"معلومات الوزراء" يستعرض مفهوم "الاقتصاد الفضي" المعني باحتياجات ومتطلبات كبار السن
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً بعنوان "الاقتصاد الفضي" المعني بمتطلبات كبار السن، حيث أوضح المركز أنه رغم تعالي الحديث عن النمو السريع في تعداد كبار السن عالميًّا، والتركيز فقط على التهديدات المتأصلة في شيخوخة السكان، واعتبارها أحد التحديات العالمية القادمة، وبجانب فقدان العالم عائده الديموغرافي نتيجة تراجع نمو السكان في سن العمل، يظهر جانب آخر مشرق؛ ألا وهو تقاطع قضايا كبار السن مع العديد من أهداف التنمية المستدامة وظهور فرص عديدة لتنمية قطاعات اقتصادية وسوق عالمية مستحدثة معنية بمتطلبات واحتياجات كبار السن، وذلك في إطار ما يُعرف بـ"الاقتصاد الفضي" المعني بمتطلبات هذه الفئة العمرية من السكان.
وأكد المركز أنه بينما يسود الحديث عن ارتفاع أعداد السكان في سن العمل، وما ينتج عنه من إتاحة الفرصة لجني عائد ديموغرافي من زيادة الإنتاجية وتحسين في مستويات الدخل، إلا أنه في المقابل تهرم محركات النمو العالمي من العنصر البشري بسرعة كبيرة، وسوف يشهد العديد منها انكماشًا سكانيًّا صريحًا إلى جانب تضاؤل حصة السكان في سن العمل؛ حيث يشهد العالم تحولًا ديموغرافيًّا هائلًا؛ فقد تزامن ارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد خلال العقدين الماضيين من 68 سنة في عام 2002 إلى 72 سنة في عام 2022، مع ارتفاع نسبة السكان في الفئة العمرية (65 سنة فأكثر) من 7% من إجمالي سكان العالم في عام 2002 إلى نحو 10% في عام 2023 بتعداد تجاوز 805 ملايين نسمة.
وأضاف التحليل أن التوقعات الديموغرافية قد تنبأت وفقًا للتقرير الخاص بالتوقعات السكانية العالمية لعام 2022، بأنه في ظل استمرار معدلات الخصوبة في الانخفاض، سوف يمثل عدد كبار السن (65 عامًا فأكثر) الفئة العمرية الأسرع نموًّا في العالم؛ وسيمثلون 16% من إجمالي سكان العالم في عام 2050، وسيفوق عددهم عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام.
وعلى الصعيد العالمي، وللمرة الأولى، فاق عدد كبار السن في عام 2018 عدد الأطفال دون سن الخامسة، وبحلول عام 2050، سيفوق عدد كبار السن عدد المراهقين والشباب في الفئة العمرية (15 - 24) عامًا.
ففي أوروبا، على سبيل المثال، سترتفع حصة كبار السن -في الفئة العمرية 65 عامًا فأكثر- من 29.6% في عام 2016 إلى 51.2% في عام 2070، وفقًا لتقديرات يوروستات.
وأوضح التحليل أن حكومات عديدة فد تقلق من تهديدات شيخوخة السكان، معتبرة أنها بمثابة خسارة للعائد الديموغرافي في ظل انخفاض عدد السكان في سن العمل، بما يترك أثره على النمو الاقتصادي والعديد من المجالات العسكرية، وعلى الأداء الاقتصادي للدول الغنية والدول النامية على السواء، وذلك في مقابل ارتباط شيخوخة المجتمع بوجود ارتفاع مطرد في المخصصات المالية الموجهة للنظام الصحي والرعاية الاجتماعية لكبار السن، فضلًا عن ارتفاع معدل الإعالة العمرية للمسنين لنحو 15% من السكان في سن العمل في عام 2023 مقابل 11% في عام 2000.
