جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-21@22:52:34 GMT

دعونا نحتضن طبيعتنا الحيوانية

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

دعونا نحتضن طبيعتنا الحيوانية

 

محمد بن أنور البلوشي

بالتوسع في النقاش الذي بدأه هذا المقال، من الضروري توضيح مواضيعه بشكل أكثر شمولًا. أولًا، يجب توضيح أن نطاق هذا النقاش لا يشمل العمل السينمائي الهندي الأخير "أنيمال" الذي قام ببطولته رانبير كابور، ولا يتناول العالم الأدبي لرائعة جورج أورويل "مزرعة الحيوان" التي كتبت في إنجلترا في عام 1945 المليء بالأحداث.

تعتبر رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل سردًا رمزيًا يعكس الأحداث التاريخية التي أدت إلى الثورة الروسية عام 1917 وظهور النظام "الستاليني" (الزعيم السوفييتي نسبة إلى جوزيف ستالين) في الاتحاد السوفيتي. في صفحات هذا العمل العميق يكمن تعليق مهم حول مخاطر الأنظمة الاستبدادية وتآكل المبادئ الديمقراطية.

عند التأمل في تداعيات الحرب والعنف، التي يجسدها القول المأثور الحزين "الإنسان يقتل الإنسان"، نجد أنفسنا مجبرين على مواجهة جوهر الإنسانية ذاته. ما الذي يميز نوعنا عن بقية المملكة الحيوانية؟ هل فعل قتل الآخر هو بالفعل مؤشر على إنسانيتنا؟

في الواقع، نوعنا مليء بالعديد من الإخفاقات الأخلاقية - الخداع، الازدواجية، والخيانة تملأ علاقاتنا الشخصية. وعلى الرغم من هذه العيوب المتأصلة، لا يزال الكثيرون ينسبون إلى أنفسهم ألقابًا سامية مثل "بطل" و"رجل عظيم"، مبرزين تصوراتهم الذاتية في مواجهة الحقائق القاسية لأفعالهم.

من المثير للاهتمام، أن مملكة الحيوان، ببساطتها، تبدو خالية من هذه المناورات. القرود، الأسود، الماعز، الكلاب، القطط، والثعابين تعمل ضمن عالم لا تمسه تعقيدات الخداع والمناورات السياسية.

ومع ذلك، فإن الادعاء بتفوق الإنسان على الحيوانات بناءً فقط على قدراتنا العقلية أو عاداتنا الغذائية هو اقتراح مثير للجدل. إذا كان هناك شيء ما، فإن ميلنا إلى السلوك المدمر للذات - الذي يشبه مجازيًا "أكل أنفسنا" - يثير التساؤل حول سيطرتنا المزعومة.

التاريخ مليء بأمثلة عن حماقة الإنسان والمجازر، من خنادق الحرب العالمية الأولى إلى دمار الحرب العالمية الثانية، والصراعات الطويلة الأمد في مناطق مثل العراق وسوريا، والتوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. حجم المعاناة الإنسانية لا يقاس، حيث لقي الملايين حتفهم بسبب الإبادة الجماعية والحرب والمضي قدمًا بلا هوادة في الأيديولوجيات.

حاليًا.. تعد مأساة غزة تذكيرًا مؤلمًا بهشاشة الحياة البشرية. حصيلة الشهداء المروعة، التي تجاوزت 42 ألف شخص، تسلط الضوء على الواقع المؤلم للمناطق التي مزقتها الصراعات.

وبالغوص في أصول الإنسانية وعلاقتنا مع مملكة الحيوان، نواجه أسئلة قديمة حيرت الفلاسفة واللاهوتيين على حد سواء. ما الذي يميزنا عن نظرائنا من الحيوانات؟ كيف نقيس تفوقنا، وما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من العالم الطبيعي؟

رائعة "أولاف ستابلدون" الخيالية "الرجال الأوائل والأخيرون"، تقدم سردًا مثيرًا للتفكير حول مسار الحضارة الإنسانية. من خلال أعين أحد أحفاد البشرية البعيدين، نحن مجبرون على التأمل في تطور نوعنا وتداعيات أفعالنا.

