرب أو إلى ما قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي قام به طرفا المكون العسكري حينها وطرفي الحرب الراهنة (الجيش والدعم السريع).كما رفض في الورقة أيضا تحويل البلاد إلى ساحة للصراع والحرب بالوكالة بين (ضواري رأس المال)؛ مبدياً خشيته على أمن ووحدة البلاد.
(46)
ولم تمض سوى ثلاثة أشهر على طرح الورقة السياسة الأولى؛ لِيَلْحَقَ بها المكتب السياسي ورقة سياسية ثانية في 20 سبتمبر 2023م؛ لا تقل أهمية؛ أوضح فيها أهمية أن يفارق النضال من أجل تحقيق استقرار سياسي في البلاد؛ طريق الانقلابات العسكرية ويرسخ لديمقراطية شاملة. وكشفت الورقة أن التآمر على ثورة 19 ديسمبر ومشروعها للتغيير الجذري؛ بدأ باكرا لحظة إسقاط رأس النظام القديم؛ وشددت الورقة على رفض الحزب لاتباع نهج الليبرالية الجديدة الاقتصادي؛ الذي يترتب على اتباعه حمل الشعب على ظهره وزر التبعية وأعباء الديون. كما أعادت الورقة التأكيد على إيمان الحزب بإرادة الشعب السوداني.
(47)
أعقب إصدار المكتب السياسي للحزب الشيوعي للورقتين السياستين الأولى والثانية؛ فترة صمت طويل ناهزت العام؛ تخللها إصدار بعض البيانات والنداءات والمناشدات؛ التي لم تلقى أي آذان صاغية؛ وزاد تعقيد وتشعب مسألة الحرب خلال هذه الفترة؛ لتدفع اللجنة المركزية للحزب في أغسطس 2024م بورقة شاملة؛ ناقشت فيها عدة محاور كان أهمها؛ توضيح أن الصراع الأساسي الدائر في السودان هو صراع وطني وأممي؛ أسهم في تصاعده وتعقيده ضعف حكومات الفترة الانتقالية؛ التي يرى الحزب أن طواقمها قد كانت نتاج تآمر واضحاً على الثورة.
(48)
مما سبق نرى أن الحزب الشيوعي قد بذل مجهوداً مقدراً في مقاربة أزمة الحرب سياسيا؛ فحين غاب التحليل المنهجي النظري لها؛ إلا من شذرات مجتزأ تضمنتها الأوراق الثلاث؛ لم تقو على المحافظة على وحدة فكر وإرادة العضوية؛ ونعكس هذا بدوره على الجماهير إرباكا وتشويشا.
(49)
فيما يبدو لم تَرَّى قيادة الحزب الشيوعي؛ أهمية تذكر لطرح وثيقة (فكرية) تعالج مسألة الحرب؛ وانصب جهدها على إعداد مبادرة سياسية لإيقاف الحرب؛ وقد تأخر طرح هذه المبادرة أيضا لأكثر من "20 شهرا" (15 أبريل 2023-ديسمبر 2024) !!؛ ظلت خلالها عضوية الحزب وجماهيره؛ تتخبط في حيرتها وتتناقض في مقارباتها وتحليلاتها لمسألة الحرب؛ لحد سقوط مجاميع مقدرة في مصيدة الدعاية الكذوبة لطرفي الحرب.
(50)
الجيد في الأمر أن المبادرة المطروحة جاءت شاملة؛ طرحت بجلاء رؤية الحزب الشيوعي لإيقاف الحرب؛ وإن كان ثم قصور شابها وفق آراء البعض؛ فقد انحصر في التأخير وغياب آليات التنفيذ. بالفعل تأخرت المبادرة كثيرا؛ ولكن في اعتقادي أن تخطي طرح آليات للتنفيذ لم يكن هفوة؛ بل قصد منه إظهار حرص الحزب الشيوعي على عدم إثارة أي حساسية سياسية؛ خاصة وهو المتهم دوما من البعض بممارسة الأستاذية في التعامل السياسي مع الآخرين؛ فالمبادرة طرحت مفتوحة أمام القوى السياسية؛ للمناقشة وأبدى الرأي؛ بالحذف والإضافة والتعديل؛ ومن ثم التفاكر والاتفاق على آليات التنفيذ المناسبة.
(51)
ووفقا لما جاء في المبادرة فإن هدفها المطروح هو السعي لتكوين تحالف (قاعدي) عريض؛ من مكونات متعددة (أحزاب وطنية-لجان مقاومة-نقابات-أجسام مطلبية/حركات كفاح وغيرها)؛ على أرضية ميثاق ثورة 19 ديسمبر 2018م. مما يعني بث الروح فيما هو متفق عليه من مواثيق قوي الثورة؛ والحرص على تنقيح وتعديل ما يلزم وفقا لمستجدات واقع ما بعد اندلاع الحرب. وأظن أن هذا الطرح المفتوح يستجيب لضرورات هذه المرحلة المفصلية؛ ويسعى بصدق لتوسيع مظلة المشاركة في هذا التحالف القاعدي المنشودة؛ لضمان استعادة المسار الثوري الذي تصر قوى الثورة المضادة على نسفه؛ بإصرارها على استمرار الحرب.
(52)
طرح مبادرات سياسية تعالج مسألة الحرب؛ وتطرح رواء لمحاصرتها وإيقافها؛ يظل أمر في غاية الحيوية؛ طالما أن المؤسسة العسكرية السودانية، تصر على احتكار الحكم والسلطة؛ وقطع الطريق أمام أي تحول مدني ديمقراطي؛ فإن الحرب تظل حتمية عند نقطة معينة. وحتى إذا ما تمكنا في نهاية المطاف من إيقاف الحرب الراهنة؛ فبمجرد إيقافها، سيتم حتما تهيئة الظروف لحرب جديدة، بينما تغوص البلاد أعمق وأعمق في الأزمة.
(53)
إن الطريق الوحيد المجدي للنضال ضد الحرب؛ هو طريق النضال من أجل تغيير المجتمع، والقضاء على التناقضات والمصالح المادية التي تنتج الحرب. ولن نستطيع قطع هذا الطريق إلا على أساس برنامج ثوري؛ قادر على حشد الطبقات ذات المصلحة. فالسبيل العملي لعلاج معضلة الحروب والعداوات القومية؛ هو الإطاحة والتخلص من النظم العسكرية الفاسدة؛ وإرساء دعائم نظم ديمقراطية مستدامة؛ وهو الحل الوحيد لمشاكل السودان وصراعاته المزمنة.
tai2008idris@gmail.com
تيسير ادريس