الاقتصاد السلوكي والسياسات الاقتصادية
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
تحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية دراسة محفّزات الاقتصاد السلوكي ودوافعه في صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية إضافة إلى أثره على مكونات الاقتصاد الجزئي والكلي؛ فالاقتصاد السلوكي يعد مدخلا فاعلا لعلاج السياسات الاقتصادية وصياغتها كونه يجمع بين علمي الاجتماع والاقتصاد، مما يرفع نسبة نجاح السياسة الاقتصادية ويجعلها أكثر تحقيقا للأهداف المخطط لها، ويساعدها على إيجاد معالجات للظروف الاقتصادية التي تؤثر على نجاح السياسات الاقتصادية الناتجة عن أزمات عدة مثلما حدث فترة تفشي جائحة كوفيد19، وأربكت فاعلية السياسة الاقتصادية المتخذة.
وهنا من الجيد أن نعمل على استحداث نظريات اقتصادية تدمج تطبيقات الاقتصاد السلوكي والاقتصاد التقليدي لصنع سياسات اقتصادية فاعلة وتكون مدخلا فاعلا وحيويا لوضع معالجات في حال اتخاذ سياسة اقتصادية لم تحقق المرجو منها أو الأثر المتوقع من اتخاذها؛ حيث إن الاقتصاد السلوكي رغم حداثة ظهوره، إلا أنه بات يمثّل عاملا مهما للدراسات والبحوث الاقتصادية؛ كونه يضع الجانب النفسي والعاطفي في الحسبان عند اتخاذ القرارات ووضع السياسات العامة. وأرى أنه من المهم الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صياغة السياسات عموما خاصة الاقتصادية منها والتحليل الاقتصادي عوضا عن الاعتماد على النظريات الاقتصادية الحالية وآراء الخبراء الاقتصاديين وتجارب الدول الأخرى التي يعتمد على نتائجها واضعو السياسة الاقتصادية؛ لضمان اتساق السياسة الاقتصادية المتخذة مع الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع، أيضا من الجيد مراجعة السياسات الاقتصادية المتخذة وتقييمها بين فترة وأخرى؛ بهدف إيجاد معالجات سريعة لأي تحديات ربما تعترض نجاحها أو فاعليتها، ورغم إيمان البعض بأن النظريات الاقتصادية المعمول بها حاليا في التحليل الاقتصادي عموما وأنها مسلمات غير قابلة للنقاش، إلا أنني أشجّع على الاستفادة من النقاشات حول تعددية المدارس الاقتصادية ونقدها بأسلوب فكري؛ بهدف عدم الانسياق خلف مسلمات في الرؤى والمنطلقات التي يروّج لها بعض الاقتصاديين دون وعي بالأيدولوجيات؛ لظنهم أن المدرسة الاقتصادية بحد ذاتها لا يمكن الحياد عنها أو نقدها أو تحديث النظرية المستندة عليها وإن كان الرأي مبنيا على تجارب دول بعينها في تطبيق سياسة اقتصادية معيّنة؛ لأنني أرى من الصعب إسقاط تجارب دول في تطبيق سياسة اقتصادية لم تظهر نتائجها للعامة أو لم تحقق تطلعات أفراد المجتمع، فالنظريات الاقتصادية حظيت في وقت مضى بتأييد واضعي السياسات الاقتصادية؛ كونها تتناسب مع فترة معينة من الزمن وتتواءم مع متطلبات تلك المرحلة، ومع حالة الفوضى التي يشهدها الاقتصاد بسبب الصدمات الاقتصادية والمتغيرات التي تطرأ عليه وتربك توازنه وتزيد من الغموض أحيانا حول مستقبله لم تعد التحيّزات الفكرية القائمة على نتائج نظريات اقتصادية تقليدية مجدية في وضع يشهد تغيرات على المستوى الفكري والاجتماعي بسبب العوامل المؤثرة على نجاح السياسات العامة، ولست هنا بصدد نقد نظرية بعينها إلا أنني أقترح أن يتم دراسة النظريات الاقتصادية بعمق ومناقشتها؛ بحيث يتم تقييمها وتطويرها وقياس فاعليتها على المستوى العام مع ضرورة الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في استحداث فرضيات واختبارها؛ بهدف الوصول إلى نظرية اقتصادية سلوكية محدّثة لتكون مدخلا فاعلا في صنع السياسات الاقتصادية، وعلاجا للسياسات العامة الحالية في حال عدم فاعليتها؛ بسبب بعض التحديات الاقتصادية المفاجئة مثلما حدث في أزمة انخفاض أسعار النفط عالميا لفترة طويلة، وعمّق الأزمة تفشي كوفيد19 التي زادت من حدة الانخفاض في الأسعار. إن السياسة الاقتصادية الفاعلة لابد أن تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي مع الاستفادة من فرضيات النظريات الاقتصادية الحالية ودراستها بجانب الجوانب العوامل النفسية والعاطفية المؤثرة على اتخاذ القرار المناسب، وأضع مقترحا لاستحداث النظرية الاقتصادية السلوكية لتكون المدخل الأساس في صنع السياسات الاقتصادية عبر تعميق النقاشات في فرضيات الاقتصاد التقليدي ودمجها مع تطبيقات الاقتصاد السلوكي؛ وكون أن الاقتصاد السلوكي بات عنصرا محتملا لنجاح السياسات الاقتصادي؛ فإني أكاد أجزم أنه في حال استحداث النظرية الاقتصادية السلوكية، ووضعها في الحسبان عند التخطيط لإقرار السياسات العامة؛ فاحتمالية نجاح السياسة الاقتصادية سيكون كبيرا؛ لدورها في تحقيق التوازن بين الجانبين الاقتصادي والسلوكي خلال مرحلة التخطيط للسياسة الاقتصادية المحققة لتطلعات أفراد المجتمع والداعمة لتنمية الاقتصاد وتطوّره. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السیاسات الاقتصادیة السیاسة الاقتصادیة السیاسات الاقتصادی السیاسات العامة الاستفادة من
إقرأ أيضاً:
قصر العيني:مؤتمر دولي يبحث سبل الوقاية وعلاج الإدمان وتعزيز السياسات النفسية
شهدت كلية طب قصر العيني جامعة القاهرة، فعاليات المؤتمر السابع عشر لقسم الطب النفسي، والرابع عشر لطب نفسي الأطفال والمراهقين، والذي عُقد بالتعاون مع مفوضية الجامعات الدولية لخفض الطلب على المخدرات، والجمعية المصرية للطب النفسي، واتحاد الأطباء النفسيين العرب، والجمعية العالمية لطب الإدمان.
حضر المؤتمر عدد من الشخصيات البارزة في مجال الطب النفسي محليًا ودوليًا، في مقدمتهم الأستاذ الدكتور ممتاز عبد الوهاب رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، والأستاذ الدكتور مصطفى شاهين الأمين العام لاتحاد الأطباء النفسيين العرب، والأستاذ الدكتور مارك بوتانزا رئيس الجمعية العالمية لطب الإدمان، والأستاذ الدكتور طارق عبد الجواد عضو مجلس إدارة مفوضية ICUDDR، إلى جانب نخبة من أساتذة الطب النفسي من الجامعات المصرية المختلفة وعدد من المتحدثين من الدول الإفريقية والغربية.
جاء المؤتمر تحت رعاية الأستاذ الدكتور حسام صلاح، عميد كلية طب قصر العيني ورئيس مجلس إدارة المستشفيات، الذي ألقى كلمة افتتاحية عبّر فيها عن فخره واعتزازه الكبيرين بقسم الطب النفسي، مشيرًا إلى دوره المحوري في خدمة المجتمع وتحقيق التوازن النفسي، حيث وصفه بأنه ليس مجرد فرع طبي بل أحد الأعمدة الأساسية في بناء مجتمع صحي ومتوازن. وأكد أن الاهتمام بالطب النفسي ضرورة لا يمكن تجاهلها في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المجتمعات، والتي تترك آثارًا مباشرة على صحة الأفراد النفسية.