إلا أنه في مقابل هذه النظرة التشاؤمية لشيخوخة السكان، فإن هناك نظرة إيجابية مع استمرار ارتفاع متوسط العمر المتوقع؛ إذ إنه من المحتمل أن يؤدي كبار السن أدوارًا أكثر أهمية في المجتمعات والاقتصادات، وذلك في ظل تأثير شيخوخة السكان على تغيير نمط الإنفاق للأفراد لصالح خدمات الرعاية الصحية والنفقات الترفيهية، وكذلك اقتناء منتجات الذكاء الاصطناعي التي تُسهِّل الحياة اليومية للمسنين.
وهو ما سمح بظهور ما عُرف بالاقتصاد الفضي، ذلك الاقتصاد الناشئ الذي ظهر في فرنسا عام 2012؛ لتغطية الأنشطة المرتبطة بالتغير الديموغرافي الناجم عن شيخوخة السكان، والذي يركز على احتياجات ومتطلبات كبار السن، بما في ذلك المنتجات التقليدية والتكنولوجية الحديثة؛ حيث كان يغطي في البداية قطاعات الصحة والرعاية المنزلية وتطوير الإسكان والخدمات، واتسع الآن ليغطي قطاعات أخرى مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والسياحة.
وأضاف المركز أن ما يميز الاقتصاد الفضي أنه متعدد القطاعات ولا يركز على قطاع واحد، وبذلك يمكن لهذا التحول الديمُوغرافي أن يصبح محركًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ استثمرت الدول تحولاتها الديموغرافية في تطوير حلول مخصصة لسوق الشيخوخة بما يخدم النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة من خلال دعم القطاعات المعنية بكبار السن.
فعلى سبيل المثال، أدت زيادة انتشار العديد من الأمراض المزمنة بين كبار السن إلى جعل الصين أول سوق محتملة لرعاية المسنين، في حين أصبحت اليابان دولة رائدة في الاقتصاد الفضي؛ حيث طورت العديد من المبادرات المعنية بمواجهة قضايا مثل نقص مقدمي الرعاية للمسنين من خلال الاعتماد على الأتمتة المنزلية عبر تقديم تطبيق (D Free) على الهواتف الذكية للتعامل بشكل أفضل مع أمراض، مثل: "سلس البول اليومي"، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تلعب الجامعات دورًا رئيسًا، بما في ذلك إنشاء المختبرات والحاضنات المخصصة للتجارب السريرية للمنتجات التكنولوجية المتعلقة بالصحة والشيخوخة السكانية.
أوضح التحليل أنه في ظل غياب تشريع دولي مُلزِم ينظم حقوق كبار السن، تُعتبر خطة عمل مدريد الدولية للشيخوخة الإطار الدولي الأكثر شمولًا والأكثر تخصصًا المعني بقضايا كبار السن، وقد تم اعتماد خطة العمل وإعلانها خلال الجمعية العالمية الثانية للشيخوخة في أبريل 2002 بهدف وجود إطار عالمي للتعامل مع التحديات التي تواجه كبار السن في عالم يشهد شيخوخة متسارعة، وقد شكلت خطة العمل نقطة تحول في معالجة قضايا كبار السن، من خلال اتباع نهج قائم على الحقوق يَعتبر كبار السن مساهمين نشطين في عملية التنمية وذوي قدرات وخبرات قيِّمة تجدر الاستفادة منها.
كما تهدف الخطة إلى ضمان أن يتمكن الأشخاص في كل مكان من التقدم في السن بأمن وكرامة، وأن يواصلوا المشاركة في مجتمعاتهم كمواطنين لهم حقوق كاملة من خلال العمل على ثلاثة توجهات ذات أولوية وهي:
-مشاركة كبار السن في عملية التنمية، يستهدف هذا الاتجاه ضمان استمرار المشاركة النشطة لكبار السن في المجتمع، والعمل، وتأمين مصدر دخل مستدام لهم، وكذلك تيسير سبل الوصول إلى التعليم والتدريب، والهجرة، والتضامن بين الأجيال.
-توفير الخدمات الصحية والرفاهية لكبار السن، وذلك على قدم المساواة مع باقي الفئات العمرية، وتوفير كوادر بشرية متخصصة في الرعاية الصحية والصحة العقلية والإعاقة.
