ملتقى الموارد البشرية 2024 يناقش الاتجاهات العالمية حول إدارة المواهب
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
نظّمت دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي، اليوم الدورة الثالثة من “ملتقى الموارد البشرية” لعام 2024، تحت شعار “إدارة المواهب ومستقبل الموارد البشرية” بحضور معالي الدكتور سلطان بن سيف النيادي، وزير الدولة لشؤون الشباب.
كما حضر الملتقى سعادة عبدالله علي بن زايد الفلاسي، مدير عام دائرة الموارد البشرية لحكومة دبي، وعبد العزيز الجزيري، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل والرئيس التنفيذي للعمليات في مؤسسة دبي للمستقبل، وعوض المر، مدير إدارة الموارد البشرية والرئيس التنفيذي للذكاء الإصطناعي في الهيئة الإتحادية للرقابة النووية، ومديرو الإدارات ورؤساء الأقسام والمختصون في الموارد البشرية في حكومة دبي، وذلك في فندق سوفيتل ذا أوبليسك دبي.
ويهدف الملتقى إلى مناقشة أبرز الاتجاهات العالمية حول إدارة المواهب ومستقبل الموارد البشرية، وما يرتبط بها من ممارسات واتجاهات جديدة، تسهم في تعزيز وصقل مهارات وكفاءات مديري الإدارات ورؤساء الأقسام والمختصين في الموارد البشرية في حكومة دبي، في ظلّ التحولات التكنولوجية السريعة، وبالأخصّ الذكاء الاصطناعي.
وأكد الفلاسي، أن ملتقى الموارد البشرية يمُثل منصة متكاملة انطلقت من حرص الدائرة المتواصل على تعزيز مهارات ومعارف الكوادر البشرية الوطنية والارتقاء بمستوياتهم المهنية والمعرفية كما يعكس التزامها برعاية المواهب المبتكرة، والعقول المتميزة، وذلك بما يخدم التوجهات الاستراتيجية لحكومة دبي في إعداد كوادر عالية الكفاءة والمرونة والجاهزية للمستقبل، تُسهم في ترسيخ تطلّعات ورؤية القيادة الرشيدة لتكون دبي المدينة الأذكى عالمياً والأفضل للعيش والعمل والزيارة.
وقال إن الملتقى الثالث للموارد البشرية لعام 2024، يطرح مفاهيم إدارة المواهب ومستقبل الموارد البشرية للمناقشة وتبادل الآراء للتعرف على أبرز التوجهات المستقبلية والأكثر فاعلية في تطوير أصحاب المواهب من الموظفين، وصقل مهاراتهم ومعارفهم، ليس ليكونوا أكثر تميزا وفاعلية وإنتاجية فحسب، بل لتكوينهم وإعدادهم كخبرات تنافسية ضمن سوق العمل في ظلّ عصر الذكاء الاصطناعي والتحولات التكنولوجية الرقمية المتسارعة، وكيفية استغلال الفرص المُتاحة في صياغة مسارات جديدة تُحفّزهم على النمو والتطوّر.
وضمن أجندة الملتقى، استعرض معالي الدكتور سلطان بن سيف النيادي، وزير الدولة لشؤون الشباب، “قصة نجاح رائد الفضاء الإماراتي”، حيث تطرّق إلى تجربته الشخصية الرائدة ورحلته إلى الفضاء التي خلدت اسم الإمارات في مصاف الدول التي حققت إنجازاتٍ رائدة في مجال الفضاء وذلك بإنجازها المتميز لأطول مهمة فضائية في تاريخ العرب امتدت لـ 6 أشهر.
وتحدّث عن الرؤية المتكاملة للقيادة الرشيدة في دعم البرنامج الفضائي للدولة، وإيمانها بالمواهب والعقول الإماراتية، وحرصها على تسخير كافة وسائل الدعم، وتطويع الإمكانات لتطويرها والارتقاء بمستوياتها المعرفية والعلمية لتمثل الدولة خير تمثيل.
