بمناسبة الاحتفال بالتراث الثقافي غير المادي.. كيف نحمي هذه الكنوز البشرية في عالم الذكاء الاصطناعي؟
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في كل عام يأتي الحديث عن التراث الثقافي غير المادي ربما تقام له الاحتفالات والمهرجانات وإقامة بعض الورش وتقديم بعض الحرف اليدوية وغيرها من سبل أو أشكال الاحتفال.. ولكن يظل السؤال عالقًا.. هل نحن حقًا نحافظ على ما نحمله من إرث ثقافي يعبر عن الثقافة والهوية الوطنية.. وهل نحن نقدم له التدابير التي تعمل على صون هذا الإرث من خلال عمليات البحث والتنقيب والتوثيق العلمي.
ركيزة أساسية
يُعد التراث الثقافي غير المادي إحدي الركائز الأساسية التي تشكّل الهوية الوطنية وتغنيها، فهو يجسد القيم والتقاليد التي توارثتها الأجيال من جيل على جيل عبر الأزمنة المتعاقبة، فهذا الإرث التي يتنقل بشكل طبيعي من الأجداد إلى الأحفاد عبر التواصل الشفهي تارة وعبر الممارسة العملية تارة أخرى.
ولكن هل نحن فعلاً نعي أو ندرك مدى أهمية الحفاظ على هذه النفائس الثقافية؟ وهل ما تقوم به بعض الجهات كافٍ لضمان استمرارية هويتنا الثقافية في ظل العولمة المتسارعة؟
بل إن ما نحمله من إرث قد يبدو معرضًا للاندثار والخطر وتشويه الهوية في ظل التطور التكنولوجي الهائل وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الميتافيرس وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي .. هل كل تلك الوسائل من الممكن أن تؤثر على ما نحمله من إرث .
قد يبدو أن عملية الاحتفال بالتراث الثقافي غير المادي هو واجب جماعي يتطلب منا جميعًا أن نكون حراسًا لتلك العادات والتقاليد التي تُعبّر عن خصوصيتنا وهويتنا الثقافية، فلا بأس من إقامة بعض الاحتفالات التي تكون فرصة جيدة لتعريف الأجيال الجديدة على الإرث الثقافي وبعض الحرف والمهن التي اندثرت بفعل التطور التاريخي.
ويأتي تنظيم المهرجانات الثقافية التي تستعرض الحرف التقليدية والفنون الشعبية، والتي تُعتبر بمثابة جسورٍ تربط الماضي بالحاضر.
هل يمكن تجاهل هذا الإرث "الكنوز البشرية الحية"؟
ويبقى السؤال كيف نحافظ على هذا الإرث وقد أصبح حاملو التراث والهوية والثقافة، وهم من نطلق عليهم "الكنوز البشرية الحية" والذين يملكون مهارة الصناعة والحرفة اليدوية والتي هرب منها الأحفاد والأبناء نظرًا لصعوبة الحياة أو عدم الحاجة لبعض الأنواع من تلك الحرف او الصناعة؟.
وقد يرحل حاملو الحرفة دون أن يتم توثيقها أو تسجيلها، فيرحل معه مع يحمله من إرث.
ويظل السؤال كيف لنا أن نتجاهل أهمية هذا الإرث في صياغة النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمعات؟، إن الحفاظ على الكنوز البشرية الناقلة لهذا التراث يعد مسئولية جماعية تتطلب تضافر الجهود وتكامل السياسات.
هل نعي قيمة التراث الثقافي غير المادي وما يجسده من أهمية للحفاظ على الهوية الثقافية؟
ألا ينبغي أن نعتبر هؤلاء الأفراد كنوزًا حية، نظرًا لدورهم الحيوي في صون ونقل المعارف التقليدية والفنون الشعبية؟، إنهم يجسدون روح الأمة ويعكسون تاريخها العريق، لذا فإن حمايتهم ودعمهم هو حقاً واجب وطني.