-تهيئة بيئة تمكينية وداعمة، من خلال ضمان حقوقهم في سكن ملائم وبيئة معيشية كريمة وآمنة لهم، ودعم مقدمي الرعاية، بما يعزز الصورة الإيجابية للشيخوخة.
وعن كبار السن في مصر، أوضح المركز أن تعداد كبار السن من الفئة العمرية 65 عامًا فأكثر شكَّل نحو 5.7% من إجمالي السكان حتى يناير 2024 أي نحو 6 ملايين مسن، وذلك مع توقع البقاء على قيد الحياة حتى عمر 69.1 سنة للذكور و74.1 سنة للإناث، وما زال المسنون في مصر يساهمون في النشاط الاقتصادي ويؤدون دورًا في حركة سوق العمل؛ حيث بلغ عدد المسنين في قوة العمل والمشتغلين في الوقت نفسه (65 عامًا فأكثر) نحو 419 ألف فرد خلال عام 2023 بنسبة 1.3% من إجمالي قوة العمل و1.4% من إجمالي المشتغلين، وذلك وفقًا لبحث القوى العاملة لسنة 2023.
وأضاف التحليل أن الدولة المصرية تولي أهمية كبيرة لفئة كبار السن وتسعى جاهدة إلى تقديم كل ما من شأنه أن يعزز مكانة كبار السن في المجتمع، وتذليل كل الصعوبات التي تواجههم، باعتبارهم شريحة أساسية ومهمة في المجتمع لها مكانتها، وتحرص الدولة على صون حقوقهم التي أكدها النص الدستوري رقم (83) بشأن التزام الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وترفيهيًّا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة.
وأوضح التحليل أن رؤية مصر 2030 ترتكز على ستة أهداف استراتيجية، من بينها الهدف الثاني الخاص بـ«العدالة الاجتماعية والمساواة»، والذي يستهدف توفير الحماية الاجتماعية، وتقليل التفاوتات بين الفئات الاجتماعية؛ ومنها توفير الرعاية اللازمة لكبار السنِّ.
ومن أجل توحيد وتنظيم الجهود الخاصة برعاية كبار السن تعمل الحكومة المصرية في إطار استراتيجية خاصة بالمسنين تسعى إلى توفير الرعاية الاجتماعية لهم، وتطوير وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لتلك الفئات وتمكينها وتحويلها إلى طاقة بناءة. وهناك العديد من البرامج والمبادرات المعنية بكبار السن، منها:
-الرعاية الصحية: ففي ظل اعتبار الصحة قضيةً رئيسةً لقطاع الاقتصاد الفضي، تم إطلاق برنامج "الرعاية الصحية المستمرة لكبار السن" في الأول من شهر أكتوبر من عام 2022؛ وذلك لتقديم الخدمات الطبية وتحسين جودة الحياة الصحية لكبار السن فوق الـ 65 عامًا، من خلال الكشف المبكر عن المشكلات الصحية الأكثر شيوعًا في هذه المرحلة العمرية.
-توفير المؤسسات الخاصة برعاية كبار السن: حيث تعمل الدولة على توفير المؤسسات المعنية برعاية كبار السن؛ وأصبح هناك نحو 175 دارًا للمسنين موزعين على 22 محافظة، و191 ناديًا للمسنين على مستوى الجمهورية، و52 وحدة علاج طبيعي، و26 مركز تأهيل.
-مبادرة رفيق المسن: مبادرة أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي، بهدف تقديم الرعاية الشاملة اليومية للمسن ومساعدته في أداء وظائفه ومهاراته الحياتية داخل منزله أو في غيرها من الأماكن التي يوجد بها المسن؛ حيث تقوم المبادرة على تأهيل وتدريب الشباب للعمل كمرافقين للمسنين والتنسيق مع الجمعيات الأهلية الشريكة لتقديم الخدمة بأسعار مناسبة.