كما قدم الجزيري، أبرز التوجهات الحديثة في عملية إدارة ورعاية المواهب، وما الأثر الذي تركه الذكاء الاصطناعي على مفاهيم تلك العملية.. وتناول في مستهل حديثه خلال الجلسة، كيفية الاستفادة المُثلى من تقنيات الذكاء الاصطناعي والفرص التي يوفرها لتصميم برامج ومبادرات نوعية، وتوظيفها في تعزيز قدرات الكوادر البشرية وأصحاب المواهب، وتطوير مهاراتهم، وتنمية معارفهم، وتجهيزهم بفاعلية أكبر لمواكب المتغيرات الحالية والمستقبلية.
إلى جانب ذلك، تحدث المر، في جلسة “مستقبل إدارة المواهب: الاستعداد لقوى العمل المدفوعة بالتكنولوجيا الرقمية”، عن التوجهات المستقبلية في إعداد الكوادر البشرية وتجهيزها بالأدوات والمعارف اللازمة، وعلى رأسها المعارف والخبرات الرقمية التي تُتيح لها الاستعداد الكامل للمنافسة في سوق العمل. علاوةً على ذلك، تناول أهمية اكتساب الكوادر البشرية العاملة المرونة والقدرة على التأقلم مع ما يشهده العالم من متغيرات تكنولوجية ورقمية تستلزم إيجاد مفاهيم جديدة لاكتشاف المواهب والعقول والتطلع إلى احتياجاتها وتنميتها بالأسلوب الأمثل.
وضمن حلقة نقاشية بعنوان “إدارة المواهب ومستقبل الموارد البشرية” شارك فيها كل من الدكتور ابراهيم الخاجة، مدير إدارة الموارد البشرية في “جمارك أبوظبي”، والسيدة ديالا جرار، مدير القطاع الحكومي في لينكدإن، والسيدة وداد بوهناد، مدير إدارة الموارد البشرية في “النيابة العامة”، والسيد ليث النجار، مدير المشاريع التحويلية في إدارة الموارد البشرية في شركة أوراكل”، تناول المشاركون الملامح المستقبلية لقطاع الموارد البشرية، وما الشكل الذي سكون عليه هيكل عملية إدارة المواهب، وأبرز ممارساتها.
كما استعرض المتحدثون لمحة عن الدروس المستفادة من أفضل الممارسات الحالية التي تُشكل ملامح المسارات المستقبلية لقطاع الموارد البشرية وما يرتبط به من عمليات.
ويعكس انعقاد الملتقى جهود الدائرة المبذولة والتزامها الكامل بتمكين العنصر البشري وتعزيز مهارات القوى العاملة، إعداد كفاءات متخصصة تدعم التقدم في عصر الذكاء الاصطناعي وتعزز مسيرة الابتكار على المستوى العالمي، كضرورة حتمية لضمان استدامة النمو والتنافسية في سوق العمل ومواكبة المتغيرات المستقبلية المتسارعة عالميا.وام
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي الفائق.. ابتكار ينقذ البشرية أم سلاح للفناء؟
منذ أن نحت الإنسان أول أداة بيديه في العصر الحجري القديم كان عقله هو القوة المحرّكة وراء كل خطوة نحو التقدم. هذا العقل الذي ابتكر الاختراعات، وكتب الأدب، واكتشف أسرار الكون، لطالما اعتُبر أعظم أسرار البشرية والنواة التي ينبثق منها التفوق الفكري والابتكار.
لكن اليوم، وفي عصرنا الحديث، يواجه هذا العقل تحديا غير مسبوق، فهل يمكن للآلة أن تتجاوزه وتصبح أكثر ذكاء وإبداعا؟
مصطلح "الذكاء الفائق" لا يشير فقط إلى ذكاء اصطناعي يضاهي العقل البشري، بل إلى منظومة تتفوق عليه في جميع المجالات التي يمكن تصورها. هذه الفكرة التي تحمل بين طياتها وعودا مذهلة ومخاطر مخيفة، تثير أسئلة عميقة حول مستقبل الإنسان في عالم قد تصبح فيه الآلة سيدة الموقف.
