بوابة الوفد:
2025-03-18@04:34:14 GMT

المستشفيات الحكومية «سلخانة تعذيب»

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

بأى ذنب يموتون؟ 

لافتة «مستشفى حكومى»، يبتئس لها القارئ، إذ يجول بخاطره أن الداخل مفقود، وترتسم فى ذهنه صورة لـ«نفق الموت»، الذى يعبر بالمرضى لمثواهم الأخير.

الاهمال الطبى مسلسل مستمر فى مستشفيات وزارة الصحة، وحلقاته لم تنتهِ بعد.

«خدمات معدومة وسوء معاملة بالغ يعرفه القاصى والدانى».. هذا ما تعانيه المستشفيات المركزية التى لا تراعى فى مرضاها إلاً ولا ذمة، تبسط طغيانها من فساد الاهمال وخدمات قاصرة على البعض، أمام حالات هشة أكل المرض أجسادها.

«أنين المرضى فى كل جانب والموت محقق لا مفر».. ولا يزالالاهمال مسئولية تائهة بين الأطباء والصحة، والمريض فى المنتصف لا ذنب له فيما يجرى ويقع، فالأطباء يتنصلون من المسئولية، ويلبسون الأمر عباءة القضاء والقدر، وبعضهم يلقى باللوم على سوء الإدارة وضعف الإمكانات، أما طاقم التمريض فلا يكترث لمعاناة المرضى من الأساس، ولا يلقون بالاً لصرخاتهم.

عواقبالاهمال  الطبى وخيمة، ولا تحمد عقباها.. فمتى سنقف عند الحلقة الأخيرة؟

 

 الإسكندريةفى الشاطبى.. «لا» خدمات والأسرة متهالكة

 

مستشفى الشاطبى أحد أهم المستشفيات المركزية بالإسكندرية، لا سيما وهو يخدم قطاعاً كبيراً من المواطنين داخل المحافظة والمحافظات المجاورة لها. 

قامت محررة «الوفد» بجولة رصدت خلالها المعاناة والهموم المختلطة، للمرضى من الوجع، والقهر وقلة الحيلة.

 عندما تجوب أروقة مستشفى الشاطبى تجدها تنقسم إلى قسمين، أحدهما لأمراض النساء والتوليد، والآخر للأطفال، ويبدأ العمل بعياداتها الخارجية من الثامنة صباحا وحتى الواحدة والنصف ظهراً.

بينما يستقبل المستشفى يومياً آلاف الحالات موزعة بين مختلف العيادات بدرجة أكبر من الطاقة الاستيعابية لفريق التمريض أو العمال غير الكافى خاصة فى عيادات النساء.

«الإهمال سبب ورم طفلتى»

قالت عزة السيد 45 سنة، ربة منزل، أقيم بمحافظة مطروح وحضرت لمستشفى الشاطبى لإجراء عملية الولادة نظراً لأنه مستشفى حكومى والتكلفة فيها أرخص من المستشفيات الخاصة كما أن بعض الأقارب أكدوا أنه آمن للطفل لأنه توجد به حضانة غير مكلفة مثل باقى المستشفيات ولكن للأسف وبعد ولادة الطفلة بـ9 أشهر، اكتشفت إصابتها بورم متضخم أسفل البطن، رجعت مرة ثانية إلى المستشفى، باحثة عن علاج لطفلتى الوحيدة، وعقب إجراء الفحوصات الطبية اللازمة تبين أنه تجمع صديدى يبلغ وزنه لترين، أدى إلى ورم متكيس تكون فى رحم طفلتى وعلى الفور قرر الأطباء تفريغ الصديد الذى تكون بمنطقة الرحم، دون فتح جراحى فى الجسم، وذلك عن طريق المهبل، اكتشفت من أحد الأطباء الذى ضميره لم يسمح له بالسكوت عن الحق أن سبب المرض هو الإهمال الشديد فى عملية الولادة.

«إهمال الممرضات»

قال السيد أحمد، موظف، للأسف يوجد إهمال من بعض الممرضات بالمستشفى يتمثل فى أبسط الأشياء وهى طريقة التخلص من المخلفات الطبية، يتم إلقاء السرنجات دون أغطية فى سلة القمامة أو «حشرها» داخل (جراكن) يتعامل معها الممرضون على اعتبار أنها بديلة لسلة المهملات، يأتى هذا فى الوقت الذى يتم فيه جمع تلك المخلفات فى سلال أو أكياس ووضعها بطرقات المستشفى، حتى يتم نقلها مرة واحدة فى آخر اليوم لعربة القمامة.

كما أن طريقة التخلص الآمن من النفايات الطبية تتم على أفضل وجه داخل أكياس صفراء عليها علامة خاصة، فى فترة الصباح فقط خلال فترة عمل العيادات الخارجية، لأن وقتها يكون عدد التمريض والعمال كافياً، بينما بعد ذلك تختلط الأكياس الصفراء مع البيضاء لأنه لا يكون هناك وقت كافٍ للفرز والتخلص الآمن من كل قطعة.

أوضحت «عطيات أحمد» إحدى المريضات أنه يوجد إهمال كبير بالمستشفى، فنجد أن حجرة الطوارئ بالمستشفى غير معقمة وغير مجهزة بأبسط المعدات كجهاز التنفس، بخلاف وجود ممرضتين فقط، وذلك يعد قليلاً جداً على قسم حيوى مثل قسم الطوارئ، وكشفت أنها تم إجراء عملية جراحية لها، وفى كل ليلة يتكلف أهلها ثمن قطن وأدوية وسرنجات أو حتى ترمومتر حرارة يطالبهم التمريض بشرائها من الخارج، بحجة أن عهدة المستشفى غير كافية أو أن ممرضة الفترة الصباحية أغلقت الدولاب عليها ولا يمكن لأحد أن يستخرج منها شيئاً.