-برنامج الدعم النقدي "كرامة": استهدف الجانب الخاص ببرنامج "كرامة" عدة فئات من بينهم المسنون بعمر يبدأ من 65 عامًا، ومَن هم أصحاب عجز أو مرض مزمن يمنعهم عن العمل، والأيتام الذين لا ينالون الرعاية من الأب أو الأم بل من الأقارب من الدرجة الثانية أو أبعد من ذلك، وقد وصل عدد المستفيدين من البرنامج أكثر من 1.8 مليون شخص حتى منتصف شهر أغسطس عام 2024.
-شهادة رد الجميل: في إطار اهتمام بنك ناصر الاجتماعي بكبار السن من العملاء ممن ليس لديهم قدرة كبيرة على الاستثمار، ويكون لديهم رغبة في الادخار، فقد تم إصدار وديعة رد الجميل لمدة سنة لمن يبلغون (60 سنة فأكثر) بعائد سنوي يصل إلى 22% لمدة سنة و24.25% لمدة 3 سنوات.
-تمويل الاستثمارات الإنتاجية والعينية: استهدف بنك ناصر فئة أصحاب المعاشات ضمن المستحقين لخدمات البنك لشراء آلات ومعدات وأجهزة وسلع معمرة بجميع أشكالها.
-مبادرة العمر الذهبي: تهدف إلى تحقيق مبادئ الدمج المجتمعي للفئات الأولى بالرعاية ومنها فئة كبار السن، من خلال تقديم أنشطة ثقافية ودينية وترفيهية وإبراز مواهب وقدرات كبار السن، بالإضافة إلى تصحيح النظرة المجتمعية لدور رعاية وأندية المسنين، ونشر الوعي المجتمعي بقضايا كبار السن.
-تخفيض تكلفة المعيشة: إعفاء المسنين فوق سن 70 سنة من مصروفات المواصلات العامة بما يشمل السكك الحديدية ومترو الأنفاق، وإعفاء الذين بلغوا 65 سنة بنسبة 50%، وتتحمل الوزارة سداد التكاليف عوضًا عنهم.
وحتى يكون كبار السن محركًا للنمو والتنمية؛ فإنه من المهم التمييز بين التعددية في الأجيال من خلال تعزيز فكرة أن الأجيال يمكن أن تعمل معًا وتتواصل ويُمكِّن بعضها بعضًا، فكما كان كبار السن هم القوة العاملة وصناع الأمس، سيكونون اليوم وغدًا هم المستهلكون والسوق المستهدفة لمنتجات وابتكارات واستثمارات الشباب، لا سيما في ظل تعدد القطاعات الموجهة لكبار السن من رعاية صحية وترفيهية وخدمات رعاية ومنتجات تكنولوجية وغيرها.
وأكد التحليل في ختامه أنه نظرًا لكون الاقتصاد الفضي متعدد القطاعات، فإن تعزيز نموه يتطلب التنظيم والهيكلة، بحيث يتم توحيد تنظيم جميع الشركات التي تعمل لصالح كبار السن أو معهم، مع منح الشركات الموارد اللازمة لتطوير وتسويق المنتجات والخدمات التي من شأنها أن تخدم استقلالية ورعاية كبار السن في المستقبل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الرعایة الصحیة الاقتصاد الفضی الفئة العمریة شیخوخة السکان کبار السن فی عام ا فأکثر لکبار السن فی المجتمع من إجمالی المرکز أن العدید من من خلال فی عام أنه فی
إقرأ أيضاً:
تقرير جديد لـ "معلومات الوزراء" حول تداعيات تغير المناخ على مستقبل الطاقة
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريراً جديداً حول "تداعيات تغير المناخ على مستقبل الطاقة"، تناول من خلاله أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة في ظل تزايد معدل الطلب عليها عالميًّا، والعلاقة بين الظواهر المناخية المختلفة ومصادر الطاقة، وكيف تؤثر تلك الظواهر على قطاعات الطاقة المختلفة كلٌّ على حدة، فضلاً عن انعكاسات تغير المناخ على البنية التحتية لقطاع الطاقة، وتحليل فجوة العرض والطلب على مصادر الطاقة، مع استعراض مستقبل الطاقة في مصر في ظل تغير المناخ من خلال الإسقاط على التحديات التي تواجه قطاع الطاقة في مصر، وأبرز الجهود المبذولة للنهوض بهذا القطاع.