ما الذكاء الفائق؟ظهرت فكرة الذكاء الفائق ظهورا بارزا من خلال أعمال أكاديمية أثارت جدلا عالميا. ففي عام 2014، نشر الفيلسوف البريطاني نيك بوستروم، الذي يعمل في جامعة أكسفورد في مجال المخاطر الوجودية وارتباطها بالتقنية وأثرها في الأخلاقيات البشرية، كتابا عن مستقبل الذكاء الاصطناعي بعنوان مثير للقلق "الذكاء الفائق.. المسارات والمخاطر والإستراتيجيات".
أسهم هذا الكتاب في الترويج بشكل كبير لفكرة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي تفوق قدرات البشر، قد تسيطر يوما ما على العالم وتدمر البشرية.
إعلانوبعد عقد من الزمن، صرح سان ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" بأن الذكاء الفائق قد يكون على بعد بضعة آلاف من الأيام فقط.
وقبل عام، أسس إيليا سوتسكيفر، الشريك المؤسس لـ"أوبن إيه آي"، فريقا داخل الشركة للتركيز على "الذكاء الفائق الآمن"، لكنه وفريقه قد جمعوا الآن مليار دولار لإنشاء شركة ناشئة خاصة بهم لتحقيق هذا الهدف. ولكن ما الذي يتحدثون عنه تحديدا؟
وفقا لتقرير نشره موقع "ميديوم" (Meduim)، يعدّ الذكاء الاصطناعي الفائق "إيه إس آي" (ASI) نموذجا افتراضيا يتجاوز حدود الذكاء البشري، لا بمجرد تقليده، بل بتفوقه علينا في كل جانب يمكن تصوره. إنه بمثابة ذكاء اصطناعي يفوق ذكاء البشرية جمعاء.
إذن، ما الذي يجعل الذكاء الفائق موضع اهتمام عالمي؟ الإجابة تكمن في إمكانياته غير المحدودة. لنتعرف على بعض التطبيقات المستقبلية المحتملة التي قد تعيد تشكيل مسار الحضارة البشرية:
– حلّال المشكلات الشامل: اجتياز جميع اختبارات الشهادات المهنية بسهولة.
– عبقري التنبؤ: التنبؤ بدقة بأسواق الأسهم أو الكوارث الطبيعية.
– المهندس المبتكر: تصميم مصعد فضائي، وابتكار مواد جديدة في الوقت الحقيقي.
– الحارس الكوني: تطوير حلول لحماية الأرض من التهديدات الكونية المستقبلية مثل توسع الشمس.
– الفيلسوف الأعظم: فك ألغاز نشأة الكون والتنبؤ بمصيره النهائي.
لكن ما يميز الذكاء الاصطناعي الفائق هو قدرته على الذهاب إلى ما هو أبعد من هذه الإنجازات. فهو قادر على مواجهة تحديات لم تطرح بعد، وإحداث ثورة في الرعاية الصحية من خلال القضاء على الأمراض، وحل أزمة تغير المناخ، وحتى تمكيننا من اكتشاف مجرات لم نرها إلا في أحلامنا. كما أن حدود السماء أصبحت شيئا من الماضي، فالكون بأسره بات المسرح الجديد.
على الرغم من أن هذه القدرات تبدو واعدة، فإن الطريق نحو الذكاء الفائق ما زال مليئا بالتحديات. ولنفهم مدى قربنا من تحقيق هذا الهدف، نحتاج إلى مقارنة الأنظمة الحالية مع مفهوم الذكاء الفائق.
إعلانفي الوقت الحالي نحن نعمل مع الذكاء الاصطناعي الضيق "إيه إن آي" (ANI)، المعروف أيضا بالذكاء الاصطناعي الضعيف. هذه الأنظمة مصممة لأداء مهام محددة مثل المساعدات الصوتية، وخوارزميات التوصية، أو حتى الذكاء الاصطناعي الذي يهزمنا في الشطرنج، وهي أنظمة جيدة في ما تفعله لكنها لا تمتلك ذكاء عاما.
