انتظرت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا خروج رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان، لتصدر عقوباتها المنسّقة فيما بينها بحقّه، بعد عشرة أيام على انتهاء ولايته، إلى جانب أشخاص مقرّبين منه، بتهم الفساد المالي واستغلال موقعه في السلطة "لإثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي" كما ورد في البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية.

في قراءة سريعة للقرار الثلاثي، هناك نقاط عدّة تستوقف المتابعين، بدءًا بالتوقيت، مرورًا بالتنسيق بين الدول المذكورة دون سواها، وصولًا إلى مفاعيل القرار.

تحييد مصرف لبنان
في حسابات الدول، لتوقيت القرارات دلالة مهمّة لا يمكن فصلها عن الغاية المقصودة من مضمون الإجراء نفسه. فلو صدر قرار العقوبات خلال ولاية سلامة، لكانت مفاعيله تخطّت الحاكم لتطال المصرف المركزي نفسه وتربك السلطة النقدية في لحظة شديدة التعقيد ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا. أمّا وقد تقصّدت الدول الثلاث الإنتظار إلى ما بعد خروج سلامة، فهي بالتأكيد أرادت أن تنأى بمصرف لبنان عن تداعيات العقوبات على حاكمه "وهذه هي النقطة الأهم في توقيت العقوبات" يقول الخبير في المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي "فهي بذلك أبدت اهتمامها بالحفاظ على مؤسسة مصرف لبنان" من هنا يستبعد فحيلي في حديث لـ "لبنان 24" أن تؤثّر العقوبات على الواقع اللبناني النقدي، لا بل يقرأ في إيجابياتها لجهة إبراء ذمة مصرف لبنان من كلّ الإرتكابات الخاطئة التي حصلت.

أكثر من ذلك، كان هناك حرص دولي على تأمين انتقال سلس في حاكمية المركزي، وهو ما ظهر في الأيام الأخيرة التي سبقت انتهاء ولاية سلامة "استنادًا إلى معطيات وليس في إطار التحليل، البلبلة التي حصلت على صعيد نواب الحاكم وتلويحهم بالإستقالة، ومن ثمّ عدولهم عنها، والذهاب إلى الإنخراط في تأمين انتقال هادىء وفق مقتضيات قانون النقد والتسليف، من دون إغفال زيارة النائب الأول وسيم منصوري لواشنطن ولقاءاته بالمسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية. كل ذلك يؤشر إلى تنسيق حصل بين نواب الحاكم من جهة والخزانة الأميركية وصندوق النقد الدولي من جهة ثانية، على قاعدة تحصلون على دعمنا لقاء التقيّد بقانون النقد والتسليف وانتقال الصلاحيات كاملة إلى نواب الحاكم، وليس تكليفهم بتسيير الأعمال بعد الإستقالة. لهذا السبب تراجع نواب الحاكم عن قرار الإستقالة، وتولّوا المهمة، وبعدما ذلك صدرت العقوبات. وهو ما يحمل نواب الحاكم مسؤولية إضافية للحفاظ على كرامة مؤسسة مصرف لبنان، وعلى الدور المنتظر من "المركزي" لإعادة الثقة بالعملة الوطنية وبالقطاع المصرفي، كما فعل سلامة خلال الأعوام عام 93 و94 و95 من خلال إعادة الإستقرار والنمو والتعافي للاقتصاد اللبناني.

القرار الثلاثي من دون فرنسا وألمانيا ولوكسبورغ!
منذ بداية الأزمة في لبنان، صدرت الكثير من العقوبات بحق أفراد وشركات، منهم جمال ترست بنك وعدد من الوزراء السابقين بتهم متفاوتة بين الفساد المالي ونهب المال العام، وتبييض الأموال أو دعم أنشطة إرهابية أو تجارة مخدرات. لكن هذه العقوبات كانت تصدر من قبل جهة واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية، أمّا العقوبات الأخيرة بحق سلامة ومعاونين له، فجمعت ثلاث دول هي بريطانيا وكندا إلى جانب الولايات المتحدة التي أرادت إيصال رسالة مشتركة، مفادها أنّ الخزانة الأميركية متمسّكة بمساعدة الشعب اللبناني على محاربة الفساد، وتتعاون مع عدد من الدول لهذه الغاية. وعن سبب انضمام بريطانيا دون سواها من الدول الأوروبية إلى العقوبات الأميركية، لفت فحيلي إلى أنّ بريطانيا لطالما تتبع الولايات المتحدة بقرارات لها صلة بالسياسات الخارجية وكذلك حال كندا "ولكن ما بدا لافتًا هو عدم انخراط كلّ من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بهذه العقوبات، على رغم أنّ الدعاوى القضائية ضد سلامة صدرت عن هذه الدول الأوروبية". ولفت فحيلي إلى أنّ هذه الدعاوى حصرت الفساد المالي بـ "300 مليون دولار من أموال البنك المركزي لتحقيق مكاسب شخصية". على عكس العقوبات الثلاثية الأخيرة التي أشارت إلى "تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي".
مفاعيل العقوبات: صفر؟