أوضح التقرير أنه في ضوء ما يعانيه العالم من تغير مناخي حاد وما يصاحبه من ظواهر متطرفة، أثرت بالطبع على جميع مقدرات الحياة ومفاتيح التنمية والتطور والتقدم، بل أصبحت تهدد حياة الإنسان واستقراره وأمنه، ولما كانت الطاقة هي جوهر عملية التنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم، وهي السبيل لرفاهية الإنسان ورخائه واستقراره المادي والاجتماعي -نظرًا لأهميتها في خلق فرص عمل عديدة تُسهم في الحد من البطالة، وقدرتها على دعم الصناعات والاستثمارات والابتكارات والخطط والبرامج والاستراتيجيات الجديدة بما يعود بالنفع والفائدة على البشرية- كان لزامًا أن يتم التطرق لتأثير التغيرات والظواهر المناخية عليها، وذلك في ظل ما تجابهه من تحديات أخرى مرتبطة بالسياقات الدولية المختلفة بما تتضمنه من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وإمدادات الطاقة، والأزمة الروسية - الأوكرانية، والصراع في غزة وتأجج منطقة البحر الأحمر والذي أثر بدوره على تلك الإمدادات.
وقد أشارت مجموعة البنك الدولي بأهمية الطاقة المتجددة مثل (الشمس والمياه والرياح) لأن تكون مصدرًا بديلًا للوقود الأحفوري الناضب؛ إذ من الممكن أن تساعد البلدان على التخفيف من تبعات تغير المناخ، كما أنها من الممكن أن تكون حلًّا مناسبًا بحلول عام 2030 لتعويض الفجوة في قطاع الطاقة، لكن هذه الطموحات باتت مُهددة بفعل موجات الطقس غير المعتادة والظواهر المناخية المتطرفة (ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف، والفيضانات، والأعاصير، وتباين معدل هطول الأمطار، وغيرها)، فأصبح مستقبل الطاقة سواء كانت متجددة أو تقليدية مهددًا على نحو مباشر بسبب تلك الحوادث، والأمر ينطبق كذلك على الإنتاجية والاستهلاك.
وأضاف التقرير أنه في ظل زيادة الطلب العالمي على مصادر الطاقة المختلفة لتلبية احتياجات التنمية والتطوير المستمر وللحاق بركب التطور التكنولوجي والمعلوماتي، تأتي أهمية مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة وذلك على النحو التالي:
أولاً: أهمية الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإمدادات الطاقة عالميًّا: تنبع أهمية الوقود الأحفوري من كونه المصدر الرئيس لإمدادات حوالي 80% من الاحتياجات العالمية للطاقة، كما أنه يمثل الداعم الأول للاقتصاديات العالمية لأكثر من 150 عامًا، بل إنه كان الركيزة الأساسية التي قامت عليها الثورة الصناعية وكان له الدور البارز في النمو الاقتصادي الذي حدث منذ ذلك الحين.
وقد أبرز التقرير أهمية الوقود الأحفوري في تعزيز نهضة المجتمعات وتطورها على النحو التالي:
1-المصدر الأول لإنتاج الطاقة ولاسيما الكهربائية، والمصدر الأول للوقود لوسائل النقل المختلفة: وهناك العديد من الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإنتاج الطاقة الكهربائية ويتم قياسها كنسبة مئوية من إجمالي الكهرباء المنتجة في العالم، لعل أبرزها: روسيا التي تعتمد على الوقود الأحفوري لإنتاج نحو 64% من الكهرباء، والصين 64.7%، بالإضافة إلى اعتماد الهند في 78% من إنتاجها على الوقود الأحفوري، وكازاخستان 87.2%، ومنغوليا 89.3%، وإيران 93.8%، والمملكة العربية السعودية 99.8%، وسلطنة عمان 99.4%، وليبيا 100%، والجزائر 99.2%، والنيجر 93.7%، وتشاد 94.3%، ومصر 88.2%، وإيطاليا 56.3%، والولايات المتحدة الأمريكية 59.1%
2-تعزيز القطاع الطبي بالتقنيات الحديثة، حيث يتم من خلال المشتقات البترولية انتاج العديد من المواد اللازمة للجراحة كالمعقمات وخيوط الجراحة المتطورة التي ساهمت في الارتقاء بهذا القطاع ليعود بالنفع على الإنسان.