إن التحدي الذي نواجهه اليوم يكمن في كيفية توثيق هذه المعارف ونقلها بفعالية للأجيال الصاعدة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم.
تعزيز السياسات الثقافية
وهنا يجب أن يتخطى حاجز الاحتفال بالتراث الثقافي غير المادي، وإلا يقتصر الاحتفال على القاعات المغلقة أو بعض الندوات والمؤتمرات، والتي إذا خرجت بتوصيات تظل حبيسة بداخل الأدراج، ويجب أن نعمل على تعزيز السياسات الثقافية التي تدعم حماية التراث غير المادي من خلال التعليم والبحث والتوثيق.
كيف يمكن لنا أن نحقق التوازن بين الحفاظ على هذه التقاليد وبين الانفتاح على الحداثة؟ والعمل على تكوين نهج متكامل يربط بين الماضي والحاضر، ويحفز على الابتكار والتجديد دون التفريط في الجذور.
الوعي الجماعي
وإذا كنا نتحدث عن استراتيجية جديدة لبناء الإنسان المصري يجب أن نعمل على زيادة وعي الجماعة الشعبية بأهمية ما يملكه كل فرد من إرث ثقافي متفرد لاسيما وأن مصر تتمتع بإرث ثقافي وحضاري لا يوجد مثيل له، فكل محافظة أو منطقة أو نجع من النجوع المصرية يتميز بإرث حضاري وثقافي يختلف عن ما يجاورها من أماكن.
فالجماعة الشعبية وما تحمله من عادات وتقاليد تميز كل منها، ومن هذا التنوع الكبير، يجب على الدولة تعي بأهمية الحفاظ على الكنوز البشرية الحية خاصة بعض الفنانين الذين يملكون أدوات فنية خاصة كلاعبي الأراجوز، وبعض الحرفيين والنساجين، ومكفتين النحاس، وبعض المهن التي باتت مهددة بالاندثار ولا يوجد منها إلا القليل.
فهؤلاء الكنوز يجب أن يكون لهم مكان وكرسي المُعلم الذي يقوم بتعليم ما يملكه من مهارات وإرث للأجيال الجديدة، حتى نضمن عملية الحفاظ على الهوية، وعلى الأجيال الجديدة أن تحافظ على الإرث وتقوم بدعمه والابتكار والتجديد عليه بما يحافظ على هذا الغرث ويضمن استمراريته.
فإن الأمل في المستقبل يكمن في وعينا الجماعي بأهمية هذا التراث وفي قدرتنا على تحويله إلى مصدر إلهام وتطور. وبهذا، يمكننا أن نضمن نقلاً سلسًا ومستدامًا للثقافة، مما يعزز من شعورنا بالفخر الوطني والانتماء الثقافي، ويؤكد على دورنا كمجتمع في الحفاظ على ثرواتنا اللامادية.
فتمثل عملية الحفاظ على الكنوز البشرية الحية التي تحافظ على التراث بمثابة دعامة أساسية في بناء الهوية الثقافية للأمم. فهي ليست مجرد أفراد يحملون مهارات ومعارف تقليدية، بل هم حراس للذاكرة الجمعية وتجسيد للهوية الوطنية في أبهى صورها. في ظل التحديات العالمية المتزايدة التي تواجهها الثقافات المحلية، يتساءل المرء.
كيف نحمي هذه الكنوز البشرية؟
ولكي نحافظ على هذا الغرث والكنز البشري يجب أولا الاعتراف بأهمية هؤلاء الأفراد، وأن نعمل على دعمهم وتمكينهم من نقل معرفتهم إلى الأجيال القادمة، مع توفير لهم الرعاية الصحية والمادية التي تضمن لهم حياة كريمة، هؤلاء الأفراد يمثلون أملًا حقيقيًا في الحفاظ على التنوع الثقافي الذي يثري النسيج الاجتماعي للأمم.