«نقص الحضانات»

قال محسن محمد، مزارع، انه حضر من دسوق لمستشفى الشاطبى لإجراء عملية الوضع لزوجته عقب عملية الولادة، وأخبرونى بأن طفلى يحتاج إلى حضانة ولم يوجد مكان للأسف، وطلبوا منى نقل الطفل إلى احد المستشفيات التابعة لهم بمنطقة العجمى، فهل يعقل ذلك أن أصبح حائراً بمولود وهو فى حالة خطرة، أين مسئولو مديرية الصحة فيما يحدث من المستشفى، هل لأننا ناس على قد حالنا ولم توجد لدينا الإمكانيات المادية التى تسمح بأن ادخل زوجتى وطفلى مستشفى خاصاً تكون النتيجة أن طفلى يدفع الثمن من إهمال وإنى أعرض حياته للخطر؟

«الأهالى تفترش الأرصفة»

وقال عزوز السيد والد إحدى المرضى، نفترش الأرصفة أنا وزج نجلتى وشقيقها لأن المستشفى ترفض دخولنا للمستشفى، ورغم ذلك كل دقيقة نجد الأمن يخبرنا بطلبات المستشفى التى لم تنته، مؤكداً أن ما يحدث فى المستشفى الجامعى للأطفال عذاب، فالخدمات الطبية والعلاجية المقدمة لا تتناسب مع أعداد المترددين من المحافظات المجاورة، فضلاً عن النقص الشديد فى عدد الحضانات الخاصة بالأطفال المبتسرين وحديثى الولادة وطواقم التمريض وعدد الأسرة المخصصة للمرضى المحجوزين وكذا العنايات المركزة.

«المعاملة سيئة»

شكا محمد السباعى محمود، والد أحد المرضى، قائلاً: «إن معاملة الأطباء والممرضات فى المستشفى سيئة، فهم يتعاملون مع المرضى ومرافقيهم بشكل سيئ لدرجة أنهم لا يقدمون حتى النصح لهم إذا كانت الحالة تستدعى الخروج من المستشفى للعلاج فى مكان آخر».

أكد أن مستشفى الشاطبى الجامعى «لازم يتشد» على كل الذى يحصل فيه من إهمال، ففى كل خطوة تلاقى اللى واقف لك عايز فلوس مش مهم عنده ظروفك ايه أو انت فى المستشفى دى ليه، أهم حاجة الفلوس، وده كمان بجانب المنظر قدام المستشفى والناس نايمة فى الشارع وطريقة غير آدامية خالص أنا باقترح على المسئولين أن فى جنينة فى المستشفى جوه على الأقل يدخل الناس جوه بدل نومهم فى الشارع فى خيم.

 

 

 الدقهلية 466 مليون جنيه لإقامة مستشفى عبيد التخصصى.. والنتيجة صفر

 

 إذا شاهدت مستشفى بنى عبيد التخصصى بمحافظة الدقهلية ستقف مبهوراً من الشكل الخارجى للمبنى، حيث تم إنفاق 466 مليون جنيه على المستشفى لتحويله من مستشفى مركزى كان يخدم البسطاء فى مركز يعيش فيه 350 ألف نسمة مستواهم الاجتماعى بسيط إلى مستشفى تخصصى تابع لأمانة المجالس الطبية بوزارة الصحة لا يقدم الحد الأدنى من الخدمات الطبية رغم هذه المبالغ الباهظة التى تم انفاقها لإقامة المستشفى!!

الواقع المؤسف يكشف أن معظم الحالات التى تصل إلى هذا المستشفى «الفخم» يتم إرسالها إلى مستشفى دكرنس بدون تنسيق وبدون تحويل رسمى وبدون اسعاف لعدم توفر هذه الخدمة بمستشفى بنى عبيد التخصصى!!

فى عام 1998 تم إنشاء مستشفى بنى عبيد كمستشفى مركزى تابع لوزارة الصحة ولم يتم استلام المبنى إلا فى عام 2016 بحكم القانون وذلك لوجود عيوب إنشائية فى الطابق الرابع والخامس وفقاً لتقرير كلية الهندسة بجامعة عين شمس، وتم رصد 100 مليون جنيه لصيانتها ومع ذلك تم استلامها قبل معالجة العيوب الفنية والانشائية رغم أنها كانت فى فترة الضمان التى تنتهى بعد 10 سنوات، ورغم ذلك تقرر تحويلها إلى مستشفى تخصصى فى عام 2017 وانفاق 466 مليون جنيه على مرحلتين دون تحقيق خدمة طبية على أرض الواقع لكافة المترددين على المستشفى!!

ورغم هذه المبالغ الطائلة التى تم انفاقها على المستشفى والتى لا يقابلها خدمة طبية اشتعلت الصراعات بين الكادر الطبى والتمريضى، كما أن كل الحالات التى تصل إلى المستشفى يتم «إرسالها» لمستشفى دكرنس القريب من بنى عبيد دون تحويل رسمى والتنسيق، ويطلب من المريض عدم الإفصاح لمستشفى دكرنس بتردده على مستشفى بنى عبيد!! 

ويعتبر القسم الوحيد الذى يعمل فى مستشفى تكلفت 466 مليون هو قسم الكلى ومع ذلك لا يعمل بكامل طاقته، أما قسم الاستقبال فحدث ولا حرج حيث لا تتوفر به الحد الأدنى من الرعاية الطبية، وفى قسم الكلى يوجد به خدمة الغسيل الكلوى وهناك أطباء بهذا القسم ورغم ذلك يتم التعاقد مع استشاريين زراعة كلى رغم عدم وجود خدمة زراعة الكلى والسؤال.. ما هو دور هؤلاء الأطباء الاستشاريين!! 

ومن بين الغرائب التى يشهدها المستشفى اضطرار صيادلة المستشفى لجمع مبالغ مالية من بعضهم لإقامة «تندة» لمرضى العلاج على نفقة الدولة.

خرجت والدة الطفل رضا حسين عطوة فى بث مباشر على صفحتها الشخصية على «فيسبوك» تصرخ وتؤكد أن ابنها مهدد ببتر قدمه نتيجة الإهمال فى «خياطة» القدم بمستشفى بنى عبيد بعد تعرضه لحادث سقوط سور على قدمه، وأشارت إلى أن الأطباء طلبوا منها التوجه لمستشفى التأمين بعد سوء حالته، كما طلبوا منها عدم ذكر أنها توجهت إلى مستشفى بنى عبيد، وأضافت بأن كل الأطباء الذين شاهدوا قدم ابنها أكدوا تعرضه لإهمال نتيجة خياطة القدم بدون تنظيف ما يهدد ببتر قدم الطفل.