3-تُسهم في صناعة الأنسجة والملابس من خلال الألياف الاصطناعية المشتقة من الوقود الأحفوري.
4-كما تدخل في نطاق صناعة الأسمدة ودعم قطاع الزراعة.
5-يساعد على تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستوى الدخل: لاسيما للعاملين في قطاعات النفط والغاز الطبيعي والفحم؛ حيث أن هذه القطاعات ترفع من نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن من مستوى الرفاهة الاجتماعية، كما أنه يسهم في عدة قطاعات كصناعة السيارات، وصناعة الحديد والصلب، والأسمدة، والمنسوجات، والبتروكيماويات.
ثانياً: أبرز التقرير أهمية الطاقة المتجددة (الشمس والرياح والمياه) كمصدر ثانٍ لإمدادات الطاقة عالميًّا: فعلى الرغم من الأهمية المحورية للوقود الأحفوري كمصدر أولي للطاقة، فإن السياقات الراهنة المرتبطة بأنه مصدر ملوث للبيئة وغير متجدد وله دور في تغير المناخ وكمياته المحدودة -بسبب استنزاف احتياطاته-، دعت إلى الانتقال نحو طاقة نظيفة، صديقة للبيئة وغير ناضبة، أو ما يمكن أن يطلق عليه الطاقة المتجددة ممثلة في (الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، وطاقة المد والجزر، والطاقة الحرارية الأرضية).
وقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أنه رغم اعتماد 80% من سكان العالم -أي ما يقرب من 6 مليارات نسمة- على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة، وأن 80% من الإنتاج العالمي للطاقة يأتي من خلال مصادر الطاقة التقليدية، فإن الاتجاه نحو الطاقة المتجددة كمصدر بديل للطاقة أصبح محل اهتمام من العالم، لا سيما أن 29% من الكهرباء المتولدة في العالم تأتي من خلال الطاقة المتجددة، وترى الوكالة أنه بحلول عام 2050 يمكن أن يتم توليد 90% من الطاقة الكهربائية من خلال مصادر الطاقة المتجددة، لذا فأهميتها تنبع من كونها: مصادر متجددة (مستدامة) للطاقة، صديقة للبيئة غير ملوثة، تحافظ على الصحة العامة، وتكاليف الاستثمار فيها منخفضة مقارنة بالوقود الأحفوري، وتُسهم في خلق فرص عمل جديدة وآمنة للحد من معدلات البطالة.
وقد أوضح التقرير أن الظواهر المناخية المتطرفة التي تنتج عن التغيرات الحادة في الطقس أثرت على قطاع الطاقة بشكل بيِّن، خاصة قطاع توليد الطاقة الكهربائية من خلال الوقود الأحفوري، ومحطات الطاقة الحرارية، والكهرومائية، ومحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ وبالتالي تأثر قطاع الطاقة من حيث البنية التحتية، ومعدل الطلب على الطاقة، وانخفاض قدرة المحطات وما إلى ذلك من ظواهر.
