صحيفة البلاد:
2025-03-04@05:50:58 GMT

اقتراض

تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT

اقتراض

أشفقت على زيد الذي جاءني وهو يعرج إلى مقر عملي، يطلب مني قرضة حسنة. فقلت له: تعال غداً ريثما أدبِّر لك المبلغ. وفي نفس اليوم توجهت إلى مكتب صديقي عمرو. ولما طلبت منه سلفة إلى نهاية الشهر، سألني: لماذا؟ فقلت له: أريدها سلفة لصديق. فقال: وهل أنت واثق أنه سيعيد المبلغ إليك؟، أجبت بأن السداد مشكوك فيه. فقال لي الصديق الحكيم: ما دمت غير واثق منه، فاعطه نصف المبلغ.

فأصررت على مساعدته بالمبلغ على التمام.

في اليوم التالي، جاءني زيد واستلم السلفة المطلوبة. ثم انتظرت شهرين أو ثلاثة لكي يعود. ثم قلت إنه يمر بظروف صعبة. لكنه اختفى أربع سنوات أو أكثر وكأنما ابتلعته الأرض! وذات ليلة طرق باب منزلي، ففوجئت، ورحبت به، وتناولنا معاً طعاماً خفيفاً. وبعد ذلك، إذا به يطلب سلفة جديدة ضعف السلفة القديمة التي لم يشر إليها من قريب أو بعيد. فاعتذرت إليه بظروف لا تسمح لي بتلبية طلبه. وغادر بيتي دون أن أفتح معه السلفة المنسية. ذلك أني لما أعطيته قبل بضع سنوات، لم آخذ منه سندا بذلك.

وبما أن صاحب الحاجة أرعن، فقد علمت فيما بعد أنه متورط في دين كبير. وقد كان صاحب الدين يطلبه بلا هوادة. لذلك لجأ إلى صديق أعرفه. وقد حكي لي الصديق ما تم معه. قال: جاءني زيد وطلب مني خمسة عشر ألف ريال سلفة. فأظهرت له الموافقة بشرط أن يعيد أولا مبلغ بضعة آلاف كان قد استلفها مني من قبل ونسيها. قال وأخبرته أنه إذا جاء بالمبلغ القديم، فإني على استعداد لتسليفه. وفي اليوم التالي حضر إلى المحل ومعه خمسة آلاف ريال لكي يستلم السلفة الكبيرة، وأول ما وصل، استلمت منه المبلغ، ووضعته في درجي. وسحبت من الدرج سنداً كان قد وقَّعه زيد عند استلامه القرضة السابقة وأعطيته إياه.

ثم قلت له: الحمد لله عادت إليّ فلوسي. وأنا آسف ما عندي لك شي. فغضب زيد وتلون وجهه عدة ألوان. فلم يملك سوى مغادرة المحل.

الاحتيال خصلة مذمومة في كافة الأديان لا في الدين الإسلامي وحده، وقد قرأت في كتاب لعسكري هندوسي قال فيه إن والده حذَّره قبل موته من الاستدانة لأنها كبيرة من الكبائر، أما عندنا في الشريعة الإسلامية، فإنه ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه. ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله”. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت جنازة للصلاة عليها، سأل: هل على الميت دَين؟ فإن قيل لا، صلّى عليها صلاة الجنازة، وإن قيل نعم عليه دين، قال صلُّوا على صاحبكم.

المصدر: صحيفة البلاد

إقرأ أيضاً:

الصوم والمطعوم

أثار عجبي وأسفي أن محلاً للفول في حارتنا بجدة، أغلق أبوابه قبيل شهر رمضان الحالي. وددت لو كان عندي رقم جوال صاحب المحل، أو أحد العاملين من الجنسية البخارية، الذين كانوا يعملون في ذلك المطعم. لكن لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم. ورمضان هو الموسم الأول لبيع الفول على اختلاف أنواعه. ولذلك تجد محلات الفول والتميس مزدحمة قبل المغرب، بل وتنشأ مماحكات، وربما مضاربات بين الزبائن المتسابقين للحصول على هذا الإدام، إلا إذا كان الفوَّال حازماً، فلا يسمح لأحد الزبائن أن يغتصب مكاناً في الطابور متقدماً عن مكانه. وأهل لحج بالقرب من عدن عندهم مثل يقول: “أمرك ولا أمر الجليحي”. والجليحي كان فوّالا شهيرا هناك، والويل لمن يتقدم في الصف عمن سبقه من الزبائن.
وقد انتقلت محبة الفول إلى المناطق الأخرى، حتى لقد قيل أن شاباً سافر إلى الرياض ليعمل هناك، وكان له حاسد، يشكوه إلى أبيه في البادية كلما لقي مسافراً. وفي آخر رسالة قال الحاسد: وإن كنت لا تصدقني ترى ابنك صار يفطر على الفول. تعجب الوالد وقرر أن يزور ولده في الرياض. وهناك قدم الولد لأبيه الفطور فأكل منه وأعجبه. فسأل ابنه: ما هذا؟ فقال له: هذا يسمونه الفول. فقال الأب: إذا كان هذا هو الفول فأطعمنا منه كل يوم.
والفول طعام الفقراء بسبب رخصه، إذ لا تسمح لهم ظروفهم المادية بشراء اللحم أو حتى الدجاج. وكان طلبة الجامع الأزهر الفقراء يعيشون عليه ليلا ونهارا. وقال اللغوي الكبير الأستاذ أبو تراب الظاهري -رحمه الله-: إن الفول هو الذي يساعد هؤلاء الطلبة المعدمين على تفكيك معضلات المتون والحواشي التي يطالعونها. ولولا الفول ما نجحوا في فهمها لأن الفول يفتق الأذهان كما قال.
وقد نظم الشيخ السوري محمد الحامد رحمه الله قصيدة طريفة في هذا المطعوم الشهي اخترت منها قوله:
ألا يا محبّ الفولِ أصغِ لقولتي
فقد صار هذا الفولُ موضعَ فتنتي
يسيلُ لعابي إن شممْتُ عبيره ويخذلُني صبري وتضعفُ قوتي
وعينيِ قرّتْ مذ رأتْنيَ مقبلا
عليه بقلب صـــــادق وبهمّـــــة
ففولٌ فؤولٌ فاحترس من تشاؤمٍ فإن اسمه يقضي بحسن المظنةِ
فكُلهُ بليمونٍ وزيت طحينـــة وثوم وفجل واصطحبه بشــطةِ
ألا ليت شعري هل أدوم مصاحبا له
إن بُعدي عنه يسفك عبرتي
عسى قدرة الفوال يعبق ريحها فيظهر فضل الفول في كل بقعةِ
لقد أحببت الترويح عن القراء في شهر التراويح. لكن المهم أن نتفقد بعين المرحمة إلعاجزين عن توفير اللحم أو حتى الفول لأهليهم في هذا الشهر الكريم، فنكرمهم ممّا أفاء الله علينا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان.

مقالات مشابهة

  • الصوم والمطعوم
  • وأحسنوا
  • النائب السابق أنطوان سعد في ذمة الله
  • قرار جديد بشأن عاطل وربة منزل بتهمة السرقة في النزهة
  • تمويلات جديدة لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن
  • عون في الرياض: سلفة محدودة بانفراجات اقتصادية وسياسية!
  • فرصة للتغيير
  • بالصورة.. راجمة صواريخ في بيروت!
  • حزب الله كاد يصل إلى حيفا.. مفاجأة إسرائيلية
  • رجل يُصبح الأغنى في العالم لـ90 دقيقة!