فى لجنة الصحة بمجلس النواب شهدت اللجنة عرضاً خطيراً من النائب أشرف أبو العلا، نائب دائرة دكرنس وشربين وبنى عبيد، تضمن مخالفات بالمستشفى فى الوقت الذى قام الدكتور مكرم رضوان، عضو مجلس النواب، بنفس الدائرة بالدفاع عن المستشفى واعتبار إنشائه إنجازاً فى حد ذاته، ففى الجلسة الأولى طالب النائب بإحالة ملف المستشفى للجهات الرقابية بسبب تحويله لمستشفى تخصصى وهو لا يقدم خدمة طبية وقبل علاج العيوب الفنية والإنشائية به، كما طالب بتشكيل لجنة تقصى حقائق من مجلس النواب وإعداد تقرير عن هذا الملف، وفى الجلسة الثانية أكد النائب أشرف أبوالعلا وجود فساد مالى وإدارى فى المستشفى مشيراً إلى بيع مخلفات المستشفى لشخص بعينه بمبلغ 200 ألف جنيه على غير الواقع الذى يقارب الـ20 مليوناً، وأضاف أنه يوجد 4 طوابق بالمستشفى منزوعة الأبواب والشبابيك وأصبحت مرتعاً للقطط والكلاب الضالة لعدم تشغيلها، وأضاف أنه يتم نقل المرضى لمستشفى دكرنس بسبب عدم وجود الخدمة الطبية ما يتسبب فى معاناة لا توصف للمرضى، وأكد النائب أنه يتم إدخال حالات وهمية بصور البطاقة الشخصية وصرف الأدوية وعمل نسبة إشغال لصرف المكافآت.

 

 

المنياعجز الأطباء يهدد منظومة الصحة بالمنيا

 

272 وحدة صحية منتشرة بقرى شمال وجنوب محافظة المنيا، غالبيتها تعانى من نقص حاد فى عدد الأطباء، الأمر الذى أصبح خطراً داهماً على الصحة العامة للمواطنين، وينخر كالسوس فى عظام مؤسسة تعد الأهم للإنسان ألا وهى الصحة، التى تعد من أهم أولويات أى حكومة، فالصحة والتعليم أساس بناء الإنسان السليم، وخطورة الأمر تتمثل فى أن ما يقرب من (7886) طبيباً فقط يخدمون فى قطاع الصحة الحكومى بالمنيا، ما يعادل مقارنة بالتعداد السكانى للمحافظة، الذى يزيد على 5،6 مليون نسمة، طبيباً لكل 1000 مواطن منياوى.

وإذا كنا نتحدث عن الصحة، فلابد أن يتم وضع تقنين محدد لحالة الطب والطبيب، فالأطباء هم العمود الفقرى، فهم وحدهم من يديرون عملية العلاج، وإذا نظرنا إلى حال الطب فى مصر، من منظور الوحدات الصحية والنظام الطبى، يمكننا أن نرى عيوباً كثيرة فى النظام والعلاج، وغياب العلاقة بين الطب كمهنة إنسانية والمريض بصفته إنساناً، فكان الطب لفترة طويلة فى مصر يرتبط بالحكمة، والطبيب لم يكن فقط يمارس العلاج، لكنه كان يتصل بمرضاه ويعرف مشكلاتهم الاجتماعية ويحارب الجهل مع المرض، لهذا كان الأطباء فى مصر دائما نجوماً يعرفهم الناس، أكثر من أى شخص آخر، وكان يلقب قديماً (بالحكيم).

وقصة المصريين مع الطب قديمة، منذ أيام الفراعنة عندما ارتبط الطب بالمعابد والكهنة، وتطور الأمر وامتد فى الثقافة المصرية، حيث كان الأطباء هم الذين أخرجوا المرض من دائرة السحر والأعمال الشريرة، بوصفه خطراً يمكن مواجهته والتعامل معه وقهره، وعرفت مصر أطباء كباراً طوال الوقت أغلبهم كان الطب بالنسبة لهم رسالة أكثر من كونه وظيفة أو عملاً يدر أرباحاً ضخمة.

ومرت أحوال الأطباء فى مصر بمراحل ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وأصاب الطب ما أصاب غيره، ظهر أطباء يتعاملون مع الطب كبيزنس، ومع المرضى كأرقام، أو مصادر للكسب دون أى تعاطف، وفى المقابل هناك أطباء حملوا رسالة الطب الإنسانية، ولم يقدموا حساباتهم فى البنوك على تحقيق انتصارات على بعض الأمراض الفتاكة، وبين هؤلاء أطباء يواجهون المرض بنفسية محاربين، وليس كرجال أعمال.

ولكن ما يحدث الآن وهم كبير سمى كذباً بالعلاج المجانى، وبعد أن كان هذا الوهم يبدأ من الإهمال وينتهى عند اختفاء العلاج بالمستشفيات، امتد الآن إلى عدم وجود الطبيب المختص، ونقص الإمكانيات والأخطاء الطبية، نهاية بترك الطبيب عمله بالمستشفيات والوحدات الصحية، والتفرغ لعيادته الخاصة، التى تدر عليه أموالاً طائلة، حتى أصبحت مهنة الطب استثمارية، كل ذلك على حساب المريض المطحون من شدة الألم والمرض، ولولا المبادرات الرئاسية للرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، 100 مليون صحة، والمبادرة الرئاسية للقضاء على فيروس (سى)، ومبادرة القضاء على قوائم الانتظار للعمليات الجراحية، لتهالكت صحة المواطن ونهشته وافترسته الأمراض المستوطنة.

الوحدات الصحية والمنتشرة بالقرى والعزب، التى يصل عددها إلى 376 وحدة صحية، تعد بمثابة البديل فى توفير الرعاية الصحية لأهالى القرى، عن المستشفيات، وفى الغالب يتم إنشاء الوحدات الصحية وتوزيعها، فى القرى التى تبعد ما يزيد على 5 كيلو مترات، عن أقرب مستشفى عام ومركزى.

حيث من المفترض أن تقوم الوحدات الصحية، فى وجود طبيب وممرض، بتوقيع الكشف الطبى على المرضى من أهالى القرية، ومنح العلاج مجاناً، ومن المفترض أن يكون هناك طبيب مقيم بتلك الوحدات الصحية، لإسعاف المرضى أو الجرحى، ولكن فى الغالب، ينشغل طبيب الوحدة الصحية بعيادته الخاصة، متجاهلاً المرضى، ويبقى فقط خلال يومين فى الأسبوع خلال الفترة الصباحية، متعللاً بأن مرتبات الحكومة بالنسبة للأطباء لا تكفى للاحتياجات الضرورية للمعيشة.

والحق يقال إن هناك حملات مكثفة من قبل مديرية صحة المنيا، وتكون هناك جزاءات للأطباء المتغيبين عن موقع العمل، سواء كان ذلك فى الوحدات الصحية أو المستشفيات العامة والمركزية، ولكن من الواضح أن الأطباء قد تعودوا على تلك الجزاءات، التى تكون فى الغالب بالخصم المالى، حيث يقارن الأطباء تلك الخصومات المالية، بما يتربحونه من أعمالهم فى العيادات الخاصة، فتكون ذات تأثير ضعيف وغير رادعة.