وقد استعرض التقرير تأثير الظواهر المصاحبة لتغير المناخ على قطاع الطاقة وذلك على النحو التالي:
-تأثر البنى التحتية الحيوية لقطاع الطاقة ولا سيما الوقود الأحفوري: فقد تأثر قطاع الطاقة فعليًّا من الظواهر المناخية المتطرفة على مستوى البنى التحتية وعمليات الإنتاج والتكرير للوقود الأحفوري، فغالبًا ما تتم العملية التي يتم فيها استخراج النفط والغاز الطبيعي في المياه أو المناطق الساحلية والصحراوية، وبالتالي قد يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف والأعاصير إلى التأثير على مصافي التكرير الموجودة على طول السواحل كتأثر الساحل الأمريكي بالأعاصير المدمرة، كما تأثرت البنية التحتية للطاقة، وتحديدًا قطاع النقل المتمثل في الطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى خطوط الأنابيب الناقلة للنفط والغاز والتي تُعد الأساس لقطاع الطاقة؛ لأنها تنقل الوقود الأحفوري إلى محطات المعالجة والتكرير ومنه للتوزيع وتبدأ بنطاق صغير وصولًا إلى النقل عبر القارات.
-خلل منظومة العرض والطلب في قطاع الطاقة نظرًا لاعتبارات (التكلفة، التخزين، التوليد).
-تهديد إنتاجية الطاقة المتجددة (الحرارية، الكهرومائية، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح): فقد تتأثر إنتاجية الطاقة الحرارية وتتأثر كفاءة المولدات بفعل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدل البخر للمياه المستخدمة في التبريد؛ مما قد يترتب عليه ضعف القدرة الإنتاجية لتلك المحطات، وخاصة أن تكاليف إنشاء طرق بديلة لتبريد المولدات من غير الاستعانة بالمياه مكلفة للغاية؛ مما يفرض تحديًا على هذا القطاع.
واستعرض التقرير أبرز إجراءات التكيف التي تم اتخاذها في قطاع الطاقة لمجابهة هذا التغير والتكيف مع تداعياته السلبية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
-إدراج قطاع الطاقة النووية كأحد إجراءات التخفيف لمجابهة تغير المناخ.
-إجراءات التكيف في قطاع الطاقة المتجددة (الكهرومائية والشمس والرياح): والتي تتمثل في: بناء السدود والخزانات كبيرة الحجم لأجل الاستفادة من فائض المياه الناتج عن الأمطار والفيضانات.
-إجراءات التخفيف في قطاع الوقود الأحفوري: على الرغم من التأثير السلبي للوقود الأحفوري على تغير المناخ من ناحية ارتفاع نسبة المساهمة في الانبعاثات الكربونية، فإنه تأثر كذلك بفعل ذلك التغير، وكان لازمًا أن يتم اتخاذ عدد من الإجراءات تتضمن التخفيف للحد من الانبعاثات الناتجة عن هذا القطاع، والتي من ضمنها أن يتم تخفيض غاز الميثان -العنصر الأساسي في تكوين طبقة الأوزون الأرضي، بالإضافة إلى كونه مسببًا رئيسًا في تغير المناخ وتلوث الهواء- من عملية إنتاج الوقود الأحفوري.
وأشار التقرير إلى مستقبل قطاع الطاقة في مصر ومدى تأثره بفعل التغيرات المناخية، حيث أشار إلى تمتع مصر على مدار تاريخها بالمناخ المعتدل في ظل درجات حرارة غير مرتفعة، وأجواء شتوية دافئة، لكن مع بداية الألفية الجديدة شهدت مصر سياقات مغايرة على صعيد المناخ؛ فمن المناخ المعتدل إلى موجات الحر وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وموجات البرد التي تصل حد الصقيع أحياناً في عدد من المحافظات؛ حيث ارتفعت درجات الحرارة في الفترة ما بين عام 1901 وعام 2013 بمعدل 0.1 درجة مئوية لكل عشرة أعوام. وتسارعت وتيرتها في الفترة ما بين 2000 إلى 2020 بمتوسط 0.38 درجة مئوية لكل عقد، وهو أعلى من المتوسط العالمي لكل عقد والبالغ 0.31 درجة مئوية، كما أن المتوسط العالمي لتلك الظاهرة خلال العام الواحد في تلك الفترة 0.03 درجة مئوية لكل سنة، في حين أن متوسط الاحتباس الحراري في مصر يبلغ نحو 0.04 درجة مئوية لكل سنة. وهو مرتفع نسبيًّا مقارنة بالمتوسط العالمي خلال تلك الفترة، وهو ما يظهر تأثير تغير المناخ على مصر بداية من الألفية الجديدة.
