مفاعيل العقوبات على سلامة وشركائه: هل تعود أموالهم المجمّدة إلى لبنان؟
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
انتظرت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا خروج رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان، لتصدر عقوباتها المنسّقة فيما بينها بحقّه، بعد عشرة أيام على انتهاء ولايته، إلى جانب أشخاص مقرّبين منه، بتهم الفساد المالي واستغلال موقعه في السلطة "لإثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي" كما ورد في البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية.
تحييد مصرف لبنان
في حسابات الدول، لتوقيت القرارات دلالة مهمّة لا يمكن فصلها عن الغاية المقصودة من مضمون الإجراء نفسه. فلو صدر قرار العقوبات خلال ولاية سلامة، لكانت مفاعيله تخطّت الحاكم لتطال المصرف المركزي نفسه وتربك السلطة النقدية في لحظة شديدة التعقيد ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا. أمّا وقد تقصّدت الدول الثلاث الإنتظار إلى ما بعد خروج سلامة، فهي بالتأكيد أرادت أن تنأى بمصرف لبنان عن تداعيات العقوبات على حاكمه "وهذه هي النقطة الأهم في توقيت العقوبات" يقول الخبير في المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي "فهي بذلك أبدت اهتمامها بالحفاظ على مؤسسة مصرف لبنان" من هنا يستبعد فحيلي في حديث لـ "لبنان 24" أن تؤثّر العقوبات على الواقع اللبناني النقدي، لا بل يقرأ في إيجابياتها لجهة إبراء ذمة مصرف لبنان من كلّ الإرتكابات الخاطئة التي حصلت.
أكثر من ذلك، كان هناك حرص دولي على تأمين انتقال سلس في حاكمية المركزي، وهو ما ظهر في الأيام الأخيرة التي سبقت انتهاء ولاية سلامة "استنادًا إلى معطيات وليس في إطار التحليل، البلبلة التي حصلت على صعيد نواب الحاكم وتلويحهم بالإستقالة، ومن ثمّ عدولهم عنها، والذهاب إلى الإنخراط في تأمين انتقال هادىء وفق مقتضيات قانون النقد والتسليف، من دون إغفال زيارة النائب الأول وسيم منصوري لواشنطن ولقاءاته بالمسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية. كل ذلك يؤشر إلى تنسيق حصل بين نواب الحاكم من جهة والخزانة الأميركية وصندوق النقد الدولي من جهة ثانية، على قاعدة تحصلون على دعمنا لقاء التقيّد بقانون النقد والتسليف وانتقال الصلاحيات كاملة إلى نواب الحاكم، وليس تكليفهم بتسيير الأعمال بعد الإستقالة. لهذا السبب تراجع نواب الحاكم عن قرار الإستقالة، وتولّوا المهمة، وبعدما ذلك صدرت العقوبات. وهو ما يحمل نواب الحاكم مسؤولية إضافية للحفاظ على كرامة مؤسسة مصرف لبنان، وعلى الدور المنتظر من "المركزي" لإعادة الثقة بالعملة الوطنية وبالقطاع المصرفي، كما فعل سلامة خلال الأعوام عام 93 و94 و95 من خلال إعادة الإستقرار والنمو والتعافي للاقتصاد اللبناني.
القرار الثلاثي من دون فرنسا وألمانيا ولوكسبورغ!
منذ بداية الأزمة في لبنان، صدرت الكثير من العقوبات بحق أفراد وشركات، منهم جمال ترست بنك وعدد من الوزراء السابقين بتهم متفاوتة بين الفساد المالي ونهب المال العام، وتبييض الأموال أو دعم أنشطة إرهابية أو تجارة مخدرات. لكن هذه العقوبات كانت تصدر من قبل جهة واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية، أمّا العقوبات الأخيرة بحق سلامة ومعاونين له، فجمعت ثلاث دول هي بريطانيا وكندا إلى جانب الولايات المتحدة التي أرادت إيصال رسالة مشتركة، مفادها أنّ الخزانة الأميركية متمسّكة بمساعدة الشعب اللبناني على محاربة الفساد، وتتعاون مع عدد من الدول لهذه الغاية. وعن سبب انضمام بريطانيا دون سواها من الدول الأوروبية إلى العقوبات الأميركية، لفت فحيلي إلى أنّ بريطانيا لطالما تتبع الولايات المتحدة بقرارات لها صلة بالسياسات الخارجية وكذلك حال كندا "ولكن ما بدا لافتًا هو عدم انخراط كلّ من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بهذه العقوبات، على رغم أنّ الدعاوى القضائية ضد سلامة صدرت عن هذه الدول الأوروبية". ولفت فحيلي إلى أنّ هذه الدعاوى حصرت الفساد المالي بـ "300 مليون دولار من أموال البنك المركزي لتحقيق مكاسب شخصية". على عكس العقوبات الثلاثية الأخيرة التي أشارت إلى "تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي".
