لجريدة عمان:
2025-02-08@12:20:58 GMT

العمانيون والعناية بالتاريخ والمعرفة

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

العمانيون والعناية بالتاريخ والمعرفة

يعتني العمانيون بتاريخهم كثيرا فهو أحد أهم مصادر بناء هُويتهم الوطنية، ومصدر أساسي في بناء الشخصية العمانية التي تستمد من دروسه وعِبره الكثير من سياساتها ومبادئها وقيمها وترسم عبر فهمه العميق مسارات مستقبلها. وهذا التاريخ بكل مفاخره هو، أيضا، أحد أسباب اتزان سمت الشخصية العمانية واعتدالها.

وهذا ليس استثناء للعمانيين فقط، فكل الشعوب والأمم التي لها تاريخ عريق تستمد منه قيمها ومبادئها وتستعيده في آدابها وفنونها الأمر الذي يعطيها الكثير من الميزات على شعوب أو أمم طارئة ما زالت تبني أبجديات تاريخها لتؤثث به مستقبل أجيالها القادمة بعد عقود أو قرون طويلة.

لكنّ هذا الفخر وذلك الاعتزاز وهذا التمثل الحياتي اليومي للتاريخ العماني بكل مفرداته المادية والمعنوية لا يكفيه وحده للحفظ والاعتناء؛ فالمؤثرات الموازية التي تحيط بنا كبيرة جدا وتملك قوة مرتبطة بالعولمة الاقتصادية والثقافية والثورة التكنولوجية الإعلامية. الأمر الذي يتطلب جهدا نوعيًا أكبر لدراسة التاريخ العماني وقراءته بمناهج مختلفة.

وتملك عُمان اليوم قوة في عمق ذاتها، وفي هُويتها ومفرداتها المستمدة من تاريخها الذي صنعه أبناؤها عبر حقب تاريخية طويلة جدا، ورغم أن هذه القوة من نوع «القوة الناعمة» إلا أنها شديدة الفعالية وقادرة على صناعة حوائط صد ضد أي مد ثقافي خارجي موجه لإحداث تغيرات مقصودة. فقط نحن في حاجة إلى تفعيل مفردات القوة التي نمتلكها. لا أحد يقف ضد التبادل الثقافي والحضاري فهو مصدر قوة؛ واستفادت منه عُمان عبر تفاعلها الإيجابي مع مختلف الحضارات، خاصة الحضارات الشرقية والحضارات الأفريقية.

وتفعيل مصادر القوة العمانية «الناعمة» لا يكون فقط عبر المؤسسات الحكومية، رغم أهمية دورها وأساسيته، ولكن عبر كل أفراد المجتمع وبشكل خاص النخب الثقافية والعلمية المنوط بها بث روح الحياة في كل مفردات التاريخ العماني المحيطة بنا عبر الدراسات التاريخية والآثارية وعبر الروايات الأدبية والسرديات الوطنية وإعادة الشعر ليكون ديوان العرب عبر تمثله للإنسان وفلسفته الحياتية اليومية ومعاناته.. وعبر المسرح، والمسلسلات التلفزيونية. هذا لا يعني أن ينكفئ الجميع في التاريخ، ولكن التاريخ ليس شيئا من الماضي وللماضي، والمعنى الذي نريده للتاريخ ليس هو كل ما حدث في الأمس، ولكن ما نبحث عنه هو كل ما يمكن أن يكون امتدادا لليوم وللغد في سياق معرفي متصل يكسب كل شيء حولنا صلابة وقوة.

أينما تسير في عُمان تجد شواهد التاريخ حاضرة، في القلاع والحصون وفي نظم الأفلاج التي شقها العمانيون لتكون شرايين حياة لحضارتهم، وفي الأضاميم التي تزين «روازن» البيوت، وفي عشرات الآلاف من المخطوطات التي تمتلكها المؤسسات المعنية في الدولة ويتملكها المواطنون في منازلهم ومكتباتهم الخاصة والتي تتناول كل العلوم الدينية والدنيوية: في الفقه والسيرة والعقيدة واللاهوت وفي اللغة والأدب والفلك والطب والفيزياء والكيمياء وفي الفلسفة والتاريخ.. وفي الروحانيات وغيرها من العلوم.. كل هذا فيه ما يمكن أن يكون فعلا حضاريا ممتدا للمستقبل.