تنصّ العقوبات الأميركية على تجميد كلّ الأصول التي يملكها المعاقبون الخمسة في الولايات المتّحدة، كما تمنع كلّ الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين من جرّاء أيّ تعاملات تجارية معهم. أين تذهب الأصول والحسابات المصرفيّة العائدة للمعاقّبين؟ وكيف يستفيد الشعب اللبناني من هذه العقوبات؟ هل تعود الأموال المجمدة للمصرف المركزي؟

تحدث القرار عن تجميد الأصول والحسابات، دون أي إشارة ما إذا كان الحجز لصالح الدولة اللبنانية "ما يهم الدول الثلاث منع التصرّف في الحسابات المصرفية والموجودات لغاية الآن، ولكن مصير هذه الممتلكات ربما يحتاج إلى تحرّك من قبل الدولة اللبنانية او القضاء اللبناني" يشير فحيلي، لافتًا إلى أنّ الخزانة الأميركية ترفق عقوباتها على الأفراد بحجز الأصول، وعندما تفرض عقوبات على مؤسسات تفرض غرامات، تذهب لصالح الخزانة وتُوظّف في محاربة الجرائم المالية والفساد وتبيض الأموال. "بالنسبة لسلامة وشركائه، هدف العقوبات الإضاءة على الممارسات الخاطئة، وهي تشبه في صياغتها العقوبات التي فُرضت على الوزراء السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وجبران باسيل وجهاد العرب، على قاعدة الإساءة التصرف بالمال العام، واستغلال مواقعهم في السلطة للإستفادة على حساب الشعب اللبناني".

سارع سلامة إلى نفي الاتهامات الواردة في قرار العقوبات وتعهّد بمواجهتها. ولكن بصرف النظر عن براءة الحاكم السابق أو تورطه، للبنانيين تجارب غير مشجّعة مع العقوبات الأميركية، إذ لطالما ذهبت نتائجها سدى من دون أن تعيد إلى الشعب اللبناني دولارًا واحدًا من المال المنهوب، كما لم تلجم المستهدفين. أبرز دليل على ذلك، العقوبات التي طالت الوزراء السابقين، بحيث لم تمنع هؤلاء من دخول الندوة البرلمانية، حتّى أنّ باسيل المعاقب أميركيًا "بسبب دوره في انتشار الفساد في البلاد، بموجب القرار التنفيذي رقم 13818، بكونه في مقدمة الفساد داخل لبنان" كاد أن يكون مرشحًا لرئاسة البلاد لو أراد ذلك. بالمفهوم المالي فعالية العقوبات مرهونة بمدى امتثال المصارف بها، وفق فحيلي "العقوبات بحق باسيل لم تكن مجدية بسبب عدم تعاون مصارف عديدة معها. من جهة ثانية، عادة ما يعمد المتورّطون بالفساد إلى تهريب أموالهم نحو السوق الأوروبية وليس الأميركية، بحث تكون اجراءات الحيطة والحذر ومكافحة تبيض الأموال أكثر تشددًا، كما أنّ متطلبات المصارف التجاربة في فتح حساب في الولايات المتحدة تفوق تلك المعتمدة في أوروبا، فضلًا عن أنّ عددًا من هؤلاء لديهم جنسيات أوروبية أكثر منها أميركية".
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الخزانة الأمیرکیة الولایات المتحدة الشعب اللبنانی نواب الحاکم مصرف لبنان من الدول

إقرأ أيضاً:

والد اللبناني المختطف عماد أمهز: لا علاقة لابني بحزب الله

أكد والد المواطن اللبناني عماد أمهز، الذي اخطفته قوة تابعة للكوماندوز البحري الإسرائيلي من بلدة البترون، أن ابنه ليس له علاقات حزبية أو سياسية.

وقال فاضل أمهز إن "عماد فاضل أمهز هو مواطن لبناني مكافح من أجل أسرته ووالديه المريضين، وكل ما يروج له جيش الاحتلال الإسرائيلي غير صحيح مطلقا، جملة وتفصيلا"، وفق ما نقلت عنه قناة "الجديد" اللبنانية اليوم، الأحد.

وأضاف الوالد إنه "نحمل مسؤولية وضعه الصحي وسلامة حياته لجيش الاحتلال الاسرائيلي ونطالب بالافراج الفوري عنه"، داعيا المؤسسات الدولية الإنسانية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر الدولي ووفقا للقوانين والمواثيق الدولية، إلى زيارته والاطلاع على أوضاعه وضمان سلامته "واطلاعنا على تطورات عملية اختطافه وحالته".