وأوضح التقرير أن تلك السياقات المناخية تؤثر بدورها على قطاع الطاقة باعتباره أحد أبرز القطاعات المتأثرة في مصر بفعل تلك الظواهر، وذلك في ظل ارتفاع معدل الطلب على الطاقة داخل الدولة لتلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد والتنمية، وهو ما أقرته دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة؛ حيث أفادت الدراسة أن 50% من إجمالي الكهرباء التي يتم استهلاكها خلال أشهر الصيف في القاهرة تأتي من خلال استخدام أجهزة تكييف الهواء. وهو ما يشكل ضغطًا على قطاع الطاقة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وما يصاحبها من ظواهر مناخية ذات صلة، إضافة إلى زيادة الطلب على الطاقة في فترات موسمية (الصيف) على حساب أخرى.
وقد استعرض التقرير التحديات التي تواجه مستقبل الطاقة بالدولة المصرية، ومنها: تغير المناخ، وتحديات مرتبطة بالانتقال والتحول للطاقة المتجددة، وندرة الموارد الطبيعية، مشيراً إلى أنه برغم تلك التحديات قامت الدولة المصرية بجهود حثيثة في قطاع الطاقة لأجل تحسين إنتاجية هذا القطاع من جانب، والحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه من جانب آخر، والنهوض باتجاه مشروعات جديدة تُسهم في تحقيق الانتقال العادل للطاقة، ولعل أبرز تلك الإسهامات:
-تشييد محطة الطاقة النووية في الضبعة لتوليد الكهرباء.
-اتخاذ قطاع الكهرباء عددًا من الإجراءات للحفاظ على البيئة وضمان استدامتها إذ اعتمدت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة خطة طوارئ لمكافحة تلوث مياه النيل الناتج عن المحطات التي تقع على جانبي النهر.
-تعزيز القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة من خلال الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة كالمياه والشمس والرياح بتشييد وبناء المحطات الجديدة
-دعم البنية التحتية لقطاع الطاقة وذلك لترشيد الاستهلاك؛ حيث تم دعم الجهد الفائق والعالي لمحطات الطاقة بإجمالي 50 ألف كيلومتر من الخطوط الهوائية والكابلات الأرضية، إضافة إلى استبدال العدادات الذكية بعدادات القراءة التقليدية، فحتى تاريخه تم تركيب نحو 9.9 ملايين عداد مسبوق الدفع بشركات توزيع الكهرباء، إضافة إلى الاتفاق على إنشاء شبكات الاتصال ومراكز البيانات الخاصة بها.
وأفاد التقرير في ختامه أن تغير المناخ وما يصاحبه من ظواهر مناخية متطرفة تؤثر تأثيرًا بيِّنًا على مستقبل قطاع الطاقة في مختلف دول العالم ومنها بالتأكيد مصر، فبرغم الجهود الدولية لأجل التخفيف والتكيف مع الطقس المتطرف في هذا القطاع، فإن التأثيرات بالغة في عدد من قطاعات الطاقة وعلى وجه التحديد قطاع الطاقة المتجددة، بل قد وصلت في بعض الأحيان بتهديد إنتاجية الطاقة في ظل الطلب المتزايد على مصادرها بفعل السياقات الدولية المتغيرة واحتياجات التنمية والتطوير المستمر؛ لذا يتعين أن تتضافر الجهود الدولية والوطنية لأجل التحرك جماعيًّا من خلال الاتفاقات والسياسات والبرامج والخطط والاستراتيجيات لإنقاذ مستقبل الطاقة في العالم، وذلك باعتبار أن المناخ ظاهرة فاقت حدود وإمكانات وقدرات الدول على مواجهتها فرادى دون تضافر الجهود معًا.