جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-12@10:31:37 GMT

هدية المعرس

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

هدية المعرس

 

جابر بن حسين العُماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

عُرِفَ المجتمع العُماني بعاداته وتقاليده الأصيلة التي كانت ولا تزال متجذرة في أبنائه الكرام، الذين يسعون دائمًا لتعزيز الروابط الاجتماعية والأسرية، والتي منها إظهار التضامن والتلاحم والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد، ومن مظاهر التضامن الاجتماعي الملحوظة في المجتمع العُماني، هو التكافل الاجتماعي الذي يتخذ أشكالًا ومسميات مختلفة.

ويتجلى التكافل الاجتماعي في المجتمع العُماني بشكل كبير، ولا سيما في المناسبات الاجتماعية والأسرية، ومنها مناسبات الأعراس، حيث تظهر عوامل التكاتف والتضامن والتكافل بأفضل صورها الاجتماعية والأسرية، وذلك بهدف مشاركة العريس فرحته وسعادته، من خلال تقديم كافة أنواع الدعم المعنوي والمادي، حتى لا يشغل العريس عقله وفكره بتكاليف الزواج، حيث يقوم المجتمع برجاله ونسائه بمد يد العون والمساعدة للعريس وإهدائه هدية تعينه في حياته الزوجية وتخفف عنه أعباء الحياة الباهظة، فيتحمل المجتمع شيئًا من احتياجات العريس والتي تتمثل في أمرين مهمين، وهما كالآتي:

الأول: الدعم المالي؛ حيث يجتمع الأهالي والأقارب والأصدقاء والجيران وأبناء المجتمعات المجاورة، وبدعوة كريمة من صاحب المناسبة لحضور مراسم حفل الزفاف، وتُقام مراسم الزواج العُمانية المختلفة، ومنها قراءة المولد أو ما يُعرف بفن الهوامة، وكذلك اصطحاب العريس إلى حوض كبير من الماء بهدف الاستحمام، وهو ما يُسمى بـ"تسبوحة المعرس"، ثم وضع الطبق المستدير أو الطاولة المستديرة التي تُجمع عليها الهدايا المادية؛ حيث ينادي أحدهم بأسماء المتبرعين بالهدايا كل بحسب استطاعته، وتسجيل أسماء المتبرعين وقيمة ما تبرعوا به؛ حيث تصل التبرعات في بعض المحافظات العُمانية إلى عشرات الآلاف، مما يتيح للعريس السعيد تغطية تكاليف زواجه بشكل متكامل والاستمتاع بشهر عسل سعيد ومريح خارج بلاده بصحبة شريكة حياته، كما يقوم العريس بتسديد ديونه واحتياجاته بقيمة تلك الهدايا، وهذه العادة الطيبة والمباركة كانت ولا تزال متجذرة منذ عهد الآباء والأجداد وعرفت بمسميات مختلفة، ففي بعض المحافظات الكبيرة مثل محافظة صلالة، تسمى بـ "المغبور"، وفي مُحافظة الباطنة تسمى بـ"هدية المعرس"، وفي ولاية عبري عرفت بـ"العينية".

إلّا أنه ومن المؤسف في عصرنا الحالي بدأت هذه العادة في بعض الولايات بالانقراض، وقد يكون ذلك بسبب الظروف الاقتصادية؛ مما جعل البعض غير قادر على تقديم الهدايا المالية في مناسبات الزواج والاكتفاء بالمباركة والمشاركة بالحضور، وهو مما يثقل كاهل العريس ويجعله يتحمل لوحده نفقات الزواج الباهظة بهدف إقامة حفل الزواج.

الثاني: الدعم المعنوي، وقد عُرف المجتمع العُماني بالوقفات المعنوية في الأعراس، وهناك وقفات تُنمي الوعي الاجتماعي، فهدية العريس لا تعني دفع المال فقط، وإنما هناك موارد أخرى وهي عبارة عن مهام يسعى من أجلها أفراد المجتمع العُماني لإسعاد العريس، وتشمل تلك المهام المعنوية الحضور إلى مناسبة الزواج، والمساعدة في تقديم الطعام والقهوة والحلوى العُمانية، واستقبال الضيوف، وتنظيم المكان وتنظيفه، وتوفير ما يخص كشخة العريس من العمامة والسيف والخنجر، وتقوم كذلك النساء بتقديم الهدايا للعروس وذلك بقراءة الأهازيج والأناشيد وتقديم باقات الورد والحلويات والروائح الطيبة.

