دعونا نحتضن طبيعتنا الحيوانية
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
محمد بن أنور البلوشي
بالتوسع في النقاش الذي بدأه هذا المقال، من الضروري توضيح مواضيعه بشكل أكثر شمولًا. أولًا، يجب توضيح أن نطاق هذا النقاش لا يشمل العمل السينمائي الهندي الأخير "أنيمال" الذي قام ببطولته رانبير كابور، ولا يتناول العالم الأدبي لرائعة جورج أورويل "مزرعة الحيوان" التي كتبت في إنجلترا في عام 1945 المليء بالأحداث.
تعتبر رواية "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل سردًا رمزيًا يعكس الأحداث التاريخية التي أدت إلى الثورة الروسية عام 1917 وظهور النظام "الستاليني" (الزعيم السوفييتي نسبة إلى جوزيف ستالين) في الاتحاد السوفيتي. في صفحات هذا العمل العميق يكمن تعليق مهم حول مخاطر الأنظمة الاستبدادية وتآكل المبادئ الديمقراطية.
عند التأمل في تداعيات الحرب والعنف، التي يجسدها القول المأثور الحزين "الإنسان يقتل الإنسان"، نجد أنفسنا مجبرين على مواجهة جوهر الإنسانية ذاته. ما الذي يميز نوعنا عن بقية المملكة الحيوانية؟ هل فعل قتل الآخر هو بالفعل مؤشر على إنسانيتنا؟
في الواقع، نوعنا مليء بالعديد من الإخفاقات الأخلاقية - الخداع، الازدواجية، والخيانة تملأ علاقاتنا الشخصية. وعلى الرغم من هذه العيوب المتأصلة، لا يزال الكثيرون ينسبون إلى أنفسهم ألقابًا سامية مثل "بطل" و"رجل عظيم"، مبرزين تصوراتهم الذاتية في مواجهة الحقائق القاسية لأفعالهم.
من المثير للاهتمام، أن مملكة الحيوان، ببساطتها، تبدو خالية من هذه المناورات. القرود، الأسود، الماعز، الكلاب، القطط، والثعابين تعمل ضمن عالم لا تمسه تعقيدات الخداع والمناورات السياسية.
ومع ذلك، فإن الادعاء بتفوق الإنسان على الحيوانات بناءً فقط على قدراتنا العقلية أو عاداتنا الغذائية هو اقتراح مثير للجدل. إذا كان هناك شيء ما، فإن ميلنا إلى السلوك المدمر للذات - الذي يشبه مجازيًا "أكل أنفسنا" - يثير التساؤل حول سيطرتنا المزعومة.
التاريخ مليء بأمثلة عن حماقة الإنسان والمجازر، من خنادق الحرب العالمية الأولى إلى دمار الحرب العالمية الثانية، والصراعات الطويلة الأمد في مناطق مثل العراق وسوريا، والتوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا. حجم المعاناة الإنسانية لا يقاس، حيث لقي الملايين حتفهم بسبب الإبادة الجماعية والحرب والمضي قدمًا بلا هوادة في الأيديولوجيات.
حاليًا.. تعد مأساة غزة تذكيرًا مؤلمًا بهشاشة الحياة البشرية. حصيلة الشهداء المروعة، التي تجاوزت 42 ألف شخص، تسلط الضوء على الواقع المؤلم للمناطق التي مزقتها الصراعات.
وبالغوص في أصول الإنسانية وعلاقتنا مع مملكة الحيوان، نواجه أسئلة قديمة حيرت الفلاسفة واللاهوتيين على حد سواء. ما الذي يميزنا عن نظرائنا من الحيوانات؟ كيف نقيس تفوقنا، وما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من العالم الطبيعي؟
رائعة "أولاف ستابلدون" الخيالية "الرجال الأوائل والأخيرون"، تقدم سردًا مثيرًا للتفكير حول مسار الحضارة الإنسانية. من خلال أعين أحد أحفاد البشرية البعيدين، نحن مجبرون على التأمل في تطور نوعنا وتداعيات أفعالنا.
لا يمكن إنكار أن براعة الإنسان قد دفعتنا إلى ارتفاعات غير مسبوقة من التقدم التكنولوجي والتقدم الاجتماعي. من المعجزات البنية التحتية مثل الطرق والجسور وناطحات السحاب إلى الابتكارات الرائدة في الذكاء الاصطناعي والطب، إن إنجازاتنا هي شهادة على قدرتنا على الابتكار.
ومع ذلك، إلى جانب هذه الانتصارات، يجب علينا الاعتراف بالجوانب المظلمة من الطبيعة البشرية - استغلال الموارد، استمرار العنف، والسعي المستمر وراء السلطة. كيف إذن يمكننا التوفيق بين هذه الجوانب المتباينة لهويتنا؟
في الختام.. يظل لغز تعريف الإنسانية غامضًا كما كان دائمًا. إذا لم نتمكن من التعبير عما يعنيه حقًا أن تكون إنسانًا، فربما يكون من الأفضل لنا أن نحتذي براءة وبساطة نظرائنا من الحيوانات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مضى هذا الوفيّ الشجاع ، الذي جسد كل قيم النُبل
من حيث رأيته….
عاش ملء السمع والبصر ، ملأ الدنيا و شغل الناس ، لكنه كان يملك من الثقة في نفسه ما كان يجعله لا يهتم بحاسديه ولا يهمل ناقديه ولا يرحم خصومه ولا يفقد اصدقائه ..
خاض الكثير من المعارك ، لأجل ما يؤمن انه حق ، كان وفياً لاصدقائه حد إلا حد ، يدافع عنهم ويصلهم ويتفقدهم .
