مقدمة لقصيدة حب للشهيد يحيى السنوار
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
كيف نُرثيك وأنت حي؟ وهل نبكيك وأنت تسكن العقول والقلوب؟ بل كيف يمكن أن نكتب لك نعيا وطيفك ومُثُلك ومبادئك لن تبرح الروح؟ فالنعي والرثاء والبكاء لمن غادروا وأنت باق لم تغادر.
كذبوا… كذبوا فمثلك لن يسكن الأنفاق، ولا يحتمي مثل الآخرين بسابع طبقات الأرض، ولا أن يُدرّع نفسه بالرهائن، فلطالما جفل الموت منك مئات المرات، ربما مُشفقا على هذه الأمة من أن يأخذ آخر القديسيين منها.
ألست أنت القائل (نحن نخشى الموت على فراشنا كما يموت البعير) يا خالد بن الوليد، حتى كأني بالشاعر المتنبي ينهض من قبره وينشد مرة أخرى لك وحدك (وقفت وما في الموت شك لواقف، كأنك في جفن الردى وهو نائم ).
عابوا عليك سيدي الصلابة في الحق، وقالوا إنك أكثر الصقور تطرفا في المواقف، لكنهم نسوا أن الثبات على الحق وعدم المهادنة والمساومة فيه لا تعني تطرفا. وكيف تساوم على حق شعبك الذي قضيت من أجله عقدين من الزمن سجينا، ثم مطاردا في أرضك.
دعهم سيدي يقولون ما يقولون، فمشهد يُمناك المقطوعة لم تشل إرادتك عن أن تُلقي عصاك على عين عدوك الذي كان يرصدك، رغم أنك في النزع الأخير. فجفلوا منك ولم يجرؤوا على التقدم نحوك ثم أسرك، وكأنّ الأقدار أرادت أن لا تعطيهم فرصة الشماتة بك، وأنت بين أيديهم، فيقولون ها قد انتصرنا على السنوار، ثم يؤلفون القصص بأنهم قد وجدوك مختبئا في نفق وستارك رهائنهم.
كذبوا… كذبوا، سيدي، فليس بين الرجال من باع عمره لفلسطين مثلك وظل يقاوم. فقد كنت قادرا على أن تشتري عُمرا لبضع شهور أو سنين، بالمساومة على قضيتك، لكنك عرفت جيدا قصة عبدالله الصغير آخر أمراء الأندلس، وحاشاك أنت أن تجعل من فلسطين أندلس أخرى، وأنت الذي نبتّ في كل ذرة من ترابها منابت أشجار الزيتون فيها.
ورحم الله عبدالله بن رواحة الذي مات شهيدا في المعركة وهو يمجد رسول الله، وأنت ذهبت شهيدا مقبلا غير مدبر تمجد فلسطين وشعبك. ولا يعرف الشوق إلا من يكابده، ولا يعرف فلسطين إلا من يُعانيها، ولا يعاني فلسطين إلا فارس من أهلها جعلها ضميره الذي لا ينام وعقله الذي لا يتعب، وكنت أنت الضمير الذي يرى ويسمع والعاشق الذي يهيم على وجهه في حبها. لقد كتبت سيدي تاريخ فلسطين منذ أول منازلة لك مع العدو، ومنذ أول يوم وطأت فيه قدماك السجن، وأصدق التواريخ هي تلك التي تُكتب في سنوات القمع والاضطهاد، وأشرف حروفها وجُملها هي تلك التي تُكتب على جدران سجون العدو، حتى أصبحت أنت التاريخ والوثيقة الصادقة.
كيف لا وأنت ابن أرض فلسطين وسمائها وبحرها وهوائها، وأبناء فلسطين لا يُستوردون ولا يرتمون في أحضان أخرى من غير أمتهم، فصنعت نموذجك بشكل هندسي عربي وبحروف عربية وليست أعجمية، وكانت مهمتك شاقة صعبة وأنت تُؤسس مصدات للرياح المقبلة من كل صوب، وتحاول بلا كلل أن تُحصّن الخيام العربية، وأن تستنهض كل ضمير عربي من أجل فلسطين.
وكان أشد ما واجهت سيدي هم أولئك الذين يُحسبون من أهلك لكنهم أبوا إلا أن يفتحوا نوافذهم للعدو ويديروا ظهرهم لك. كان هذا هو مشروعك في استنهاض الأمة، وكنت تعرف جيدا ما سيواجهك، ليس من الناس الذين صمّوا آذانهم واتهموك بشتى التهم، بل من أولئك الذين فتحوا الشبابيك للعدو فتسربت سمومهم إلى كل زاوية، وباتوا يشتمونك ومن معك في خندق الجهاد.
