” التمسك بالقيم الريفية في مواجهة التغيرات الاجتماعية”
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
بقلم : سمير السعد ..
في زمن يتسارع فيه التحول الاجتماعي والتكنولوجي، تبقى بعض القيم الأصيلة والموروثات الشعبية التي تعبّر عن معاني المحبة والصدق النقي، ثابتة في قلوب أبناء الريف وأهل العشائر. تلك القيم التي يجسدها التعبير الريفي الشهير “أ يا أحميد يمه و اهلي عمامي يا احميد يمه وبالعله ماتدرون ياأحميد يمه ”، ليست مجرد كلمات، بل تعكس معزة الأبناء والأولاد في مجتمع يحترم العلاقات الأسرية ويبني على الصدق والوفاء.
تمثل هذه العبارة، ومثيلاتها من الموروثات الشعبية، تراثاً ثقافياً يغمره الحب الصافي والبساطة، حيث اعتاد أهلنا في الريف على التعبير عن مشاعرهم بطريقة عفوية وصادقة، خالية من التكلف والزيف. هذا النقاء في العلاقات الإنسانية هو جزء من هوية المجتمع الريفي، حيث الأسرة والعشيرة والديوان أو المضيف هي محاور الحياة الاجتماعية.
رغم التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تغير بعض العادات والتقاليد بفعل العولمة والانفتاح، بقيت بعض الأماكن والبيئات الريفية محافظة على أصالتها الاجتماعية. فالمضيف والديوان ما زالا رمزين للكرم والتلاحم العشائري، حيث يجتمع أبناء العشائر لحل القضايا والتشاور في الأمور، محافظين على هذا الإرث العريق الذي يربط الماضي بالحاضر.
لكن هذا التمسك بالقيم الاجتماعية الأصيلة يواجه تحديات كبيرة، فالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع، أدت إلى تآكل بعض هذه العادات لدى البعض، حيث أصبح البعض مأسوراً بمظاهر الحياة الحديثة التي تفتقر أحياناً للصدق العاطفي والعلاقات الحقيقية. ومع ذلك، يرفض أبناء العشائر الأصلاء هذه التغيرات التي تحاول زعزعة التماسك الاجتماعي.
إن بقاء هذه القيم والموروثات مرهون بمدى قدرة المجتمع على المحافظة على أصالته وتوارث هذه العادات بين الأجيال. فالرغم من الصعوبات، تظل قيم الريف والعشائر شاهداً على زمن من النقاء والبساطة، يرفض الاندثار أمام أمواج الحداثة الجارفة.
مع مرور الزمن، والتطور الكبير الذي يشهده المجتمع في مختلف جوانب الحياة، أصبحت بعض القيم التي كانت تشكل نسيج المجتمع الريفي والعشائري عرضة للتغير أو التلاشي. هذا التحول السريع في السلوكيات الاجتماعية لا يأتي بدون تأثيرات سلبية على الروابط الأسرية والعشائرية التي كانت تشكل حجر الزاوية في المجتمعات الريفية.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الهوية العشائرية اليوم هي وسائل التواصل الاجتماعي التي غيرت من طريقة التفاعل بين الأفراد، حيث أصبح التواصل الإلكتروني بديلاً عن اللقاءات الحية في الديوان أو المضيف. هذه الوسائل، رغم فوائدها في تقريب المسافات، إلا أنها أضعفت الروابط الحقيقية وأحلت المجاملات السطحية محل التواصل الحقيقي القائم على المودة والصداقة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت التحولات الاقتصادية في هجرة بعض الشباب من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص العمل، مما أدى إلى انقطاعهم عن العادات والتقاليد الريفية.
ولكن رغم هذه التحديات، نجد أن أبناء العشائر الأصلاء لا يزالون يتمسكون بالعادات التي ورثوها عن أجدادهم. فالمضيف، الذي كان وما زال رمزاً للكرم وحل النزاعات، لا يزال قائماً كمنارة للتفاعل الاجتماعي والتضامن العشائري. كما أن القيم الأساسية مثل الاحترام المتبادل، والكرم، والتآزر بين الأفراد لا تزال محفوظة في الأوساط العشائرية.
إن ما يميز المجتمعات الريفية والعشائرية هو قدرتها على الحفاظ على تراثها عبر الأجيال. وتبقى مسؤولية توارث هذه القيم تقع على عاتق كبار السن والأجيال الأكبر الذين شهدوا تلك الفترة الذهبية من العلاقات الاجتماعية. ينبغي على الآباء والأمهات أن يعملوا على نقل هذه القيم إلى أبنائهم وتعليمهم أهمية الاحترام، والتعاون، وحسن الجوار، وألا يغفلوا عن ضرورة التشبث بالهوية العشائرية.
المدارس والجامعات أيضًا يمكن أن تلعب دوراً في تعزيز هذا التراث، من خلال تعليم الطلاب عن أهمية التقاليد الثقافية والاجتماعية، وتنظيم الأنشطة التي تعزز الروابط الاجتماعية بين الأجيال. فلا ينبغي أن تكون تلك القيم مجرد ذكريات من الماضي، بل يجب أن تبقى حية في عقول وقلوب الأجيال الصاعدة.