ولكون أى إهمال أو تغيب عن موقع العمل، بالنسبة للأطباء يكون على حساب المرضى، فتكون الطامة الكبرى، حينما يحتاج مريض إلى مصل لدغة عقرب أو ثعبان، فلا طبيب يغيثه، وفى الأساس تلك الأمصال غير متوافرة بالوحدات الصحية، وبعد المسافة من القرى حتى الوصول للمستشفيات العامة أو المركزية، كل تلك العوامل، تكون سبباً فى وفاة المريض، نتيجة الإهمال وعدم توفر العلاج اللازم للمرضى.

حيث كشفت التقارير والإحصائيات الرسمية بمديرية صحة المنيا أن عدد الأطباء العاملين بالمستشفيات والوحدات الصحية، ما يقرب من (5500) طبيب، تمثل طبيباً لكل 1000 مواطن تقريباً، بعدما وصل تعداد سكان محافظة المنيا، إلى ما يزيد على 6 ملايين نسمة، وتعد نسبة الأطباء الذين يخدمون بالمحافظة نسبة متدنية ومخالفة طبقاً لإصدارات منظمة العالمية، والتى حددت لكل 1000 مواطن، لابد أن يوازيه (4،3) طبيب، وذلك حفاظاً على الرعاية الصحية الأمثل والأفضل للمواطنين.

وأكد الدكتور عمرو محمد على، نقيب أطباء المنيا السابق، أن المحافظة تعانى منذ عدة سنوات انخفاضاً حاداً وعجزاً صارخاً فى الأطباء، ويرجع ذلك لعدة أسباب أولها سوء التوزيع الذى يصدر من وزارة الصحة، حيث تعانى بعض المستشفيات والرعاية الأساسية، (الوحدات الصحية)، من عجز كبير فى الأطباء والنواب، ووفرة فى أماكن أخرى، يتمثل بنسبة كبيرة فى أطباء التخدير والعظام والعناية المركزة، وقد أظهرت الإحصائيات هذا بما يقرب من (7886) طبيباً فقط بالمنيا، فى حين أن منظمة الصحة العالمية، قد حددت نسبة (4،3) طبيب لكل 1000 مواطن، وعموماً نسبة مصر مقارنة بالتعداد السكانى لم تزد أبداً على (2،2) طبيب لكل 1000 مواطن.

وأردف نقيب الأطباء قائلاً إن وجود فجوة كبيرة بين أجور الأطباء داخل وخارج مصر، أدت إلى هجرة الأطباء وترك وظائفهم فى مصر بحثاً عن حياة أفضل، فالطبيب المصرى امام تكدس المرضى، يبذل مجهوداً مضاعفاً بمرتبات متدنية، ويضطره ذلك إلى البحث عن أكثر من عمل لتوفير معيشة كريمة، الأمر الذى أصبح لزاماً على الحكومة أن تقوم برفع مرتبات الأطباء، بما يتناسب مع مؤهلهم العلمى والجهد المبذول من قبل الأطباء فى رعاية صحة المواطنين.

لافتاً إلى أنه لابد أيضاً من توفير كل المستلزمات الطبية داخل المستشفيات، وكذلك العمل بنظام التفرغ، الذى يتيح للطبيب الراغب فى العمل بالمستشفيات الحكومية الحصول على أجر مناسب يحقق المعيشة الكريمة، وكذلك تفرغه الكامل لعمله دون البحث عن عمل آخر من أجل تحسين أحوال معيشته، وعلى الراغبين فى العمل بمستشفيات القطاع الخاص تقديم استقالتهم، وترك موقعهم لطبيب آخر يتفرغ لعلاج المرضى فى المستشفيات الحكومية.

وأضاف نقيب أطباء المنيا السابق أنه لابد من زيادة موازنة وزارة الصحة من الموازنة العامة للدولة، حتى يتسنى تقديم رعاية صحية كاملة وشاملة، وأن تعيد الحكومة النظر فى بدل العدوى الخاص للأطباء، الذى يصرف على اساس 19 جنيهاً لكل طبيب، وقد تم رفع دعوى قضائية لزيادة بدل العدوى من 19 جنيهاً إلى 1000 جنيه، وصدر حكم قضائى بذلك، ولكن الدولة استأنفت ضد الحكم الصادر ثلاث مرات، حتى أسقطت الحكم، الذى كان سيرفع من شأن الأطباء، ويبقيهم فى أعمالهم الحكومية، دون النظر لعمل آخر أو الهجرة خارج مصر، بحثاً عن معيشة كريمة.

كما طالب نقيب أطباء المنيا السابق، بضرورة تنظيم العديد من المبادرات من قبل الدولة، على غرار مبادرة القضاء على فيروس (c)، مثل مبادرة توفير الأدوية والعلاج للمرضى، وكذلك مبادرة تحسين سكن الأطباء والتمريض، التى أصبحت لا تليق نهائياً للسكن الآدمى، مذكراً بالطبيبة التى توفيت منذ عدة سنوات فى سكن الأطباء بالقاهرة نتيجة لمسها سلك كهرباء غير معزول.

فى البداية اشتكى أحمد محمود من أهالى قرية مهدية بمركز ومدينة المنيا من غلق الوحدة الصحية منذ عدة سنوات برغم تطويرها وبنائها على أحدث طراز ضمن مبادرة حياة كريمة، ولكنها للأسف مغلقة، ولا تؤدى خدمات صحية ورعاية طبية لمواطنى القرية، والتى تتكبد عناء الانتقال لمستشفيات مدينة المنيا بتكلفة مالية 100 جنيه، ناهيك عن أنه أثناء التنقل قد تحدث مخاطر تودى بحياة المريض، وخاصة فى حالات تعرض المواطن للدغ العقرب والثعبان، وتقدمنا بالعديد من الشكاوى دون مجيب.

وتحدث ناصر فالح من أبناء قرية لطف الله بأن القرية يقطنها ما يقرب من 10 آلاف نسمة، تعيش بدون وحدة صحية منذ ما يزيد على 10 سنوات، ويتم العمل من خلال ايجار عدد من الغرف بأحد منازل القرية، وبالطبيعة المكان البديل لا يصلح نهائياً لتقديم الخدمات الطبية والرعاية الصحية، ونطالب بسرعة البت فى تشغيل الوحدة الصحية التى تم غلقها قبل تشغيلها لوجود عيوب فى إنشاء المبنى الذى تم غلقة قبل تشغيله منذ ما يزيد على 10 سنوات.