وإذا كانت بعض المؤسسات الأكاديمية والبحثية في سلطنة عمان وبعض المؤسسات المعنية بالتاريخ مثل وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة التراث والسياحة وهيئة الوثائق والمخطوطات تعمل بشكل جيد في دراسة التاريخ والتراث العماني فإن الأمر مفتوح الآن في المحافظات لتقوم بدور مشابه يغطي ولو جانبا يسيرا مما في هذه البلاد من خزائن ثقافية ومعرفية تستحق أن تدرس ويكشف عنها وتسهم في بناء الهوية الوطنية وتكرس اعتزاز الأجيال القادمة بعُمانيتهم وبتاريخهم وبما أنتجه أجدادهم من إرث خالد في السياسة والاقتصاد والفلك والتاريخ والعلوم الاجتماعية والطب... وكل المعارف دون استثناء.. وكل هذا يحقق حفظ هذا الإرث ويحوله إلى مادة نبني عليها ونمتد منها إلى المستقبل المشرق دائما.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الأمة العربية.. من القوة إلى الهوان!

كيف وصلنا إلى هذا الحال؟ وما السبيل للخلاص؟

لا يمكن النظر إلى حال الأمة العربية اليوم بمعزل عن سياق تاريخي طويل من الأزمات والتدخلات الخارجية والداخلية التي أضعفتها، حتى باتت تعيش مرحلة غير مسبوقة من التشرذم والتبعية، بعدما كانت قوة يُحسب لها ألف حساب.

أولاً: كيف سقطت الأمة في دوامة الضعف؟

1- سايكس بيكو والاستعمار:

بدأت المأساة مع اتفاقية سايكس بيكو (1916) التي قسمّت العالم العربي إلى كيانات منفصلة، لتُزرع بينهم بذور الخلافات الحدودية والهويات القُطرية، ما أدى إلى فقدان روح الوحدة.

2- اغتصاب فلسطين (1948) والتوسع الصهيوني:

إقامة الكيان الصهيوني لم يكن مجرد احتلال أرض، بل كان بداية لمشروع استعماري طويل الأمد يهدف إلى تفكيك المنطقة ومنع أي مشروع نهضوي عربي. وكان رد الفعل العربي الأولي ضعيفاً، مما أدى إلى توسع الاحتلال وتحويل القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة سياسية بدلاً من كونها قضية مصير عربي مشترك.

3- اتفاقيات السلام والانقسام العربي:

من كامب ديفيد (1978) إلى أوسلو (1993) ووادي عربة (1994)، تحولت القضية الفلسطينية إلى ملف تفاوضي بدلاً من كونها قضية مقاومة، مما مهد لقبول “إسرائيل” كأمر واقع، وأسقط مفهوم المواجهة العسكرية كحل وحيد لاستعادة الحقوق.

4- الربيع العربي:

ثورات تحولت إلى أزمات

اندلعت الثورات العربية عام 2011 تحت شعارات الحرية والكرامة، لكن سرعان ما تحولت إلى فوضى وحروب داخلية، مما أدى إلى انهيار دول مثل ليبيا وسوريا واليمن، وانشغال الدول العربية بمشكلاتها الداخلية بدلاً من توحيد الصفوف.

5- التبعية الاقتصادية والسياسية:

مع تصاعد النفوذ الأمريكي والصهيوني، تحولت بعض الأنظمة العربية إلى وكلاء للغرب، وأصبح القرار العربي مرهوناً بإملاءات خارجية، خاصة مع الضغوط الاقتصادية وملفات الديون والتبعية المالية.

ثانياً: كيف نواجه هذا الواقع؟ المعالجات الاستراتيجية

1- دعم المقاومة العربية كخط دفاع أول:

- المقاومة ليست خياراً بل ضرورة وجودية، فهي الحاجز الأخير أمام المخططات الاستعمارية.

- دعمها ليس دعماً لجماعة بعينها، بل هو دعم للأمة في مواجهة التفكك والانهيار.

2- إنهاء النزاعات الداخلية لدعم العمل العربي المشترك:

كيف يمكن للأمة أن تواجه التحديات الخارجية وهي غارقة في صراعات داخلية تستنزف مواردها؟ الدول العربية المتورطة في حروب اليمن والسودان وليبيا مطالبة اليوم بتحويل تدخلها من أداة صراع إلى عامل استقرار، بما يحفظ سيادة هذه الدول وأمنها واستقرارها، ويمنع استخدامها كأوراق بيد القوى الإقليمية والدولية.

• في اليمن:

دعم حل سياسي شامل ينهي الحرب ويضمن وحدة البلاد واستقلال قرارها بعيداً عن التدخلات الخارجية.