اختلف حوله الناس ،، وغضب منه الإسلاميون وهو القريب منهم ، وحاربه اليساريون فلم ينكسر لهم ، بذّ مجايليه وقرنائه ، ولم يقعده كلام الناس عن ما كان يؤمن به ، كان يحب الشُطار يبحث عنهم ويرعاهم ..لم يهزمه المرض فقد صارعه بجسده الواهن ، وبنفسه الشجاعة والمؤمنة فلم يستسلم له ، ولم يخف من الموت فيجلس حزيناً خائفاً ينتظره .
انه فقدي الكبير اليوم ، فقدي وفقد زوجي عمنا الفاتح عروة ، كان حبيباً لنا قريباً منا ناصحاً لنا ..اكتب من زاوية رأيتها وتعاملت معها لسنوات تجاوزت ربع قرن، وقد عرفنا به الشهيد إبراهيم شمس الدين – زاوية ربما لا يراها الكثيرون ، ولا يتفقون معي ، لكني رأيت عمو الفاتح الإنسان الشجاع ، والشيخ الهميم ، والصديق الوفي ، والعقل الكبير ، والقلب الحاضر ، والذاكرة المتقدة .
زاوية عرفت منها معنى ان تكون انساناً متوازناً ، وكيف تكون قدرات الإنسان الذكي ، ور أيت فيها هذا الوطني المتبتل في محراب عشقه لبلاده .، كان الحوار معه مفيداً والنقاش معه يفتح الأفق ويوسّع المدارك .. كان مدرسةً من نوع خاص .
كان نسج وحده بين السودانيين ، جيله واجيال بعده وقبله ، كان محل الكثير من الإشاعات والقصص من الفلاشا إلى العمالة إلى غيرها ، فلم يقعده ذلك ، ولم يغتر بان الكثيرين يرونه كبطل وفارس ، ويتذكرونه بانبهار وطائرته تنزل بمِلِس زيناوي في أديس أبابا ،صانعاً اللحظة الفارقة في تاريخ إثيوبيا بالقضاء على نظام منقستو هايلي مريام ، معلنةً بداية صفحة جديدة ، ومازال الإثيوبيون يحفظون له هذا الصنيع ، ومازال شخصية يحكي أبناء زيناوي بحب وتقدير رفيع ، كما تفعل صديقتي سماهل زيناوي كبرى بنات الرئيس الراحل .كان ضابطاً متميزاً وطموحاً ، ورجل استخبارات واسع العلاقات يملك شبكة واسعةً من المعارف ، كان يهوى الطيران وطياراٌ ماهر ، حاول إقناعي عدة مرات بالحصول على رخصة طيران ، وأنه سيساهم معي في تكلفتها ، كان زوجي يضحك ويقول له طيران شنو دي بترمي الطيارة !! وكنت أقول يا عمو الفاتح انت شايف ما عندي وقت ! وكان يصر عليّ إلا اسمح للمشغوليات ان تحرمني مني أنا ، لا تسمحي للعمل العام ان يأخذ عمرك ولا تجعليه مهنة .
تحاورنا عن المغزى من تسجيلاته في الأشهر الماضية ، ياعمو الفاتح انت بتحب المعارك ، وكفاية كثيرون حكموا عليك في دينك ووطنيتك ، فلا تجعلهم يزيدون أحكامهم عليك حكماً ، أنا بيني وبينهم الله ، وكان يملك الشجاعة ليقول أنا عارف إني في كل يوم اقترب من الموت خطوات ، دعيهم فأنا عاوز أقول شهادتي للتاريخ ! للأجيال الشابة… للمستقبل ، ليتعلموا من اخطائنا ويبنوا على بنياننا .
يا عمو الفاتح انت بتقول رأيك من زاوية انت واقف فيها ، لكن هناك زوايا أخرى لم ترها ، خلي الشاهد على زاوية أخرى يطلع بشجاعة ويقول الحقيقة من زاويته ، ما أقوله انا ويقوله فلان وإلا علان ، يخدم الأجيال والتاريخ بانه يصنع صورة كاملة ، ثم يضحك ويقول هم لا يملكون الشجاعة ، ليس لأنهم مخطئون بل لان هولاء الشهود يخشون قول الحقيقة في زمن مفصلي ، بدعوى أنهم لم يعتادوا في التنظيم على ذلك !
رأيته قبل اشهر في منزل صديق لنا دعاه عنده فطلب منه مناداتنا زوجي وانا ، كان ينادي زوجي “بالِدش” ولديه اعتقاد جازم بصدق رؤاه ويصر على رأيه بانه اختبر ذلك في الجنوب ، في ذلك اليوم وجدته مرهقاً ، ولكنه ما زال ذاك المحارب ، يرفض ان يساعده احد في حركته ، كنت معه حتى ركب السيارة ، كنت انظر اليه وأصغي السمع له ، وكنت اعلم في دواخلي أني لن أراه !!
كان يفترض ان يسجل تسجيلاً اخيراً ، يضع فيه بعض النقاط على الحروف ، ويملأ بعض الفراغات ، ويسمي بعض الأسماء !إلا ان الموت وصل اليه وانتهى هذا السباق المرهق ، وفاز المنون .
مضى هذا الوفيّ الشجاع ، الذي جسد كل قيم النُبل ، إلى ربه ، ” أنا ما خايف من الموت ، ولكني احمد الله على كل يومٍ افتح فيه عيناي” !
اللهم ارحم عبدك الفاتح عروة فقد أتاك كيوم أوجدته ، فقيراً إليك محسناً الظن بك .. اللهم اكرمه كرماً تطمئن به نفسه ويعلو به مقامه …
سناء حمد العوض سناء حمد