تسريبات المساومة: هل التنافس حول تقسيم كيكة السلطة سيصدع جبهة الحرب؟
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
تحدثت التسريبات الصحفية عن اجتماع في منزل رئيس حركة العدل والمساواة في محاولة للاتفاق على الحصول على نسبة 50% من مقاعد الحكومة المقبلة أهمها وزارات: المالية، المعادن، الداخلية والخارجية إلى جانب منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس المجلس السيادي
التغيير: أمل محمد الحسن
“هذه الرسالة يجب أن تصل للخبيثين والخبيثات” في خطاب انفعالي غاضب رد رئيس حركة جيش تحرير السودان مني اركو مناوي على الاتهامات التي طالته رفقة عدد من قيادات الحركات المسلحة التي خرجت من الحياد للقتال في صف الجيش السوداني بمطالبتهم بتخصيص 50% من مقاعد الحكومة إلى جانب مطالبات أخرى تشمل عتادا عسكريا في مقابل عودتهم لمربع الحياد حال عدم الإيفاء!
نفي غاضب
ونفى مناوي بصورة قاطعة، في مخاطبة جماهيرية بندوة في العاصمة الفرنسية باريس، تلقيهم أموالا نظير قتالهم مع الجيش مؤكدا عدم تلقي جنوده مرتبات من حكومة بورتسودان في رده على التسريبات التي قالت إنهم تلقوا مبالغ تصل لـ 72 مليون دولار نظير قتالهم في صف الجيش السوداني.
وكانت التسريبات الصحفية تحدثت عن اجتماع في منزل رئيس حركة العدل والمساواة جبريل ابراهيم في محاولة للاتفاق على الحصول على نسبة 50% من مقاعد الحكومة المقبلة أهمها وزارات: المالية، المعادن، الداخلية والخارجية إلى جانب الحصول على منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس المجلس السيادي مقابل قتالهم في صف القوات المسلحة.
وقالت التسريبات الصحفية إن اجتماعا انعقد قبل شهرين، سبق هذا الاجتماع ضم بجانب رؤوساء الحركات قياداتهم الميدانية قدم مطالب لرئيس مجلس السيادة واجبة النفاذ مشروطه بالاستمرار في القتال أو العودة إلى مربع الحياد، واهمها: 1500 عربة كروزر، 4 مسيرات، 1500 مدفع دوشكا، 1500 قرنوف، 1500 مدفع آر بي جي، 300 بندقية قنص، وهي طلبات لم يرد عليها “البرهان” حتى الآن وفق التسريبات.
الحركات في دائرة الاتهام رفضت الرد على تساؤلات “التغيير“
ولم يرد الناطق الرسمي باسم حركة تحرير السودان على اسئلة “التغيير” حول حقيقة قيام هذا الاجتماع من عدمه، كما لم يرد نور الدائم طه، حركة العدل والمساواة هو الآخر على اسئلة “التغيير” خاصة مع ورود اسمه مقدما للطلبات في الاجتماع المشار إليه سلفا.
تبادل اتهامات
من جانبها أبدت حركة العدل والمساواة السودانية، امتعاضها لما تم تداوله بشأن قبضها رفقة أعضاء في القوة المشتركة، ثمن المشاركة في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، ووصفته بأنه “إدعاء كاذب”.
وقالت في تصريح صحفي أصدره أمين الإعلام الناطق الرسمي د. محمد زكريا فرج الله، إن ما أوردته الصحفية بشأن قبض ثمن المشاركة في “معركة الكرامة” 72 مليون دولار نقداً “إدعاء كاذب لا أساس له من الصحة”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطال الحركات اتهامات بتلقي أموال، وكانت مصدر مطلعة كشفت لـ”التغيير” تلقي قادة الحركات مبالغ طائلة بقيمة ملايين الدولارات كما تلقى القادة الميدانيون الذين انفصلوا عن الحركات التي مازالت في الحياد بقيادة الهادي إدريس والطاهر حجر أموالا ومناصب نظير الانشقاق.
إغراق الساحة العسكرية
التسريبات التي خرجت للإعلام حول مطالبات الحركات المسلحة مقصودة وفق خبير عسكري فضل حجب اسمه هدفها خلق رأي عام يضغط على الحركات، مشيرا إلى حادثة انضمام القائد الميداني الذي قاتل في صف الدعم السريع كيكل للمؤسسة العسكرية الذي قال إنه يقرأ في ذات السياق.
خبير عسكري يتوقع عودة الجبهة الثالثة تمازج لحضن الجيش في الأيام المقبلة
وقال الخبير العسكري لـ”التغيير” إن زيادة عدد التنظيمات المشاركة في “كيكة” الثروة والسلطة ستقلل من الأنصبة المخصصة لحركات دارفور. متوقعا أن تبرز عدد من الحركات المسلحة المدعومة من الجيش والموالية له سرا لمنافسة تكتل حركات سلام جوبا.