وقال د. حسام: "أنا دائمًا فخور بما يقدمه قسم الطب النفسي من مبادرات متميزة وسعي دائم نحو التقدم والتميز.وأسعد بما يطرحه المؤتمر من رؤى جديدة لإيجاد بدائل إنسانية لمرضى الإدمان الموقوفين كالعلاج والتأهيل، وهو توجه وطني يستحق كل الدعم. كما أدعو إلى نشر الوعي والثقافة النفسية في أروقة الكلية والمجتمع؛ لأن الصحة النفسية تشكل مفتاحًا لحل الكثير من الإشكاليات اليومية في حياة الأفراد."
وأضاف أن كلية طب قصر العيني تواصل أداء دورها كمنارة تعليمية وعلمية رائدة للقارة الإفريقية، ومركزًا مهمًا للنقاش العلمي على مستوى العالم العربي، موضحًا أن القارة السمراء، رغم إمكاناتها ومواردها، ما زالت في حاجة إلى دعم طبي حقيقي يستوجب تكاتف الجهود والبحث عن حلول واقعية. وفي هذا السياق، أعلن د. حسام عن إطلاق برنامج التعليم الطبي باللغة الفرنسية ليكون جسرًا لدعم أبناء إفريقيا، مؤكدًا أن هدفه الأول هو توسيع نطاق التعليم الطبي وتيسيره.
واختتم كلمته بالتأكيد على أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم وتطوير البحث العلمي، داعيًا إلى تبنّي استراتيجية جامعة القاهرة في هذا المسار، وتحويل الأفكار المبتكرة إلى تطبيقات حقيقية.
من جانبه، رحب الأستاذ الدكتور تامر الجويلي، رئيس قسم الطب النفسي ورئيس المؤتمر، بالحضور الكريم، موجّهًا الشكر إلى عميد الكلية على دعمه المستمر. وأوضح أن المؤتمر هذا العام يركز على دور الجامعات المصرية في تشكيل مستقبل التعليم والبحث العلمي، وتطوير السياسات للحد من تعاطي المخدرات في إفريقيا. وأضاف أن أنماط الإدمان تتغير بشكل سريع، وتتجاوز المواد التقليدية لتشمل الإدمان السلوكي، ما يفرض تحديات جديدة على الأجيال القادمة وعلى طرق التعليم والتربية.
وأكد د. تامر أن على إفريقيا أن تعوّض ضعف الموارد المالية بابتكار حلول فريدة نابعة من ثقافتها الغنية والمتنوعة، وأن هذا المؤتمر فرصة لتبادل هذه التجارب بين القارات، خاصة في مجال الطب النفسي وعلاج الإدمان.
وقد نُظمت فعاليات المؤتمر من خلال عدد من الجلسات وورش العمل والحلقات النقاشية التي تناولت موضوعات الوقاية والعلاج من الإدمان، تطوير البحث العلمي، واقتراح أفضل السبل لتقليل نسب التعاطي، ودعم السياسات والتشريعات المرتبطة بالإدمان.
تكوّن فريق التنظيم العلمي للمؤتمر من الأستاذة الدكتورة علا شاهين، والدكتورة رانيا ممدوح، والأستاذة الدكتورة نجوان مدبولي، والدكتور شريف جوهر، والأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح.
اختُتم المؤتمر وسط إشادة كبيرة من المشاركين بالمستوى العلمي والموضوعات التي تم تناولها، مع التأكيد على أهمية الخروج بتوصيات فعالة قابلة للتطبيق تدعم مجالات الصحة النفسية والإدمان، خاصة في القارة الإفريقية التي تحتاج إلى جهود جماعية ومستمرة في هذا المجال.