مفاعيل العقوبات: صفر؟
تنصّ العقوبات الأميركية على تجميد كلّ الأصول التي يملكها المعاقبون الخمسة في الولايات المتّحدة، كما تمنع كلّ الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين من جرّاء أيّ تعاملات تجارية معهم. أين تذهب الأصول والحسابات المصرفيّة العائدة للمعاقّبين؟ وكيف يستفيد الشعب اللبناني من هذه العقوبات؟ هل تعود الأموال المجمدة للمصرف المركزي؟
تحدث القرار عن تجميد الأصول والحسابات، دون أي إشارة ما إذا كان الحجز لصالح الدولة اللبنانية "ما يهم الدول الثلاث منع التصرّف في الحسابات المصرفية والموجودات لغاية الآن، ولكن مصير هذه الممتلكات ربما يحتاج إلى تحرّك من قبل الدولة اللبنانية او القضاء اللبناني" يشير فحيلي، لافتًا إلى أنّ الخزانة الأميركية ترفق عقوباتها على الأفراد بحجز الأصول، وعندما تفرض عقوبات على مؤسسات تفرض غرامات، تذهب لصالح الخزانة وتُوظّف في محاربة الجرائم المالية والفساد وتبيض الأموال. "بالنسبة لسلامة وشركائه، هدف العقوبات الإضاءة على الممارسات الخاطئة، وهي تشبه في صياغتها العقوبات التي فُرضت على الوزراء السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وجبران باسيل وجهاد العرب، على قاعدة الإساءة التصرف بالمال العام، واستغلال مواقعهم في السلطة للإستفادة على حساب الشعب اللبناني".
سارع سلامة إلى نفي الاتهامات الواردة في قرار العقوبات وتعهّد بمواجهتها. ولكن بصرف النظر عن براءة الحاكم السابق أو تورطه، للبنانيين تجارب غير مشجّعة مع العقوبات الأميركية، إذ لطالما ذهبت نتائجها سدى من دون أن تعيد إلى الشعب اللبناني دولارًا واحدًا من المال المنهوب، كما لم تلجم المستهدفين. أبرز دليل على ذلك، العقوبات التي طالت الوزراء السابقين، بحيث لم تمنع هؤلاء من دخول الندوة البرلمانية، حتّى أنّ باسيل المعاقب أميركيًا "بسبب دوره في انتشار الفساد في البلاد، بموجب القرار التنفيذي رقم 13818، بكونه في مقدمة الفساد داخل لبنان" كاد أن يكون مرشحًا لرئاسة البلاد لو أراد ذلك. بالمفهوم المالي فعالية العقوبات مرهونة بمدى امتثال المصارف بها، وفق فحيلي "العقوبات بحق باسيل لم تكن مجدية بسبب عدم تعاون مصارف عديدة معها. من جهة ثانية، عادة ما يعمد المتورّطون بالفساد إلى تهريب أموالهم نحو السوق الأوروبية وليس الأميركية، بحث تكون اجراءات الحيطة والحذر ومكافحة تبيض الأموال أكثر تشددًا، كما أنّ متطلبات المصارف التجاربة في فتح حساب في الولايات المتحدة تفوق تلك المعتمدة في أوروبا، فضلًا عن أنّ عددًا من هؤلاء لديهم جنسيات أوروبية أكثر منها أميركية".
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الخزانة الأمیرکیة الولایات المتحدة الشعب اللبنانی نواب الحاکم مصرف لبنان من الدول
إقرأ أيضاً:
الرئيس اللبناني: السعودية وجهة أولى لتعزيز العلاقات الثنائية
بيروت - أكد الرئيس اللبناني، جوزيف عون، أن اختيار السعودية كوجهة أولى لزيارته الخارجية لعلاقتها التاريخية، معربًا عن أمله في تصويب العلاقات وإزالة العوائق لبناء شراكة اقتصادية وسياسية قوية، مؤكدا أن السعودية أضحت منصة للسلام العالمي.
وصرح عون لصحيفة "الشرق الأوسط" أن العلاقات بين لبنان والسعودية تعود إلى أيام الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، مشيرًا إلى العلاقة الأدبية بين الملك المؤسس والأديب اللبناني أمين الريحاني، والتي تم الاحتفاء بذكراها المئوية في الرياض، لافتا إلى العلاقة التاريخية بين السعودية والبطريركية المارونية، وأن هذه الروابط هي الأساس لاختيار السعودية كوجهة أولى، وفق وكالة سبوتنيك الروسية.
وأعرب الرئيس اللبناني عن أمله في أن تسهم الزيارة في تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإزالة العقبات التي ظهرت في الفترة الماضية، مضيفا أن الهدف هو بناء علاقات اقتصادية وسياسية قوية، وإعادة السعوديين إلى لبنان الذي يعتبرونه "بلدهم الثاني"، وإتاحة الفرصة للبنانيين للعودة إلى السعودية.
كما أكد عون أن الزيارة تأتي أيضًا لتقديم الشكر لولي العهد على دعمه خلال فترة الشغور الرئاسي في لبنان، والتي استمرت من سنتين إلى ثلاث سنوات، مشيدًا بدور المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، والسفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري، ووزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، والأمير يزيد بن فرحان في إنهاء هذه الأزمة.
وأشار الرئيس اللبناني إلى أنه طلب من وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، قبل انتخابه بأسبوعين، تلبية احتياجات الجيش اللبناني، معربًا عن ثقته في الاستجابة لهذا الطلب، وأضاف أنه سيطلب خلال الزيارة إعادة تفعيل المساعدات العسكرية السعودية للجيش اللبناني.
ويتوقع عون أن يستفيد لبنان من النهضة الاقتصادية الواسعة التي تشهدها السعودية، مؤكدًا أن لبنان يمكن أن يكون جزءًا من "رؤية السعودية 2030". ودعا إلى تشكيل لجان ثنائية لمتابعة القضايا المشتركة في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياحية والتجارية والمالية.
Your browser does not support the video tag.