جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-29@06:32:20 GMT

دعونا نحتضن طبيعتنا الحيوانية

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

دعونا نحتضن طبيعتنا الحيوانية

 

محمد بن أنور البلوشي

بالتوسع في النقاش الذي بدأه هذا المقال، من الضروري توضيح مواضيعه بشكل أكثر شمولًا. أولًا، يجب توضيح أن نطاق هذا النقاش لا يشمل العمل السينمائي الهندي الأخير "أنيمال" الذي قام ببطولته رانبير كابور، ولا يتناول العالم الأدبي لرائعة جورج أورويل "مزرعة الحيوان" التي كتبت في إنجلترا في عام 1945 المليء بالأحداث.

تعتبر رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل سردًا رمزيًا يعكس الأحداث التاريخية التي أدت إلى الثورة الروسية عام 1917 وظهور النظام "الستاليني" (الزعيم السوفييتي نسبة إلى جوزيف ستالين) في الاتحاد السوفيتي. في صفحات هذا العمل العميق يكمن تعليق مهم حول مخاطر الأنظمة الاستبدادية وتآكل المبادئ الديمقراطية.

عند التأمل في تداعيات الحرب والعنف، التي يجسدها القول المأثور الحزين "الإنسان يقتل الإنسان"، نجد أنفسنا مجبرين على مواجهة جوهر الإنسانية ذاته. ما الذي يميز نوعنا عن بقية المملكة الحيوانية؟ هل فعل قتل الآخر هو بالفعل مؤشر على إنسانيتنا؟

في الواقع، نوعنا مليء بالعديد من الإخفاقات الأخلاقية - الخداع، الازدواجية، والخيانة تملأ علاقاتنا الشخصية. وعلى الرغم من هذه العيوب المتأصلة، لا يزال الكثيرون ينسبون إلى أنفسهم ألقابًا سامية مثل "بطل" و"رجل عظيم"، مبرزين تصوراتهم الذاتية في مواجهة الحقائق القاسية لأفعالهم.

من المثير للاهتمام، أن مملكة الحيوان، ببساطتها، تبدو خالية من هذه المناورات. القرود، الأسود، الماعز، الكلاب، القطط، والثعابين تعمل ضمن عالم لا تمسه تعقيدات الخداع والمناورات السياسية.

ومع ذلك، فإن الادعاء بتفوق الإنسان على الحيوانات بناءً فقط على قدراتنا العقلية أو عاداتنا الغذائية هو اقتراح مثير للجدل. إذا كان هناك شيء ما، فإن ميلنا إلى السلوك المدمر للذات - الذي يشبه مجازيًا "أكل أنفسنا" - يثير التساؤل حول سيطرتنا المزعومة.

التاريخ مليء بأمثلة عن حماقة الإنسان والمجازر، من خنادق الحرب العالمية الأولى إلى دمار الحرب العالمية الثانية، والصراعات الطويلة الأمد في مناطق مثل العراق وسوريا، والتوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. حجم المعاناة الإنسانية لا يقاس، حيث لقي الملايين حتفهم بسبب الإبادة الجماعية والحرب والمضي قدمًا بلا هوادة في الأيديولوجيات.

حاليًا.. تعد مأساة غزة تذكيرًا مؤلمًا بهشاشة الحياة البشرية. حصيلة الشهداء المروعة، التي تجاوزت 42 ألف شخص، تسلط الضوء على الواقع المؤلم للمناطق التي مزقتها الصراعات.

وبالغوص في أصول الإنسانية وعلاقتنا مع مملكة الحيوان، نواجه أسئلة قديمة حيرت الفلاسفة واللاهوتيين على حد سواء. ما الذي يميزنا عن نظرائنا من الحيوانات؟ كيف نقيس تفوقنا، وما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من العالم الطبيعي؟

رائعة "أولاف ستابلدون" الخيالية "الرجال الأوائل والأخيرون"، تقدم سردًا مثيرًا للتفكير حول مسار الحضارة الإنسانية. من خلال أعين أحد أحفاد البشرية البعيدين، نحن مجبرون على التأمل في تطور نوعنا وتداعيات أفعالنا.

لا يمكن إنكار أن براعة الإنسان قد دفعتنا إلى ارتفاعات غير مسبوقة من التقدم التكنولوجي والتقدم الاجتماعي. من المعجزات البنية التحتية مثل الطرق والجسور وناطحات السحاب إلى الابتكارات الرائدة في الذكاء الاصطناعي والطب، إن إنجازاتنا هي شهادة على قدرتنا على الابتكار.

ومع ذلك، إلى جانب هذه الانتصارات، يجب علينا الاعتراف بالجوانب المظلمة من الطبيعة البشرية - استغلال الموارد، استمرار العنف، والسعي المستمر وراء السلطة. كيف إذن يمكننا التوفيق بين هذه الجوانب المتباينة لهويتنا؟

في الختام.. يظل لغز تعريف الإنسانية غامضًا كما كان دائمًا. إذا لم نتمكن من التعبير عما يعنيه حقًا أن تكون إنسانًا، فربما يكون من الأفضل لنا أن نحتذي براءة وبساطة نظرائنا من الحيوانات.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإنسانية تفقد أخلاقها ..أطـــــــــــفال غـــــــــزة (الرضع) يتجمدون حتى الموت

الثورة / افتكار القاضي

ما أقسى الموت الذي يتسلل بردًا وصقيعًا ليخطف الأطفال الصغار والرضع بعد أن حول أجسادهم الهزيلة الشاحبة إلى قطع متجمدة، في ليل بارد من ليالي شتاء غزة، حيث الخيام لا تدفئ ولا تقي من نزلة البرد والصقيع الذي يتغلغل إلى العظام، وحيث الحياة مستحيلة العيش وسط كل ما يحدث، ولا شيء حتى الآن يغير الحال، ولا قوة تتحرك لوقف حرب الإبادة الوحشية، والحصار المطبق، ولا حيز للأمان في تلك البقعة الصغيرة التي حولها الاحتلال إلى مكان غير صالح للحياة.