في هذا السياق، طورت عالمة الحاسوب الأميركية ميريديث رينجل موريس وزملاؤها في "غوغل" طريقة للتفكير في مستويات وأنواع الذكاء المختلفة في الذكاء الاصطناعي، حيث تضمن إطارهم ستة مستويات من أداء الذكاء الاصطناعي وهي: من دون ذكاء اصطناعي، والذكاء الاصطناعي الناشئ، والذكاء الاصطناعي الكفء، والخبير، والبارع، والفائق الذكاء.
كما ميّزوا بين الأنظمة الضيقة التي يمكنها تنفيذ مجموعة محدودة من المهام والأنظمة الأكثر عمومية، وشرحوا في ورقة بحثهم أن ثمة بالفعل العديدَ من أنظمة الذكاء الاصطناعي الضيقة الناجحة للغاية.
على سبيل المثال، تشير موريس إلى برنامج الشطرنج "ديب بلو" (Deep Blue) الذي هزم بطل العالم غاري كاسباروف عام 1997 بوصفه نموذج نظام ذكاء اصطناعي ضيق في مستوى "بارع".
من جهة مماثلة، تمتلك بعض الأنظمة الضيقة قدرات تفوق قدرات البشر، على سبيل المثال "ألفا فولد" (Alphafold)، الذي يستخدم التعلم الآلي للتنبؤ ببنية جزيئات البروتين، وقد حصل مبتكروه على جائزة نوبل في الكيمياء هذا العام.
أما عن الأنظمة العامة، فهي البرمجيات التي يمكنها التعامل مع مجموعة أوسع بكثير من المهام بما في ذلك تعلم مهارات جديدة.
والنظام العام الذي لا يعتمد على الذكاء الاصطناعي قد يكون شيئا مثل "ميكانيكل ترك" (Mechanical Turk) من أمازون الذي يمكنه تنفيذ مجموعة واسعة من المهام، لكنه لا يفعل ذلك من خلال الاستعانة بأشخاص حقيقيين.
بوجه عام، تعد أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة أقل تقدما بكثير من نظيراتها الضيقة. ووفقا لموريس، فإن نماذج اللغة المتقدمة التي تدعم روبوتات المحادثة مثل "شات جي بي تي" تعد ذكاء اصطناعيا عامّا، لكنها حتى الآن في مستوى "ناشئ"، أي أنها مساوية أو أفضل قليلا من إنسان غير ماهر، ولم تصل بعد إلى مستوى "كفء"، أي جيدة مثل 50% من البالغين المهرة.
إعلانووفقا لهذا التقييم من موريس وزملاؤها، ما زلنا بعيدين عن تحقيق الذكاء الفائق العام.
ما مدى ذكاء الذكاء الاصطناعي الحالي؟ وما الذي يمنعه من التطور؟مثلما أشارت موريس، فإن تحديد ذكاء أي نظام معين بدقة يعتمد على وجود اختبارات أو معايير موثوقة.
ووفقا للمعايير المستخدمة في ورقة البحث، قد يكون نظام توليد الصور مثل "دال إي" (DALL-E) في مستوى "بارع" لأنه يمكنه إنتاج صور لا يستطيع 99% من البشر رسمها أو تصميمها، أو قد يعتبر في مستوى "ناشئ" لأنه يرتكب أخطاء لا يقع فيها البشر، مثل رسم أيدٍ مشوّهة، أو كائنات مستحيلة.
في السياق نفسه، هناك جدل كبير حول قدرات الأنظمة الحالية، على سبيل المثال، أشار بحث بارز نشر في عام 2023 إلى أن "جي بي تي 4" (GPT-4) أظهر إشارات من الذكاء الاصطناعي العام.
من جانبها، تؤكد "أوبن إيه آي" أن نموذجها اللغوي الجديد "أو 1" (o1) قادر على تنفيذ استنتاجات معقدة ومنافسة أداء الخبراء البشريين في العديد من الاختبارات.
لكن دراسة جديدة أجراها باحثون في "آبل" كشفت أن نموذج "أو 1″، إلى جانب نماذج لغوية أخرى، يواجه تحديات كبيرة في حل مسائل الاستدلال الرياضي الحقيقي.
