التنظيم الموازي في تركيا هل يتفكك بعد وفاة مؤسسه غولن؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
بالإعلان عن وفاة فتح الله غولن – رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة وزعيم جماعة الخدمة والمتهم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 – تَطوي تركيا صفحة الرجل الذي لعب أدوارًا مختلفة ومتباينة في السياسة الداخلية، تجاوزت كونه إمامًا وخطيبًا.
كان الحضور الأبرز لاسم غولن وسيرته في العالم العربي، صبيحة محاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016، حيث اتهمت الحكومة التركية التنظيم صراحةً بالضلوع في المحاولة، وقالت إن زعيمها الموجود في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا الأميركية، هو المطلوب الأول للمحاكمة.
ولد فتح الله غولن عام 1941 في مدينة أرضروم، شرق تركيا، حيث يغلب التدين على سكان تلك المناطق، وهو الأمر الذي لم يشذّ عنه غولن، فنشأ في أسرة متدينة، وفرت له فرص التعلم الديني، ما مكّنه من الاطلاع على العلوم الدينية، وخاصة رسائل النور، لمؤلفها الصوفي المعروف، بديع الزمان سعيد النورسي.
بالحديث عن المحطات المؤثرة، سواء المكانية منها أو الزمانية في حياة غولن، يلاحظ أنها تشكلت في تحيزات مكانية، وأوقات زمانية، تبدو مضادة لأفكار الرجل وتوجهاته المحافظة ظاهريًا!
فبعيدًا عن المحاضن التقليدية للمحافظين الأتراك، ومن ولاية إزمير، المعروفة بعِلمانيتها اللائكية، سطع نَجم "غولن"، حيث عمل إمامًا لأحد مساجدها، ومن هناك أسس جماعة "الخدمة" عام 1970.
ومن إزمير "العلمانية"، التي سيخرج منها العديد من قادة التنظيم لاحقًا، ستنطلق الجماعة "الدينية" إلى بقية أنحاء تركيا، معتمدة على ما تقوم به من أدوار خدمية واجتماعية، في ضم مزيد من الأعضاء إليها، خاصة من شريحة النخب المتدينة، التي سترى فيها محضنًا روحيًا صوفيًا.
أما من حيث الزمان، فقد كانت الفترة التالية لانقلاب سبتمبر/أيلول 1980 العسكري، هي الفترة الذهبية لغولن وتنظيمه، حيث سمح له قادة الانقلاب بالحركة والانتشار، في وقت ضيقوا فيه على الأطياف اليمينية واليسارية على حد سواء، واعتقلوا وحاكموا عشرات المئات من قادة وأعضاء الجانبين.
ويبدو أن قائد الانقلاب، الجنرال كنعان إيفرين، وبقية مساعديه، كانوا في حاجة إلى ملء الفراغ الروحي بجماعة دينية موثوقٍ فيها، لمواجهة المد الإسلامي المتوقع من الثورة الإسلامية في إيران المجاورة، وأيضًا المد المحتمل إثر انطلاق الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي، كما أن تركيا في ذلك الوقت كانت لا تزال على خط المواجهة مع الخطر الشيوعي وتغلغله الفكري والتنظيمي داخل البلاد، فكانت بحاجة إلى وجود تنظيم ذي خطاب إسلامي يساعد في هذه المهمة.
وهكذا استفاد غولن من قربه من السلطة العسكرية في البلاد، وحمى تنظيمه من تقلبات السياسة، ما أدى إلى تمدده كمًا وكيفًا، فنجا التنظيم من تداعيات انقلاب فبراير/ شباط 1997 الذي أطاح بحكومة زعيم حزب الرفاه المحافظ، نجم الدين أربكان، بل دعا غولن إلى الانسجام والتأقلم مع القرارات العسكرية التي كانت موجهة في الأساس ضد شريحة المتدينيين، واستمر التمدد حتى نعتوه في تركيا باسم "التنظيم الموازي"!