وأضافت هيام إبراهيم من أبناء قرية سيلة الشرقية التابعة لمجلس قروى منبال أن القرية تعيش منذ أكثر من 12 عاماً بدون وحدة صحية، بعد غلق الوحدة الصحية لعدم الصلاحية وتأجير مكان بديل، لكنه بكل المعايير لا يصلح لتقديم الخدمات الطبية للسيدات والرجال، وفقط تقدم الأمصال والطعومات للأطفال، وتحتاج القرية التى يبلغ تعدادها 15 ألف نسمة إلى إقامة وحدة صحية جديدة تلبى احتياجات الصحة العامة للمواطن.

وأضاف حسين عبدالفتاح من أهالى قرية مرزوق التابعة لمجلس قروى منبال أن أهالى القرية تعيش منذ عدة سنوات بدون وحدة صحية، فالقرية التى يبلغ تعدادها 20 ألف نسمة، تتلقى الرعاية الصحية فى مكان لا يصلح نهائياً أن يكون مؤسسة صحية وطبية، وأصبح الأهالى لا يحصلون سوى على الأمصال والطعومات للأطفال، ونطالب بسرعة إنشاء وحدة صحية تؤدى الخدمات الطبية والصحية على أكمل وجه، ونناشد اللواء عماد كدوانى محافظ المنيا ووزير الصحة بحل مشكلة أهالينا، وتحقيق حلم من أحلامهم بأن تكون لديهم وحدة صحية تخدم أهالى القرية.

 

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مستشفى حكومى ـ نفق الموت الإهمال الطبي الخدمات الطبیة الرعایة الصحیة الوحدات الصحیة الوحدة الصحیة منذ عدة سنوات مستشفى دکرنس فى المستشفى ما یزید على إلى مستشفى ملیون جنیه ما یقرب من وحدة صحیة أکثر من فى عام فى مصر

إقرأ أيضاً:

8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق إرث فكرى وثقافى وإسهامات تجاوزت حدود الزمنالكاتب والمفكر الراحل السيد يسين

لما يقارب قرن من الزمان، امتدت رحلة الكاتب والمفكر الراحل السيد يسين الفكرية، كانت حافلة بالقراءة والكتابة والمساهمات المؤثرة، ليس فقط فى المجال الأكاديمي، بل أيضًا فى تكوين أجيال واعية بما يدور حولها من تحديات وصراعات، ومدركة للأخطار التى واجهت الوطن فى لحظاته الحرجة، والمراحل التى احتاج فيها إلى البناء والتطوير. 

كان السيد ياسين بالنسبة لرواد علم الاجتماع السياسى بمثابة شيخ المشايخ، إذ ساهمت أبحاثه الاستراتيجية فى تشكيل الخطاب الثقافى وصياغة الوعى المجتمعي. ومنخلال موقعه كمدير لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى تولاه منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات، لعب دورًا يفوق تأثير العديد من الوزراء والسياسيين، حيث أسهمت رؤاه فى وضع الخطط التى شكلت الأسس الثقافية للمجتمع المصري؛ كما أثرى وجوده المركز العربى للبحوث والدراسات بمؤسسة "البوابة نيوز"، والذى تولى مسؤوليته فى المحطة الأخيرة من رحلته الحافلة. فىأعقاب نكسة 1967،شهد السيد ياسين حالة الإحباط التى سادت المجتمع، لكنه لم يتوقف عند حدود الشعور بالهزيمة، بل رأى أن مفتاح الفهم يكمن فى دراسة العدو. لذلك،التحق بمركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بمؤسسة الأهرام عام 1968، وهو المركز الذى تحول لاحقًا إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذى ترأسه منذ تأسيسه حتى عام 1994.

وبعد مغادرته مركز الأهرام، واصل مسيرته البحثية عبر المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ثم أسس فى 2012 "المركز العربى للبحوث والدراسات" بالتعاون مع الكاتب الصحفى عبد الرحيم علي، ليضم مجموعة من أبرز الباحثين فى مجالات الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، والإعلام.

ترك السيد ياسين إرثًا فكريًا غنيًا، من بينه مؤلفات مهمة فى علم الاجتماع والسياسة، ساهمت فى تشكيل وعى أجيال من الباحثين والمفكرين. وعلىمدار مسيرته الفكرية، نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى عام 1992، ووسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1996. واستمر عطاؤه حتى آخر أيامه. وفىصباح يوم 19 مارس 2017، رحل عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. "البوابة" تحتفى بذكرى الأستاذ الذى يظل باقياً بيننا بأفكاره وإرثه الغنى سواء بمؤلفاته أو بالعديد من الباحثين الذين ساروا على الدرب وما زالوا يواصلون دورهم التنويرى والفكرى.. حيث يكتب خصيصاً فى هذه الذكرى إثنان من كبار الباحثين المرموقين واللذان عملا لسنوات مع الأستاذ الراحل الكريم، وهما المفكران الكبيران نبيل عبد الفتاح ود. يسرى العزباوى.

نبيل عبدالفتاح يكتب: السيديسين.. كبيرنا الذي علمنا السحرنبيل عبدالفتاح

نظرة طائر على مسارات تطور الفكر المصرى الحديث منذ منتصف القرن الثامن عشر، وأواخر القرن التاسع عشر، حتى القرن العشرين، تشير إلى أدوار بعض الأساتذة الكبار المعلمين الذين أسهموا فى نقد الموروثات التقليدية التى يُعاد إنتاجها على الرغم من أنها مستمدة من سياقات واقع تاريخى قديم منذ قرون، حاملةً معها ظروف عصرها، وثقافته وقيمه وأسئلته، من خلال الاجتهادات الفقية أو الكلامية وأعراف الجماعات فى هذه العصور الماضية، ويراد لها أن تحكم حياة المصريين، والمجتمعات العربية، على الرغم من التحولات الكبرى والقطيعة مع هذه العصور التى مضت. على عديد المستويات .

هذا الدور النقدى الخلاق، ظل محصوراً فى بعض هؤلاء الأساتذة الكبار، الذين صدموا العقل المصرى النقلى المسيطر، وخاصةً لدى رجال الدين، بعضهم الآخر ساهم فى محاولة بناء الجسور بين متغيرات العصر الحديث، والمعاصر، وبين النص المقدس من خلال آليات التأويل للنصوص الدينية المقدسة والسّنوية من خلال المقاربة التوفيقية، التى تحولت لدى بعضهم إلى التلفيق بين بعض المتناقضات. بعضهمالاخر لعب دوره النقدى، والتحليلى، من خلال الاطلاع على مصادر التجديد، والتطور فى العلوم الاجتماعية، والقانونية، والسياسية، والفلسفية والسيوسيولوجية والأدبية، وفى ذات الوقت قاموا بدور المعلمين، من خلال دورهم فى نقل المعارف الحداثية وشبه الحداثية فى تخصصاتهم، أو فى عديد من فروع العلوم الاجتماعية، إلى أجيال متعاقبة من تلاميذهم، سواء فى الجامعة ومراكز البحث، أو الصحافة، وكتاباتهم الصحفية، أو مؤلفاتهم العديدة.