سلام عليك سيدي أيها القديس المُتعب المُسربل بتراب الوطن، وأنت تخط خطوط الحياة الحرة الكريمة، وتُبيّن طريق الحرية والكرامة بأدق التفاصيل، وبلا ملل… سلام عليك وأنت تبذل الدماء بكرم باذخ وأنت الواهب الناذر.. سلام عليك لأنك كنت دائما تستحضر تاريخ أمتك في كل خطوة وساعة.. سلام عليك وأنت المنفعل غير المُزايد، الذي رسم أجمل لوحة وهو على كرسيه وحيد، وما زال يقاتل… سلام عليك وأنت تنظم أعظم مُعلقات الشعر العربي وتُعلقها على جدران فلسطين والوطن العربي في آخر نبضة قلب..
سلام عليك وأنت تتسربل بالإيمان المنقطع النظير، فكان أقداما إضافية لك، وسيوفا مشرعة بيديك، وجنودا لا يراها إلا أصحاب المبادئ، وزمنا مُضافا فوق حسابات الزمن المعروف. لذلك ألقيت بالحذر على الريح وأغطية الرأس على ألسنة اللهب وأحببت المخاطرة، لأنك تعرف جيدا أن التغيير الجذري لن ينتهي دائما بالفرح، لكن شعبك الذي تولد أجياله جيلا بعد جيل في بوتقة الاضطهاد والقتل والدمار والتهجير والتشرد، يستحق من يسعى لاستعادة عالمهم المسروق من الأعداء.
لقد كانت فلسطين رومانسيتك وجذرك النضالي سيدي، وهذا اكتشاف لا يعرفه إلا المجاهدون، وهو قوة لا تعترف بالسياقات المحددة، وهو اندفاع مطلوب وتجاوز محسوب، وولوج في مواقف “يتجبجب” منها الخائفون. ولذا اختلفوا معك واتهموك وحاربوك وحاصروك وجعلوك من غير المرغوب فيهم… كانوا يريدونك أن تسير في الزوايا وعلى حافات الطرق، وأن يُلقنوك ما يجب أن تقول فتعطي على قدر ما تأخذ ولا تضيف، لكنك لا تحب الظلال الرمادية، ولا أنصاف الحلول، وأسلحتك ليست كلمات، بل هي أفعال لأنك تؤمن بأن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من كل الكلمات، وها هو نابليون يقول، إذا كنت تريد شيئا جيدا فافعله بنفسك. وسيبقى التاريخ يُروى على أنه قصة رجال عظماء.
فيا أرض فلسطن الحبيبة ها قد جاء شهريارك البطل المُعفّر بالدماء الطاهرة الزكية، فاحتضنيه وضميه إليك بقوة ثم دعيه ينام، ولتكن هذه الليلة أول الليالي في الكتاب الجديد، الذي ستقرأه الأجيال العربية التوّاقة لنهوض جديد من خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وشرحبيل… وسلام على عُمر بن الخطاب وهو يقول (لا أساوي بين من قاتل رسول الله ومن قاتل معه).. وسلام على السنوار وهو الذي قاد قتال الأمة ضد أشرس أعدائها عقودا من السنين، وتجمّعت فيه أرواح شجعانها وفرسانها، فاقتحم المألوف واستفز الجمود الذي ران على الأمة، فصار هديا يُهتدى به، وطريقا سالكا لصُنّاع الحياة الحرة الكريمة، الذين لا يستوحشون السير فيه رغم قلة سالكيه، كما يقول علي بن أبي طالب.. وسلام على أمهاتنا اللائي كُنّ يقُلن ليس في الحياة غنى كغنى الاستشهاد.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال استشهاد السنوار مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة أفكار سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وأنت ت
إقرأ أيضاً:
حدث وأنت نائم| «الرقابة الإدارية» تضبط قضيتي فساد كبرى
شهدت الساعات الماضية، العديد من القضايا والحوادث، التي أثارت الرأي العام، أبرزها النقض تخفف عقوبة شيري هانم وابنتها زمردة لـ عامين مع إلغاء اتهام تسهيل الدعارة، ومصرع وإصابة 16 في تصادم سيارتين بطريق «السويس- القاهرة»، وهيئة الرقابة الإدارية تضبط قضيتي فساد وتؤكد التزامها بشعار «شركاء في حماية مصالح الوطن»، وغيرهم، وسنعرضهم في هذا التقرير.