ثلاثة أطفال رضع ماتوا خلال يوم واحد بسبب البرد الشديد وموجة الصقيع، حيث لم تحتمل أجسادهم الضعيفة والصغيرة برد الشتاء القاسي في خيمة تفقد كل مقومات العيش، ولا أغطية كافية، يتضورون جوعا، ولا احد يرحمهم، بعد أن فقدت الإنسانية أخلاقها وقيمها .

ما ذنبهم؟

أطفال رضع يتجمدون حتى الموت، وذنبهم أنهم ولدوا في غزة، التي تعيش كل فصول الدمار والخراب والإبادة، والوحشية والجنون، منذ ٤٤٨ يومًا، وأضحى ما تبقى من خيام النازحين مهترئة وممزقة، ومراكز الإيواء تحولت إلى أماكن موبوءة .

يموت الأطفال الرُضع في غزة بردًا، في صورة مفجعة يراها العالم ويتقبلها بكل برود ولا يحرك ساكنا، رغم أن المشهد يتمزق له كل قلب ينبض ..سيلا الفصيح، عائشة القصاص، وثلاثة آخرون من الأطفال الذين ماتوا، حيث تجمدت أجسادهم بردًا، وهم لايزالون في الأيام والأسابيع الأولى من العمر، ماتوا بسبب الصمت المخزي والعمى الذي أصاب ضمير العالم الذي تجرد من كل قيم الإنسانية، أمام الأهوال العظيمة التي تعيشها غزة .

لفظوا أنفاسهم بردا وجوعا

الطفلة سيلا محمود التي، تبلغ من العمر 3 أسابيع، تجمدت حتى الموت في مخيم النازحين بمنطقة المواصي في خان يونس جنوب قطاع غزة، أمام أعين والدتها ومن بقي من أسرتها دون أن يستطيعوا أن يعملوا لها شيئا يبقيها على قيد الحياة.

وأظهرت لقطات لـ«سي إن إن» من إحدى الساحات في المواصي جسد سيلا الصغير ملفوفاً بأكفان بيضاء، ووالدها محمود البالغ من العمر 31 عاماً، يحتضنها.

وقالت والدتها، ناريمان: «ماتت سيلا من البرد، كنت أقوم بتدفئتها واحتضانها، لكن لم تكن لدينا ملابس إضافية لتدفئتها».

وفي مستشفى ناصر في خان يونس، قال الدكتور أحمد الفرا – رئيس قسم طب الأطفال والتوليد في المستشفى إن طفلين آخرين توفيا خلال اليومين الماضيين – يبلغان من العمر ثلاثة أيام وشهر واحد – بسبب شدة البرد وعدم القدرة على الوصول إلى مأوى دافئ.

وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت الخميس الماضي وفاة 4 أطفال حديثي الولادة بسبب البرد وانخفاض درجات الحرارة.

وقال مدير وحدة حديثي الولادة في مجمع ناصر الطبي الدكتور عايد الفرا: إن هؤلاء الأطفال كانوا في غاية الهشاشة نظرا لولادتهم المبكرة، مما جعلهم عرضة بصفة خاصة لانخفاض درجات الحرارة.

نقص حاد في درجة الحرارة

وأضاف الفرا أن المستشفى يستقبل يوميا 5 إلى 6 حالات من انخفاض درجة حرارة الجسم لدى الأطفال حديثي الولادة تحتاج جميعها إلى تدخّل فوري.

وأمام هذه الفاجعة التي تضم إلى جملة المآسي والأهوال التي تعيشها غزة ..قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني: إن أطفال غزة يتجمدون حتى الموت بسبب البرد ونقص المأوى.

وأوضح لازاريني في تغريدة عبر حسابه بمنصة “إكس” أن الأغطية والإمدادات الشتوية، ظلت عالقة منذ أشهر في انتظار الموافقة على دخولها إلى غزة.

ودعا لازاريني إلى وقف فوري لإطلاق النار في القطاع، والسماح بدخول الإمدادات الأساسية المطلوبة بشدة، بما في ذلك الموجهة للاستجابة للحاجة التي يفرضها فصل الشتاء القاسي، وأوضح أن طفلاً واحداً في غزة يستشهد كل ساعة.

 

مقالات مشابهة

  • الإنسانية تفقد أخلاقها ..أطـــــــــــفال غـــــــــزة (الرضع) يتجمدون حتى الموت
  • ما الذي يحمي الدول من السقوط؟
  • في اليمن.. ما الذي يدفع إسرائيل الى الجنون..! 
  • محافظ المنيا يستعرض جهود الطب البيطري لتعزيز الثروة الحيوانية والداجنة
  • أعمال هاني حوراني.. ملامح الإنسان التي تتقاطع مع ملامح المدينة
  • الجزيرة ترصد الأوضاع من موقع الكمين الذي تعرض له عناصر الأمن السوري
  • فؤاد: الإيطالي بالبو هو المسؤول الوحيد الذي خدم ليبيا بحق ووطنية
  • تطور الذكاء الاصطناعي في 2025.. ما الذي يُمكن توقعه؟
  • "وحش لندن".. قاطع أجساد النساء الذي ظهر قبل جاك السفاح
  • 6 وكلاء جدد لمعاهد البساتين والقطن وأمراض النباتات والصحة الحيوانية بـ البحوث الزراعية