يبقى التحدي الأكبر هو الموازنة بين الانفتاح على التطورات الحديثة وبين التمسك بالجذور الأصيلة. فالهوية العشائرية والريفية ليست مجرد تقاليد قديمة، بل هي روح مجتمع نقي يرفض الانحناء أمام الرياح المتغيرة. إن الحفاظ على هذه الهوية هو ليس فقط حفاظاً على الماضي، بل هو أيضاً بناء لمستقبل يتسم بالصدق والعفوية والاحترام المتبادل.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
معادلة “اليد على الزناد” تعمّق مأزق الأعداء في مواجهة صنعاء
يمانيون../
مع إعلان السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن الاستعدادِ لمواجهة مؤامرة تهجير الفلسطينيين عسكريًّا، بالإضافة إلى الجاهزية للتدخُّل الفوري للرد على أي خرق صهيوني لاتّفاق وقف إطلاق النار في غزة، تتزايدُ حالةُ الإحباط لدى جبهة العدوّ فيما يتعلق بمساعي ردع اليمن وعزل الجبهة اليمنية عن القضية الفلسطينية، حَيثُ بات واضحًا أن سقف انخراط هذه الجبهة في المعركة قد بات أعلى من كُـلّ مساعي العدوّ بما في ذلك قرار التصنيف الأمريكي ومحاولة التحشيد الإقليمي والدولي ضد اليمن.
تأكيدات القيادة اليمنية على الجاهزية للعودة إلى التصعيد في حالة خرق الاتّفاق أَو محاولة تنفيذ خطة التهجير، لم تعد تسليط الضوء على فاعلية ودور جبهة الإسناد اليمنية لغزة وتأثير انضمامها التأريخي إلى الصراع؛ لأَنَّها لم تغب عن تناولات وسائل إعلام جبهة العدوّ ومراكز أبحاثها أبدًا بعد وقف إطلاق النار، خُصُوصًا فيما يتعلق بالوضع في البحر الأحمر، والذي برهنت فيه القوات المسلحة على مصداقية ما أكّـدته طيلةَ فترة الحرب بشأنِ ارتباط العمليات البحرية بشكل رئيسي ومباشر بالوضع في غزة، حَيثُ توقفت العملياتُ ضد السفن غير المملوكة لكيان العدوّ بشكل واضح منذ وقف إطلاق النار في غزة؛ الأمر الذي شجّع العديد من السفن التي رُفعت عنها العقوبات إلى العودة، وهو ما شكّل انهيارًا للرواية الأمريكية والإسرائيلية القائلة إن العمليات البحرية اليمنية لا علاقةَ لها بالوضع في غزة.
ولم يقتصر الأمرُ على انكشاف زيف تضليلات جبهة العدوّ؛ فبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مؤامرة تهجير الفلسطينيين من غزة، ومحاولة العدوّ الصهيوني الأسبوع الماضي الانقلابَ على اتّفاق وقف إطلاق النار من خلال رفض تنفيذ التزاماته بدخول المعدات والمساعدات المتفق عليها إلى قطاع غزة، عبّر قطاعُ الشحن الدولي عن مخاوفَ من عودة العمليات البحرية اليمنية ردًّا على السلوك الأمريكي والصهيوني؛ وهو ما أكّـد بوضوح على أن جذور المشكلة في البحر الأحمر تعود إلى مواقف جبهة العدوّ، كما أكّـد على أن مسار عمليات الإسناد البحرية قد أصبح أمرًا واقعًا ومعطى ثابتًا في معادلاتِ أية جولة من التصعيد؛ الأمر الذي يرسِّخُ واقعَ فشل كُـلّ مساعي جبهة العدوّ لإعادة العجلة إلى الوراء والتخلص من هذا الواقع الجديد.
وفي هذا السياق، نقلت منصة “لويدز ليست” البريطانية المتخصصة في شؤون الملاحة البحرية عن رئيس شركة (إي أو إس) للأمن البحري، مارتن كيلي، قوله: إنّ “أية مساهمة أمريكية في انهيار وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وغزة قد تؤدي إلى استئناف هجمات الحوثيين ضد السفن الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب” حسب ما نقلت المنصة، وهو ما يعني أن العواقب البحرية الفورية للسلوك العدواني الأمريكي قد أصبحت نتيجة حتمية ثابتة على طول مسار الصراع.
ويعني ذلك أن أهداف “ردع” الجبهة اليمنية، أَو تدمير قدراتها، وإلغاء التحول التاريخي الكبير الذي صنعته بانخراطها في معركة طوفان الأقصى، هي أهدافٌ مستحيلة، وأن الوسائلَ التي تستخدمُها جبهةُ العدوّ؛ مِن أجلِ الوصول إلى تلك الأهداف ليست مُجديةً، وأن سقفَ تأثيرها أدنى بكثير مما يأمل العدوّ.