وقال الخبير العسكري إنه يتوقع خلال الأيام المقبلة عودة الجبهة الثالثة تمازج لصف القوات المسلحة التي كانت حركات جوبا اتهمت الاستخبارات العسكرية للجيش بتكوينها وقاتلت في الحرب الحالية إلى جانب الدعم السريع.
وأضاف: “ربما تطالب حركات أخرى من شرق السودان بنصيبها في الكيكة!”
تشكيل حكومة
التسريبات التي شملت مطالبات بالسلطة تنبئ عن قرب تشكيل حكومة جديدة في بورتسودان، وهو الأمر الذي قلل منه الناطق باسم حزب التحالف الوطني السوداني شهاب الطيب مشيرا إلى استبعاده تشكيل حكومة أمر واقع في القريب العاجل. وقال الطيب لـ”التغيير” إن المجموعة التي انقلبت على الفترة الاتتقالية في غالبها لا تنظر للتغيير إلا من خلال مكاسبها في السلطة “لذلك انحازوا للعسكر”.
واتهم الناطق باسم التحالف الوطني السوداني الحركات المسلحة بأنها تقود حرب مساومات لاستغلال الحرب الحالية لتكوين الثروات واستغلال نفوذ السلطة في الفساد.
وقال لـ”التغيير” إن هذه المجموعات لا تستند على موقف مرجعي لذلك لن تغادر معسكر الحرب مع الجيش معربا عن توقعه بأن يستغنى عنها الجيش لاحقا.
الناطق باسم التحالف الوطني السوداني: الحركات المسلحة تقود مساومات لاستغلال الحرب الحالية لتكوين الثروات واستغلال نفوذ السلطة في الفساد
اختلف مع الطيب الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم، بكري الجاك الذي قطع بأن أمر تشكيل الحكومة ليس سرا مشيرا إلى حديث قائد الجيش البرهان عن الأمر عدة مرات.
قتال على “جيفة الوطن“
وشبه الجاك ما وصفه بعقلية تقسيم “الكيكة” وقت الحرب بحالة ذئاب تتقاتل على “جيفة الوطن” وهو ينزف وتتقطع أوصاله “هذا بالضبط ما ظل يدور في معسكر الانقلاب الذي خطط ونفذ انقلاب 25 اكتوبر 2021 مؤكدا أن اختلافهم مع الدعم السريع على السلطة كان أحد عوامل اشعال حرب 15 أبريل.
بكري الجاك: الجدل والتنافس حول السلطة حقيقة وليس محض تسريبات وتكهنات
وقطع الجاك بأن الجدل والتنافس حول السلطة حقيقة وليس محض تسريبات وتكهنات “سوف يري الناس ذلك علنا اذا ما مضى البرهان فى لعبة السلطة التى يديرها مع حركات تقاتل من أجل السلطة وكتائب اسلاميين تسعى لاستعادة مجد زائل”.
وقال الجاك لـ”التغيير” إن هذه الخطوة ستكون بداية تقنين تقسيم البلاد بشكل علني و مباشر لأنه من الأرجح أن يقابل الدعم السريع هذه الخطوة بتشكيل حكومة ايضا مؤكدا بأنها ستكون دافعا لاحتدام الصراع داخل معسكر الحرب فى بورتسودان.
وقال: “مثل هذا التنافس على السلطة والناس تموت والبلاد تنزف سيبعدنا عن تحقيق سلام شامل والوصول إلى برنامج تعافي اجتماعي”.
خاتمة
لا شك أن خلافات حقيقية تقف خلف خروج هذه التسريبات على السطح، وعلى الرغم من النفي المغلظ من جانب حركتي مناوي وجبريل إلا أن شواهد مثل مطالبة مناوي سابقا بمقعد في مفاوضات السلام تشير إلى عدم مقاتلتهم في صف القوات المسلحة تحت امرتها، بل مازالوا يقودون حركاتهم ويجندون مزيدا من المستنفرين في صفوفها.
الخلاف الذي أدى لظهور هذه التسريبات لم يلبث أن انتقل لمنصات التواصل الاجتماعي التي انقسمت بين داعمة للحركات المسلحة وبين منقلبة ضدها وواصفة اياها بالانتهازية وهو الأمر الذي لا شك سيؤثر على جبهة الحرب التي على الرغم من كونها تبدو واحدة ومتماسكة لكنها ستنقسم داخليا فور الانتهاء من العدو الذي يواجهها الآن، قوات الدعم السريع.