هل يتفكك التنظيم؟مثَّل فتح الله غولن الرمز والأيقونة، لتنظيمه وأتباعه، فقد شكلت كتبه وأفكاره، وخطبه – حيث كان خطيبًا مفوهًا – عقل ووجدان هؤلاء الأتباع داخل تركيا وخارجها.
لذا فإن رحيله اليوم سيمثل ضربة معنوية ورمزية مهمة، أما على مستوى التنظيم وتماسكه فهذا سيتوقف على الطريقة التي سيتم بها انتقال القيادة.
فقد نجحَ التنظيم في مدّ فروعه، من تركيا إلى دول آسيا الوسطى، وأوروبا، والولايات المتحدة، وأميركا اللاتينية، وأفريقيا، من خلال شبكة واسعة من المدارس والمؤسسات الخدمية والثقافية، إضافة إلى استثمارات تقدر بمليارات الدولارات.
ورغم أن مؤسسات التنظيم تعرضت للإغلاق في العديد من الدول، بفضل الجهود الدبلوماسية للحكومة التركية، فإن نشاطاته لا تزال موجودة في دول أخرى.
ومن هنا فإنه لا يتوقع أن يتلاشى التنظيم فجأة، لكنه قد يتعرض للتشظي والانقسام؛ بسبب الصراع على خلافة غولن، والسيطرة على الإمبراطورية المالية المترامية الأطراف.
فالسؤال عن "خليفة غولن"، كان مطروحًا داخل تركيا خلال الأشهر الماضية، خاصة مع كثرة الشائعات المتكررة آنذاك عن وفاته.
ففي قائمة الخلافة المتوقعة، تبرز أسماء، مثل: مصطفى أوزجان، الذي بدأ عمله واعظًا في الشؤون الدينية من إزمير، وهو الآن خارج تركيا، ويسيطر على المصادر المالية للتنظيم، مما يمنحه قوة داخلية كبيرة.
أيضًا هناك اسم جودت تركيولو، الذي يوصف بالصندوق الأسود لغولن، وكان مسؤولًا عن حمايته، لكنه ليس محبوبًا داخل التنظيم، ويواجه اتهامات منذ فترة طويلة بالفساد والإثراء غير المشروع من خلال أموال التنظيم.
وبجانب أسماء أخرى، مثل: عثمان شيمشك، وأكرم دومانلي، المسؤولَين عن إدارة ملف مواقع التواصل الاجتماعي، يوجد اسم مسؤول التنظيم في أوروبا، عبد الله آيمز، الذي يهدد منذ فترة بفصل الجناح الأوروبي للجماعة، عن الجناح الأميركي، لعدم رضائه عن الدور الذي يؤديه جودت تركيولو داخل التنظيم.
لكن مما ينبغي الإشارة إليه، أن هياكل التنظيم، تخضع لسيطرة واسعة من أجهزة استخبارات الدول التي توجد فيها، وخاصة في الولايات المتحدة، ودول أوروبا، وفي مقدمتها ألمانيا، وقد لا تسمح تلك الدول بانفراط عقد التنظيم على هذا النحو؛ تحسبًا لاستخدامه ضد تركيا، في ظل الاضطراب الكبير الذي يشهده الإقليم الآن.
هل ثمة تغير في الداخل التركي؟لا يهدأ الحديث في تركيا عن تنظيم غولن، وإمكانية استعادته قوته مرة أخرى، ومدى تأثير ذلك على الاستقرار الداخلي، أو إمكانية تدبير التنظيم انقلابًا مرة أخرى.
في موازاة ذلك، لا تتوقف الحملات الأمنية، ضد أعضاء التنظيم، والتي قد تشمل في بعض الأحيان، أسماء بارزة داخل هياكل الدولة.
وهذا ما يعكس خطورة التنظيم، ويؤكد أن تركيا لا تزال تحتاج إلى مزيد من الوقت لإعلان القضاء التام عليه داخل البلاد.