الأستاذالمعلم السيد يسين، يمثل واحداً ممن جمعوا فى أعطافهم، وأدوارهم العامة، وإنتاجهم العلمى، غالب هذه الأدوار فى فكره وشخصه.

جاء السيد يسين من مصادر تكوينية متعددة، من الفكر الإسلامى، ومصادره من خلال الانخراط فى أثناء دراسته الثانوية، فى بعض الفكر الإسلامى النقلى مع مقاربات جماعة الإخوان المسلمين، من خلال أحد أساتذته من ذوى العقول المنفتحة، على الرغم من أنه كان ضريراً لكن عقله المتميز، كان يطرح الأسئلة المختلفة، ويحاول الإجابة عليها.

كانت بصيرة أستاذه حادة، حتى بعد دراسته فى كلية الآداب، من هنا استلهم السيد يسين من أستاذه رحابة العقل النقدى، ومعرفة بعض الموروث الفقهى والكلامى، وثقافة السؤال. انتقلالسيد يسين من مقاربة بعض الخطاب فى المسجد، إلى كلية الحقوق، وامتلك ملكة الخطابة الشفاهية، المحمولة على الأسئلة. منخلال الدرس الأكاديمى فى كلية الحقوق بجامعة الأسكندرية، حيث عالم التجريد، والانضباط فى التفسير والتأويل للأنساق القانونية، والنصوص فى كافة فروع القانون العام، والمدنى، والدولى، والتجارى، والبحرى، والشريعة الإسلامية.

عالم كلية الحقوق والدرس الأكاديمى فى رحابها، هو عالم النصوص والنظريات، والمفاهيم، والاصطلاحات، والأهم ملكات التحليل والتأويل والتفسير، والانضباط .عالمسيادة التجريد، والشكلانية – إلا بعض الاستثناءات -،وهو ما أجاده "الأستاذ المعلم"،وأيضاً مع معرفته بالشريعة، والتناقضات بين عالم النقل، والعقل، بين الأشاعرة، والمعتزلة.

بعد تخرجه من كلية الحقوق،عُين بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، وانتقل إلى عالم فكرى أوسع، حيث دراسة الظواهر الاجتماعية، والمشكلات والأزمات المجتمعية، وعالم ماوراء النظام القانونى الكلى، وأنظمته الفرعية، حيث فضاءات القوة، والسلطة، والمصالح الطبقية، المسيطرة التى تفرض نفسها بقوة فى القانون، والسياسة، والاجتماع ومسارات الحياة والتمييزات الطبقية الحادة والقاسية فى مجتمع متخلف تاريخياً.. إلخ.

درس السيد يسين علم الاجتماع وفروعه، ومارس البحث الحقلى والتطبيقي، ومعه علم الاجتماع القانونى، فى تكوين ذى مستويات رفيعة وعميقة، ومعه تغيرت مقارباته للقانون ،والسياسة، والسلطة، والأدب، والفنون، والثقافة.. إلخ.

تعرفت على أفكار الأستاذ المعلم السيد يسين من خلال كتابه "السلوك الإجرامى ومعاملة المذنبين"،وأنا طالب فى كلية الحقوق فى السنة الأولى، ومن خلاله فتح أمامى افاق واسعة فى دراسة السلوك الإجرامى والعقابى من خلال التحليل السوسيو قانونى والواقعى مستصحباً الواقع الموضوعى، واختلالاته ومصادره التى تنتج السلوك الإجرامى.

ثم كتاب "أسس البحث الاجتماعى" مع آخرين، و"التحليلالاجتماعى للأدب"،و"الشخصيةالعربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر (١٩٧٣)، والسياسة الجنائية المعاصرة.. كتب تفتح آفاق جديدة أمام العقل والوعى السياسى والقانونى والاجتماعى.

ثم تعرفت شخصياً عليه من خلال أستاذى الكبير الدكتور حسام عيسى، الذى رشحنى إليه، وذهب معى إلى منزله، وتحاورنا، وطلب خطة بحث عن الصراع بين القانون الحديث، وبين التقاليد فى مصر واليابان، وذلك بعد نقاشات وأسئلة، ومحاولته استكشاف عقل هذا المحامى الشاب الذى يعمل فى مكتب سابا باشا حبشى، أحد أكبر رجال القانون المصريين الذين عرفتهم المحاماة، وهاجر إلى أمريكا مع زميله الأستاذ سامى فهمى الذى عمل مستشاراً لشركة أرامكو، وكان سابا باشا قد وضع اتفاقيات النفط بين الشركة والحكومة السعودية، وعمل سابا باشا أستاذاً للشريعة الإسلامية فى جامعة كولومبيا، وفتح مكتباً للمحاماة فى نيويورك، وتسلم المكتب فى القاهرة تلامذته عادل كامل وشفيق إلياس. كانالمكتب أحد مدارس المحاماة والقانون فى مصر والشرق الأوسط كله.