لا يمكن إنكار أن براعة الإنسان قد دفعتنا إلى ارتفاعات غير مسبوقة من التقدم التكنولوجي والتقدم الاجتماعي. من المعجزات البنية التحتية مثل الطرق والجسور وناطحات السحاب إلى الابتكارات الرائدة في الذكاء الاصطناعي والطب، إن إنجازاتنا هي شهادة على قدرتنا على الابتكار.

ومع ذلك، إلى جانب هذه الانتصارات، يجب علينا الاعتراف بالجوانب المظلمة من الطبيعة البشرية - استغلال الموارد، استمرار العنف، والسعي المستمر وراء السلطة. كيف إذن يمكننا التوفيق بين هذه الجوانب المتباينة لهويتنا؟

في الختام.. يظل لغز تعريف الإنسانية غامضًا كما كان دائمًا. إذا لم نتمكن من التعبير عما يعنيه حقًا أن تكون إنسانًا، فربما يكون من الأفضل لنا أن نحتذي براءة وبساطة نظرائنا من الحيوانات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السنوار الذي خرج عن السطر

وصف يحيى السنوار مقاتلي غزة بـ«مجانين غزة»، وهذا اللقب لم يأتِ من فراغ؛ فهؤلاء الذين وهبهم الله قوة البأس والشكيمة، الرجال الأشاوس، تظل جذوة نضالهم ومقاومتهم مشتعلة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله كما ورد في الحديث الشريف. وفي قصيدة للشاعر نزار قباني يصف أبناء غزة بـ«مجانين غزة» عندما يقول:

يا مجانين غزة

ألف أهلا بالمجانين إن هم حررونا..

إنّ عصر العقل السياسي ولىّ من زمان..

فعلمونا الجنون.

في مساء الخميس الماضي 17 من أكتوبر 2024م وقد بدأت ساعات المساء تتمدد، بدأ معها خبر بسيط ظهر على شاشات الفضائيات عن احتمالية استشهاد السنوار وبدأ في التداول، كانت الصدمة كبيرة على الكثير من المشاهدين. في هذه الساعات رفعت فيها الدعوات ولهجت الحناجر تضرعًا ودعاء لله ألا يكون ذلك الخبر صحيحًا. لكن السنوار أبى إلا أن ينجز مهمته الأخيرة ويرتقي شهيدًا كما تمنى.

عندما رأيت الشهيد يحيى السنوار ملثمًا جالسًا على الأريكة، ويلقي بعمود خشبي على الطائرة (الدرون) وهو على مشارف الاستشهاد وكأنه يلقيها في عيون أعدائه الصهاينة ومن لفّ لفهم. مشهد مترع وباذخ بالسوريالية والرمزية، خُيّل لي بأن الرجل وبتلك العصا الأيقونة وكأنه متسابق وصل إلى آخر نقطة يقطعها العداء في سباق التتابع، ويستعد ليسلم عصا التتابع للمتسابق القادم ليواصل الركض، وهكذا عندما يرحل مجاهد يستلم الراية غيره ليواصل المسيرة في سباق الجهاد الذي لا ينقطع، ويظل يتوالى ويتناسل إلى أن يصل إلى النهاية والتحرير. في مشهد رمزي يذكرنا بالقادة المسلمين العظام الذين لم تسقط رايتهم فظلت تلك الراية خفاقة عالية في وجوه الأعداء فمن زيد إلى جعفر ومنه إلى عبدالله بن رواحة إلى أن أخذها خالد بن الوليد. لم تكن في الحقيقة إلا راية يلقيها ليتلقفها أشبال فلسطين ومقاوموها لتظل جذوة المقاومة مشتعلة إلى أن يقيض الله لها من يفتح بها فلسطين وبيت المقدس.

السنوار الذي قال في مقابلة له مع صحيفة إيطالية: «أنا مش عاوز حصار ولا طالب حرب بس هاد مش معناته أني مش راح أقاتل، بس تمشي وقت الغروب على البحر بتشوف الشباب والصبايا قاعدين يتحدثوا بتساءلوا كيف شكل العالم وراء هالبحر أنا بدي أحررهم».