وتحظى هدية العريس في المجتمع العُماني بأهمية بالغة، فهي تعزز من أواصر المحبة والمودة والترابط والتعاون بين شرائح المجتمع المختلفة، لذا ينبغي الاهتمام بتجديدها وتفعيلها في المجتمعات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الشباب حاليًا، ومن الضروري تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، وذلك من منطلق الواجب الأخلاقي الذي حثنا عليه ديننا الحنيف، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (المائدة: 2)، وقال نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا، فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالضَّغَائِنِ‏»، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «الهَدِيَّةُ تورِثُ المَوَدَّةَ، وتُجَدِّدُ الأُخُوَّةَ، وتُذهِبُ الضَّغينَةَ».

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة

#سواليف

بعد سلسلة طويلة من #الاعتداءات والتضييق وملاحقة #المقاومين في كتائب شمال الضفة الغربية من قِبل #السلطة_الفلسطينية، في الثالث والرابع من ديسمبر\كانون الأول 2024، قامت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية باعتقال الأسيرين المحررين عماد جمال أبو الهيجا وإبراهيم الطوباسي على التوالي.

وهما من عائلتين قدّمتا كلّ رجالهما #شهداء و #أسرى، واحتجاجًا على ذلك، صادر مقاومون من #كتيبة_جنين مركبتين تابعتين لأجهزة أمن السلطة من مقر المخابرات العامة في صباح الخامس من ديسمبر\كانون الأول 2024، وسرعان ما اقتحمت أجهزة أمن السلطة محيط مخيم جنين، واندلعت الاشتباكات المسلحة؟

44 يومًا من حصار السلطة الفلسطينية لمخيم جنين للقضاء على مجموعات المقاومة ومحاربة الحاضنة الشعبية، فقامت بإطباق #الحصار على كافة مداخل المخيم، وإعلان عدوان تام استخدمت فيه كافة أساليب التعذيب والاعتقال والقتل والإجرام بحق أهالي المخيم.

مقالات ذات صلة تفاصيل الاعتداء على الطالب أدهم في مدرسة خادم الحرمين 2025/03/11

بعد 44 يومًا من عدوان السلطة الفلسطينية، بدأ عدوان الاحتلال على المخيم،/ في ظهيرة يوم الثلاثاء، الحادي والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، وقع انفجار ضخم ناتج عن قصف #جيش_الاحتلال لساحة المخيم، بالتزامن مع تعزيزات لقوات الاحتلال من حاجز الجلمة، وتواجد قوات خاصة في حي الهدف، بينما السلطة تطلق رصاصها على حي الدمج، واندلعت اشتباكات مسلحة بين الكتيبة وجنود الاحتلال. وكان من أوائل الشهداء الذين ارتقوا في القصف الشهيد #خليل_السعدي. 

الشهيد خليل طارق السعدي، 34 عامًا، شقيق الشهيد عمر السعدي، الابن الأكبر لعائلته التي فقدت قبله ابنها الأصغر شهيدًا.

الشهيد خليل السعدي وشقيقه الشهيد عمر السعدي

ارتقى خليل بعد إصابته في موقع القصف الذي استهدف ساحة المخيم في الحادي والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، أي قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية الثانية لارتقاء شقيقه عمر السعدي الذي ارتقى في التاسع والعشرين من يناير\كانون الثاني 2023.

وتروي والدته عن لحظات ارتقائه، فتقول إنه استيقظ على خبر وجود القوات الخاصة داخل المخيم، فخرج خلف منزلهم الكائن في ساحة المخيم ليرى ويتتبع ما يجري، وسرعان ما تم قصف المكان، فأصابته شظية صغيرة في رأسه وارتقى. وكان قد أخبر ابن خاله سابقًا قائلًا: “إذا بستشهد في قصف يا رب يضل جسمي مثل ما هو”، فكان له ما تمنى.

كان خليل ذا شخصية هادئة، قليل الكلام، كثير الحنان والعطاء، ويحمل مسؤولية العائلة. عانى من الاعتقال في #سجون_الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، إذ تم اعتقاله عام 2014 في سجون الاحتلال، وعام 2017 في سجون السلطة، وبعد ارتقاء شقيقه عمر، أصبح أكثر انغلاقًا على نفسه، يحمل في قلبه غضبه وثأره.