وأشار الوالد إلى أنه "من خلال تتبعنا للأخبار الإسرائيلية المعلنة والمسربة، فان جيش الاحتلال ادعى أولا أن عماد قيادي في حزب الله ثم عاد وأدعى أنه عضو في بحرية الحزب، وهذا يعني أن الرواية الإسرائيلية غير متماسكة وشبيهة تماما بعملية الانزال في بعلبك، عام 2006، حيث تم اختطاف شخص اسمه حسن نصر الله في بعلبك في عملية إنزال، على أنه الامين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله، ثم ما لبث جيش الاحتلال أن أفرج عنه".

ورجح أن "المعلومات التي اعتمد عليها جيش الاحتلال في عملية الاختطاف مغلوطة أو خاطئة أو كيدية من عملاء"، مؤكدا أن "ما نُشر من صور عن جوازات سفر وبطاقات هاتفية تعود إلى ابني هي أمور طبيعية جدا لمن يعمل في مجال البحرية المدنية".

وحمل الوالد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بشكل مباشر وخصوصا القوات الألمانية، مسؤولية عملية الاختطاف، "لأن هذه القوات تراقب كل صغيرة وكبيرة قبالة شواطئ لبنان منذ سنوات طويلة وتقوم باعتراض كل شيء في البحر"، مطالبا قوات اليونيفيل بـ"الكشف عن حقيقة ما جرى بشفافية".

وقال إنه بصدد تقديم شكوى إلى الجهات الدولية المعنية واتهام يونيفيل بـ"التآمر" في عملية الاختطاف حتى يثبت العكس، وأنه سيلجأ إلى "الاحتجاج والتصعيد" أمام السفارة الألمانية في بيروت.

ونفى لبنان رسميا صحة ادعاءات إسرائيل بأن يكون المختطف ضابطا بالجيش، مؤكدا أن المختطف قبطان بحري مدني.

وألمح وزير الأشغال اللبناني، علي حميه،، عبر بيان أمس، إلى مسؤولية قوات اليونيفيل الدولية عن اختطاف المواطن أمهز، في حال ثبت أنها تمت عبر التسلل بحرا؛ لأن القوة الأممية من يتولى مسؤولية مراقبة شواطئ لبنان، وفق مقتضيات قرار مجلس الأمن رقم 1701.

وحمل الوالد الأجهزة الأمنية المعنية في لبنان المسؤولية عما حدث، واتهمها بالتقصير في أداء دورها في حماية مواطنيها وشواطئ وأراضي لبنان. ودعا الدولة اللبنانية إلى إجراء الاتصالات الدولية اللازمة للإفراج عن ابنه عماد، مشددا على أن "الاجراءات المتخذة غير كافية".

وادعى الجيش الإسرائيلي، أمس، أن الكوماندوز البحري قبض على عميل كبير لحزب الله شمالي لبنان.

وأفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، أمس، بأن "الأجهزة الأمنية تحقق في حدث وقع في منطقة البترون، حيث أفاد أهالي المنطقة بأن قوة عسكرية لم تُعرَف هويتها نفّذت عملية إبرار (إنزال بحري) على شاطئ البترون".

وأضافت الوكالة أنه "انتقلت القوة بكامل أسلحتها وعتادها إلى شاليه قريب من الشاطئ، حيث اختطفت لبنانيا كان موجودا هناك، واقتادته إلى الشاطئ، وغادرت بواسطة زوارق سريعة إلى عرض البحر".

وأفادت معلومات أوردتها قناة "الجديد" بأن "قوة عسكرية قامت باختطاف مواطن لبناني يدعى عماد أمهز من شاليه بالبترون، ويجري التأكد من العملية ومن صفة المختطف".

وقالت اليونيفيل إنها لم تسهّل أي عملية اختطاف أو أي انتهاك للسيادة اللبنانية.

المصدر : وكالة سوا - عرب 48

مقالات مشابهة

  • تقرير يكشف الدول التي ساعدت على نمو صادرات الاحتلال الإسرائيلي
  • حزب الله اللبناني يعلن استهداف صفد المحتلة برشقة صاروخية
  • تايوان تعلن وقف توريد الآلات إلى روسيا
  • هذا ما قاله والد اللبناني عماد أمهز حول اعتقال الاحتلال نجله
  • هذا ما قاله والد اللبناني عماد أمهز حول اعتقال الاحتلال لنجله
  • والد اللبناني المختطف عماد أمهز: لا علاقة لابني بحزب الله
  • واشنطن بوست: لماذا الدول العربية تقاوم الضغوط الأميركية لإدانة الحوثيين؟ (ترجمة خاصة)
  • ميقاتي يوجِّه وزير الخارجية اللبناني بتقديم شكوى لمجلس الأمن بشأن اختطاف شخص
  • وكالة الفضاء: ازدحام المدارات يهدد سلامة المهمات الفضائية ليس فقط لمصر
  • الايجابيات تعود.. تقديرات أميركية وإسرائيلية بوقف الحرب في لبنان قريبا