• في السودان:

وقف تغذية الصراع بين الأطراف المتناحرة، ودعم مصالحة وطنية تحفظ وحدة السودان.

• في ليبيا:

دعم جيش وطني موحد وإنهاء حالة الانقسام التي جعلت البلاد ساحة لتصفية الحسابات الدولية.

3- شطب الديون المصرية والأردنية ودعمهما اقتصادياً

بدلاً من ترك مصر والأردن تحت رحمة الضغوط الأمريكية، يجب على الدول العربية شطب ديونهما ودعمهما اقتصادياً وسياسياً، لأنهما يقفان في وجه المخططات التي تسعى إلى إفراغ فلسطين من شعبها وتهجيره إليهما.

4- تعزيز الاستقلال الاقتصادي والسياسي

•إنشاء صندوق عربي موحد لدعم الدول المهددة بالضغوط الاقتصادية.

•تقليل الاعتماد على الغرب عبر مشاريع اقتصادية عربية تكاملية.

•إعادة إحياء مشروع السوق العربية المشتركة لخلق اقتصاد عربي مستقل.

5- إعادة صياغة التحالفات الدولية:

لا تحالف دون ضمانات!

في ظل التحديات الوجودية التي تواجه الأمة العربية، يصبح إعادة صياغة التحالفات الدولية أمراً ضرورياً لكسر الهيمنة الغربية ومواجهة المشروع الصهيوني.

لكن أي تقارب عربي مع إيران وتركيا يجب أن يكون مشروطاً وواضحاً، بحيث يستند إلى المصالح المشتركة للشعوب، وليس إلى أطماع توسعية أو نفوذ بأسم الدين والطائفية.

- على إيران أن تثبت جديتها في بناء علاقات متوازنة مع العرب، بعيداً عن دعم الميليشيات الطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

- على تركيا أن تتعامل مع الدول العربية كشركاء حقيقيين، لا كمجال لنفوذها السياسي والاقتصادي تحت أي غطاء أيديولوجي.

6- استعادة المشروع القومي العربي

•إحياء فكرة القومية العربية كإطار جامع يتجاوز الخلافات السياسية والطائفية.

•تأسيس مجلس أمني وعسكري عربي مشترك، يكون مستقلاً عن أي نفوذ خارجي، ليكون درعاً يحمي المنطقة.

•الاستثمار في الإعلام العربي المقاوم لمواجهة الحرب الدعائية والتضليل الإعلامي الذي يُستخدم لضرب الوعي العربي.

خاتمة: لا خلاص إلا بالوحدة والقوة

ما تعيشه الأمة اليوم ليس قدراً محتوماً، بل نتيجة سياسات خاطئة يمكن تصحيحها، والانهيار الذي وصلنا إليه يمكن أن يكون بداية لصحوة عربية جديدة.

لكن هذا لن يحدث إلا إذا أدركنا أن مصيرنا واحد، وأن المعركة ليست مجرد صراع سياسي أو إقتصادي، بل صراع بقاء ووجود.

فإما أن ننهض ونستعيد قوتنا، أو نبقى أمة تابعة تُفرض عليها الحلول وتُرسم لها الخرائط!

اقرأ أيضاًرسالة من النائب عمرو درويش عبر «الأسبوع» للرئيس السيسي حول قضية التهجير

«اللواء رضا فرحات»: الشعب المصري يدعم «السيسي» ولن يفرط في أرضه تحت دعاوى التهجير

«النائب عمرو درويش»: ثبات موقف الرئيس السيسي أمام ضغوطات التهجير نابع من اصطفاف الشعب المصري خلفه

مقالات مشابهة

  • الأمة العربية.. من القوة إلى الهوان!
  • الدوري العماني الـ11 آسيويا في انتقالات اللاعبين الشتوية بـ170 مليون دولار
  • التاريخ لا يكذب
  • هل يجب عليك شرب الماء الذي بقي طوال الليل؟
  • حَاجَتُنا لـ"ميسـون الكلبيَّة"
  • القطاع العقاري العماني يشهد نموا ملحوظا ودورا محوريا في تنويع الاقتصاد الوطني
  • البنك المركزي العماني يكشف عن مجموعة من المبادرات الرقابية والتنظيمية المبتكرة
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
  • اليمن: «الحوثي» تنفذ أكبر حملة تجنيد للأطفال بالتاريخ الحديث
  • الرئيس الصماد .. القائد الذي حمى وبنى واستشهد شامخا