يحيى السنوار الرجل الذي تصفه إسرائيل (بالحي الميت) اعتقادًا منها بأنه ميت لا محالة وستقضي عليه مهما طال الوقت لذلك تعرض منزله للقصف مرتين في عام 1998 و2004م.

يقول السنوار في مقابلة مع إحدى القنوات: «أقول لك ولأمتنا أن مجانين غزة لديهم من المخزون الثوري ما سيوقف كل المؤامرات، وسيوقف كل المتآمرين ولدينا من الاستعداد والتضحية ما لا يمكن لأحد تصوره».

عندما نستقرئ سيرة الرجل يتبدّى الكثير من الغموض لنا ويتبين أن الخروج عن السطر كان يعني الكثير في حياة المناضل. كان لشهر أكتوبر معنى في حياته، ولد في 29 أكتوبر 1962م في مخيم خان يونس، وأفرج عنه في أكتوبر 2011م وأطلق طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م واستشهد في 16 من أكتوبر 2024م. محكوم عليه بأربعة مؤبدات بالإضافة إلى 25 عاما أخرى.

خرج عن السطر وهو الرجل والقائد السياسي والعسكري ورئيس حركة حماس وبحكم منصبه كان الأولى له أن يقود المعركة، كما يفعل غيره من السياسيين والعسكريين من قمرة القيادة في غرفة عمليات محصنة تحرسها جيوش جرارة، لكن الرجل خرج عن السطر فتواجد في الميدان يقاتل في قلب المعركة حتى آخر رمق من حياته. الرجل قضى فترة اعتقاله في السجون الإسرائيلية التي زادت عن (24) سنة فخرج عن السطر بتعلمه اللغة العبرية ومتابعة الدراسات والتقارير المكتوبة بالعبرية عن الوضع الإسرائيلي بالداخل وتعلم ثقافتهم وقرأ كثيرًا عن تركيبة الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية والمخابراتية»، كان مدمنا على القنوات الإسرائيلية» كما يصف ذلك مسؤول كبير في السجن. السنوار فهم العقلية الإسرائيلية حتى آمن له الإسرائيليون، يذكر أحد سجانيه قوله: «لقد قرأ كتبًا عن شخصيات إسرائيلية مثل فلاديمير جابوتنسكي، ومناحيم بيجن، وإسحاق رابين، لقد قام بدراستنا من الأسفل إلى الأعلى».

خرج عن السطر إذ استثمر وجوده في السجن عندما استطاع أن يدرس رفاقه النحو والصرف. مثل خروجه عن السطر فلم يستكن في السجن إذ قاد إضرابات ومفاوضات مع الإسرائيليين ربح فيها وخسر أيضًا. خرج عن السطر فلم يكن سجينًا عاديًا عندما عمل على الترجمة والتأليف فترجم كتاب (الشاباك بين الأشلاء) لكرامي جيلون، وكتاب (الأحزاب الإسرائيلية) عام ١٩٩٢. ألف كتاب (المجد) يرصد فيه عمل جهاز الشاباك. وكتاب (حماس التجربة والخطأ) يتناول تجربة حماس وتطورها، وفي عام 2004 أصدر رواية (الشوك والقرنفل) تحكي تجربة النضال الفلسطيني منذ عام 1967.

خرج عن السطر عندما كان المفاوض الأول في السجون قيّض الله له أعداءه الإسرائيليين وخوفًا على حياته تسارعوا لعلاجه من وضع صحي صعب ألمّ به عندما حطت مروحية في مهبط السجن لتنقله إلى المستشفى للعلاج، كاد أن يفقد حياته قبل أن ينقذه أعداؤه.