الأستاذالمعلم بعد أن طلب وضع خطة للبحث، وقمت بها – ١٧ صفحة بخط اليد – طلبنى لمقابلته مساءاً فى منزله بجوار المركز القومى للبحوث القانونية والاجتماعية وكان قريباً من منزلنا بالمساكن الشعبية بالكيت كات، وكان يُعد للسفر فى فجر ذات اليوم لأحد المؤتمرات فى الولايات المتحدة، وقال لى: هل ستستمر فى طلب الدخول إلى النيابة العامة، أم حسمت أمرك للعمل فى مجال البحث العلمى الاجتماعى؟، قلت بحسم: أناأقرب إلى عالم العقل والبحث والأفكار.. كرر السؤال مراراً، قلت: حسمت أمرى.. قال: عندما أرجع من المؤتمر بأمريكا، سوف أعينك مع وحيد عبد المجيد.. وفعلها الأستاذ المعلم، وانتقلت للعمل باحثاً بالمركز مع أخى وصديقى العزيز الباحث الكبير والمثقف البارز منذ شبابه وحيد عبدالمجيد.. كان سمت الأستاذ المعلم هو علامة السيد يسين، يبدع الأفكار، ويتابع تطورات الفكر العالمى على نحو ما تشير كتبه، حول ظواهر وتحولات عالمنا المتغير، وواقعنا الاجتماعى والسياسى المضطرب منذ عصر السادات إلى أن توفاه الله.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى الأمور العلمية، ويتابع مطالعات الباحثين ووالخبراء فى المركز للكتب والمقالات العلمية ،وغيرها من القراءات فى الأدب والفنون والتاريخ والفلسفة.. إلخ. كان –ما أصعب كان- هو المؤسس الحقيقى لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وواضع أسسه العلمية، وكان يختار الباحثين بعناية فائقة، وبناءاً على اختبارات بحثية وعقلية متتالية، ولا يعين شخصاً إلا بعد إثبات جدارته بالانتماء للمركز.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى مساءلة أى باحث أو خبير عن عمله وأدائه البحثى.. كان يجمع بين دور المعلم، ومدير المركز، وبين الكاتب المبدع فى كتاباته، وكتبه العديدة.. كانت معارفه الواسعة بالقانون والسياسة والاستراتيجية والأدب والفنون، تشكل روافد معرفية وأسلوبية فى كتاباته، وفى نسقه اللغوى المتفرد.

كان أستاذى العظيم رغم صرامته الظاهرة وهيبته ذات الظلال المهيمنة على كل من حوله، يمتلك حساً ساخراً، يفجر الضحكات من قلب التناقضات، وتفاهات بعض من فى السلطة، وكان يجيد ببراعة التعامل مع منطق الدولة، ويناور، ويحتوى، ويهاجم فى براعةٍ وذكاء.

كان أستاذنا العظيم، هو كبيرنا الذى علمنا السحر، فى البحث، والكتابة، والمعرفة، ومصادرها المتنامية والمتطورة فى الغرب، وعالمنا العربى. وأيضاًفى فهم عقل الدولة، والبيروقراطية - أصدر كتاباً بالإنجليزية مع الصديق المرحوم د. على ليلة وأستاذ أمريكى - وكيفية التعامل معها مناورةً، وتجاوزاً، ونقداً.

كبيرنا الذى علمنا السحر، أحد بناة العقل المصرى المعاصر منذ النصف الثانى من القرن العشرين، حتى سفره الطويل فى الغروب، ولا يزال أثره قائما فى حياتنا الفكرية المصرية والعربية ،وسيأتى الوقت للكتابة الضافية عنه وعن مركزنا، وغيره من الشخصيات والعقول الكبرى التى تقابلت معها وعرفتها عن قرب.. السلام إلى روحك، وعقلك الكبير أيها المعلم الكبير والمثقف البارز مصرياً وعربياً، وأنت فى سفرك الطويل فى الغروب، أيها الأستاذ المعلم كبير المكانة ورفيع المقام السلام.. السلام.. السلام لروحك الجميلة وعقلك المبدع الوثاب.

د. يسرى أحمد العزباوى يكتب:المفكر الكبير والموبقات السبع للإخواند. يسرى أحمد العزباوى

تمر علينا فى هذه الأيام المباركة الذكرى الثامنة لرحيل المفكر وعالم الاجتماع السياسى الكبير السيد يسين. وفىظل هذه الذكرى العطرة أجد صعوبة بالغة، فى ظل مشاعر غامرة وفياضة، عن أى جانب يمكن الحديث من خلاله عن عالم فذ، ومفكر موسوعي، وباحث متجدد، صاحب مواقف ورؤى، وخط فكرى وعلمى لم يحد عنه يومًا من الأيام. خاضمعارك فكرية عديدة من أجل التنوير والنهضة والحداثة والأمة، ومستقبل أفضل للدولة الوطنية المصرية.

وكان السؤال الذى دار فى خلدي، هل أتحدث عن السيد يسين الإنسان، أم عن المشروع العلمى الثقافى الاجتماعى السياسى المتكامل، الذى أفنى فيه حياته البحثية والعلمية على مدار أكثر من ٦٠عامًا. أمأتناول علاقتنا التى تحولت إلى علاقة أبوية علمية كان يسودها الاحترام المتبادل والتقدير. فلميغضب منى يومًا من رأى أخالفه فيه، وهو من هو، بل على العكس كان دائم التشجيع لى، ولغيرى من أبنائه الباحثين الذين لا يزالون فى مقتبل العمر المهنى والعلمي، وأنا بالطبع منهم. كانلدى الأستاذ فضيلة لم أجدها فى غيره، وهى قيامه بالاتصال بما لا يعرفهم من الباحثين والكتاب تليفونيًا ليثنى على أفكارهم ودراساتهم، وذلك بعد تحمل عبء محاولة الوصول إلى وسيلة الاتصال بهم.

السيد يسين كان حالة وشخصية استثنائية، عادة لا تتكرر، تحمل فى طياتها العزة والكرامة والشموخ والهيبة والطيبة والتلقائية التى كان يتمتع بها عمن سواه من معشر الجماعة البحثية. فهوكان لأبناء جيلى من الباحثين والخبراء فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمثابة أستاذ الأساتذة، كبار الباحثين والخبراء أمامه، يسودهم التواضع العلمى والمعرفي، ولم لا وهو الذى ساعدهم ليتبوأ كل منهم مقعده فى الجماعة البحثية المصرية. ولميبخل على أحد منهم بما يتمتع به من علم ومعرفة، بل والنصيحة، والمساعدة العلمية لإعداد مشروعه العلمى من ماجستير أو دكتوراة، وما بعد الدكتوراة.

لا تزال أفكار ونظريات عالمنا الجليل، فى المجالين الاجتماعى والثقافى تحديدًا، نبراسًا للكثير من الباحثين وطالبى العلم فى مختلف أرجاء الوطن العربي. وأتذكرجيدًا حينما جلست مع أحد الأصدقاء من الدول العربية الشقيقة أو تحاورنا حول قضية من قضايا وطننا الأكبر إلا وتم استدعاء نظريات الأستاذ وأفكاره، كأحد الحلول والمقترحات للخروج من نفق الأزمات التى يعج بها وطنا العربي، فى ظل مرحلة خطيرة يمر بها النظام الدولي.