إذ تشير تجاربهم إلى أن مخرجات هذه النماذج تبدو أشبه بعملية مطابقة أنماط متقدمة أكثر من كونها استدلالا منطقيا حقيقيا، مما يوضح أن الذكاء الفائق ليس قريبا بالقدر الذي يعتقده البعض.
هل استمرار الذكاء الاصطناعي في التطور سيجعلنا نشهد ظهور الذكاء الفائق؟بحسب تقرير موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation)، فإن هناك من يعتقد أن وتيرة التطور السريعة للذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة الماضية ستستمر، وربما تتسارع، حيث إن شركات التكنولوجيا اليوم تستثمر مئات المليارات من الدولارات في تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي وبناء بنيته التحتية، لذا فإن هذا الاحتمال ليس مستبعدا.
وإذا تحقق ذلك، فقد نشهد بالفعل ظهور الذكاء الفائق العام خلال بضعة آلاف من الأيام، كما توقع سام ألتمان. وقد أشار إيليا سوتسكيفر وفريقه أيضا إلى إطار زمني مشابه في مقالهم حول "محاذاة الذكاء الفائق".
إعلانفي سياق مماثل، جاءت العديد من النجاحات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي من تطبيق تقنية تعرف بـ"التعلم العميق"، التي تعتمد بشكل مبسط على إيجاد أنماط ارتباطية في مجموعات ضخمة من البيانات.
يذكر أن جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام منحت لجون هوبفيلد وعرّاب الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون لاختراعهما "شبكات هوبفيلد " (Hopfield Networks) وآلات "بولتزمان" (Boltzmann)، التي تعد الأساس للعديد من نماذج التعلم العميق القوية المستخدمة اليوم.
تعتمد الأنظمة العامة مثل "شات جي بي تي" على البيانات التي ينتجها البشر، ومعظمها نصوص مأخوذة من الكتب والمواقع الإلكترونية، وقد تحسنت قدراتها بشكل كبير بالفعل من خلال زيادة حجم هذه الأنظمة، وزيادة كمية البيانات التي تدرّب عليها.
ورغم ذلك ورغم الجهود المبذولة لاستخدام البيانات بكفاءة أكبر، وتوليد بيانات اصطناعية، وتحسين نقل المهارات بين المجالات المختلفة، فإنه قد لا يكون هناك ما يكفي من البيانات التي ينتجها البشر لمواصلة هذا التقدم بشكل كبير.
وحتى لو توفرت البيانات، يشير بعض الباحثين في تقرير نشرته "فايننشال تايمز" (Financial Times) إلى أن نماذج اللغة مثل "شات جي بي تي" غير قادرة بطبيعتها على الوصول إلى ما تسميها موريس "الكفاءة العامة".
الذكاء الفائق والانفتاح على الاحتمالاتأشارت ورقة بحثية إلى أن السمة الأساسية للذكاء الفائق ستكون "الانفتاح على الاحتمالات" (Open Endedness) على الأقل من منظور بشري، إذ يجب أن يكون قادرا على إنتاج مخرجات جديدة باستمرار ينظر إليها من قبل البشر على أنها مبتكرة، مع القدرة على التعلم من تلك المخرجات.
لأن النماذج الأساسية الحالية ليست مدربة بطريقة مفتوحة الاحتمالات، والأنظمة المفتوحة الحالية محدودة النطاق للغاية.
إعلانكما تسلط الورقة الضوء أيضا على أن الابتكار أو قابلية التعلم بمفردهما ليسا كافيين، وهناك حاجة إلى نوع جديد من النماذج الأساسية المفتوحة لتحقيق الذكاء الفائق.
ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لمخاطر الذكاء الاصطناعي؟صحيح أنه على المدى القصير على الأقل لا حاجة للقلق بشأن سيطرة ذكاء اصطناعي فائق على العالم، لكن هذا لا يعني أن الذكاء الاصطناعي لا يشكل مخاطر.
مرة أخرى، تناولت موريس وزملاؤها هذه المسألة بعناية، إذ أوضحت أنه مع اكتساب أنظمة الذكاء الاصطناعي قدرات كبيرة، قد تكتسب أيضا قدرا أكبر من الاستقلالية.