خرج عن السطر بصفاته الاستثنائية، فالرجل براجماتي صاحب قرار، لا يتكلم كثيرًا ولا يظهر إلا نادرًا يملك مهارات قيادية عالية، وله تأثير على من حوله، لكنه كان حاد الطباع، وشديدا وقاسيا في الجوانب الأمنية والتنظيمية، وحذرا جدا. منتصب القامة كان يمشي مرفوع الهامة. أسس جهاز (مجد) المعني بتتبع العملاء ثم تحول الجهاز إلى تتبع ضباط المخابرات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وشارك في تأسيس الجناح العسكري لحماس.

يقول عنه سجّانوه هو دائم النشاط والحركة لا تراه جالسًا في السجن رياضي، يفكر دائمًا ومشغول. وتقول عنه جريدة فاينانشيال تايمز: «إن القراءة الخاطئة لشخصية السنوار شكلت مقدمة لأكبر فشل استخباراتي لإسرائيل، مشيرة إلى أن زعيم حماس أصبح شخصية أسطورية داخل قطاع غزة». التقى في سجن (هداريم) الإسرائيلي مع المناضل أحمد سعدات والقائد المناضل مروان البرغوثي فعملوا معًا على تقريب وجهات النظر والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

خرج عن السطر؛ لأنه حاول مرتين الهروب من السجن، مرة حين كان معتقلا في سجن المجدل بعسقلان والثانية في سجن الرملة، في سجن المجدل تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، وعندما لم يتبق سوى القشرة الخارجية للجدار انهارت وكشف أمره فعوقب بالسجن الانفرادي، وفي الثانية في سجن الرملة استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك ويجهز حبلًا طويلًا، لكنه كشف أمره وفشلت المحاولة.

خرج عن السطر في استشهاده، وكذّب الأساطير الإسرائيلية التي تنسج حوله، وكذب بذلك الصهاينة وآلتهم الخبيثة إذ لم يكن كما روجوا له مختبئا في نفق ولا متواريًا بعيدًا ولم يحط نفسه بالأسرى الإسرائيليين، ولم يكن في أحد الفنادق يدير المعركة من بعيد، كان الرجل فوق الأرض يتحرك بكل حرية. تمنى أن يقدم له هدية أن يغتاله، وأن يفضي إلى الله شهيدًا، يُفضل أن يستشهد بطائرة (إف 16) على أن يموت بكورونا أو جلطة أو بحادث طريق أو بطريقة أخرى مما يموت به الناس. هو إذن كما أراد وتمنى يغادر مرتديًا بدلته العسكرية حاملًا بندقيته، مشتبكًا مع العدو.

خرج عن السطر لشكل مقتنياته الخاصة التي وجدت معه؛ فهي بحق تليق بقائد مناضل وهي لا تتعدى أذكارًا نبوية يومية ومسبحة وساعة يد وحلوى بسيطة يسد بها رمقه، وشريط لاصق ومبلغ بسيط جدًا. إضافة إلى سلاحه كلاشينكوف ومخزني رصاص وجعبة عسكرية وأدوات عسكرية.

يرحل مهندس طوفان الأقصى، ويخط السطر الأخير في صفحة من كتاب النضال، ويرحل كما رحل قادة مناضلون عظام قبله تاركًا وراءه جذوة مشتعلة لا تهدأ ولا تخفت. رحيله لم يزد (مجانين غزة) إلا قوة وثباتا وإقداما.

مقالات مشابهة

  • السنوار الذي خرج عن السطر
  • مدرب أرسنال: دعونا نرد بقوة بعد «هزيمة بورنموث»
  • التسامح في الإسلام من أعظم القيم الإنسانية
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي في لبنان؟
  • ما الذي نعرفه عن مؤسسة القرض الحسن التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي بلبنان؟
  • المشروع الوطني لتحصين الثروة الحيوانية يسهم في مكافحة الأمراض المعدية والوبائية بظفار
  • وزير الزراعة يستعرض خطط تنمية الثروة الحيوانية والداجنة وتشجيع الاستثمار
  • وزير الزراعة يستعرض جهود الإصلاح التشريعي وخطط تنمية الثروة الحيوانية والداجنة
  • منطقة الحدود الشمالية تحتضن أكثر من 7 ملايين رأس من الثروة الحيوانية وتُسهم في دعم الأمن الغذائي الوطني