كان للأستاذ موقف واضح من ثورة يناير، فهو كان دائمًا التأكيد على أن العبرة بالنتائج والخواتيم وليس بالمقدمات أو بالصوت العالي. لميسقط أبداً الأستاذ تحت وطأة فخ ضغط شباب الثورة أو أفكارهم الجامحة، بل حاول ترشيدها ووضعها فى أطر واضحة فى إطار قراءته التاريخية للثورات المختلفة، بما فيها الثورة الفرنسية والبلشفية. وشاركتمعه فى حوارات مع العديد من المجموعات الشبابية التى ظهرت بقوة على السطح بعد ١١يناير، خلال جلسات حوارية عقدها فى المركز العربى للبحوث والدراسات ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ومن خلال تلك المناقشات مع الشباب دائمًا كان يعبر عن تخوفه من الطموح الزائد عن الحد فى ظل نقص وغياب المعرفة لدى هؤلاء الشباب بالواقع المصري، والمحيط الإقليمي، والتغيرات الدولية. فالأستاذكان يؤمن بضرورة الإصلاح التدريجى دون تخوين أو إقصاء. وكاندائم التأكيد على ضرورة دمج الشباب وإعدادهم لتحمل المسئولية تدريجيًا حتى تخرج مصر من عنق الزجاجة إلى بر الأمان فى ظل رغبة بعض الدول فى إضعاف الدولة المصرية فى ظل استمرار موجات من الاضطرابات.

ولقد كان للأستاذ الكبير السيد يسين موقف واضح من جماعة الإخوان. فقدكان يرى أن مشروعها الذى كان يسمى "بالنهضة" سيفشل لا محالة، ليس فقط بسبب عدم وجود مشروع من الأصل، وأنه "فنكوش" على حد تعبيره، ولكن أيضًا لأنه مشروع يعبر عن جماعة وفئة وليس مشروعا للأمة المصرية، فضلاً عن ارتكاب الجماعة لما أسماه الموبقات السبع، وهي: محاولة الانفراد بالسلطة، ووضع دستور على مقاس الجماعة، وممارسة العنف، والامتداد الخارجى للجماعة، وانفرادها بالبرلمان، والتحالف مع الجماعات المتطرفة، وتولى الجماعة سدة السلطة الرئاسية.

الأستاذكان يؤمن بأن الجماعة فى طريقها للزوال، ولم لا، فهو أدرى الناس بها، حيث بدأ حياته عضواً بها، ويحفظ عن ظهر قلب مبادئها وأفكارها غير المعلنة. لكنهسرعان ما تبرأ منها، فهو كان يرى فيها الجمود والخمول الفكري، والاستبداد، وحب الانفراد بالسلطة، وأن سعيها لما تسميه "أستاذية العالم" هو مشروع وهمى ليس له أى أسس ومرتكزات فى العصر الحديث، التى تتمتع فيه الدولة الوطنية بالحق الشرعى فى التحكم فى المقدرات المادية والبشرية دون غيرها من الجماعات الأخرى.

وفى السياق ذاته، أيد الأستاذ خروج المجتمع عن بكرة أبيه فى ثورة ٣٠يونيو والإطاحة بالإخوان. ورأىأن أهم منجزات ثورة يونيو هو استعادة للدولة المصرية المخطوفة من الجماعة التى سعت لتأسيس دولة دينية، يحكمها مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولى للجماعة. وأتذكرجيدًا عندما زار الأستاذ فى مكتبه المستشار السياسى للرئيس الإندونيسى فى أواخر عام ٢٠١٣والذى كان له موقف غير مؤيد لثورة ٣٠يونيو، قال له الأستاذ بالحرف "هى ثورة حقيقية قام بها الشعب المصري، والذى يمتلك رأياً مخالفاً يحتفظ به لنفسه، والمقابلة انتهت.. اتفضل". وهو موقف تكرر مع عدد من الباحثين الأجانب الذين زاروا الأستاذ للتعرف على حقيقة ما يحدث بعد ٣٠يونيو.

وفى إطار هذا الحماس لـ٣٠ يونيو حمل الأستاذ على كتفيه مشروعا علميا بارزا داخل المركز العربى للبحوث والدراسات حمل عنوان "إعادة إنتاج الدولة التنموية"،شارك فيه عدد كبير من كبار الباحثين والخبراء فى مختلف التخصصات العلمية، تم خلاله رصد أهم التحديات والمشكلات التى تواجه الدولة المصرية، ووضع سياسات بديلة لها، وتصور شامل أمام صناع القرار للاستدلال به علميًا ومنهجيًا فى التعاطى مع قضايا ومشكلات مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية.

كان للأستاذ الكبير، ومنظر العولمة الأول فى الوطن العربي، أو الكاهن الأكبر، كما كان يحب أن يداعبه المفكر الكبير نبيل عبد الفتاح، معاركه الخاصة مع الجهل والكراهية ومع مدعى المعرفة والثقافة، وهى تلك المعارك التى خاضها بشرف كبير، وانتصر فيها انتصاراً ساحقًا.

وفى النهاية، كم كنت أتمنى أن يلقى الأستاذ التكريم المستحق من الدولة المصرية، بإطلاق اسمه على أحد المحاور الرئيسة فى القاهرة أو الإسكندرية، فهو يستحق عن جدارة مثل هذا التكريم، لما قدمه طوال مسيرته العلمية والمهنية فى خدمة مصر الحبيبة. وأتمنىأن يجد هذا المقترح صدى لدى المسئولين فى الدولة المصرية الآن!

مقالات مشابهة

  • 8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين
  • تسليم شحنة من الأدوية العامة من قبل جهاز الإمداد الطبي لعدد من المستشفيات والمراكز الصحية
  • محافظ الجيزة: دعم المستشفيات والوحدات الصحية بـ ٢٨٧ جهازًا طبيًا وعلاجيًا
  • محافظ الجيزة: دعم المستشفيات والوحدات الصحية بـ287 جهازًا طبيًا وعلاجيًا
  • محافظ الجيزة و مساعد وزير الصحة للمشروعات يتابعان الموقف التنفيذي للمنشآت الصحية
  • للتأكد من توافر الاحتياجات الأساسية فيها… القائم بأعمال وزارة الصحة ‏يجري جولة تفقدية على مستشفى الهلال الأحمر ‏
  • مدير الصحة بالقليوبية يتفقد سير العمل في إدارة طوخ ويوجه بالصيانة الدورية للأجهزة الطبية
  • مكتب الصحة في حجة.. جهود حثيثة للارتقاء بمستوى الخدمات الطبية
  • مواطنو شرق النيل يكشفون عن تعرضهم لعمليلت تعذيب من أبناء المنطقة
  • لمتابعة الخدمات الطبية.. مدير إدارة المستشفيات يتفقد مستشفى سفاجا المركزي