من هنا قد تلعب وفاة زعيم الجماعة، دورًا مهمًا في تسريع التفكيك النهائي للتنظيم، إذا ما اضطربت أوضاعه الداخلية، أو فشل خلفاؤه في ملء الفراغ الروحي الذي سيتركه لدى أتباعه.
العلاقات التركية الأميركيةمنذ فشل محاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016، يمثل ملف فتح الله غولن، إحدى نقاط التوتر بين تركيا والولايات المتحدة، مع إلحاح أنقرة المتكرر والدائم على ضرورة تسلُّمه لمحاكمته.
لكن الولايات المتحدة قابلت تلك الطلبات بالرفض، حتى مع تقديم تركيا ملفات موثقة أعدتها وزارة العدل، تثبت تورطه في محاولة الانقلاب، وتسببه في مقتل نحو 250 مواطنًا في تلك الليلة.
الرفض الأميركي امتد من إدارة أوباما الديمقراطية، إلى عهد ترامب الجمهوري، وصولًا إلى الإدارة الحالية، دون أي تغيير في الموقف.
لذا فإن وفاة غولن، قد تلعب دورًا في إزالة سبب التوتر هذا، دون إغفال بقية الأسباب المتسببة في اضطراب علاقة الجانبين.
لكن ذلك سيتوقف، في تقديري، على الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة مع التنظيم في الفترة المقبلة، ومدى استمرارها في احتضان رموزه، ومساهمتها في تخطيه تلك الفترة، وتمريرها دون خسائر تؤثر على بنية التنظيم.
هذا السلوك الأميركي، ستراقبه أنقرة – دونما شك – خلال الفترة المقبلة، لتعيد تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة، ومدى تأثير ملف تنظيم غولن على علاقة الدولتين، حتى بعد وفاة المؤسس والأب الروحي للتنظيم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة محاولة الانقلاب فتح الله غولن
إقرأ أيضاً:
كيف تفوقت تركيا على مصر والولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي؟
نشرت مجلة "ناشونال إنترست" تقريرًا يناقش الدور المتزايد لتركيا في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث نجحت وساطتها بين إثيوبيا والصومال في إنهاء صراع طويل بينهما، بينما يسلط النفوذ التركي المتزايد الضوء على ضعف تأثير كل من مصر الولايات المتحدة في المنطقة مؤخرًا.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن إنهاء تركيا للخصومة التي دامت قرابة عقد من الزمن بين إثيوبيا والصومال يعد تطورًا مرحبًا به من أجل الاستقرار الإقليمي، لكنه يعقد استراتيجية مصر الإقليمية، التي لا تزال منخرطة بفاعلية في هذا النزاع.
وقد أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق ووصفه بأنه "اتفاق تاريخي"، وينص الاتفاق على موافقة إثيوبيا والصومال على "ترك الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية وراء ظهورهما"؛ حيث يمنح الاتفاق إثيوبيا منفذًا بحريًا "موثوقًا وآمنًا ومستدامًا" تحت السيادة الصومالية، في إشارة ضمنية إلى أن أديس أبابا ستلغي اعترافها بدولة أرض الصومال.
وبلغت التوترات بن البلدين ذروتها في كانون الثاني/يناير الماضي عندما أفادت تقارير أن إثيوبيا غير الساحلية أبرمت صفقة مع أرض الصومال لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية مقابل الاعتراف بها، وقد اعتبرت الصومال الصفقة انتهاكًا لسيادتها. أما مصر، المتورطة في نزاعها الخاص مع إثيوبيا حول موارد مياه النيل، فقد دعمت الصومال كجزء من استراتيجيتها الأوسع نطاقًا للضغط على إثيوبيا.
وبحلول شهر آب/ أغسطس الماضي، أفادت التقارير أن مصر نشرت 10 آلاف جندي وأرسلت شحنتين من الأسلحة إلى مقديشو، وأعربت أديس أبابا عن قلقها من وصول القوات والأسلحة، قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في الصومال، وأن الأسلحة قد تقع في أيدي الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب.