وتختلف المخاطر بناء على مستويات القدرة والاستقلالية المختلفة. على سبيل المثال، عندما تكون لأنظمة الذكاء الاصطناعي استقلالية محدودة ويستخدمها البشر كنوع من المستشارين، مثل أن نطلب من "شات جي بي تي" تلخيص مستندات، أو ندع خوارزمية "يوتيوب" تؤثر على عادات المشاهدة لدينا، قد نواجه خطر الثقة الزائدة والاعتماد المفرط عليها.
في الوقت نفسه، تشير موريس إلى مخاطر أخرى يجب الانتباه لها مع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، بدءا من تكوين الناس علاقات اجتماعية وهمية مع الأنظمة الذكية، وصولا إلى الإزاحة الجماعية للوظائف، وانتشار الشعور بالركود، أو فقدان الهدف على مستوى المجتمع.
هل يمكن أن يكون الذكاء الفائق أداة للاستبداد؟في مقابلة مع الجزيرة نت في عام 2021، أشار نيك بوستروم إلى أن بعض الحكومات قد تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل يتيح لها سيطرة دقيقة على السكان.
وأوضح أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تستفيد من مجموعات البيانات الضخمة وكمية كبيرة من الحوسبة، مما يمكن بعض الحكومات من إنشاء أشكال أكثر كفاءة للمراقبة، سواء في الفضاء المادي من خلال كاميرات المراقبة، أو في الفضاء الإلكتروني من خلال تحليل المشاعر على الشبكات الاجتماعية، أو حتى من خلال تحليل المحادثات الهاتفية والمعاملات المالية.
كما أضاف بوستروم أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم أيضا في تعزيز الأنظمة الديمقراطية، إذا تم استخدامه بشكل صحيح. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم في تحسين الوصول إلى المعلومات لمساعدة الأفراد في اتخاذ قرارات أكثر وعيا.
إعلان ماذا بعد؟في رحلة البحث عن الذكاء الاصطناعي الفائق، نحن لا نقتصر على مجرد خلق آلة تفوق قدراتنا البشرية، بل نسعى لبناء عالم يعزز إمكانيات الإنسان ويسهم في رفاهيته، وفقما يدعي باحثون.
ربما لا يكون هدفنا النهائي تجاوز الطبيعة البشرية، بل تسخير هذا الذكاء لتحسين حياتنا، وتحريرنا من قيود العمل والضغوط اليومية. ومع تقدم التكنولوجيا، قد نصل إلى لحظة يمكن فيها للأنظمة الذكية أن تعمل بتناغم كما يفعل الجنود المتخصصون في مختلف المجالات.
لكن، ليس من الصعب إدراك أن جعل أي شيء أكثر ذكاء منا قد يكون فكرة مثيرة للقلق. فنحن البشر نعتبر أن ذكاءنا هو ما يسمح لنا بالتحكم في بيئتنا وفي المجالات الأخرى. لذا فإن فكرة وجود شيء آخر أكثر ذكاء منا، سواء كان إنسانا آليا أو كائنا فضائيا، قد تثير شعورا بالفزع أو حتى الإهانة.
ومن المثير أن الإنسان غالبا ما يميل إلى "أنسة" الأشياء، أي إضفاء الصبغة البشرية على أي شيء قد يشاركنا بعض الصفات، وقد اختبرت هذا بنفسي أثناء تفاعلي مع برنامج "سيري" (Siri) على آيفون، حيث شعرت بالإحباط عندما لم يستجب كما توقعت.
وقد أحسن جوهان جيغر في تسميته للذكاء الاصطناعي بـ"التقليد الخوارزمي" (Algorithmic Mimicry)، فهذه الأجهزة لا تتجاوز كونها خوارزميات تحاكي بعض جوانب ذكائنا، لكنها لا تمتلك الفهم العميق الذي نستمده من وجودنا البشري.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لآلة أن تتفوق على ذكاء بشري يتشكل من ثلاثة عوامل أساسية، هي الجسد والبيئة والمجتمع؟ الإجابة على هذا السؤال قد تحدد وجهة البشرية في هذا العصر الذي تتسارع فيه حدود الذكاء الاصطناعي.