وفي محاولة لتضميد جراح العائلة وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، اختارت والدة خليل عروسًا له. لكن حتى في فرحه وزواجه كان يعاني بسبب وجود الاحتلال، إذ كان من الصعب الاجتماع. خطيبته تونسية وهو مقيّد بمنع السفر الذي فرضه عليه الاحتلال. لكنه لم ييأس، وبدأ بتجهيز المنزل الذي قام ببنائه رفقة شقيقه عمر.

بعد ما يقارب أربعة أشهر، شنّ جيش الاحتلال قصفًا صاروخيًا على مخيم جنين في الخامس والعشرين من أوكتوبر\تشرين الأول 2023، مما أدى إلى ارتقاء ثلاثة شهداء، أحدهم الشهيد الشبل محمد قدري. انفتق جرح روحه وتضاعف ألمه فقد كان قدري بمثابة ابن له يعتني به، يرافقه كظله يساعده في أعماله ولا يتفارقان، فكان فقدانه كسرًا لروحه. وكلما رأى صديقين معًا، ضاقت روحه لفقدان صديقه وخليله، وتذكّر “حمود”.

الشهيد خليل السعدي رفقة الشهيد محمد قدري

ثم قتل الاحتلال عمّه، الشهيد محمود السعدي، وابن عمّته الشهيد الطفل أشرف السعدي وتم احتجاز جثمانه. كل هذا الألم والفقد انعكس على جسده وصحته. وفي الرابع والعشرين من سبتمبر\أيلول 2024، قام جنود الاحتلال بإحراق منزله وتخريب محتوياته، كما قاموا بتدمير مكان عمله، إذ كان لديه متجر للألعاب الإلكترونية، ثم أثناء عدوان السلطة على المخيم، استخدمت عناصرها المنزل كثكنة عسكرية وأطلقت قذائف “آر بي جي” نحو المخيم. 

فيما تروي ندى، خطيبة الشهيد، عن العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة، وتقول: في الليلة السابقة لارتقائه قال لها: “أنا زي ما اخترتك بالدنيا، راح اختارك بالجنة”. الفتاة التي اختارتها والدته لتكون ابنة ثالثة لها، كان قد اختارها قلبه لتكون عروسه.

الشهيد خليل السعدي رفقة عمه الشهيد محمود السعدي

ندى، ابنة تونس التي تحدّت الواقع والمسافات والعوائق، خرجت من تونس تاركة خلفها أهلها ودراستها وعملها وأحلامها، تتبع قلبها. مكثت في الأردن لتقلل المسافات وتسهّل الطريق. ولم ييأس هو من محاولة إزالة منع السفر عنه، وبعد عام ونصف من الخطوبة وانتظار اللقاء، تمكّن من إزالة منع السفر والخروج إلى الأردن للقائها. وكان هذا اللقاء الأول والأخير. 

قبل يومين من ارتقائه، شعر أنهما لن يجتمعان. وكما في كل ليلة، قام ليصلي قيام الليل، وكان يحرص على ركعتين يدعو فيهما أن يسهّل الله أمر هذا اللقاء، وأن يرزقه الله عمرة في بيته الحرام. وفي الحديث عن زفافه، كان يقول إنه سيكتفي بوليمة غداء عن أرواح الشهداء.

وكان يتجهز للذهاب إلى الأردن وعقد قرانه على خطيبته حتى يتمكن من تسهيل أمر دخولها إلى فلسطين وإقامة هذا الزفاف. حدّد الموعد ليكون في الثامن والعشرين من يناير\كانون الثاني 2025، لكنه ارتقى قبل أسبوع واحد وزُفّ إلى الجنة.

كان خليل شابا يحمل في قلبه أحلاماً جميلة لحياة عادية، هادئة، يشاركها مع من يحب، في مخيمه وبين أهله، لكن الاحتلال سلب منه سنوات من شبابه في السجون لا يعرف فيها سوى القهر والتعذيب، وأخذ منه شقيقه وعمّه وأبناء عمومته ورفاقه شهداء وأسرى، وحال دون اجتماعه بمن أحبّها قلبه واختارها شريكة لحياته.