الوسومالبرهان الجيش السوداني جبريل حركات الكفاح المسلح مناوي
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: البرهان الجيش السوداني جبريل حركات الكفاح المسلح مناوي
إقرأ أيضاً:
اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
"إذ نؤمن بضرورة رفع المعاناة عن كاهل شعبنا والتوصل إلى حلول للأزمة السودانية، تنهي الحرب التي بدأت في الخامس عشر من إبريل 2023، والتي يستلزم وقفُها تكاتف أبناء الشعب السوداني بمختلف مكوناته وانتماءاته. وإذ نقرّ بأن الأزمة السودانية منذ الاستقلال هي أزمة سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية شاملة يجب الاعتراف بها وحلّها حلاً جذرياً. وإذ ندرك أنّ الحرب الحالية قد سبّبت خسائر مروّعة في الأرواح ومعاناة إنسانية لم يسبق لها مثيل، من حيث اتّساع النطاق الجغرافي، وأنها دمّرت البنيات التحتية للبلاد، وأهدرت مواردها الاقتصادية، لا سيّما في الخرطوم ودارفور وكردفان. وإذ نؤكد رغبتنا الصادقة في تسوية النزاع المستمر على نحوٍ عادل ومستدام عبر حوار سوداني/ سوداني، يُنهي جميع الحروب والنزاعات في السودان بمعالجة أسبابها الجذرية، والاتفاق على إطار للحكم يضمن لكل المناطق اقتسام السلطة والثروة بعدالة، ويعزّز الحقوق الجماعية والفردية لكل السودانيين" ... بهذه الديباجة، وأكثر، تبدأ اتفاقية المنامة الموقّعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 20 يناير/ كانون الثاني 2024، وجاءت بعد خمسة أيام من رفض قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأكيده أنه لا حاجة لأيّ تفاوض جديد، بل يجب تنفيذ نتائج قمة "الإيقاد"، التي عُقدت في جيبوتي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، على نحوٍ طارئ لمناقشة حرب السودان. وخلصت إلى التزام من قائد الجيش وقائد "الدعم السريع" بالاجتماع الفوري ووقف الأعمال العدائية.
في خطابه إلى القمة العربية الطارئة، أكد البرهان أن أولوليات حل الأزمة (الحرب) هي الالتزام بإعلان جدّة للمبادئ الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإزالة معوقات تقديم المعونات الإنسانية، وتعقب ذلك عملية سياسية شاملة للتوصل إلى توافق وطني لإدارة المرحلة الانتقالية ثم الانتخابات، لكن في 20 يناير 2024، وفي يوم توقيع اتفاق المنامة الذي وقّعه عن القوات المسلّحة الفريق أول شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش، وعن الدعم السريع "الفريق"(!) عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، الذي حصل مثله ومثل غيره من قادة المليشيات على رتب عسكرية من الجيش السوداني، في اليوم نفسه، جمّد السودان عضويته في منظمة الإيقاد! وتحوّلت المنظمة التي كانت قبل أيام "صاحبة دور مهم في الوصول إلى السّلام" إلى "منظمة الجراد" في الخطابات الشعبوية التي تطلقها السلطة العسكرية.
مرّ اتفاق المنامة من دون ضجيج. وربما لو لم يتسرّب خبر التفاوض الذي أكده بعد ذلك تصريح أميركي، لظلّ الأمر في دائرة الشائعات. رغم الحضور الدولي والمخابراتي في التفاوض.
اتفق الطرفان، في البند السابع من وثيقة المنامة، على "بناء وتأسيس جيش واحد مهني وقومي، يتكوّن من جميع القوات العسكرية (القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح)، ولا يكون له انتماء سياسي أو أيديولوجيّ، يراعي التنوع والتعدّد، ويمثل جميع السودانيين في مستوياته كافّة بعدالة، وينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي"، واتفق الطرفان في البند 11 على "تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 في مؤسسات الدولة كافّة"، أما البند 19 فقد نصّ على "حوار وطني شامل للوصول إلى حل سياسي، بمشاركة جميع الفاعلين (مدنيين وعسكريين)، دون إقصاء لأحد، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية التابعة له وواجهاته، بما يؤدي إلى انتقال سلمي ديمقراطي".
بمقارنة اتفاق المنامة بين الجيش و"الدعم السريع" مع إعلان أديس أبابا الموقّع بين تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية و"الدعم السريع" في 2 يناير 2024 (قبل 18 يوم من توقيع اتفاق المنامة) يصعب فهم إدانة الجيش إعلان أديس أبابا! فالإعلان نصّ على أن التفاهمات الواردة فيه "ستطرح بواسطة تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية لقيادة القوات المسلحة لتكون أساساً للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب"، وهو الحل السلمي نفسه الذي نصّت عليه اتفاقية المنامة قائلة: "نجدّد قناعتنا بأن التفاوض هو السبيل الأفضل والأوحد للتوصل إلى تسوية سياسية، سلمية شاملة للنزاعات والحروب في السودان"، وهو ما أكده قائد الجيش في خطابه إلى قمة "الإيقاد"، قبل أن ينقلب على المنظمة ويجمّد عضوية السودان فيها، مدّة قاربت العام.
... سيبقى ما حدث لغزاً للسودانيين فترة طويلة، ضمن ألغاز أخرى تحيط بهذه الحرب. كيف دار هذا التفاوض؟ لماذا لم يجرِ الإعلان عنه، لماذا وقّع عليه نائبا البرهان وحميدتي ثم تجاهله الجميع؟
نقلا عن العربي الجديد