مصرع وإصابة 16 في تصادم سيارتين بطريق «السويس- القاهرة»شهد طريق السويس القاهرة عند منطقة عجرود، حادث تصادم اسفر عن مصرع 4 أشخاص وأصيب 12 آخرين، تم تقديم التأمين الطبي للمصابين بموقع الحادث ونقلهم إلي المستشفي لتلقي العلاج اللازم.
تلقى مرفق إسعاف السويس بلاغًا من قائدي السيارات على طريق "السويس_ القاهرة" يفيد تصادم سيارة ميكروباص بأخرى نقل مساء اليوم الثلاثاء، نقل أمام مخازن عجرود، ووقوع ضحايا ومصابين إثر الحادث، ووجه الدكتور مينا فوزي مدير مرفق إسعاف السويس 10 سيارات إسعاف لموقع البلاغ لتقديم التأمين الطبي للمصابين.
أفادت المعاينة، أن سيارة ميكروباص يستقلها 14 راكب، اصطدمت بقوة في الشاحنة بسبب السرعة الزائدة وعدم تقدير المسافات، ونتيجة لذلك توفي 4 ركاب داخل السيارة وأصيب 12 آخرين، 9 من ركاب الميكروباص و3 كانوا يستقلون الشاحنة.
وأمر مدير مجمع السويس الطبي برفع درجة الاستعداد لاستقبال المصابين في حادث التصادم، حيث استدعى الأطقم الطبية والأطباء على قسم الطوارئ للتعامل مع الحالات وتشخيص إصابتها فور وصولها تباعا من موقع الحادث.
لقى أمين شرطة مصرعه صدمته سيارة مسرعة، أعلى الطريق الدائري، عند مطلع منطقة أثر النبي، وأخطر اللواء طارق راشد مساعد أول وزير الداخلية لقطاع أمن القاهرة.
تلقى مسؤول غرفة العمليات بالإدارة العامة لمرور القاهرة، إشارة من إدارة شرطة النجدة، بوقوع حادث تصادم ووجود متوفي أعلى الطريق الدائري، عند مطلع منطقة أثر النبي، قبل دقائق معدودة من رفع أذان مغرب رابع أيام شهر رمضان المبارك.
انتقلت الخدمات الأمنية والمرورية إلى مكان البلاغ في إتجاه التجمع، وبالفحص والمعاينة تبين أنه في أثناء عبور أمين شرطة تابع لإدارة المرور، الطريق المشار إليه، صدمته سيارة مسرعة مما أسفر عن مصرعه متأثرًا بجراحه، وتم التحفظ على الجثة تحت تصرف النيابة العامة، وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة، والعرض على النيابة العامة للتحقيق.
هيئة الرقابة الإدارية تضبط قضيتي فساد وتؤكد التزامها بشعار «شركاء في حماية مصالح الوطن»
تمكنت هيئة الرقابة الإدارية من ضبط قضيتين تجسدان وجهين مغايرين للوظيفة العامة الأول لموظف أخل بواجبه الوطني مستغلًا سلطاته للاتجار بالوظيفة بينما جسد الثاني التزام موظف آخر بالنزاهة سارع بالإبلاغ مما ساهم في منع الفساد والحفاظ على سلامة الوظيفة العامة.
في إطار المتابعة المستمرة لمنظومة المشتريات والتعاقدات الحكومية لضمان حوكمة الإجراءات الإدارية وحسن إدارة المال العام والحفاظ عليه، تمكنت الهيئة من رصد تكرار تعامل إحدى الوزارات الخدمية مع مركزين لصيانة سيارات الوزارة بشكل مستمر، وبإجراء التحريات تبين ارتباط مدير إدارة العلاقات العامة بالوزارة بعلاقة تبادل مصالح مع مالكي المركزين وحصوله منهما على مبالغ مالية بشكل دوري مقابل اعتماده لأعمال صيانة سيارات الوزارة لدى المركزين، وبالعرض على المستشار النائب العام، أصدر قرارا بضبط المتهم ومالكي مركزي الصيانة وعرضهم على النيابة المختصة التي أصدرت قرارها بحبسهم على ذمة التحقيقات.