فهم يذكروننا بضرورة التمسك بجذورنا، في وقت نحتاج فيه بشدة إلى قيادة ثقافية تعزز الفخر الوطني وتعمل على استنهاض الهمم لتحقيق التقدم. كيف يمكن لنا، بتضافر جهودنا، أن نخلق بيئة تحتضن هذه الكنوز وتحميها من الاندثار.
=============
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الكنوز البشرية الكنوز التراث الثقافي غير المادي إرث ثقافي الثقافة والهوية الوطنية التراث الثقافی غیر المادی الحفاظ على هذا الإرث یجب أن من إرث
إقرأ أيضاً:
عظة البابا فرنسيس بمناسبة يوبيل الفنانين وعالم الثقافة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ترأس عميد دائرة الثقافة والتربية الكاردينال تولينتينو دي مندونسا قداساً احتفاليا في البازليك الفاتيكانية نيابة عن البابا فرنسيس وذلك احتفالاً بيوبيل الفنانين وعالم الثقافة،وقد شارك في الاحتفال الديني عدد كبير من الممثلين عن عالم الفن والثقافة قدموا من روما، إيطاليا، ومختلف بلدان العالم خصيصا لهذه المناسبة اليوبيلية. أثناء القداس قرأ نيافته على الحاضرين عظة البابا والتي توقف فيها عند أهمية الدور الواجب أن يلعبه الفنانون في عالم اليوم مشددا على ضرورة الالتزام في بناء الجسور وخلق فسحات للقاء والحوار.
تطرقت عظة البابا إلى إنجيل اليوم الذي يحدثنا عن المسيح فيما كان يعلن التطويبات لتلاميذه ولحشد كبير من الناس. لقد سمعنا التطويبات مرات عديدة، ومع ذلك لم تتوقف عن إدهاشنا "طوبى لكم أيها الفقراء، لأن لكم ملكوت الله. طوبى لكم أيها الجياع الآن لأنكم سوف تشبعون. طوبى لكم أيها الباكون الآن، لأنكم سوف تضحكون". هذه الكلمات تابعت عظة البابا – تقلب منطقنا الدنيوي وتدعونا إلى النظر إلى الواقع بعيون جديدة، بنظرة الله، حتى نتمكن من رؤية ما وراء المظاهر والتعرف على الجمال حتى وسط الضعف والمعاناة.
يحتوي الجزء الثاني من مقطع الإنجيل على كلمات قاسية ومنبّهة: ولكن ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد تلقيتم عزاءكم، ويل لكم أيها الشباعى الآن، لأنكم سوف تجوعون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم سوف تحزنون وتبكون. إن التناقض بين "طوبى لكم" و"ويل لكم" يذكرنا بأهمية التمييز حيث نجد أمننا.
وتوجه البابا في عظته إلى الحاضرين في البازيليك الفاتيكانية وقال لهم: كفنانين وممثلين عن عالم الثقافة، أنتم مدعوون لأن تكونوا شهودا على الرؤية الثورية للتطويبات. مهمتكم ليست فقط لخلق الجمال، ولكن للكشف عن الحقيقة والخير والجمال المخبأ في طيات التاريخ، ولإعطاء صوت لمن لا صوت لهم، لتحويل الألم إلى رجاء.
إننا نعيش في زمن الأزمات المالية والاجتماعية المعقدة، لكن أزمتنا هي قبل كل شيء أزمة روحية، أزمة معنى. دعونا نطرح على أنفسنا أسئلة حول الوقت والمسار. أنحن حجاج أم نتجوّل وحسب؟ هل رحلتنا لها وجهة، أم أننا نفتقر إلى أي وجهة؟ الفنانون لديهم مهمة مساعدة الإنسانية على عدم فقدان طريقها وأفق الرجاء.