وفي مقابلة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكد التزام القاهرة بأمن الصومال بعد استكمال إثيوبيا للمرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي، كما كشف عبد العاطي عن أنه كرر اعتراضه على الإجراء الأحادي الجانب الذي اتخذته إثيوبيا في رسالة إلى مجلس الأمن القومي الموحد، وقد ردت أديس أبابا برسالتها الخاصة إلى مجلس الأمن الدولي، متهمةً مصر بتوجيه تهديدات متكررة باستخدام القوة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أرسلت مصر شحنة أسلحة ثالثة إلى الصومال.
وأضافت المجلة أن العلاقات بين مصر وتركيا شهدت تقاربًا حذرًا في الوقت نفسه؛ حيث استقبل أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنقرة في أيلول/سبتمبر الماضي، في أول زيارة للسيسي إلى تركيا، وكانت العلاقات بين البلدين متوترة منذ سنة 2013 عندما أدان أردوغان الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي ضد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي.
وقد بدأت هذه الديناميكية في التحول سنة 2020 عندما أعاد أردوغان تقييم إستراتيجيته؛ فإصلاح العلاقات مع تركيا قد يساعد على تحييد التهديدات الإقليمية لمصر وتعزيز اقتصادها المتعثر، وبالنسبة لأردوغان، توفر إعادة بناء العلاقات مع القاهرة فرصة لإعادة تأكيد دور تركيا الإقليمي، والسعي إلى الاندماج في منتدى غاز شرق المتوسط.
ومن خلال وساطته مع الصومال وإثيوبيا، وجّه أردوغان ضربة للنفوذ المصري في المنطقة، مما يضطر مصر إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها، وبينما قد يوفر دفء العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعض البدائل، إلا أن نجاح تركيا في هذه الحالة يؤكد قدرتها على التفوق على مصر على الساحة الإقليمية.
إن هذه الصفقة تُظهر تنامي نفوذ أنقرة على الساحة العالمية؛ فقد أوضح أردوغان أنه يرغب في توسيع بصمة تركيا في أفريقيا وخارجها، حتى في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدي، في تذكير بأن تركيا تتحدى بنشاط ديناميكيات القوى التقليدية، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الولايات المتحدة وحلفائها.
وهذه ليست الحالة الوحيدة التي تهيمن فيها تركيا على العناوين الرئيسية، فقد أصبحت تركيا أكثر قوة في الشرق الأوسط الأوسع، وخاصة في سوريا؛ حيث دعمت انتفاضة الثوار الأخيرة التي أسقطت نظام الأسد وفاجأت العالم بأسره، وأظهرت عجز روسيا وإيران عن دعم حليفهما، مما يشير إلى اهتمام تركيا بتأكيد إرادتها في جميع المجالات التي تبدو فيها واشنطن غائبة أو مشتتة للغاية بسبب العملية الانتقالية بين إدارتي بايدن وترامب.
وقالت المجلة إن المناورة التركية يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة، فبينما يتم تهميش منطقة القرن الأفريقي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن المنطقة تبقى ذات أهمية إستراتيجية لمواجهة عدم الاستقرار، وكبح التطرف، وتأمين الطرق البحرية الرئيسية في القارة الأسرع نموًا في العالم.
وبدون وجود إقليمي؛ تخاطر واشنطن بالتنازل عن نفوذها لقوى أخرى، ويمكن للوساطة الفعالة في النزاع على النيل بين مصر وإثيوبيا أن تعيد المصداقية الأمريكية وتحقق الاستقرار في القرن الأفريقي، وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى تعميق التصدعات بين حلفاء الولايات المتحدة، وإضعاف نفوذها في مشهد عالمي يزداد تنافسية ومنح أنقرة فرصة أخرى لتعزيز مكانتها.