أما على صعيد المشاركة المجتمعية، فقد تلقت الهيئة بلاغا من مهندس تنظيم بأحد أحياء محافظة القاهرة والذي أبلغ عن قيام صاحب معرض سيارات شهير بعرض مبالغ مالية عليه على سبيل الرشوة بالاشتراك مع آخرين مقابل استغلال مهندس التنظيم لسلطات وظيفته والتغاضي عن ارتكاب مخالفات بناء بأحد العقارات المملوكة للراشي، وبالعرض على النيابة العامة أصدرت قرارها بضبط وإحضار المتهمين، حيث تم ضبطهم حال تقديم مبالغ الرشوة وإحالتهم للنيابة المختصة لاستكمال التحقيقات.
وتهيب هيئة الرقابة الإدارية المواطنين بالتصدي والإبلاغ عن وقائع الفساد وعدم الاستجابة أو الانخراط في أي أنشطة وأعمال غير قانونية من شأنها أن تمس هيبة وكرامة الوظيفة العامة أو تعرقل جهود الإصلاح والتنمية التي تصبو إليها الدولة.
جاء ذلك استمرارًا للجهود الوطنية لتطبيق منظومة متكاملة لمنع ومكافحة الفساد قوامها حوكمة الإجراءات وتطوير نظم العمل، وركيزتها الأساسية المشاركة المجتمعية الواعية.
أسدلت محكمة النقض الستار على قضية شيري هانم وزمردة، حيث أودعت حيثيات حكمها وألغت العقوبات المتعلقة باتهام تسهيل الدعارة واعتيادها، مكتفيةً بعقوبة الحبس لمدة عامين فقط في قضية الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء، وذلك بعد قبول الطعن المقدم على الحكم السابق الذي قضى بحبسهما ست سنوات، وخُفف استئنافيًا إلى خمس سنوات مع المراقبة لمدة ثلاث سنوات.
وجاء في مذكرة الطعن التي تقدم بها الدكتور هاني سامح المحامي أن الحكم المطعون عليه شابه العديد من العيوب القانونية، من بينها الاعتماد على أدلة إلكترونية غير مستوفية للشروط القانونية، حيث استندت القضية إلى فلاشة قدمها ضابط الواقعة دون أن يتم فحصها فنيًا من الجهة المختصة، وهي هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وهي الجهة الرسمية الوحيدة المعنية بالتأكد من صحة الأدلة الرقمية ومصداقيتها وفقًا للقانون.
كما دفع المحامي ببطلان التحقيقات التي أجريت مع المتهمتين، مؤكدًا أنها تمت في غياب محامٍ، وهو ما يخالف نصوص الدستور وقانون الإجراءات الجنائية، الذي يشترط حضور محامٍ في الجرائم التي تستوجب الحبس الوجوبي، مما يعني أن الإجراءات التي استند إليها الحكم السابق قد شابها البطلان.
أما بخصوص اتهام الدعارة، فقد استند الطعن إلى أن إثبات مثل هذه الجرائم يتطلب معايير صارمة وفقًا للقانون والشريعة الإسلامية، حيث أشار هاني سامح إلى أن الدستور يلزم القاضي بالاحتكام إلى الأحكام الشرعية القاطعة في قضايا العرض والأخلاق، والتي تشترط وجود أربعة شهود عدول رأوا الواقعة بشكل مباشر، وهو ما لم يتحقق في هذه القضية، كما أن القانون الجنائي يستلزم وجود أدلة قاطعة على الجريمة، وهي أمور لم تُثبت ضد المتهمتين، مما دفع المحكمة إلى إلغاء العقوبة المتعلقة بهذه التهمة.
كذلك، شكك الطعن في توصيف القضية، حيث أكد أن الألفاظ البذيئة مهما بلغت فحشها لا تعد فعلًا فاضحًا وفقًا لما استقرت عليه أحكام محكمة النقض، التي تشترط لوقوع هذه الجريمة وجود فعل مادي يخدش الحياء العام، وهو ما لم يتحقق في هذه القضية، مما كان كفيلًا بإعادة التكييف القانوني للحكم.
وجاء هذا الحكم ليضع حدًا لأحد أكثر القضايا المثيرة للجدل، أكد فيها هاني سامح على أهمية الالتزام بالإجراءات القانونية السليمة في تقديم الأدلة، واحترام المعايير الدستورية في القضايا الأخلاقية، خاصة في ظل التطورات المتعلقة بالأدلة الرقمية وأثرها في القضايا الجنائية.
اقرأ أيضاًننشر خريطة الزحام المروري في أغلب طرق القاهرة والجيزة
إصابات وقنابل دخان.. برلمان صربيا يتحول إلى "ساحة معركة"(فيديو)