الاحتلال لم يترك له أي مجال لتحقيق أحلامه، وعاث خرابًا في مخيمه ليتركه في حالة من الفقدان المستمر، يعاني هو وأهله من آلام لا تُحتمل
في أيامه الأخيرة ضاقت روحه وتعب جسده وتراجعت صحته بسبب الحصار المتواصل على المخيم، فكان يردد باستمرار: “متى نرتاح؟” والألم بادياً في صوته، حتى نال الراحة الأبدية بالاستشهاد وصعد نحو وجه الله، هناك حيث لا ظلم ولا قهر، لا ألم ولا فقد، لا مرض ولا نصب ولا تعب، هناك حيث يثيبه الله الأجر.

تمكنت العائلة من مواراته الثرى ودفنه بعد 13 يومًا من ارتقائه، بسبب استمرار عدوان الاحتلال على المخيم. وتم دفنه دون تشييع، مجرد وداع صغير من عائلته. وبسبب قيام جنود الاحتلال بإجبار أهالي المخيم على النزوح، توجهت عائلة الشهيد إلى منزل ابنتهم الكائن في مدينة طوباس.

فقامت عناصر السلطة باقتحام المنزل واعتقال زوج ابنتهم ناصر صوافطة بسبب إيوائه لأهل الشهيد، وأفرج عنه بعد أسبوع. فيما تم اعتقال ابنهم عدي السعدي واتهامه بحيازة السلاح ولم يتم الإفراج عنه حتى الآن. 

أجهزة أمن السلطة لم تكتفِ بهذا بل طال العذاب كل أهالي المخيم، أثناء حصارهم للمخيم قامت عناصرهم بنشر القناصة على أسطح المباني المحيطة، واستهداف المنازل بالرصاص دون الاكتراث لمن بداخلها.

كما عملت على تفكيك العبوات التي قام المقاومون بإعدادها مسبقًا لمواجهة الاحتلال، وقطع الكهرباء والماء عن المخيم، ومنع إدخال الغذاء والدواء، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية لسكان المخيم، واستنزاف المقاومين وذخيرتهم، واستنزاف الأهالي والحاضنة الشعبية، لكسر التفافهم حول المقاومين.

بالإضافة إلى ذلك، شنت حملات اعتقال طالت المئات من الشبان، وقتلت عددًا من المقاومين والأهالي داخل المخيم. كما أحرقت العديد من المنازل، واقتحمت المشافي، واختطفت المصابين من على أسرّتهم أثناء تلقيهم العلاج، ولم تسلم الطواقم الطبية من الاعتقالات، حيث تم اختطاف المسعفين والأطباء الذين كانوا يعالجون الجرحى.

هذه العائلة التي قدمت اثنين من ابنائها شهداء، بعد أن تجرع أربعتهم مرارة الاعتقال على مدار سنوات، وقدموا مصدر رزقهم ومنازلهم في سبيل الله، دون ندم أو تردد، بل بفخر واعتزاز، في سبيل الله وفداء للمخيم وشبانه المقاتلين وأهله الطيبين، هذه واحدة من مئات العوائل في المخيم التي قدمت ابنائها وكل ما تملك في سبيل الله، طوبى لهم ولصنيعهم ولدماء أبنائهم.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة بنها: حريصون علي تعزيز مفهوم التكافل الاجتماعي
  • تنمية المجتمع – أبوظبي تنظِّم الخلوة الاستراتيجية للقطاع الاجتماعي 2025 في الإمارة
  • العريس الذي كان يتجهز لزفافه لكنه زُفّ إلى الجنة
  • أبوظبي.. تنظيم الخلوة الاستراتيجية للقطاع الاجتماعي 2025
  • الشيخ أحمد كريمة: الزواج الثاني حق لكل رجل دون تقديم مبررات
  • نائب رئيس قطاع التمكين الاجتماعي بحياة كريمة: قافلة السعادة تقدم الدعم لنحو 25 ألف مستفيد |شاهد
  • مجلس الوزراء يعتمد قرارات بشأن منظومة الدعم والتمكين الاجتماعي
  • مفتي الجمهورية: العزوف عن الزواج أزمة أخلاقية تهدد المجتمع
  • ترامب يشترط على زيلينسكي تقديم تنازلات لاستئناف الدعم العسكري
  • التكافل الاجتماعي واستقرار المجتمعات وقوتها