للمناطق والمحافظات العُمانية دورٌ كبيرٌ في الإسهام في تشييد حضارة وتاريخ هذا الوطن العزيز، كما إن لكل محافظة تاريخها الذي تميَّزت به عن غيرها؛ حيث سطَّر أبناء المحافظات دورًا مُشرِّفًا رصدته كتب التاريخ، وتركوا بصماتهم وإنجازاتهم التي ما تزال تتوارثها الأجيال إلى اليوم.

وانطلاقًا من هذه الحقائق، حرصت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على إبراز دور أبناء شمال الباطنة في مسيرة الحضارة العُمانية، من خلال تنظيم ندوة تتحدث عن المحافظة من واقع ذاكرة التاريخ العمانية، وما تناقلته الوثائق والمحفوظات القديمة عن أبناء هذه المحافظة العريقة.

لقد كانت شمال الباطنة حاضرة عُمانية قامت على أرضها الطيبة حضارة تمتد لقرون عديدة، وأضحت حضارة مجان وما ارتبط بها من اتصال حضاري وتجاري مع الحضارات الأخرى، وامتد التواصل لتكون صحار مصراً من أمصار البلاد الإسلامية وعاصمة من العواصم المشهود لها بأسواقها وتجارتها المزدهرة، وقامت على أرضها حضارات متنوعة ما بين التجارية والعلمية وغيرها.

إنَّ هيئة الوثائق والمحفوظات تؤدي دورًا كبيرًا من أجل حفظ الذاكرة الوطنية، من خلال جمع الوثائق وتوثيق الروايات الشفوية من العُمانيين المُعمِّرين الذين عاصروا أحداثًا متعددة، وكانوا شهود عيان على مسيرة نمو وتقدم عُمان، لكي تعي الأجيال الجديدة أن آباءهم وأجدادهم سطَّروا التاريخ المجيد في المجالات كافة بإرادة صلبة تنطلق من إيمانهم بأمجاد الإنسان العُماني ودوره على مر الحقب التاريخية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عن الرحلة مع الوثائق

مما لا يختلف فيه اثنان أن الوثائق مصدر أساسٌ في الدراسات التاريخية والحضارية، وبالنظر إلى الحالة العمانية فإن الكثرة الكاثرة من الوثائق المحفوظة اليوم قد لا يتجاوزها زمانها القرون الثلاثة الأخيرة، بل إن الأكثر منها لا يتجاوز المائة سنة. وعليه فإن الوثائق الأقدم التي بقي منها النص المنقول وذهب الوعاء الأصل إنما هي في مضانّ أخرى مثل الكتابات الصخرية، والكتابات الجدارية، والوثائق المنقولة في كتب التراث، وهذه الأخيرة هي التي تعرَّضنا لأمثلة منها في هذه السلسلة التي نختمها اليوم. وأحب أن أشير هنا إلى بعض من اعتنوا بالوثائق من الجيل الأخير ممن ينتمون إلى المدرسة القديمة من الفقهاء والأدباء العمانيين، فمنهم العلامة إبراهيم بن سعيد بن محسن العبري (ت:1395هـ) الذي أفاد من جملة من الوثائق في كتابه (تبصرة المعتبرين) وكتب في تقييد له: «وجدت في قرطاس قديم ببندر مسقط بعض التأريخ، ولم أزل شغوفاً بالتواريخ العمانية القديمة، ولهذا السبب أنقل منه هاهنا ما سيأتي». ومنهم المؤرخ سيف بن حمود بن حامد البطاشي (ت:1420هـ) الذي استقى من الوثائق في غالب مؤلفاته التاريخية، ونقل جملة منها في كتابه (إتحاف الأعيان) كما أسلفنا في هذه السلسلة، ومما نقله ولم نُشِر إليه من قبل على سبيل المثال حكمٌ بين جِباه فلج ضوت وفلج الخوبي بنزوى حَكَم به الفقيه القاضي أحمد بن مفرج البهلوي سنة 826هـ في زمان السلطان المظفر بن سليمان بن المظفر بن نبهان، وبشهادة أبي القاسم بن عمر العفيف، وإبراهيم بن أبي الحسن بن أبي محمد بن سعيد الشجبي. والمثال الثالث هو الفقيه القاضي سالم بن حمد بن سليمان الحارثي (ت:1427هـ) إذ جمع أشتاتًا من الوثائق في خزانته، واجتهد في تصوير بعضها من مصادرها رغم الصعوبات، وصَدَّر بعض كتبه أو ضمَّنها بعض الوثائق كما صنع في كتابه (العقود الفضيّة) الذي صدَّره بثلاث وثائق لبعض الولاة القادة في عهد اليعاربة.

ولعل من بين ما ينبغي الاشتغال به في حقل الوثائق رصد الألفاظ الحضارية المنتشرة فيها، وضمّها إلى ما شاكلها في متون الكتب لتكون المحصّلة معجمًا للألفاظ الحضارية في التراث العماني. على أن كثيرًا من الوثائق العمانية تستدعي الدراية بأحوال المجتمع في العصور التي تنتمي إليها، وفي المقابل فإن بعض الوثائق المتأخرة يلزم لدراستها الإلمام بتاريخ العمانيين في البلاد التي هاجروا إليها تأثيرًا وتأثرًا، فعلى سبيل المثال تنتشر الألفاظ السواحلية في كثير من الوثائق الآتية من الشرق الإفريقي، وبالمثل تنتشر الكثير من أسماء البضائع والمنقولات في مكاتبات التجّار وسجلاتهم.

وحتى لا نبعد النّجعة عن الوثائق المبثوثة في نصوص التراث كما هو موضوع السلسلة، فإن كتب الجوابات عند المتأخرين داخلة هي الأخرى في مصادر الوثائق، وبذلك يسعنا أن نجمل القول بأن الوثيقة أينما وُجِدت فهي نص حي ناطق بشيء من التاريخ بصريح العبارة أو بدلالة مضمونها، ومن هنا فإن علينا أن نعيد صياغة مفهوم الوثيقة كي لا يبقى أسير الفهم السطحي الذي يحصر الوثيقة في رسالة أو حجة شرعية بأصلها المكتوب.

مقالات مشابهة

  • عن الرحلة مع الوثائق
  • المُجدِّد.. علي عزت بيجوفيتش
  • .. وتكثيف حملات التفتيش بجنوب الباطنة
  • «العُمانية للمسرح» تحتفل باليوم العالمي وتعلن عن مسابقة جديدة
  • المواطنون يقبلون على هبطات العيد في ولايات شمال الباطنة
  • إقبال كبير تشهده هبطات العيد في ولايات شمال الباطنة
  • ختام بطولة بلدية شمال الباطنة لكرة القدم
  • ..وتكثيف التوعية وتعزيز الخدمات البلدية بشمال الباطنة
  • تاريخ عريق وواقع متأزم.. هل تستطيع إيران الانبعاث من تحت الرماد؟
  • كوريا الجنوبية: الحرائق المستعرة هي الأضخم في تاريخ البلاد