هذا وذكرت عظة البابا بكلمات الشاعر جيرارد مانلي هوبكنز، الذي كتب أن "العالم مشحون بعظمة الله، وهي تبرق كلمعان الرقائق المهزوزة". مهمة الفنان هي اكتشاف هذه العظمة الخفية والكشف عنها، ما يجعلها محسوسة لأعيننا وقلوبنا. كما أدرك الشاعر نفسه "الصدى الرصاصي" و"الصدى الذهبي" في العالم. ولفت البابا إلى أن الفنانين حساسون لهذه الأصداء، ومن خلال عملهم، ينخرطون في التمييز حول الأصداء المختلفة لأحداث هذا العالم ويساعدون الآخرين على فعل الشيء نفسه.
من هذا المنطلق فإن الرجال والنساء الذين يمثلون عالم الثقافة مدعوون لتقييم هذه الأصداء، وشرحها لنا وإظهار المسار الذي يقودنا إليه. إما أنها أغاني مغرية أو دعوات إلى إنسانيتنا الحقيقية. ولا بد من تقديم نظرة ثاقبة للمساعدة في التمييز بين ما يشبه "القشور المتناثرة بفعل الرياح" وما هو صلب، "مثل الأشجار المزروعة عند مجاري المياه"، القادرة على أن تؤتي ثمارها.
أيها الفنانون الأعزاء، كتب البابا فرنسيس، أرى فيكم حراس الجمال الذي يعرف كيف ينحني على جراحات عالمنا، وكيف يستمع إلى صرخة أولئك الفقراء والمتألمين والجرحى والسجناء والمضطهدين واللاجئين. أرى فيكم حراس التطويبات. إننا نعيش في زمن يتم فيه تشييد جدران جديدة، عندما تصبح الاختلافات ذريعة للانقسام بدلا من فرصة للإثراء المتبادل. ولكنكم، أيها الرجال والنساء في عالم الثقافة، مدعوون إلى بناء الجسور، وإلى خلق مساحات للقاء والحوار، وتنوير العقول وتدفئة القلوب. قد يقول البعض: ما الجدوى من الفن في عالم جريح؟ أليست هناك أمور أكثر إلحاحا، وأكثر واقعية وأكثر ضرورة؟
وأكدت عظة البابا أن الفن ليس ترفا، لكنه شيء تحتاجه الروح. إنه ليس هرباً من الواقع، لكنه مسؤولية ودعوة إلى العمل، إنه نداء وصرخة. والتربية على الجمال الحقيقي هي تربية على الرجاء. والرجاء لا ينفصل أبدا عن مآسي الوجود: إنه يمر عبر نضالاتنا اليومية، ومصاعب الحياة وتحديات عصرنا.
في الإنجيل الذي سمعناه اليوم، تابعت عظة الحبر الأعظم، يقول يسوع: طوبى للفقراء والمتألمين والودعاء والمضطهدين. إنه قلب للمنطق وثورة في المنظور. والفن مدعو للمشاركة في هذه الثورة، كما أن العالم يحتاج إلى فنانين نبويين وإلى مثقفين شجعان ومبدعين للثقافة.
في ختام العظة التي قرأها الكاردينال مندونسا على المشاركين في القداس طلب البابا من الفنانين أن يتركوا إنجيل التطويبات يرشدهم، وتمنى أن يكون فنهم إعلاناً لعالم جديد، آملا أن يُظهر ذلك شعرُهم، وشجع الجميع على عدم التوقف عن البحث وعن طرح التساؤلات وعن المجازفة. وكتب فرنسيس أن الفن الحقيقي ليس أبدا أمراً مريحاً إذ يوفر سلام الأرق. وذكّر بأن الرجاء ليس وهما وبأن الجمال ليس يوتوبيا، وختم مؤكدا أن موهبتهم ليست بفعل الصدفة، لكنها دعوة لا بد من التجاوب معها بسخاء وشغف ومحبة.