تأكيداتُ السيد القائد على الاستعدادِ للتحَرّك عسكريًّا وبشكل فوري للرد على أي تصعيد من جانب جبهة العدوّ عزَّزت هذه الحقيقة بشكل أكبر، حَيثُ تناولت هيئة الإذاعة الأسترالية، الجمعة، هذه التأكيدات في تقرير نقلت فيه عن داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات “الإسرائيلية” والباحث في معهد دراسات الأمن القومي بـ”تل أبيب”، قوله إنه “حتى مع التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم في غزة فَــإنَّ الجني في اليمن قد خرج من القمقم” حسب تعبيره، في إشارة واضحة إلى أنه لم يعد بالإمْكَان إلغاء حقيقة وجود جبهة يمنية ثابتة لها تأثير رئيسي ومباشر على مسار الصراع.
وَأَضَـافَ المسؤول الصهيوني السابق أن اليمن يشكّل “تحديًا من نوع مختلف” مُشيرًا إلى أنه: “لا يوجد حَـلٌّ سريع، وحتى لو انتهت الحربُ في غزة؛ فهذا تهديد لن يختفي”، وهو ما يمثل اعترافًا واضحًا بأن أية محاولات لتقويض مسارات انخراط الجبهة اليمنية في الصراع، بما في ذلك العمليات البحرية، أَو تقويض معادلاتها القائمة على مواجهة التصعيد بالتصعيد، هي محاولات محكوم عليها بالفشل التام مسبقًا، مهما كانت الأوراق والوسائل التي تلجأ إليها جبهة العدوّ، ومنها قرار التصنيف الأمريكي الجديد الذي اتخذته إدارة ترامب، حَيثُ نقلت الهيئة الأسترالية عن محللين آخرين قولهم: إنه “من غير المرجح أن يؤثر التصنيف الإرهابي والعقوبات على الحوثيين” حسب ما نقل التقرير.
وفي هذا السياق أَيْـضًا وضمن أصداء إعلان القيادة اليمنية عن تصعيد مستوى انخراط اليمن في الصراع، من خلال الجاهزية للتصدِّي العسكري لمؤامرة التهجير والرد المباشر على أي خرق لاتّفاق وقف إطلاق النار، أعاد مركَزُ “ستراتفور” الأمريكي للأبحاث التذكيرَ بانسداد أفق “الردع” الأمريكي والصهيوني في مواجهة اليمن، حَيثُ أشار في تقرير جديد إلى أن استراتيجية العدوان المباشر على اليمن ليست فقط محكومة بالفشل في تحقيق الأهداف المرتبطة بها، بل إنها تأتي بنتائجَ عكسية؛ إذ أوضح المركَزُ أن الغارات الأمريكية و”الإسرائيلية” خلال الفترة الماضية قد “غذَّت المزيدَ من المشاعر المؤيدة” للقوات المسلحة اليمنية على طول وعرض البلاد، خُصُوصًا تلك الغارات التي “استهدفت البنية التحتية المدنية مثل محطات الطاقة” مُشيرًا إلى أن الغارات أسهمت أَيْـضًا في تكريس صورة صنعاء كمدافعة عن البلد وعن القضية الفلسطينية.
وَأَضَـافَ مركز الأبحاث الأمريكي أنه “إذا كان من غير المرجح أن تخرج “إسرائيل” بالكامل من قطاع غزة في الأمد القريب؛ فَــإنَّ هذا سوف يشكل مبرّرًا مُستمرًّا للضربات اليمنية المتقطعة على “إسرائيل”، وهو ما من شأنه أن يستفز ضربات إسرائيلية مضادة على اليمن نفسه” لكن هذه الدينامكية -بحسب المركز- لن تؤديَ إلا إلى زيادة التفاف اليمنيين حول قواتهم المسلحة “بدافع المشاعر المعادية لإسرائيل” وفي المقابل، أشار إلى أنه “نظرًا للقيود الجغرافية والعسكرية، فلن تتمكّن “إسرائيل” من إلحاق أضرار عسكرية كبيرة بالحوثيين، وهو ما يمنع أي تدهور كبير في الموقف العسكري لهم” حسب توصيف المركز.
ويشير هذا التناول بوضوح إلى أن المأزق الأمريكي الصهيوني في مواجهة الجبهة اليمنية، لا يقتصر فقط على الفشل في تقويض أَسَاسات ومعادلات ومسارات عمليات الإسناد لغزة، بل إنه يمتد إلى مواجهة نتائجَ عكسية مُستمرّة بسقفٍ مفتوح يجعلُ من أي سلوك أَو مخطّط عدواني دافعًا لارتفاع جديد في درجة وحجم وتأثير انخراط اليمن في الصراع، وهو ما يجسّده بشكل واضح قرارُ القيادة اليمنية بالتصدِّي لمؤامرة التهجير عسكريًّا.
ضرار الطيب| المسيرة